سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عز الدين أقصبي: مهندسو الانتخابات يتحملون مسؤولية كبيرة في الانحرافات الحالية الاقتصادي المغربي قال ل« المساء »: أتمنى أن تكون حسابات المرشحين موضوع تمحيص حقيقي
تحدث العديد من الملاحظين والتقارير الصحفية والفاعلين السياسيين عن استعمال غير مسبوق للمال في الانتخابات الجماعية الأخيرة، وفي هذا الحوار، مع الاقتصادي المغربي، عزالذين أقصبي، نحاول الوقوف على قراءته لحجم هذه الظاهرة في المغرب وتداعياتها على تدبير الشأن المحلي في المغرب والجهود الرامية إلى محاربة الرشوة فيه. - الأستاذ عز الدين أقصبي، في رأيكم هل استعمال المال خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة هامشي مقارنة بما سجل خلال الانتخابات التي عرفها المغرب منذ أن انخرط في هذا المسلسل؟ < الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة لم تنخرط في مراقبة الانتخابات الجماعية في هاته السنة. غير أنها أنجزت مع المنظمة غير الحكومية المتخصصة DRI دراسة حول الإطار المنظم لهذه الانتخابات. وقد لاحظت المنظمتان أن ثمة بعض التقدم، خاصة في ما يتصل بالانفتاح على مشاركة النساء. غير أن الدراسة لاحظت العديد من الثغرات، سيما في ما يتعلق بغياب الإطار القانوني الذي يتيح التنظيم المستقل لمراقبة الانتخابات، وكذلك نقائص حقيقية تهم مراقبة المال الذي ينفقه المرشحون. وتوصلت الدراسة إلى 21 توصية كفيلة بتحسين الإطار الديمقراطي وشروط شفافية إجراء الانتخابات. وفي هذا السياق، طلب من وزارة الداخلية الإعلان بسرعة عن مجمل النتائج المفصلة، عبر الأنترنيت مثلا. وفي علاقة بهذه النقطة، أعلنت وزارة الداخلية خلال اجتماع رسمي عن أن النتائج المفصلة سيعلن عنها بعد 48 ساعة من الاستحقاقات. غير أن هذا الالتزام لم يحترم، فحتى اللحظة الراهنة لم تعرف تلك النتائج المفصلة، ومن الصعب طمأنة المواطنين حول مالاحظوه بأنفسهم، خاصة في مكاتب التصويت في المدن، مقارنة بمتوسط نسبة المشاركة المعلن عنها. وفي غياب هذه المعطيات، يصعب على المحللين السياسيين والباحثين إنجاز تحليل رصين ودقيق للخارطة السياسية والمشاركة (باحتساب الأوراق البيضاء). تصعب مقارنة استعمال المال في هذه المرة مع الانتخابات السابقة، لأنه كان يتوجب التوفر على ملاحظات مماثلة، تستند على منهجيات مقارنة، وهذا غير متوفر. بإمكان المواطنين، الآن، ملاحظة أن الانتخابات الحالية عبأت المال وعرفت تدفقات مالية مهمة. عموما، لم تعد الانتخابات شأنا يهم المناضلين،إذ أسندت إلى « أجراء مؤقتين» ووسطاء: فقد أصبحت أكثر مسألة مال. وغالبا ما ينفق المرشحون ووكلاء اللوائح، في أغلب الحالات، ملايين الدراهم في جميع مراحل المسلسل، وهذا لا يمت بصلة إلى السقف القانوني المحدد في 50 ألف درهم. في المرحلة الثانية لتكوين مكاتب الجماعات المحلية، تشير العديد من الشهادات التي تأتي من ملاحظات الجمعيات وأعضاء الأحزاب ومنتخبين والعديد من الحالات التي تعكسها الصحافة، إلى وجود سوق كبير مفتوح لشراء والتفاوض حول الأصوات. فقد أصبحت الانتخابات شأنا يعني الأعيان (شبكات لها امتدادات مافيوية وشبه مافيوية) ومسألة مال. وبالتالي ليس مفاجئا أن يعبىء هؤلاء الناس «طاقاتهم وهندستهم» في إطار المجالس الجماعية من أجل استعادة المال الذي أنفقوه، والحصول على مردودية «استثمارهم»، بمناسبة مثلا، تفويت الصفقات العمومية وتدبير العقار. - كيف تفسرون مسألة استعمال المال في الوقت الذي يلح الفاعلون على ضرورة تخليق الحياة السياسية؟ < تابعت تدخلات العديد من الأحزاب السياسية عبر التلفزيون، خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة، وكذلك خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2007. وعند الاستماع إلى العديد من التدخلات تكون لدي الانطباع بأنني أوجد أمام مناضلين أو منظمات مناوئة للرشوة، ما دام الخطاب ركز على النزاهة ومحاربة الرشوة وترسيخ الشفافية. غير أنه، للأسف، هذا الخطاب ببساطة، هو للاستهلاك التلفزي. وعموما، يتحكم في الممارسة السياسية السماسرة والشناقة. وما يجري الآن بمناسبة تكوين مكاتب الجماعات يغني عن كل تعليق. - ألا تعتقدون أن استعمال المال أصبح عاملا بنيويا راسخا في الثقافة المغربية وأنماط التنشئة السياسية؟ < لا أشاطرك التفسير عبر العامل الثقافي. المغاربة، كما غيرهم من الشعوب، يتطلعون إلى مؤسسات محترمة، فعالة ومسيرة من قبل أشخاص نزهاء. هم يسعون إلى جماعات نظيفة وتؤمن نظافة مدننا وقرانا وتوفر تجهيزات تربوية ورياضية في المستوى. لكن أنا متفق معك في ما يتعلق بالعوامل البنيوية التي تزج بنا في هذا الانحراف ذي المخاطر غير المحسوبة، نتيجة إسناد مؤسساتنا للوبيات الكبيرة، خاصة اللوبي العقاري، وسيادة المال. يكمن التفسير في رأيي المتواضع، في أن أولئك الذين يملكون سلطة القرار في بلدنا تحكم فيهم دائما هاجس واحد: ضرورة التحكم في النخب والأحزاب والمؤسسات. وانطلاقا من هذا المبدأ تمت بلورة هندسة انتخابية حتى لا تلعب أية قوة سياسية أو مؤسسة دورا مهما أو ذا معنى. فتشتت الجميع وخضوعهم للمخزن هو القاعدة، وهو الهدف الذي توظف من أجله العديد من الأدوات. فالاقتراع النسبي ووكلاء اللوائح والاقتراع في دورة واحدة وإضعاف الأحزاب السياسية وخلق أحزاب أخرى بطريقة «الكوكوت مينوت».. وإتاحة امتيازات والتلويح بمصالح والريع واستعمال الرشوة.. تلك أدوات أصبحت حاسمة في المراقبة السياسية والمؤسساتية. لنتصور انتخابات في دورتين ولنتخيل انتخابا مباشرا لرئيس الجماعة. آنذاك لن نكون أمام مساومات وابتزازات تسخر فيها الملايين من الدراهم ويختفي خلالها مستشارون وتشكل فيها تحالفات بدون قواسم مشتركة وغير مستقرة. لقد تم النيل من مصداقية المؤسسات في أعين المغاربة. فهل تستطيع جماعات مكونة ضمن هذه الشروط حل مشاكل النظافة والطرق وتهيئة المدن والنقل إلخ.. فمثل هذا التطلع من قبيل المعجزة، ومع ذلك يجب التصدي للمشاكل الحقيقية التي تعرفها المدن والقرى، على الأقل لاعتبارات الأمن الجماعي. ويتحمل مهندسو الانتخابات الحالية والدولة مسؤولية كبيرة في تهميش المؤسسات والانحرافات الحالية وتداعياتها في الحاضر والمستقبل. - في رأيكم ماهي تداعيات الوضعية التي شخصتموها على تدبير الشأن المحلي؟ < المكاتب الجماعية مكونة من «أعيان من طينة جديدة»، تصعب مراقبتهم من قبل أحزابهم،، سيعملون على استعادة المال الذي أنفقوه وتدعيم المصالح أكانت عقارية أو غيرها (تجب الإشارة إلى أن 90 في المائة من الأسر المستطلعة آراؤهم في إطار بحث بارومتر 2009 اعتبرت أن الرشوة في العقار مشكل حقيقي إلى خطير). الصحافة عكست أحاديث بعض «المنتخبين» الذين طلبوا مقابل تصويتهم على هذا الرئيس أو ذاك، حماية مصالحهم في النقل الحضري، استعادة نفقاتهم الانتخابية وانتزاع وعد بالحصول على أراض أو تجزئات إلخ.. أما معالجة مشاكل المواطنين، فمسألة ثانوية مع الأسف. - يبدو أن المغرب يجد صعوبة في الخروج مما تسمونه الوضعية الوبائية للرشوة؟ < هذا صحيح، لأنه حتى على هذا المستوى هناك بون شاسع بين ما تم التصريح به والإعلان عنه رسميا وبين الممارسة على الأرض. رغم العديد من الخطب القوية لرئيس الدولة التي تحث على محاربة الرشوة، فإن مختلف المشاريع التي يأتي على رأسها المخطط الحكومي لمحاربة الرشوة وإصلاح العدالة.. تجد صعوبة في تطبيقها. ما حدث خلال الانتخابات الأخيرة والفضائح الكثيرة التي أثارتها الصحافة وغياب المتابعة التي يفضحها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره، يدفع إلى الشك في إرادة محاربة الرشوة. وعموما الأفعال هي التي تغذي الإرادة والمصداقية. هل ستعمد الدولة إلى تفعيل مؤسسات المراقبة؟ هل ستستعمل القوانين حول التصريح بالممتلكات؟ أتمنى أن تكون حسابات المرشحين والأحزاب السياسية – الأحزاب التي نشأت بسرعة والتي عبأت أموالا كثيرة – موضوع تمحيص حقيقي ومتابعة حسب الاختلالات الملاحظة. أتمنى، كذلك، أن يعجل بنشر المراسيم التطبيقية المتعلقة بالقوانين حول التصريحات بالممتلكات، وأن تطبق على المنتخبين الخارجين منهم والجدد. هل سنشهد تعبيرا ملموسا على إرادة محاربة الرشوة؟