إضراب جديد يشل محاكم المملكة    ألمانيا تنتقد إغلاق إسرائيل قناة "الجزيرة"    بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله    لأول مرة.. تاعرابت يحكي قصة خلافه مع البرازيلي "كاكا"    تسجيل بقوة 2.5 درجات على سلم ريشتر بإقليم تاونات    مبادرة التنمية البشرية تمول 4174 مشروعا بأكثر من ملياري درهم بجهة طنجة    رحلة شحنة كوكايين قادمة من البرازيل تنتهي بميناء طنجة    فيلم "أبي الثاني" يحصد جل جوائز مسابقة إبداعات سينما التلميذ بالدار البيضاء    المغرب يحتضن الدورة 16 للبطولة الإفريقية للدراجات الجبلية    حماة المال العام: "حفظ طلبات التبليغ عن الجرائم من شأنه أن يوفر الحصانة لمتهمين متورطين في مخالفات جنائية خطيرة"    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عسكري رابع بقصف "كرم أبو سالم" من طرف كتائب القسام    المنسق الوطني للجنة الوطنية لطلبة الطب ل"رسالة24″: لم نتلق أي دعوة رسمية من رئيس الحكومة بعد …    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    إسبانيا.. إحصاء أزيد من 21 مليون عامل ما يعد رقما قياسيا    حضور متميز للسينما المغربية في مهرجان طريفة- طنجة للسينما الإفريقية    الذهب يصعد وسط توترات الشرق الأوسط وآمال خفض الفائدة في أمريكا    منيب: المجال الفلاحي بالمغرب بحاجة لمراجعة شاملة ودعم "الكسابة" الكبار غير مقبول    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    الدوري الإسباني .. النصيري يواصل تألقه    متجاوزا الصين واليابان.. المغرب يصبح المورد الرئيسي للاتحاد الأوروبي في قطاع السيارات    المغرب يفتتح خط طيران جديد مع جزر الكناري خلال موسم الصيف    ‮«‬حلف ‬شمال ‬إفريقيا‮»‬ ‬بديلا ‬للاتحاد ‬المغاربي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تفاصيل جديدة حول عملية نقل "درب عمر" إلى مديونة    هزة أرضية بنواحي مدينة وزان    بعشرات الصواريخ.. حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية في الجولان    أسعار النفط العالمية تعود إلى الارتفاع    الدورة الأولى من مهرجان مشرع بلقصيري للسينما    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من "منصة الجونة السينمائية"    "الثّلث الخالي" في القاعات السينمائية المغربية إبتداء من 15 ماي الجاري    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    بعد الاتفاق الاجتماعي.. مطالب بالزيادة في معاشات المتقاعدين    فيدرالية ارباب المقاهي تنفي الاتفاق على زيادة اثمان المشروبات وتشكو ارتفاع الأسعار    وزير الدفاع الإسرائيلي لنتنياهو: حنا للي مسؤولين على إعادة الأسرى والمقترح المصري مزيان    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    الموت يغيّب الشاعر محمد حنكور "الهواري" أيقونة الشعر الأمازيغي.. هذه قصة حياته وموعد الجنازة    يهم نهضة بركان.. الزمالك المصري ينهزم قبل مباراة نهائي كأس "الكاف"    بطولة اسبانيا: بيتيس يعزز حظوظه بالمشاركة القارية    يجب على الإسرائيليين إغراق الشوارع لمنع عملية رفح – هآرتس    عنف المستوطنين يضيق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، و دول غربية تتصدى بالعقوبات    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    الأرشيف المستدام    العفو الملكي    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسابقات الحمام الزاجل في العراق سلام طائر فوق الأرض الملتهبة
تربية الحمام الزاجل هوس مزمن لا شفاء منه
نشر في المساء يوم 27 - 08 - 2009

رغم دوي الانفجارات وأزيز الرصاص الذي نادرا ما يهدأ في بغداد، لا يزال أهلها يدأبون على ممارسة هواياتهم القديمة المعطرة بعبق الماضي، تلك الهوايات التي لا تزال محتفظة ببريقها رغم تعاقب السنوات عليها وعلى عشاقها الذين يوارثوها جيلا بعد جيل بشيء من الفخر والهوس المزمن، ومن أجمل تلك الهوايات وأكثرها أسرارا هواية تربية الحمام الزاجل التي تحولت بفعل عشاقها إلى رياضة يمارسها العراقيون على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية، ولها نواد متخصصة في تنظيم السباقات وإقامة المزادات لبيع الحمام النادر والأصيل، إذن كيف تتم تربية وتدريب هذا النوع من الحمام، وكم تتراوح أسعاره؟ وما أسرار هذه الهواية؟ وكيف يتم إجراء السباقات في العراق؟ أسئلة يحاول التحقيق التالي الإجابة عليها.
هوس مزمن
للبحث عن المربين المحترفين والمخضرمين، يتوجب علينا أن نقصد سوق الغزل في بغداد الذي لا ينطبق اسمه على ما يباع فيه، فلم نرى صوفا ولا مغزلا بل شاهدنا أنواعا من الحيوانات الأليفة والمفترسة تباع وتشترى من قبل هواة وعشاق تربية الحيوانات، إلا أن حصة الأسد كانت لرواد سوق الحمام، ونخبة عشاق الحمام هم مربو الحمام الزاجل الذين قصدنا أماكن تواجدهم في إحدى زوايا السوق لنلتقي الحاج إبراهيم صاعقة راقبناه عن بعد، وهو يتفحص أقفاص الحمام بنظرة ثاقبة باحثا عن شيء ما، ويجوب أرجاء سوق الحمام بهمة شاب غض، رغم تجاوزه السبعين بقليل، استوقفناه مستفسرين:
> منذ متى وأنت تهتم بتربية الحمام الزاجل؟
منذ حوالي ثمانية وخمسين عاما وعلاقتي بالحمام تعدت مرحلة العشق والاهتمام لتصل إلى مرحلة هوس مزمن، حتى إن اسمي اقترن بالحمام إلى الأبد، فاسم صاعقة هو اسم حمامة زاجل كنت أمتلكها وفازت بأكثر من بطولة خلال سنة واحدة ولا يزال أحفادها يحصدون البطولات، لذا يلقبني المربون بإبراهيم صاعقة.
(منطق الرجل جعلني أشعر بأنني أحدث أكثر من مربي حمام وهذا ما اتضح لي بعد أن عرفت أنه مدرس علوم متقاعد).
> عماذا كنت تبحث في أقفاص الحمام؟
كنت أبحث عن نوع عريق من الحمام الزاجل البابلي يساعدني في استخراج سلالة بابلية لها مواصفات جيده في السباقات
> وهل وجدته؟
ليس بعد، والعثور عليه أصبح صعبا للغاية بسبب كثرة السماسرة الذين يتخذون من الحمام تجارة مربحة، فيتم بيع الفصائل النادرة إلى دول الخليج العربي بأسعار عالية جدا، كما أن عوامل الحروب والقصف الجوي ساهمت في قتل وتهجير الفصائل العراقية الأصيلة، وكذلك هناك سبب مهم لا يخلو من طرافة وهو أن الأشقاء المصريين أثناء وجودهم بكثرة في بداية الثمانينيات كانوا يعشقون طعم هذا النوع من الحمام، فكانوا يستهلكون الكثير منه، وللأسف اكتشفنا أن هذا النوع من الحمام مفيد في السباقات أكثر من كونه وجبة (حمام بالفريك)، لكن جاء اكتشاف المربين لخصائصه متأخرا، مما ساهم في انقراض هذه الفصائل من السوق العراقي.
صفقة غريبة
> بما أنك حدثتنا عن الحمام الزاجل الذي يباع إلى دول الخليج العربي هل من نبذه مختصرة عن الأسعار؟
سعر الحمام الزاجل يعتمد على أصالته ومميزاته الشكلية ومقدار ما حققه من انتصارات، فيتراوح سعر الحمامة من مائة دولار إلى الألف، إلا أن هناك طفرات كبيرة بالأسعار تعتمد على رغبة المربي في الحصول على حمامة من سلالة عريقة وكذلك على قدرة المربي المالية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن شريحة واسعة من المربين هم من الأغنياء وأصحاب المراكز المرموقة في المجتمع، فقبل فترة بيعت حمامة فائزة من سلالة معروفة بمبلغ أربعة ألاف دولار (صدمني المبلغ وأخذت أجري عملية حسابية سريعة فوجدت أن سعر الحمامة يساوي سعر سيارة في السوق العراقية)
> أربعة آلاف دولار يعني ثمن سيارة ألا تجد أن المبلغ كبير بحق حمامة؟
لا على العكس هناك ما هو أغلى وأنا شخصيا استبدلت حمامة فائزة بسباق دمشق بغداد بسيارة.
> لماذا يشتري المربي حمامة فائزة لا يمكنه المشاركة بها مستقبلا في السباقات لأنها عاجلا أم آجلا ستعود إلى منزل مربيها الأول حسب خصائصها، لأنه يمتلك قدرة فريدة على العودة إلى موطنه الذي تربى فيه ؟ ثم ما الفائدة التي يحصل عليها من خلال هذه الصفقة الغريبة؟
هذا صحيح لكن من يشتري الحمام العريق والأصيل سيستخدمه للتزاوج من حمام عريق أيضا، فيحصل على أفراخ تحمل صفات الأبوين فيكون لدى المربي الجديد سلالة من الحمامات الأبطال التي تحصد الجوائز والبطولات، وقد يبيع أفراخ تلك الحمامة بمبالغ تغطي نفقة الصفقة الرئيسة، كما أن من يدفع مبلغا بهذا الحجم لابد أن تكون لديه الخبرة ليعرف كيف يسترده؟!
مهر غريب
> خلال السنوات الطويلة التي قضيتها مع الحمام هل من ذكريات طريفة حول هذا الحمام ومربيه؟
الحكايات كثيرة إلا أن أجملها تلك الحكايات والمواقف التي تعكس مدى قوة العلاقة بين المربي المهووس والحمام الزاجل وأذكر أن أحد المربين ويدعى أبو (......) قام بتزويج ابنته لمربي أصغر عمرا، بعد أن وجد فيه عريسا جيدا ,وطوال فترة الخطوبة كان العريس يقضي جل وقته في أقفاص صهره يعتني بحماماته بدل الاعتناء بخطيبته، وحتى الأوقات التي يقضيها العريس خارج الأقفاص كان يتبادل الخبرات والمشاهدات والنصائح مع أب عروسه، ومن الغرائب أن أب العروس قام بتجهيز ابنته على أكمل وجه بعد أن أهداه العريس زوجا من الحمام النادر والأصيل والعريق اعتزازا بجد أولاد المستقبل.
تركنا الحاج إبراهيم صاعقة ليعود إلى بحثه الذي قطعناه بأسئلتنا بعد أن أرشدنا إلى مرب مخضرم آخر وهو صفوت حسن كامل وهو من المربين والمدربين المخضرمين ومن مؤسسي أول نادٍ يعنى بمربي الحمام الزاجل ويهتم بتربية السلالات النادرة، قصدنا داره في منطقة الاعظمية في بغداد واستقبلنا الرجل بحفاوة عراقية واضحة .
نادي الحمام الزاجل
كيف جاءت فكرة تأسيس ناد يعنى بمربي الحمام الزاجل وإقامة السباقات والمزادات ؟
الكثير من عشاق هذه الرياضة كانوا خارج العراق ونوادي سباقات الحمام الزاجل كثيرة ومعروفة في الدول الأوربية والدول العربية، لذا أعادوا التجربة في العراق واستقطبوا شريحة واسعة من المربين وتم تنظيم السباقات بشكل مستمر، وبعد الحرب الأخيرة أقدم المربون على تأسيس نواد أخرى في شارع الكفاح والفضل ومدينة الصدر والاعظمية والكاظمية بسبب صعوبة التواصل في ناد واحد والنوادي الجديدة تقيم البطولات والمزادات بشكل مستمر.
> وكيف تقام السباقات ؟
يجلب المربون الطيور إلى مقر النادي ويتم ترقيم الطيور ووضع حلقة في إحدى أرجلها ومن تم تصطحب الحمامات إلى النقطة الثانية للسباق، وغالبا ما تكون إما الفاو أو دمشق أو الموصل وتطلق من هناك والحمامة الفائزة هي التي تصل بغداد أولا؟
> لكن منازل المربين في مناطق مختلفة فكيف تعرفون الحمامة التي وصلت أولا؟
يتم الأخذ بعين الاعتبار مكان منزل المربي ويزود بساعة خاصة تتوقف عند وضع الحلقة التي في رجل الطير فيها؟
> هل تعانون من بعض المربين الذين يحاولون الحصول على البطولات بالغش ؟
طرق الغش كثيرة، إلا أنها لا تجدي نفعا أمام لجنة حكام خبيرة ومخضرمة؟
> يقال إن عندك سلالات نادرة ؟
نعم لدي حمام بلجيكي وأوربي وبابلي عراقي ولدي نوع من الحمام قدم لي هدية من مرب تركي وهو نوع نادر جدا.
> ألا تخاف على حماماتك من مرض أنفلونزا الطيور أو بمعنى أخر ألا تخاف من حماماتك أن تنقل إليك وإلى عائلتك المرض لا سامح الله؟
لا اخفي عليك أن الموضوع يؤرقني، لكني من سابع المستحيلات أن أتخلى عن حماماتي، كما أنني أحاول أن أعتني بالجانب الصحي والنظافة العامة للتخلص من احتمالية الإصابة بالمرض
> بصفتك مربٍّ مثقف في فنون التربية والتدريب، وقد أطلعتني على كمية كبيرة من الكتب والبحوث التي كتبت عن الحمام والتي تعكف على دراستها لزيادة خبرتك، بماذا تستطيع أن تفيد قراء مجلتنا عن هذا الطائر؟
بعد نصف قرن من تربيتي لهذا النوع من الحمام، أقول إن هذا الطائر الجميل يمتاز عن بقية الطيور بمزايا كثيرة فهو مقوس من مؤخرة الرأس إلى نهاية المنقار، ويقف مستكينا رافع الرأس بارز الصدر ويكون ريشه صلبا ومتلاصقا، وأجنحته قصيرة، لكنها عريضة وقوية.. لون العينين حمراء أو زيتية تحيطهما هالة بيضاء.. أما لونه بين الأبيض والأسود والأزرق السمائي أو قهوائي مشوب بالحمرة أو بني فاتح والبغدادي منه له نمو لحمي بارز حول العينين والأنف، وهو يأتي بعدة ألوان فاتحة وغامقة أو الاثنين معا، ومن الأنواع الأخرى الكويتي والشيرازي والبخاري والروماني والتركي والبلجيكي والأميركي والهندي الذي يتميز بذيله الذي يشبه المروحة ومشيته الراقصة.
> سؤال أخير جذبني منظر الإكسسوارات المساعدة لأجراء السباقات من أين تحصلون عليها؟ هل توجد بالسوق أم تصنعوها بأنفسكم ؟
بل يصنعها المربون بأنفسهم ويعتبر المربي حميد الرسام الأبرع بين كل المربين في العراق ولديه موهبة في صنع إكسسوارات الحمام وساعات السباق وأدوات التغذية والأقفاص وهو خبير بيطري أيضا كما أنه مدرب بارع.
الوصف الذي وصف به حميد الرسام أوجب علي أن أطير مع الحمام وخصائصه لأستكمل حلقة مهمة في مسلسل سباقات الحمام الزاجل
البيضة العجيبة
رحب بنا الرجل واصطحبنا إلى حيث يحتفظ بحماماته، إلا أن أقفاص حميد كانت أكثر ترتيبا من كل الأقفاص التي كنا قد زرناها، فقد قسم الحمام على الأقفاص وفق فئات عمرية، كما انه يعزل حمام التكاثر عن حمام السباق وكان يطعم كل نوع من إناء مختلف رفض الإفصاح عن الخلطة التي كان يستخدمها لتغذية حماماته على اختلاف أشكالها وأعمارها واستخداماتها بحجة أسرار المهنة، كما انه رفض أن يسمح لنا بتصوير معالف ومشارب الحمام (الشيء الذي يوضع فيه طعام الحمام والماء الذي يشربه الحمام)، خوفا من سرقة تصاميمها التي ابتكرها لمرب غني من دولة قطر، إلا أنه حدثنا عن كونه خبير في تزويج الحمام من السلالات المختلفة للحصول على أفراخ تحمل صفات السلالتين كما أنه يحتفظ بذكر حمام معمر، عمره خمسة عشر عاما يطلق عليه الحاج متولي، وهو مخصص للتزاوج والتفريخ، وهو من سلالة بابلية منقرضة يفتخر بأنه يملك آخر حماماتها، وأنه باع إحدى بيضاتها لمربِّ عراقي معروف بولعه بهذا النوع من الحمام، بخمسين دولارا، على أن يحتفظ حميد بها لحين أن تفقس وكان المولود بطلا كأبيه حيث حصل على بطولة موصل بغداد، كما أنه يبيع البيض أيضا للمربين ويتعهد بعراقة الوليد الجديد، وعن أسرار التدريب يقول أهم ما في الموضوع أن يكون التدريب تدريجيا، حيث يطلق الحمام أول الأمر، على بعد خمسة وعشرين كيلو مترا من مكان بيته أو عشه ومن ثم خمسون، وخمسة وسبعون، وهكذا إلى أن يصبح جاهزا للمشاركة في السباقات الطويلة وأن يكون طعامه علميا يحتوي على حبوب الدخن والذرة الصفراء والبيضاء، بالإضافة إلى مواد ومقويات أخرى ويجب الاهتمام بالنظافة العامة والتهوية وتطيير الحمام اليومي، لأنه بمثابة التمارين السويدية للرياضي أو الإحماء للاعبي كرة القدم، وبعد عدة صور تذكارية للحاج متولي وزوجاته وذريته، ننهي جولتنا الجميلة مع هذا الطائر الجميل بهذه الدراسة المثيرة .
زاجل معتقل في أبو غريب
من مفارقات الحمام الزاجل في عراق ما بعد الاحتلال أن مجموعة من معتقلي أبي غريب ميزوا نوعا من الحمام الزاجل الذي يدعى في العراق (زاجل طويرني) في معتقل أبي غريب وقاموا باصطياده ودفع مبلغ ألفي دولار لإخراجه إلى أحد الأشخاص الذي قام بربط مجموعة من شفرات الحلاقة في أرجله وأطلقه ليعود أدراجه غانما سالما إلى عشه في داخل السجن، دون أن تستطيع كل التكنولوجيا الأمريكية إيقافه أو حتى رصده، لتصبح هذه الشفرات فيما بعد العمود الفقري لانتفاضة سجن أبي غريب ضد الجنود الأمريكان التي راح ضحيتها العشرات، حسب وسائل الإعلام العراقية. أحد السجناء علق ساخرا من إمكانية ترحيل الطائر الزاجل إلى غوانتنامو لدعمه انتفاضة الأسرى العراقيين في السجون الأمريكية.
الحمام المغناطيسي
أفاد علماء في دراسة نشرت في مجلة «نيتشر» العلمية بأن الحمام الزاجل يستخدم المجال المغناطيسي للأرض لتحديد طريق العودة إلى المكان الذي ينتمي إليه عند سفره لمسافات طويلة، وأوضح العلماء أن الحمام الزاجل يستخدم على الأرجح جزيئات مغناطيسية في منقاره لاستشعار المجال المغناطيسي للأرض، وذكر الباحثون من جامعة أوكلاند في نيوزيلندا أن الحمام الزاجل يستخدم تلك القدرة الطبيعية لرسم خريطة للمجال المغناطيسي للأرض، ومن ثم الاستعانة بتلك الخريطة للعودة إلى موطنه، وتثير نتائج الدراسة الجديدة الشكوك حول النظرية الداعية إلى أن الحمام الزاجل يستخدم حاسة الشم لتحديد طريق العودة إلى موطنه أثناء الطيران، حيث وضعت مجموعة من الحمام الزاجل في نفق خشبي ثبت على طرفيه صندوقان للعلف، كما قاموا بتثبيت لفائف مغناطيسية خارج النفق. ودرب الحمام على التوجه لأحد صناديق العلف إذا كانت اللفائف المغناطيسية غير فعالة والطيران نحو الصندوق الآخر إذا تم تفعيل المجال المغناطيسي لتلك اللفائف.
وقام العلماء بعد ذلك بتجارب تهدف إلى التشويش على قدرة الحمام الزاجل على رصد المجال المغناطيسي، فقد ربط العلماء مغناطيسا بمنقار كل طائر الأمر الذي أدى إلى التشويش بصورة كبيرة على قدرة الحمام على معرفة ما إذا كانت اللفائف المغناطيسية تعمل أم لا، وقام فريق الباحثين بعد تلك التجربة بتخدير المنطقة العلوية من منقار الحمام الزاجل، الأمر الذي تسبب أيضا في تراجع قدرة الحمام على تحديد المجال المغناطيسي الذي تولده اللفائف المغناطيسية.
مقتطفات عن تاريخ الزاجل
استخدم الحمام الزاجل لأول مرة في الأغراض الحربية عام أربعة وعشرين قبل الميلاد عندما حاصرت جيوش القائد الروماني «مارك أنطونيو» قوات القائد«بروتس» في مدينة «مودلينا»، إلا أن أكتافيوس الثالث كان على اتصال دائم مع بروتس للاطلاع على صموده من الحصار من خلال الرسائل التي كان يرسلها له بواسطة هذا الطائر، ويروى أن المعتصم «علم بانتصار جيشه على» بابك الخرمي» وأسره له عن طريق الحمام الزاجل الذي أطلقه قائد الجيش من جهة المعركة إلى دار الخلافة في سامراء، وقد وصل ثمن الطائر منه في ذلك الوقت إلى 700 دينار وبيعت حمامة منه في خليج القسطنطينية بألف دينار، لكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بهذا النوع من الحمام بابتكارهم الوسائل للتغلب على إمكانية وقوعه بأيدي العدو باستحداث رسائل «مشفرة» لا يستطيع العدو التوصل إلى معناها. ومن تاريخ الحمام الزاجل القديم ذكر رحالة انكليزي في القرن السابع عشر أن سماء الشام خلت من الحمام بسبب وقوع حمامة في شباك صياد أثناء طيرانها.. ووجد رسالة مربوطة في رجلها كان قد أرسلها تاجر أوربي إلى وكيله في حلب يخبره فيها بارتفاع أسعار «الجوز» في الأسواق الأوربية ويطلب فيها منه أن يرسل كميات كبيرة منه.. فعمد الصياد إلى تاجر آخر صديق له واخبره بفحوى الرسالة.. فقام بدوره بإرسال شحنات من الجوز إلى أوربا وجنا من العملية مبالغ طائلة.. وعندما شاع الخبر، عمد الصيادون إلى اصطياد أعداد كبيرة من الحمام لعلهم يحصلون على غنائم مماثلة.
وفي الحرب العالمية الثانية وعند هجوم الألمان على بلجيكا، اصطحب المظليون الحمام خلف خطوط جيوش الحلفاء ثم أطلقوه بعد ذلك مع رسائل عن نتائج عمليات التجسس التي نجحوا في الحصول عليها، وفي عام 1978 أنشأ الجيش الأميركي غرفة عمليات لهذا النوع من الحمام على غرار ما اتبع في الجيش الألماني قبل ذلك، أما في الحرب الكورية، فتم استخدام الآلاف منه مع الهابطين بالمظلات لتوصيل ما يزيد على مائة ألف رسالة إلى الأهالي.. وقد أثبتت الإحصائيات التي نشرت أن استخدام هذا الطير خلال الحرب العالمية الثانية لأغراض إيصال المعلومات والتجسس نجح بنسبة 99%، وفي فرنسا أجريت مناورات اشترك فيها الحمام الزاجل في إطار تدريبي على إمكانية زجه في عمليات الاتصال في حالات الطوارئ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.