ينظم كل من معهد الدراسات الإسبانية البرتغالية (وحدة البحث في الدراسات الموريسكية) - جامعة محمد الخامس أكدال- الرباط وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك (مختبر المغرب والعوالم الغربية: التاريخ والعلوم الإنسانية والاجتماعية) بالدارالبيضاء، ندوة دولية متعددة التوجهات والاختصاصات، إحياءا للذكرى المئوية الرابعة لطرد الموريسكيين وتهجيرهم من إسبانيا. ينظم القسم الأول من الندوة بمعهد الدراسات الإسبانية البرتغالية -الرباط، 28-29 أكتوبر، وبكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدارالبيضاء في 30-31 أكتوبر 2009، واختارت الجهة المنظمة لندوتها عنوان: «الموريسكيون وتراثهم: بين الأمس واليوم»، واستدعت لها مجموعة من المؤرخين والباحثين والمختصين في تاريخ وتراث الموريسكيين. وتهدف الندوة، حسب بلاغ أصدرته الجهات المنظمة، إلى سبر أغوار حياة الموريسكيين الدينية وأوضاعهم الاقتصادية وخصوصياتهم الثقافية، وتحليل أسباب وممهدات ونتائج طردهم، وسلوك دروب تجربتهم في بلدان المهجر كالمغرب، ورصد مسالك بحثهم عن ذواتهم وهويتهم، والوقوف عند نتاجهم الفكري والأدبي المكتوب بالعربية والإسبانية والأعجمية، وكذا عند تراثهم ذي الطابع الأندلسي والمتشكل في ميادين ومجالات مختلفة. وتتوزع أشغال الندوة على خمسة محاور: (الجلسة الافتتاحية: الموريسكيون بين التاريخ والتأريخ: الحصيلة والآفاق، طرد الموريسكيين: الممهدات والنتائج، الموريسكيون في المهجر، التراث الثقافي والتقني الموريسكي، الجلسة الختامية: الحوار بين الشعوب: عِبَر من الماضي واستشرافات مستقبلية). ولأهمية هذا القاء العلمي، ومن أجل وضع القارئ والمتتبع في الصورة، نقدم بعض ما ورد في الورقة التقديمية المتضمنة في الملف الصحافي، والتي تسلط الضوء على المأساة الموريسكية، والتي جاء فيها «أن سنة 1609 كانت منعطفا خطيرا وحاسما في تاريخ إسبانيا خلال القرن الحادي عشر الهجري -السابع عشر الميلادي، بل إنها حددت ملامح ومسارات ما تلاها من فصول تاريخية كان لها أن تستأثر باهتمام المؤرخين والباحثين ومازالت. وبديهي أن يكون الأمر كذلك، فبالإضافة إلى الظروف التي اتخذت فيها قرارات الطرد والسياقات التي استصدرت خلالها مراسيم التهجير، يعتبر حدث طرد الأندلسيين الموريسكيين من إسبانيا مأساة إنسانية بكل المقاييس، وتجربة تاريخية انبثقت وتشكلت في إطار منظومات سياسية مهلهلة، وضمن أحوال اقتصادية متردية، ووسط تصادم ديني وتصدع اجتماعي وثقافي بين المسلمين والمسيحيين آذن بالوصول إلى نفق مظلم ومحطة تاريخية مسدودة. وقبل ذلك كانت معاهدة تسليم غرناطة المبرمة سنة 1491 بين الملكين الكاثوليكيين وأبو عبد الله، آخر ملوك بني نصر، قد أضفت صفة التدجين على الأندلسيين وقت سقوط الممالك الأندلسية الواحدة تلو الأخرى. لكن، بعد نقض العهد والتراجع عما تضمنته بنود تلك المعاهدة من ضمان للحقوق وحفاظ على الهوية والانتماء، أصبح للأندلسيين المدجنين وضع جديد، أضحوا على إثره موريسكيين ضاقت بهم رحاب أرضهم وانسدت آفاق العيش فيها. فبدأ عهد تاريخي جديد تخللته عقود طويلة ومضنية من التنصير القسري والإدماج القهري وسياسات النهب والتهجير الجماعي، إجراءات كانت تمهيدا لقرار الطرد النهائي. لقد تم استصدار قوانين ومراسيم الطرد والتهجير في فترة ما بين 1609 1614 تحت ضغوط من رجال الدين وإذعانا لأرباب السياسية، وفي وقت كانت العائلة الحاكمة في إسبانيا تتخبط في دياجير سياسية ودوامات اقتصادية ودينية. فرأى فيليب الثالث في قرار الطرد ذاك طوق نجاة وحلا لتلك الأزمات، خصوصا وأن الموريسكيين أصبحوا يشكلون في نظر الأغلبية تهديدا، بل وطابورا خامسا، مقاوما و«متآمرا مع الأتراك»، وآملا في تأسيس «جمهورية أندلسية» مستقلة بالمغرب، ورافضا لأي اندماج ديني واجتماعي، ومتصديا للاستلاب الثقافي القائم آنذاك. فتحولت محنة الموريسكيين إلى قضية ظلت متاهاتها مرتبطة بما آلت إليه الأوضاع العامة المضعضعة والمربكة. وكيفما كان الحال، فإن قرار الطرد لم يكن ليُتخذ ولا للقوانين أن تُستصدر، لولا التقارير التي دونها رجال الدين ولولا الإجراءات العسكرية التي سهر على تنفيذها رجال السياسة، ولولا النصوص التأريخية التي رافقت وبررت وجملت قرار الطرد ذاك، حتى أضحى لديهم قرارا عادلا ومحقا رغم جوره وقسوته. إن الوثائق الرسمية والتقارير الدينية ومحاضر التفتيش والنصوص المؤرخة لتلك الحقبة ولتاريخ الموريسكيين، بكل مواقفها وتوجهاتها، لشاهدة على ذلك، كما هي شاهدة تلك الكتابات الأندلسية الموريسكية التي أتت حينا تلقينية وتعليمية وحينا آخر هجينة أو منحولة. لكنها في كل الأحوال، كانت شهادة فذة على تجربة إنسانية عصيبة وتعبيرا من الداخل أو في المهجر على مواقف وسلوكيات جمعت بين الصراع والتوافق، بين العتاب والحنين وبين الفراق والحلم بالعودة.