كل صباح، تستقبلني متسولة بابتسامة، لا تطلب غير ربعادريال، وهو نفس طلبها اليومي مع كل المارة الذين يعبرون ذلك الزقاق في وسط مدينة البيضاء.. تطلب باقتصاد وهي التي تعرف أن "الربعادريال" انقرضت من جيوبنا، وولدك لا عطيتيها ليه يضربك بها.. فيعوض البعض طلبها بدرهم أبيض.. وفي أماكن أخرى من مدننا المغربية، يزداد عدد المتسولين يوما بعد آخر، اتخذها البعض حرفة مدرة للدخل، فتكاثر معها عدد المتسولين في بلادنا.. ففي كل صباح يتفرق عبر أرجاء المغرب آلاف المتسولين، لكسب لقمة عيش "باردة".. والرقم طبعا كل يوم في ازدياد.. فما بين عجوز وطفل صغير وشاب وامرأة تتشكل شريحة المتسولين الذين حولوا أرصفة الشوارع إلى نفوذ ترابي.. تجد نفسك عاجزا معها عن مقاومة العطف على رضيع في قارعة الطريق ببعض الدراهم.. لقد استفحلت ظاهرة السعاية بالمغرب، كل يوم تظهر وجوه جديدة، اتخذها البعض تجارة مربحة، رأسمالها بضع كلمات دامعة، ورسائل قصيرة مكتوبة بخط اليد توزع على الراكبين في الحافلات.. وكل طلاب والخطة ديالو.. وقد فضلت نساء أخريات اقتناء أطفال صغار لكسب عطف المارة، وهو الأمر الذي اعتبره البعض جريمة منظمة يعاقب عليها القانون.. كيف نرمي بفلذات أكبادنا إلى الشارع.. ونغتصب طفولتهم عن قصد؟ وقد اختلفت طرق التسول، كل حسب حيله، وقد يوهمك البعض بمسح زجاج السيارات، وربما هو في الحقيقة يتحين الفرصة للسطو على هاتفك النقال، لم نعد نعرف لمن نعطي الصدقة، ومن يستحقها، هناك من يجلس قرب أحد الشبابيك الأوتوماتيكية، وآخر يجلس قرب المساجد، ومابين من يحمل بنديرا وكمنجة ومن تذرف دموع التماسيح، تتنوع حالات التسول، حتى إن "الكرابة" بدورهم عياو بالدوران، ففضلوا انتظار الحافلات لطلب المساعدة، وقد يتحصل على دراهم تتحول عند نهاية اليوم إلى مبلغ محترم يكفيه تعب الوقوف على أرصفة الشوارع في انتظار من يريد أن يطفئ عطشه، وشحال من كراب ولفها شتا وصيف.. يحدث هذا كله في وقت وصل فيه عدد المتسولين بالمراكز الاجتماعية إلى الآلاف، جنوا أموالا كثيرة.. وهناك من مات وترك وراءه ملايين السنتيمات مكدسة في الأكياس.. عاش ذليلا ومات بئيسا.. فقد تم ضبط ملايين الدراهم عند متسولين تم إيداعهم المركز الخيري بتيط مليل.. وتعترف وزارة التضامن بصعوبة القضاء على هذه الظاهرة التي تتطلب عملا جبارا، ومجهودا أكبر لإيجاد حل يخفف عن المواطنين عناء مضايقة المتسولين في الشوارع والمطاعم.. وعجزت حملات التطهير عن تحقيق تراجع في عدد محترفي التسول.. فالمتسول بعد خروجه من المركز الاجتماعي، وبرغم العقوبات الزجرية.. يعود مباشرة إلى الشارع حيث تنتظره دراهم المواطنين دون عناء يذكر.. إذ صرح بعض المتسولين بأن المركز الاجتماعي مزيان ولكن خاصهم يطلقونا نمشيو نقلبو على رزقنا.. عمر الرقاص ما ينسى هزة لكتف.. الغريب أن أشخاصا أقوياء يمتهنون نفس الحرفة.."أستاذ.. دبر علينا بشي درهم خوك طايح أمبان".. ونساهم بدورنا في تفاقم الظاهرة بالتعاطف مع هؤلاء المتسولين.. دون الحديث عن شابات يتسولن في حافة الطريق بأطفال صغار كل نهار واحد فشكل.. في حرفة لا تحتاج لشهادات ولا حتى للواسطة.. الله يلعنها قاعدة.