توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    عاجل.. الاستقلاليين صوتوا بالإجماع على نزار بركة أمين عام لحزب الاستقلال لولاية ثانية    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    العثور على شاب منحور بباب مستشفى طنجة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بعد تداول الفيديو.. توقيف شخص بطنجة لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة و اعتراض السبيل    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    حكيمي ينقذ فريقه من هزيمة قاسية أمام لوهافر    بعد إعادة انتخابه زعيما ل"الميزان".. بركة يتطلع إلى تصدر المشهد السياسي    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    أولمبيك آسفي يتعادل مع ضيفه اتحاد طنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    الجيش الملكي يستنكر "الأخطاء التحكيمية" في مباراة الحسنية ويشكو الرداد للجنة التحكيم    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    حكيم زياش يبصم على أداء كبير رفقة غلطة سراي التركي    اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون "خدعة" أو مقدمة لحرب مدمرة    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الرئيس الفلسطيني وزعماء دوليون يعقدون محادثات بشأن غزة في الرياض    بعد مشادات مع كلوب.. صلاح: حديثي سيشعل الأمر    الأمثال العامية بتطوان... (584)    توافد غير مسبوق للزوار على المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    زلزال قوي يضرب سواحل جاوا بإندونيسيا    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغز بن بركة.. الجريمة السياسية الكاملة ؟!
هل قتل بالسم أو تحت التعذيب أم طعنا بالخناجر أو بجرعة المنوم الزائدة ؟
نشر في المساء يوم 19 - 07 - 2015

في دجنبر الماضي قدم المحامي الفرنسي موريس بيتان في لقاء مفتوح النسخة العربية من كتابه «الحسن الثاني..ديغول، بن بركة ما أعرف عنهم» في ضيافة مركز محمد بنسعيد أيت إيدر للأبحاث والدراسات وبشراكة مع منتدى الحقيقة والإنصاف. وعلى هامش هذا اللقاء تكشفت وتقاطعت كثير من الروايات وتجدد النقاش عن كثير من الألغاز التي تحيط بملف مقتل المناضل الاتحادي المهدي بنبركة. في هذا الملف الذي أنجز على هامش اللقاء يكشف بعض الفاعلين في هذه القضية السياسية الأشهر في تاريخ المغرب المعاصر جوانب من تاريخ بنبركة المناضل والحقوقي ويتساءلون عن مصير الحقيقة الضائعة.
لقد مضى ما يقارب نصف قرن على اختفاء المناضل الاتحادي والمعارض الأشهر في تاريخ المغرب المعاصر المهدي بن بركة. ورغم هذه الفترة الزمنية الطويلة لا تزال الحقيقة بخصوص ما حدث له ومصير جثمانه والمسؤولين عن اختفائه ضربا من ضروب الألغاز الأكثر غموضا في تاريخ الجرائم السياسية.
في صبيحة 29 أكتوبر 1965 كان للمهدي بن بركة موعد مع جلاديه الذين أمن لهم بعد أن رفعوا في وجهه شارة الشرطة الفرنسية. وفي اللحظة التي وطأت فيها قدماه سيارة مختطفيه لم يكن بن بركة يدرك أنه يلج الحفرة السوداء والعميقة التي ستغيبه عن الأنظار إلى الأبد، وتغيب معه آمالا وأحلاما عريضة لكل الذين آمنوا بعالم يعمه السلم والعدالة الاجتماعية والحرية، بعيدا عن سيطرة إمبريالية متغولة تدعم أنظمة ديكتاتورية ومستبدة في دول العالم الثالث.
لم يكن الرجل سياسيا عابرا أو زعيما ورقيا أو انتهازيا ذكيا يبحث عن موقع، لقد حمل في تاريخ نضاله القصير زمنا، والطويل أثرا ومعنى، رسالة وقيما ومبادئ دفعه حرصه عليها إلى الفرار بجلده مبكرا من مغرب الاستقلال واختيار المنفى بعد أن طالته أحكام السجن والإعدام بسبب مواقفه السياسية. كان رأسه مطلوبا في مراحل مبكرة بعد أن انتزع من خصومه ومعارضيه كل إمكانات المنافسة على الساحة السياسية، وأضحت شعبيته بغير نظير في تاريخ المناضلين السياسيين والحزبيين.
لقد تحول المهدي بن بركة بسرعة بعد الاستقلال إلى قائد بامتدادات دولية مؤثرة وارتباطات قوية ضاعفت خصومه، وبدل أن يكون عدوا لجهة واحدة أو سلطة محددة، أصبح له أعداء في كل أرجاء العالم فأثار حنق الأمريكيين بدعمه للفيتناميين وغضب الفرنسيين بمعاداته للاستعمار ودعمه للإنسان الإفريقي المستغل، وكذا عدوا للإسرائيليين بدفاعه عن حق الشعب الفلسطيني. ولم يكن لهذه القوى الإمبريالية أن تسكت على تحركات المهدي الذي يجالس الثوار الجدد من تشي غيفارا إلى كاسترو. كان يجالسهم مجالسة الند لنده بعد أن أصبح بمثابة الدينامو المحرك لكل التحركات الدولية التي تهدف إلى خلق جبهة لدول العالم الثالث في مواجهة القوى الغربية المتحكمة والمسيطرة على ثروات ومقدرات العالم.
في كتابه الأخير يحكي موريس بيتان، محامي عائلة المهدي بن بركة وصديقه المقرب منه، عن كل ما يعرفه بخصوص الرجل. يتحدث عن أدق التفاصيل بخصوص شخصيته ومواقفه السياسية وأهم الأحداث التي عايشها معه. كما يجمع في هذا الكتاب كل ما كتب عن المهدي بن بركة من مؤلفات وتحقيقات صحفية وأمنية وقضائية، وبالخصوص كل ما تعلق منها باختفائه ومصيره ومكان جثمانه. في هذا الكتاب الذي ترجم أخيرا إلى اللغة العربية يتقمص بيتان من جديد دور المحامي للدفاع عن قضية تبدو إلى حدود اليوم قضية خاسرة بعد أن تأخرت الحقيقة عن الظهور وظلت مجرد روايات وروايات مضادة.
فإذا كان المهدي بن بركة قد بلغ مرتبة الزعيم والقائد والمناضل الفذ في حياته، فإن اختفاءه المفاجئ وكل ما راج حوله من فرضيات الاغتيال والتغييب والتخلص من الجثمان، حوله إلى أسطورة. اختفاء أو اغتيال المهدي بن بركة أدخله قائمة الإرث الوطني والمشترك لكل المغاربة الذين من حقهم أن يعرفوا حقيقة ما جرى له وربما مكان ومصير جثمانه. وإذا كانت الأسرة الصغيرة للمهدي تطالب بذلك بصوت مرتفع منذ عقود فإن الذاكرة الجماعية للمغاربة أضحت اليوم أكثر صدحا ومطالبة بهذه الحقيقة التي طال غموضها أكثر مما يلزم. من حق المهدي بن بركة على مواطنيه ووطنه أن يعرف مصيره ويكشف مدفنه لا لشيء إلا لأنه رمز من الرموز القليلة التي يملكها المغرب.

الأيام والساعات الأخيرة من حياة المهدي بن بركة
التقى تشي غيفارا وكاسترو واطمأن لخاطفه لأنه شرطي فرنسي
بعد تفاقم خلافاته مع الملك الراحل الحسن الثاني ولجوئه إلى المنفى تفرغ المهدي بنبركة لنشاطه السياسي الدولي والأممي، وأصبح واحدا من أنشط المناضلين الذين وضعوا على عاتقهم حمل رسالة التحرر والنهوض بدول العالم الثالث. في السنة التي سيختفي فيها أي في 1965 كان نشاط بنبركة استثنائيا على الصعيد الدولي، إلى درجة لم تثر فقط السلطات المغربية بل حتى بعض القوى الدولية آنذاك. فماذا فعل بنبركة في هذه السنة؟ وهل كانت أنشطته المكثفة سببا حقيقيا وراء اختفائه؟
جوابا على هذه الأسئلة يحاول محامي عائلة بنبركة موريس بيتان في كتابه المترجم أخيرا إلى العربية «الحسن الثاني..دوغول بنبركة ما أعرفه عنهم» الإجابة عن كل الأسئلة الغامضة والمحيرة التي لا تزال تحيط بالقضية الأشهر في تاريخ المغرب المعاصر.
أعداء دوليون
تميزت سنة 1965 بنشاط وتنقلات مكثفة للمهدي بنبركة وفي مستهل هذه السنة كاد يختطف وهو في طريق عودته إلى منزله بالسيارة في جنيف ومع ذلك واصل بنبركة حسب ما يرويه موريس بيتان تنقلاته وأنشطته في مختلف القارات، حيث شارك في فبراير ممثلا عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الندوة الإفريقية الأسيوية بموافقة السلطات الجزائرية، مما أثار احتجاج الحكومة المغربية. وكان هذا المؤتمر فرصة بالنسبة لبنبركة لعقد لقاء مطول مع المناضل الأمريكي اللاتيني الأشهر تشي غيفارا.
في بداية أبريل من السنة ذاتها حل بالقاهرة لحضور أشغال مؤتمر دولي حول فلسطين، حيث قدم عرضا قوي اللهجة في موضوع «دور إسرائيل في إفريقيا». كما سافر في شهر ماي إلى أكرا للمشاركة في المؤتمر الرابع لمنظمة تضامن شعوب إفريقيا وآسيا حيث انتخب رئيسا للجنة التحضيرية للمؤتمر الخامس المزمع عقده في هافانا في يناير 1966. بعد ذلك استقر بنبركة في شهر يوليوز في بكين قبل أن يشارك في شهر غشت في المؤتمر الدولي المناهض للقنبلة الذرية بناجازاكي. وفي نهاية شتنبر التقى بنبركة بفيديل كاسترو في هافانا.
وفي مطلع أكتوبر من السنة ذاتها سافر بنبركة إلى جاكارتا عبر القاهرة، وكان عازما على الذهاب إلى أندونيسيا عندما تناهى إلى علمه وقوع انقلاب عسكري يوم 18 أكتوبر أطاح بأحد زعماء العالم الثالث الكبار هو أحمد سوكارنو بمساعدة وكالة الاستخبارات الأمريكية. هذه الأنشطة وغيرها التي حفلت بها سنة 1965 تعد حسب موريس بيتان تفسيرا لإمكانية تورط قوى دولية عظمى في تصفية المهدي بنبركة بسبب المواقف المعادية التي جاهر بها اتجاه الأمريكيين والإسرائيليين وعموم القوى الإمبريالية الاستعمارية. لم يكن بنبركة إذن يواجه خصما واحدا متمثلا في الملك الحسن الثاني، بل أضحى خصما لعدد من الأطراف وهو ما سيجعله موضوع مراقبة لصيقة من قبل أجهزة المخابرات التابعة لكل هذه الدول.
تنسيق الأمنيين المغاربة
في يوم الجمعة 29 أكتوبر 1965 نزل المهدي بنبركة في الساعة التاسعة صباحا بمطار أورلي قادما من جنيف وقبلها بيومين كان قد أكد للصحفي الفرنسي فيليب برنيي أنه سيلتقي بكل من السينمائي فرانجو وجورج فيغون في حانة ليب الشهيرة لتناول الغذاء معهما، في الموعد الذي حدده برنيي نفسه. وكان بنبركة قد اتفق مع برنيي في وقت سابق على إخراج فيلم عن حركات تصفية الاستعمار وزعماء العالم الثالث.
يعود موريس بيتان في سرده لحادثة الاختفاء إلى الوراء قليلا، وذلك قبل بضعة أشهر عندما استقر بالعاصمة الفرنسية في بداية أبريل 1965 عميدان في الشرطة المغربية هما الشتوكي واسمه الحقيقي ميلود التونزي وماحي غالي واسمه الحقيق آدم العلمي، وكانا من أقرب مساعدي أوفقير. وفي 21 أبريل حل أوفقير نفسه بباريس حيث عقد اجتماعا بكريون مع بعض الأصدقاء الفرنسيين. ويتساءل موريس بيتان إن كان حضور أوفقير هذا اللقاء بغرض مناقشة مشروع عودة المهدي بن بركة الطوعية أو بالقوة إلى المغرب.
هذا ما تكشفه وثيقة منقولة عن جهاز المخابرات الفرنسي يورد صاحبها وهو جاك بومون أنه تلقى مذكرة كتب عليها «كلف الجنرال أوفقير وزير الداخلية المغربي الذي حل بباريس في 21 أبريل من قبل ملك المغرب بالاتصال بالمهدي بنبركة لمحاولة إقناعه بالعودة إلى المغرب مع رفاقه».
بعد وصوله إلى مطار أورلي حاول مفتش الشرطة الفرنسي أنطوان لوبيز الذي كان على اتصال بالماحي، الاتصال بزميله مارسيل لوروا الملقب بفانفيل لإخباره بوصول المهدي بنبركة الذي كان تحت المراقبة لكنه لم ينجح في إخباره. بعد ذلك حل المهدي بنبركة بمنزل صديقه جو أوحنا المغربي اليهودي، وكان بنبركة قد اعتاد النزول عنده في أغلب الأحيان خلال زياراته لباريس. كان عنصرا الشرطة الفرنسيين المكلفين بعملية الاختطاف قد أخذا سيارتهما وركناها بالرصيف الموازي لحانة ليب حيث كان من المفروض أن يعقد بنبركة لقاء مع أصدقائه السينمائيين.
قبل هذا الموعد التقى المهدي بنبركة بصديقه التهامي الأزموري وزوجته في مقهى آخر وطلب بنبركة من الأزموري إنجاز تحليل تاريخي لعملية تصفية الاستعمار في القارات الثلاث. غادر بنبركة الشانزيليزي حيث دار اللقاء متوجها إلى مقهى ليب حيث وجد أنهما قد وصلا قبل الموعد المحدد ففضلا القيام بجولة حول المركب السكني القريب من المقهى.
على بعد خطوات
من مقهى ليب
ماذا حدث بعد أن اقترب بنبركة من مقهى ليب الشهير؟ للإجابة عن ذلك يستند موريس بيتان إلى الرواية التي قدمها لويز سوشون الذي كان يرأس الفرقة الخاصة المكلفة بقضايا المخدرات وكان رئيسا مباشرا لأنطوان لوبيز وأحد الضباط الذين شاركوا في عملية الاختطاف. ويورد سوشون الواقعة بشكل مفصل في كتابه، فحسب ما رواه فإنه في حدود الساعة الثانية عشرة والنصف بعد الزوال أبصر رجلا قصير القامة يطابق مظهره الوصف الذي قدمه له لوبيز. كان هذا الشخص برفقة شخص آخر ويقصد الأزموري، وكانا قادمين من شارع سان جرمان فاستوقف سوشون ذلك الشخص المغربي وسط الحشود وأظهر له بطاقة الشرطة.
تظاهر رفيق المهدي بنبركة بمحاولة إخراج وثائقه الشخصية، لكن سوشون أخبره بأنه غير معني، لقد كان المقصود بعملية التفتيش والتوقيف هو المهدي بنبركة. فوجه سوشون للأزموري الكلام قائلا «هل يمكن أن تتركنا قليلا» كان يريد أن ينفرد بالمهدي بنبركة الذي يعترف سوشون بأنه لم يكن يعرف بعد هويته. وحسب هذه الرواية فقد دار بين الطرفين حوار كان هذا هو مضمونه، فقد سأل سوشون المهدي بنبركة عن سبب مجيئه إلى باريس، فأجابه هذا الأخير لقد جئت للقاء أشخاص يعملون في مجال السينما لنتحدث في موضوع تصوير فيلم عن تصفية الاستعمار. فأعاد سوشون سؤاله بصيغة أخرى قائلا: ألا تظن أنك هنا من أجل أغراض سياسية؟ فرد عليه بنبركة بأنه لم يأت لأجل أغراض سياسية، لكن سوشون سيبادر قائلا: لكن لك موعدا مع شخصيات سياسية طلب مني أن أرافقك للقائهم. وكان سوشون يقصد هنا أوفقير وعناصر الأمن المغربي الذين كانوا مكلفين بإعادته إلى المغرب طوعا أو كرها.
بعدها سرعان ما طلب سوشون من بن بركة أن يرافقه وهو يشير إلى سيارته. لم يبد بنبركة أي اعتراض حسب شهادة سوشون واتجها معا عبر الشارع الطويل في اتجاه السيارة، بل إنه يروي أن بنبركة سبقه إلى فتح بابها الشمالي والركوب لكنه قبل أن يفعل ذلك التفت ناحية الشرطي الفرنسي وسأله: يتعلق الأمر بالشرطة الفرنسية أليس كذلك؟ لم يكن بنبركة يعلم حينها وهو يركب بكل ثقة تلك السيارة أنها آخر مرة ستطأ فيها قدمه شوارع باريس، فبعدها سيختفي ولن يظهر له أثر لتصبح قضيته من أكثر الألغاز المحيرة في تاريخ الاختطافات السياسية.
كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة وعشرين دقيقة عندما ركب بنبركة هذه السيارة وركب معه سوشون وبعده ركب عنصر آخر يدعى فواتو، إضافة إلى شخص ثالث مجهول يدعى لونوي وهو حسب ما كان معروفا أحد المجرمين. وفي المقعد الأمامي جلس أنطوان لوبيز متنكرا قرب سوشون وشرع يدله على الطريق إلى أن وصلت السيارة إلى منزل شخص يدعى جورج بوشسيش الذي تجمعه بأنطوان لوبيز صداقة قديمة. وكان بوشسيش حسب المحامي موريس بيتان في كتابه جزءا من عصابة كانت المخابرات الفرنسية تلجأ إليها من أجل القيام ببعض المهام.
بعد التحاقهم بالمنزل كان هناك عنصران آخران يدعيان باليس ودوبايل وقد كانا في الحقيقة في مكان الاختطاف لكنهما تجاوزا بسيارتهما سيارة المختطفين ووصلا قبل ذلك إلى المنزل. وحتى حدود هذه اللحظة لم يبد بنبركة أي قلق حسب المؤلف فالمنزل الراقي الجميل الذي أخذ له لا يمكن سوى أن يزيد من اطمئنانه ويعزز فعلا ما نقل له من أن الأمر يتعلق بموعد مع شخصيات سياسية هامة.

البشير بن بركة: محاكمة المسؤولين أمر لا يهمنا لأن التاريخ حاكمهم
من واجب السياسيين أن يفعلوا كل ما بوسعهم لكشف حقيقة ما جرى
يكشف البشير بن بركة نجل المهدي بن بركة في هذا الحوار أن الملف القضائي لا يزال يواجه عراقيل كثيرة في المغرب وفرنسا على حد سواء. ويلخص أهم هذه العراقيل في منع قاضي التحقيق الفرنسي من الاطلاع على كل الوثائق السرية الخاصة بأجهزة المخابرات الفرنسية. ويدعو الطبقة السياسية والأحزاب تنفيذيين أو معارضين إلى بذل كل ما في وسعهم لإنصاف المهدي بن بركة الذي قدم الكثير لهذا الوطن.
– ما هي مستجدات الدعوى القضائية في ملف الشهيد المهدي بنبركة؟
المستجد هو أنه لا توجد أي مستجدات. الملف القضائي، ليس موقوفا، فالقاضي الفرنسي لا يزال يعمل على هذا الملف، لكن العراقيل مستمرة. وأعني هنا العراقيل الفرنسية والعراقيل المغربية.
– ما هي هذه العراقيل التي يواجهها الملف؟
بالنسبة للعراقيل المطروحة في فرنسا فهي أن القاضي لا يستطيع إلى حد اليوم الاطلاع على وثائق المخابرات الفرنسية وخصوصا أرشيفها. فبعد أكثر من أربعين سنة لا تزال السلطات الفرنسية تعيق عملية اطلاع القضاء على الوثائق الخاصة بهذه القضية، فرغم أن القاضي حجز هذه الوثائق إلا أنه لا يستطيع الاطلاع عليها.
– هل تقصد أن القانون الفرنسي لا يسمح له بالاطلاع على هذا الأرشيف؟
لا، بل السلطة السياسية لها كل الصلاحيات في أن تحافظ على طابع السرية فيما يخص مثل هذه الملفات. وليس هناك أي إجراء قضائي لفرض رفع طابع السرية عن وثائق تحافظ عليها السلطة السياسية في فرنسا.
– وهل هذه الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة السياسية مستندة إلى القانون؟
طبعا هي مستندة إلى القانون الفرنسي.
– كشف محامي العائلة موريس بيتان عن تجديد مذكرات التوقيف ضد بعض المسؤولين الأمنيين المغاربة، كيف ذلك؟
فعلا لقد كانت مذكرة التوقيف محجوزة لدى وزارة العدل الفرنسية، لكن اليوم تم توزيع الأمر بالاعتقال دوليا في حق بعض المسؤولين الأمنيين على مستوى منطقة «شينغن». لكن في الحقيقة لقد لجأ قاضي التحقيق إلى هذا الإجراء الخاص بالأمر الدولي بالتوقيف بعد أن وجد نفسه في حالة استحالة للاستماع إليهم عن طريق الانتداب الدولي. فكما ذكر المحامي بيتان لقد مرت أكثر من 11 سنة على تقديم قاضي التحقيق طلبه للاستماع إلى هؤلاء الشهود دون استجابة من طرف السلطات القضائية المغربية، وهذا ما دفعه إلى اللجوء إلى مذكرات التوقيف. وهذا يدخل في إطار العراقيل التي تحدثت عنها وهو الجمود التام الذي تعامل به القضاء المغربي مع طلبات قاضي التحقيق. وبالإضافة إلى الاستماع لهؤلاء الشهود المغاربة فمطالبنا تمتد أيضا إلى ضرورة تفتيش مقر pf3 الذي كان معتقلا سريا للمخابرات المغربية، والذي يقال أن تفتيشه قد يأتي بنتيجة لكن لحد اليوم ترفض السلطات المغربية السماح بذلك. وإضافة إلى هذه العراقيل التي تفرضها السلطات، هناك عراقيل أخرى من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي لم يستجب لطلبنا اللقاء معه للنقاش حول تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
– ألم تفكروا في اللجوء إلى مسار آخر غير المسار القضائي من أجل إنهاء لغز قضية بنبركة؟
لقد كان اختطاف المهدي بنبركة قضية سياسية ولكن أيضا لها طابع جنائي. ونحن منذ البداية التجأنا إلى المسار القضائي، ومن واجب القضاء مغربيا كان أو فرنسيا أن يساعد أسرة تفتش عن الحقيقة. هناك جريمة وقعت، المجرمون معروفون والمسؤولون كذلك معروفون، ولكن الضحية لا يستطيع حتى الكشف عن مكان الجثمان. والقضاء من واجبه أن يساعدنا للكشف عن كل هذا ونحن لا نرى أن علينا اللجوء إلى وسيلة أخرى غير الوسيلة القضائية. لكن بغض النظر عما نقوم به نحن كأسرة المهدي بنبركة، فإن السياسيين بدورهم يتحملون مسؤولية في هذه القضية ليست سياسية فقط، بل معنوية كذلك اتجاه مناضل قدم الكثير للمغرب من أجل استقلاله وتقدمه. وإنصافا لهذا المناضل من واجب هؤلاء السياسيين دون أن ينتظروا الطلب أن يقوموا بكل ما يمكن من أجل مساعدة القضاء للتوصل إلى الحقيقة.
– بما في ذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يعتبر المهدي بنبركة مؤسسه التاريخي؟
أقصد كل السياسيين، بما فيهم المسؤولين في السلطة وكذلك الأحزاب السياسية.
– هل تقصد أن الأحزاب السياسية بدورها لا تقوم بما يلزم في هذه القضية؟
من المفروض أن يقوموا بدور أكبر مما يقومون به اليوم. وعليهم أن يطالبوا المسؤولين في السلطة من أجل القيام بواجبهم في هذه القضية.
– هل أنتم بعد سنوات طويلة من القضية باحثون عن الحقيقة فقط، أم عن الحقيقة ومحاكمة المسؤولين عن اختطاف المهدي بنبركة؟
الأساسي بالنسبة لنا هو الحقيقة. أما محاكمة المسؤولين فهو أمر لا يهمنا لأن التاريخ يحاكمهم. ما يهمنا هو الحقيقة وإذا أراد القضاء أن يكمل إجراءاته فهذا من اختصاصه، أما نحن فنريد أن نعرف أين جثمان المهدي بنبركة ومن المسؤولين عن اختطافه وكيف تم قتله؟ هذه هي أسئلتنا الأساسية التي نطلب الجواب عليها.
– إلى أي حد أنتم مستعدون للذهاب من أجل التوصل إلى الحقيقة؟
لقد مرت خمسون سنة ونحن نناضل ونطالب بالكشف عن الحقيقة رغم كل العراقيل التي واجهناها. كيف تريدنا اليوم أن نتراجع ونوقف هذه المعركة؟ إن واجبنا كأسرة المهدي بنبركة، أن نطالب بالكشف عن الحقيقة. ومن واجبنا كمواطنين أن نقوم بالأمر ذاته في حق رجل قدم الكثير لهذا الوطن من أجل تقدمه واستقلاله بل وقدم الكثير للعالم الثالث.

أوفقير والدليمي في باريس
في غضون كل هذه التحركات بدأ الصحافي الفرنسي برنيي وأصدقاؤه السينمائيون يقلقون وهم في الانتظار بمقهى ليب، فكلم هاتفيا سكرتيره وأشخاصا آخرين واتصل بجنيف مستفسرا عنه. في اليوم الموالي أي السبت 30 أكتوبر وصل أوفقير إلى مطار أورلي في الساعة الخامسة مساء قادما من المغرب ووجد في استقباله الشتوكي والماحي ولوبيز الذي قاده إلى منزل بوشسيش حيث استقبله الدليمي الذي وصل بدوره في اليوم نفسه قادما من الجزائر. كانت صحيفة «لوموند» قد أعلنت في طبعتها الأولى لليوم ذاته عن إيقاف بن بركة أمام مطعم بشانزيليزيه.
هذه الشخصيات التي توافدت إلى باريس بعد توقيف المهدي بنبركة وزارت بيت بوشسيش آخر المواقع المعروفة التي ولجها المناضل الاتحادي أثارت علامات الاستفهام حول المصير الذي تعرض له وأسباب هذه الزيارات الخاطفة، وفي هذا السياق يورد موريس بيتان شهادة أنطوان لوبيز خلال المحاكمة التي ستنطلق في 1966 والتي يؤكد فيها أن أوفقير كان غاضبا بعد زيارته للمنزل، «لقد ظننت أنه كان ضحية تلاعب وخداع» وحسب هذه الشهادة فإن أوفقير تفاجأ بالمصير الذي لقيه بنبركة لأنه كان قادما إلى باريس من أجل مفاوضته من أجل العودة إلى المغرب طوعا أو كرها. وهذا ما كتبه الصحافي نور الدين شلال بجريدة لونوفيل أوبسرفاتور بتاريخ 19 أكتوبر عندما أشار إلى أن أوفقير كان غاضبا بعد اكتشافه اغتيال بن بركة، فلقد كان في نيته استنطاقه وترحيله قسرا إلى المغرب.
وبعد أن انتهت المهمة سرعان ما ستنفض العصابة التي كانت وراء عملية الاختطاف سواء من الفرنسيين أو المغاربة، ففي يوم الأحد وبعد منتصف الليل ببضع دقائق هاتف الدليمي أنطوان لوبيز كي يأخذه هو وأوفقير إلى مطار أورلي. وبينما استقل أوفقير الطائرة باتجاه جنيف سافر الدليمي والحسيني إلى الدار البيضاء.
وفي حدود الساعة الحادية عشرة صباحا من اليوم ذاته ذهب عبد القادر بن بركة شقيق المهدي إلى مفوضية الشرطة لتقديم شكاية وحكى عن الوقائع كما سمعها من التهامي الأزموري. كان اليومان السابقان لهذه الشكاية كافيين بالنسبة للعديد من المتورطين سواء من الفرنسيين أو المغاربة كي يختفوا عن الأنظار بعيدا عن رقابة الأمن والقضاء.
هذه الشهور الأخيرة من حياة المهدي بنبركة عرفت تصاعدا في نشاطه الذي أثار عداء دوليا لبعض القوى العظمى، كما أن الساعات الأخيرة من حضوره بين رفاقه تظهر الطابع المفاجئ لحادثة اختفائه رغم وجود تنسيق واضح ومسبق بين أطراف المؤامرة في المغرب وفرنسا. لكن ما الذي حدث داخل منزل بوشسيش حيث نقل المهدي بن بركة بعد اختطافه؟

حاتمي: قرائن موريس بيتان حول مقتل بن بركة لا ترقى إلى مرتبة الأدلة
تلخيص اللعبة السياسية بعد الاستقلال في صراع بين فريقين يعتبر مغالطة
يعتبر محمد حاتمي في هذا الحوار أن المحامي موريس بيتان في كتابه حول شخصية المهدي بن بركة استطاع أن يورد الكثير من التفاصيل والمعطيات لكنه عرضها بنفس المحامي المرافع، ولا يدعي أنه مؤرخ يعالج حقيقة تاريخية. ويؤكد أن المؤرخ لا يؤمن إلا بسلطة الوثيقة وهو ما يجعله متحفظا في الانسياق وراء القرائن التي يوردها المؤلف في كتابه.
– اطلعت على كتاب موريس بيتان «الحسن الثاني، ديغول، بن بركة ما أعرفه عنهم»، ما هي ملاحظاتك الأولية بخصوص هذا المؤلف؟
الكتاب متميز وفق جميع المعايير. أولا لأن صاحبه هو المحامي الدائم لعائلة بنبركة، ومن موقعه هذا فهو ملم بتفاصيل الملف وبجميع المراحل التي مرت منها القضية منذ اندلاعها سنة 1965 إلى حد الآن. ويمكن الجزم بأنه مرجع في الموضوع، وفي القضايا المتفرعة والتي لها صلة بواقع أجهزة الأمن في فرنسا وارتباطاتها بنظيراتها المغربية والأمريكية والإسرائيلية. وثانيها لأن الكاتب مغربي، بمعنى أنه ولد وترعرع وعاش واشتغل في المغرب، ومن ثمة فهو يعرف العقلية المغربية بحكم تعامله مع فئات عريضة من الشعب، مع النخب ومع رجل الشارع البسيط. وغني عن البيان أن المحاماة تفترض معرفة دقيقة بالمجتمع الذي يشتغل فيه صاحب الكسوة السوداء. وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بأن والده امتهن المحاماة وكانت له صولات في الدفاع عن الوطنيين المغاربة. ولا يدع الكاتب فرصة للتذكير بأنه استمد حبه للمهنة وتشبثه بأخلاقياتها من أبيه الذي يعتبره قدوة ونموذجا. وثالث الاعتبارات أن الكاتب رافع في بداية شبابه في جميع القضايا الكبيرة التي عرفها المغرب المستقل، فقد دافع عن متورطين في قضية عدي أوبيهي، وعن متهمين بالمس بأمن الدولة خلال النصف الأول من ستينيات القرن العشرين. ورابع الاعتبارات أن الكاتب قرأ جميع ما كتب عن قضية بنبركة، ولا يجد حرجا في الإشارة إلى هذا الطرح أو ذلك، ومن ثمة فهو ينزع للمقارنة ليبين صحة هذا الطرح أو بطلانه أو تقصيره. ثم إن الكتاب صيغ بأسلوب رفيع وراق يشد القارئ ويجعله منجذبا. وفيما يخص الترجمة للعربية، فهي إجمالا في المستوى حيث حرص المترجم على الوفاء لروح النص الأصلي، فالقارئ يلمس الجهد الكبير الذي بذله المترجم لييسر القراءة ويقرب العديد من المفاهيم ويبسط الطروحات والطروحات المضادة. إنها عملية شاقة تستوجب دربة واحترافية، وهو ما أبان عنه المترجم.
– يقدم الكتاب وقائع تاريخية معروفة في تاريخ المغرب المعاصر، هل توفق الكاتب في رصد هذه الوقائع من حيث القراءة التاريخية؟
لا يدعي الكاتب الإلمام بضوابط علم التاريخ، فبالأحرى الالتزام بها. إنه يتعامل مع النوازل من موقع المحامي الذي يسعى إما إلى التبرئة أو إلى الإدانة. وغني عن البيان أن المؤرخ ينأى بنفسه عن منطق الدفاع أو الإدانة، بل وحتى أن يكون حكما وقاضيا. إن المؤرخ لا يؤمن إلا بسلطة الوثيقة. وعليه فمن الصعب الانسياق كليا مع العديد من الطروحات التي يوردها الكاتب، مستندا في تقديمها على قرائن. إن القرائن تبقى في آخر المطاف مجرد قرائن، ولا ترقى إلى مستوى الدلائل الدامغة. وما يستوجب التشديد عليه هو أن تقديم اللعبة السياسية المغربية خلال العقد الأول من الاستقلال في شكل مبارزة بين فريقين متنافرين، واحد مكون من الملائكة والآخر من الشياطين، الأوائل حريصون على الالتزام بالأخلاق والمثل العليا، والآخرون لا يتورعون في القيام بأبخس الأعمال للحصول على السلطة واحتكارها. إن طرحا من هذا القبيل ليس مجانبا للحقيقة فحسب، بل هو مغلوط. إن اللعبة السياسية من دون شك عرفت مواجهة بين اتجاهات متناقضة، أهمها اثنان: مناصرو رفعة المؤسسة الملكية على ما سواها، ومناصرو الملكية البرلمانية أو على الأقل صيغة مقاربة لها. ولم تكن الهوة بين الفريقين بالشساعة التي تؤدي حتما إلى الخروج عن جادة الصواب بشكل منهجي. وما من شك أن الأمير مولاي الحسن كان أكثر ذكاء وتصميما في تغليب كفة المؤسسة الملكية، والمؤكد أنه اعتمد في العديد من المناسبات أساليب أقل ما يمكن أن تنعت بها أنها غير نزيهة، ولكنه مع ذلك كان حريصا على أن تبقى الملكية ذات مصداقية وأن لا تلطخ يديها بما يمكن أن يسفهها أو يخدش نقاءها.
– استند المؤلف إلى مجموعة من الأدلة والحجج لتبرير قراءته الشخصية للأحداث المسرودة في هذا المؤلف، ما درجة قوة هذه الحجج التي استند إليها؟
الأدلة والحجج من اختصاص المحاكم والهيئات القضائية. نحن من موقعنا كمؤرخين لا نبغي بالضرورة الوقوف على الحقيقة بقدر ما يهمنا رصد الميكانيزمات التي تحكمت في تطور موازين القوى في بلد ناشئ، انتقل في زمن قصير بفضل الحمايتين الفرنسية والإسبانية من بلد «سائب» إلى بلد له ما يكفي من وسائل الضبط، ثم نال استقلاله دون الخوض في حرب تحرير ضارية، وأنعم الله عليه بقيادة رشيدة جسدها السلطان محمد بن يوسف. إنه مهما قيل من أقاويل في شأن العنف السياسي الذي أعقب الاستقلال، فإنه يبقى إجمالا قليلا من حيث العدد، وحفيفا من حيث التداعيات. إن قولنا لا يعني بتاتا غياب التعسف، وإنما نبغي من ورائه وضع الأمور في سياقاتها. وعليه فإن الكثير مما أورده بيتان يحتمل القرائن التي أوردها لإقامة البينة على وجود أيادي خفية حركت الأمور في اتجاه معين هو تعزيز هيمنة الأمير مولاي الحسن على الشأن السياسي تأسيسا على مقولة «من المستفيد الأول والأخير». ولكن هذا لا يعني أن الأمير كان مسؤولا عن جميع التجاوزات والانتهاكات، لأن بعضها ارتكب من دونه ومباركته. ومهما يكن، فإن القرائن المقدمة تغني الجدل وتعزز مواقع المطالبين بالحق والمتشبثين بوجوب معرفة الحقيقة، وهؤلاء لا ينحصرون في عائلة المهدي بنبركة، لأن المهدي ليس حكرا على ذويه، بل هو وطني مشاع حبه بين الجميع، ومن ثمة فالحقيقة واجبة لجميع المغاربة وكل المناضلين في العالم.

الأساطير المؤسسة لمصير المهدي بنبركة
روايات متضاربة تدفن المناضل الاتحادي في كل بقاع الأرض
ينقل المحامي موريس بيتان في كتابه الصادر أخيرا باللغة العربية ترجمة رشيد برهنوس عددا من الروايات والشهادات ونتائج التحقيقات التي حاولت مقاربة ما جرى للمهدي بنبركة بعد اختطافه. وبين فرضيات التسميم أو الطعن بالسكين أو الضرب حتى الموت تضاربت الروايات المنقولة إلى درجة تجعل بعضها أقرب إلى الأساطير والبعض الآخر دراما محبوكة، بينما تستند بعض هذه الفرضيات إلى دعامات منطقية تجعلها أقرب إلى الواقع والحقيقة.
خنجر أوفقير
لم يكد يمضي على اختطافه بضعة أسابيع حتى تحدث الصحافي السويسري شارل هنري فافرود في 18 نونبر 1965 في صحيفة «لاغازيت دو لوزان» عن «عملية قتل بالسكين» وهي الفرضية ذاتها التي وردت للصحافي بول ديهيم في صحيفته «ليتر كونفيدونسيال» وأعادت نشرها صحيفة لوفيغارو في 23 دجنبر 1965.
وتتقاطع رواية الطعن بالسكين مع ما كتبه الصحافي روجي موراتيت في كتابه «إنهم اغتالوا بن بركة» والذي يروي فيه أن الدليمي قرر بعد وصوله إلى منطقة فونتناي حيث احتجز بن بركة من طرف المرتزقة الفرنسيين الأربعة (قرر) الصعود إلى غرفة بن بركة مصحوبا بشرطي وبشخص يدعى الحسوني وفي الساعة السادسة وصل أوفقير واختار خنجرا صغيرا من مجموعة من السكاكين. وحسب الرواية فإن أوفقير لم يكن يقصد ذبح بن بركة بل إيلامه فقط بجروح بسيطة فقط، ثم نقل بعدها على متن سيارة ستروين دبلوماسية إلى منطقة أخرى حيث استأنفت عملية استنطاقه واغتيل بعدها ووضعت أشلاؤه في حقيبة.
رواية الخنجر الذي حمله أوفقير معه أثناء تعذيب بن بركة وردت كذلك في كتاب أصدره الجنرال الفرنسي كلود كليمون تحت عنوان «أوفقير» إذ يفترض الكاتب أن بن بركة ربما توفي على إثر سكتة قلبية بسبب وخزات مؤلمة تفنن أوفقير في توزيعها بأجزاء مختلفة من جسده بواسطة خنجر مشحوذ جيدا.
الركلة أو العصا القاتلة
إلى جانب رواية خنجر أوفقير وطعناته المفضية إلى موت الزعيم الوطني المهدي بن بركة تضاربت شهادات كثير من المرتزقة الذين شاركوا في اختطاف المهدي بن بركة أو بعض المقربين منهم لتورد فرضية القتل غير المقصود بسبب التعرض لتعذيب شديد أو لضربة مفاجئة من طرف جلاديه. فقد نشرت جريدة «لوكانار اونشيني» في 10 دجنبر 1969 رواية مخالفة لما روي سابقا حيث أكدت أن بن بركة أبدى مقاومة شديدة وهو على متن السيارة بعد اختطافه فضربه أحد المختطفين. وكان بن بركة قد تعرض سابقا لحادثة سير زرعت له على إثرها فقرة اصطناعية في عموده الفقري، وبفعل هذه الضربة تحركت هذه الفقرة من مكانها وسدت النخاع الشوكي مما أدى إلى وفاته.
وإذا كانت هذه الضربة الواردة في هذه الرواية قد حدثت أثناء نقله في السيارة فإن سيرج جوزلان يتحدث عن ضربة من نوع آخر في مقال له نشر في مارس 1970 في مجلة «لي طون مودرن» وذلك نقلا عن موريس شومان الذي كان حينها وزيرا للخارجية. إذ يروي شومان أن بن بركة المحتجز في قبو طلب من حارسه أن يخفف قيوده، ولما اقترب منه هذا الأخير سدد إليه ركلة في خصيتيه أفقدته صوابه فقتله. والملاحظ أن هاتين الروايتين تتقاطعان في نتيجة واحدة هي تبرئة الجنرال أوفقير من دم بن بركة.
الضربة المفاجئة وردت كذلك في رواية قدمها عميل سابق للمخابرات الفرنسية يدعى جيروم ألفونسي والتي قال فيها إن المهدي بن بركة مات بشكل مفاجئ إثر تلقيه ضربة جيدو سددها له شخص يدعى ليفي شارك في عملية الاختطاف، وقد فعل ذلك بعد أن لاحظ أن بن بركة يحاول مقاومة المرتزقة الفرنسيين المكلفين باختطافه. ضربة أخرى جاءت في إحدى الروايات، لكنها بالعصا وليس بالجيدو أو بالركل. فحسب ما صرح به أحد الشهود أمام القضاء الفرنسي نقلا عن الجنرال غروسان المدير السابق لمصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس فإن بن بركة ثارت حفيظته عند وصوله مع مختطفيه إلى فونتناي ولم يجد المبعوث المغربي الذي تم استدراجه به، وحينها حاول الهرب، ولكن أحد المرتزقة وهو المدعو بوشسيش اعترض طريقه لينشب شجار وتبادل للكمات بين الرجلين فأخذ بوشسيش عصا وهوى بها بقوة على عنق بن بركة وهكذا فارق الحياة.
الجرعة الزائدة
إضافة إلى فرضيات الطعن والتعذيب والضربات المفاجئة ترددت فرضية أخرى في مجمل الشهادات المتناقلة بخصوص هذه الحادثة اللغز. هذه الفرضية هي حقن بن بركة من طرف جلاديه بحقنة زائدة من المهدئات أفضت إلى موته. هذه الفرضية قدمها شخص يدعى باليس الذي روى أن بن بركة قد يكون مات بعد سكتة قلبية على إثر منحه جرعة مفرطة من الأدوية المنومة قصد ترحيله إلى المغرب وهو نائم. وهي الرواية ذاتها التي كررها المحامي الفرنسي طكسيي فينيانكور أمام المحكمة في 1966 الذي أكد أن بن بركة مات يوم 29 أكتوبر 1965 في الساعة الثالثة بعد الزوال ميتة غير مقصودة بسبب جرعة زائدة من المواد المنومة التي حقن بها ليرحل إلى المغرب.
في 30 يونيو 2001 ستتعزز هذه الفرضية بقوة بسبب شهادة عميل المخابرات المغربي أحمد البوخاري التي نقلتها «لوموند» و»لوجورنال». حسب هذه الاعترافات فقد حل الدليمي بباريس في الساعة التاسعة مساء قادما من الرباط، وما إن دخل إلى صالون بوشسيش حتى بدأ في شتم بن بركة، بل وحاول خنقه ثم قيده إلى كرسي. فقام بوبكر الحسوني بحقنه بجرعة لتهدئته لكن الجرعة كانت زائدة مما أفقده وعيه. بعد فترة وصل الجنرال أوفقير عند منتصف الليل وبعد حقن بن بركة بجرعة ثانية علقه أوفقير ويداه مقيدتان إلى الوراء واقترب منه حاملا الخنجر الشهير وجرحه في مواضع مختلفة من جسده، لكن بن بركة لم ينطق بكلمة واحدة واستمرت جلسة التعذيب ساعة كاملة إلى أن توفي المناضل الاتحادي.
مصير الجثمان
بالطريقة نفسها التي تواترت فيها الروايات حول طريقة مقتل الشهيد المهدي بن بركة وتعددت، تضاربت كذلك الفرضيات حول مصير الجثمان الذي لا تزال أسرة المهدي بن بركة تأمل في العثور عليه من أجل تأبينه وتضميد جراحها التي طالت لسنوات. في هذا السياق ينقل مورين بيتان في كتابه مختلف هذه الفرضيات فحسب الصحافي بول ديهيم فإن بن بركة وضع بعد مقتله في الصندوق الخلفي للسيارة، وفي المساء أقلت طائرة خاصة الجثمان مبتعدة عن فرنسا. أما بول لومارشان في شهادته أمام القاضي في جلسة استماع سنة 1966 فينقل عن أحد المرتزقة قوله إن كان المغاربة قد قتلوه فمن الأرجح أنهم دفنوه في غابة قريبة من فيلا لوبيز.
وحسب ضابط في المخابرات الفرنسية فإن الحل الذي توصل إليه قتلة بن بركة كان هو وضع الجسد في حوض ماء وتقطيعه إلى أجزاء دونما حاجة إلى المواد الكيميائية. وحسب روجي ميراتي في كتابه «إنهم اغتالوا بن بركة» فإن جثمان المهدي نقل إلى سفارة المغرب على متن سيارة دبلوماسية في انتظار الانتقال إلى مطار أورلي، وفي 30 أكتوبر تقدم شخصان ينتميان إلى شمال إفريقيا إلى شركة الطيران إير فرانس وذكرا أنهما سيستقلان طائرة الحادية عشرة ليلا المتجهة إلى الدار البيضاء وسجلا حقيبة لهما. وفي مطار الدار البيضاء أنفا اقتربت سيارة إسعاف من الطائرة حيث أخذ هذان الشخصان أمتعتهما ووضعاها في سيارة الإسعاف التي توجهت مباشرة إلى فيلا المقري الواقعة خارج الرباط وهكذا وصل جثمان بن بركة إلى المغرب حسب ميراتي.
أما كلود كليمون الذي كتب بدوره عن هذه القضية فهو يرجح أن يكون جثمان بن بركة مدفونا قريبا من مدينة الناظور، في حين أن باتريس شايروف في مؤلفه عن الشهيد بن بركة يؤكد نقلا عن مصادر موثوقة من مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس الفرنسية على أن جثمان المهدي بنبركة يوجد في مقصف عسكري في كتلة من الإسمنت المسلح مشيدة فوق الماء بمنطقة «فيليي سور مارن» بفرنسا، أما «لوتايم» فتخمن أن جثمان بن بركة قد يكون مدفونا في جزيرة «لاغراند جات» بمنطقة نويي في باريس.
ويرى جان مونتالدو مؤلف كتاب «أوغاد الجمهورية» أن جثمان المهدي بن بركة لن يعثر عليه أبدا لأن أحد المرتزقة المشاركين في اختطافه وتعذيبه اعترف له قبل موته بفترة أن بن بركة مات خطأ وقد تم رمي جثته في بحر المانش. ويقدم صحافي فرنسي آخر يدعى شمويل سيغيف الرواية الآتية بخصوص مصير الجثمان «دفن بن بركة بعد موته سرا، في جنح الليل، في حفرة بورش قيد البناء بحي شعبي بباريس غير بعيد عن الطريق السيار المتجه نحو جنوب فرنسا.
ولم يسلم جثمان المهدي بن بركة من فرضية الحرق أيضا، فحسب ما نقله موريس بيتان عن بيان معلومات خاص باعترافات شخص يقطن بمنقطة مينيسيي ويستفاد منه أنه صاحب محطة للبنزين يقيم بفونتناي قريبا من مكان احتجاز بن بركة، هو الذي قام شخصيا بإحراق جثة بنبركة ودفن الأشلاء والرماد بمنطقة بيانكور. وتعتبر فرضية إذابة جثمان بن بركة أكثر الفرضيات رواجا رغم أن المحامي موريس بيتان يتحفظ كثيرا بخصوصها. لكن عميل المخابرات أحمد البوخاري ذكرها في المقال الشهير المنشور في «لوموند» و»لوجورنال» حيث يروي أن جثمان بن بركة نقل إلى المغرب وأذيب في حوض مليء بالفوسفور شيد في فيلا المقري سنة 1961. كما ينقل موريس بيتان عن العميل ذاته في بعض رسائله أن الإسرائيليين هم الذين زودوا المغاربة بذلك الحمض المستعمل في إذابة الجثمان.
ومن بين كل هذه الروايات والشهادات المتعلقة سواء بموته أو بمصير جثمانه هناك حقيقة واحدة فقط هي التي تطابق الواقع وتماثل ما جرى في يوم 29 أكتوبر 1965 لأشهر المعارضين والمناضلين السياسيين المغاربة. هذه الحقيقة لا شك أنها تقر اليوم في وجدان قلة من الأشخاص الذين كانوا شهودا أو مقربين من شهود هذه الحادثة. وبعد حوالي نصف قرن على اختفاء الزعيم الاتحادي الأشهر في تاريخ المغرب، لا يزال مصيره وقبره لغزا محيرا لكل الباحثين عن الحقيقة الضائعة.

موريس بيتان: الحسن الثاني لم يكن ينوي قتل بن بركة بل استقدامه قسرا إلى المغرب
محامي عائلة بنبركة قال إن هدف مذكرات التوقيف الدولية ليس الاعتقال
يؤكد موريس بيتان محامي عائلة المهدي بن بركة في هذا الحوار أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يسعى إلى استقدام بن بركة وإعادته إلى المغرب ولم يكن الهدف من اختطافه هو اغتياله. لكنه يطالب اليوم بالكشف عن الحقيقة وعن مكان دفن الجثمان إنصافا للأسرة التي تنتظر ذلك منذ حوالي نصف قرن.
– في كتابك «الحسن الثاني، ديغول، بنبركة ما أعرفه عنهم» أشرت إلى أن الحسن الثاني كان ينوي فقط اختطاف بنبركة من أجل إعادته إلى المغرب وليس من أجل تصفيته ماذا حدث إذن؟
هذا رأيي الشخصي الذي كونته بناء على تحليل سياسي يستند إلى تطورات الأحداث والعناصر، لقد بدأت الأمور بعد إعلان حالة الاستثناء في 8 يونيو، ثم جرى اللقاء الذي لم ينجح بين مولاي علي وبنبركة في فرانكفورت، وكان بنبركة طبعا قد أدين مرتين بالإعدام وكان يرغب في العفو من خلال ظهير ملكي. وخلال سنتين كاملتين توقفت المفاوضات مع بنبركة الذي بقي في باريس وعندما عاد التفاوض بوساطة عبد الرحيم بوعبيد اعتبر الحسن الثاني أن الأوان قد فات. لا أحد يعرف لماذا فات الأوان. وبين هذه الأحداث كلها سيسقط بن بلة في الجزائر، وكنت قد حضرت شخصيا محاكمة أيت احمد في الجزائر في شهر مارس، وعندما التقيته في السجن قال لي إذا تمت إدانتي فسيسقط بن بلة في غضون أشهر.
– ماذا حدث بعد ذلك؟
بعد ثلاثة أشهر سقط بن بلة الذي كان عندما يخرج إلى الساحة العمومية كان عشرات الآلاف من الجزائريين يحتشدون لتحيته، لكن بعد سقوطه لم يتحرك أحد احتجاجا على ذلك. بعد كل هذا كانت القمة العربية بالدار البيضاء وقرر الرؤساء العرب أن ينشغل كل بما يجري في وطنه دون التدخل في بلد الجوار، وعندها لم يعد المهدي بنبركة قادرا على زيارة الجزائر. وعندما حللت كل هذه الأحداث أدركت أن ما كان مطلوبا بالنسبة لبن بركة هو الموت سياسيا كما حدث لبن بلة بعد سقوطه. طبعا لا يمكننا أن ننسى أن بن بركة كان زعيما دوليا وليس محليا فقط، وكان مزعجا بالنسبة للأمريكيين. وهنا قد نتساءل هل كان الأمريكيون فعلا وراء اختفائه أو على الأقل مستفيدين من ذلك وطلبوا من الحسن الثاني ذلك؟ أم أن الحسن الثاني طلب الضوء الأخضر لفعل ذلك؟ في هذا الملف لم نجد بعد جوابا لهذه الأسئلة.
– بعد كل هذه السنوات في المسار القضائي، ألا ترى أنه أضحى من الضروري البحث عن طرق ومسارات أخرى لكشف الحقيقة؟
كل ما نطالب به اليوم هو أن يقولوا لنا أن بن بركة مات، وأن الأمر كان مجرد حادث ولم نقصد قتله، وأن الجثمان نقل إلى المغرب وأنه دفن في المكان الفلاني حيث يمكن لأسرة بنبركة أن تؤبن الفقيد. زوجة بنبركة تنتظر منذ خمسين سنة هذه اللحظة. أذكرك بأن الملك محمد السادس كتب في شتنبر 2001 في مقال على جريدة لوفيغارو قائلا لا بد أن ننتهي من هذه القضية، فلماذا لم يتم ذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.