تفكيك خلية "إرهابية" موالية لداعش خططت لاستهداف منشآت حيوية بالمغرب    أوريد: العالم لن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"    ثورة الطلاب في أمريكا من أجل غزة.. هكذا بدأت الاحتجاجات    "البسيج" يطيح بخلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" خططت لصناعة عبوات ناسفة وتنفيذ هجوم إرهابي (بلاغ)    فيديو: هاتريك أيوب الكعبي في مرمى أستون فيلا    "تقدم إيجابي" فمفاوضات الهدنة.. محادثات غزة غتستمر وحماس راجعة للقاهرة    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    زلزال جديد يضرب دولة عربية    الفرقة الجهوية دالجندارم طيحات ريزو ديال الفراقشية فمدينة سطات    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    ريم فكري تفاجئ الجمهور بأغنية "تنتقد" عائلة زوجها "المغدور"    انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا    هذه وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2024    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    ماذا قال أمين عدلي بعد فوز ليفركوزن على روما؟    بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    رسالة هامة من وليد الركراكي ل"أسود" الدوريات الخليجية    للمرة الأولى منذ 2009.. "تواصل" الإسلامي في موريتانيا يتقدم للانتخابات الرئاسية    مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    عقب قرارات لجنة الأندية بالاتحاد الإفريقي.. "نهضة بركان" إلى نهائي الكونفدرالية الإفريقية    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    الإبقاء على مستشار وزير العدل السابق رهن الاعتقال بعد نقله إلى محكمة تطوان بسبب فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    الكعبي يتألق في أولمبياكوس اليوناني    بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان        النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    باحث إسرائيلي في الهولوكوست: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.. وهناك أدلة كافية قبل أن صدور إدانة المحكمة الدولية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقلال و«البيجيدي».. هل يطفئ التقارب النار المستعرة تحت الرماد؟
نشر في المساء يوم 19 - 01 - 2016

لم يكن يتصور أحد أن تعود العلاقة بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية إلى منطقة الدفء، لاسيما بعد أن قرر عبد الحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال الانسحاب من حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، بسبب ما قال في مذكرته إنها اختيارات «سفيهة» للإسلاميين. وقتها كانت التجربة الإسلامية في الحكم لا تزال فتية تتلمس خطواتها الأولى نحو تطبيع علاقتها مع القصر ومع باقي الأحزاب السياسية الأخرى، وكان جليا أن عبد الإله بنكيران يعي جيدا أن حزبه رغم أنه حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لسنة 2011 أي بعد شهور قليلة من الحراك الشعبي لحركة عشرين فبراير، لكنه لا يستطيع كسب ثقة الأحزاب السياسية المغربية، التي اعتادت طويلا أن تتقاسم كعكة المناصب الوزارية لوحدها. الاصطدام الأول بين الاستقلال والبيجيدي في «زمن الإسلاميين» حدث مباشرة بعد أن عاد بنكيران مزهوا بتعيينه رئيسا للحكومة من لدن الملك في ميدلت، حيث اعتقد الاستقلاليون الذين راكموا تجربة طويلة في تدبير الشأن العام أن الباب لا يزال مواربا ليدبروا المرحلة كما شاؤوا، رغم أن نتائج الانتخابات أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن «مولا نوبا»، التي جاءت بالاستقلاليين إلى الحكم، لم تعد صالحة في مرحلة ما بعد العشرين من فبراير. رفض الاستقلاليون رفضا قاطعا التخلي عن «محمية» وزارة التجهيز إبان مفاوضات تشكيل أول حكومة ما بعد الدستور الجديد، بيد أن الإسلاميين كانوا أكثر شراسة في الدفاع عن الوزارة اللغز كما سماها الاستقلاليون، ثم بعد أن صفا الجو بين الطرفين لفترة وجيزة اندلعت معركة جديدة تتعلق برئاسة مجلس النواب، إذ خاض الحزبان معركة كسر العظام انتهت بفوز العدالة والتنمية وحليفه في الأغلبية الحكومية حزب التجمع الوطني للأحرار، مثلما انتهت حرب المواقع حول وزارة التجهيز لصالح الإسلاميين أيضا. غير أن فصول الصراع بين الحزبين وصلت أشدها حينما قرر حزب الاستقلال، في موقف وصف بالغريب، الانسحاب من حكومة عبد الإله بنكيران، فلم يكد مؤتمر أحفاد علال ينتهي حتى بدأت حرب غير مسبوقة بين العدالة والتنمية والاستقلال وصلت حد اتهام بنكيران بخدمة أجندة داعش والموساد واتهام شباط بخدمة الدولة العميقة…
تحالف «البيجيدي» والكتلة الديمقراطية.. رهان استحقاقات 2016
مع اقتراب كل موعد انتخابي، تشرع الأحزاب السياسية في إعادة حساباتها وتموقعاتها من أجل الدخول في مرحلة جديدة تفتح على جميع الاحتمالات، وتواكب ذلك قراءة للمشهد السياسي المرتقب من لدن المحللين والمتابعين، فيتم التقاط كل إشارة أو تصريح بهدف التأويل والبحث عن خلفياته وانعكاساته، ومن الأمثلة على ذلك، ما صدر عن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال حفل نظمته السفارة الفلسطينية بمناسبة الذكرى 51 للثورة الفلسطينية، عندما قال: «هذه يدي ممدودة» مخاطبا كلا من إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، وحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وهو ما فهم منه أن بنكيران يرغب في تحالف جديد للمرحلة القادمة. سعي العدالة والتنمية من أجل التحالف مع أحزاب الكتلة (الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية)، ليس بالأمر الجديد، بل كان هذا هو أمل بنكيران قبيل تشكيل الحكومة، إذ أعلن صراحة حينها أن الأولوية في مشاوراته لهذه الأحزاب، خاصة أن هذا كان طموح الكثيرين، بالنظر إلى وجود تقارب بين هذه الهيئات السياسية من أجل محاربة الفساد والتحكم وتنزيل كافة الإصلاحات التي يطمح إليها المغاربة، ولعل أبلغ تعبير عن ذلك هو الذي قاله بنكيران ذات يوم بمجلس النواب للنواب الاتحاديين: «كنت بغيتكم تسخنوا ليا كتافي»، وهو ما يبين أن ميوله الأول كان هو أحزاب الكتلة دون غيرها من الهيئات، غير أن التحالفات اتخذت منحى آخر، وعرفت هذه الحكومة عددا من التغييرات بدءا بخروج حزب الاستقلال والتحالف من جديد مع حزب التجمع الوطني للأحرار، وما تلا ذلك من مشاكل وخلافات سواء داخل الأغلبية أو داخل المعارضة، التي تصدعت بفعل تشكيل مجالس الجماعات والجهات وانتخاب رئيس مجلس المستشارين. إن التجربة الحالية للحكومة بعد خروج حزب الاستقلال أبانت أن أكثر الحلفاء تماسكا هما حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، في حين انقلب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية على حليفيهما، خلال تشكيل مكاتب الجهات والجماعات وانتخاب رئيس مجلس المستشارين، خاصة ما عرفته كل من تطوان والرشيدية والحسيمة، وإن كان ما حدث لم يكن مفاجئا لعدد من المحللين السياسيين، إذ سبق لعبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل، أن قال: «إن ما حدث ليس مفاجأة، ويحيل من جديد على مصطلح أحزاب الإدارة، الذي كان يستعمل من طرف قوى اليسار». ما وقع داخل الأغلبية حصل نظيره داخل أحزاب المعارضة، إذ أن اصطفاف كل من حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي إلى جانب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، كانت له نتائج «إيجابية» حصدها «الجرار» لصالحه، بحصوله على رئاسة خمس جهات ورئاسة مجلس المستشارين بعدما رفض التنازل عملا بمبدأ الديمقراطية لحزب الاستقلال، الذي تصدر نتائج الغرفة الثانية، هذا الأخير تقدم بمرشحه عبد الصمد قيوح والذي لم يفز بفارق صوت واحد، بعدما صوتت لصالحه أحزاب الكتلة الديمقراطية وحزب «المصباح». عموما، فإن ما شهدته المرحلة الحالية أبرز أن هناك قطبين، الأول يمكن أن نطلق عليه «تحالف الأحزاب الوطنية والديمقراطية»، والذي يتجلى في حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، وتحالف آخر يضم الأحزاب التي يمكن أن توصف بأنها أحزاب إدارية، والمتمثلة في كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الدستوري، غير أن هناك من يرى أنه ينبغي أن يكون التحالف على أساس المرجعيات، وهو ما يقول به إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، الذي يرى وجود «تكتلين أساسيين واضحي المعالم، الأول يهم انضمام الاستقلال إلى العدالة والتنمية، لأن لهما من العناصر المشتركة أكثر مما يفرقهما على اعتبار أن لهما نفس المرجعية والإيديولوجية إلى جانب كونهما حزبين قويين، بينما يوجد تكتل آخر يمكن أن يكون قويا وهو تكتل اليسار». ورغم اختلاف القراءات، فإن التحالف الأقرب إلى الواقعية والرهان الذي يحد من التعديلات الحكومية هو تحالف أحزاب الكتلة إلى جانب حزب العدالة والتنمية، هذا في الحالة التي تكون فيها القيادات السياسية التي تأخذ بزمام الأمور قد استوعبت الدرس جيدا مما حصل خلال هذه الولاية الحكومية، وإلا فإن المشهد السياسي سيعيد نفسه خلال الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2016.
بنكيران وشباط.. تاريخ طويل من الاتهامات بالفساد والجنون والخيانة
سوابق التحالف الحكومي تلاحق أي تحالف جديد بين الحزبين
لم يكن رئيس الوزراء البريطاني «ونستون تشرشل» يدرك أن عبارته الشهيرة «لا توجد صداقات ولا عداوات دائمة، بل توجد مصالح دائمة» ستوظف بشكل كارثي، لتصبح مطية لزعيمين حزبيين سارعا لدفن مئات الاتهامات الخطيرة، التي تبادلا القصف بها على مدار شهور، قبل أن يهرولا لبناء تحالف فوق أنقاض سابقه. هذه الاتهامات التي لايزال بعضها حيا ولم يجف مداد الحبر الذي كتبت به، تحملها المغاربة على مضض لفترة من الزمن، لكونها صدرت عن الرجل الثاني في هرم الدولة باعتباره رئيسا للحكومة، أما الطرف الثاني فليس سوى أمين عام لحزب سياسي له وزنه التاريخي، قبل أن تنقلب الأمور، وتتحول العداوة التي وظفت فيها الإضرابات ووسائل الإعلام، ومؤسسات الدولة والمهرجانات والمسيرات والخطب إلى رقصة «دبكة» انتشى بها رئيس الحكومة بمعية غريمه السابق، الذي فضل العودة بعد رحلة ضياع في المعارضة. فرئيس الحكومة الذي لم يستطع كبح مشاعره السياسية بعد إعلان شباط توبته ليخاطبه ب»السي» التي هي كلمة تدل على الاحترام لدى المغاربة، هو نفسه الذي وصفه ب»الهبيل»و»أكبر مفسد»، وبأنه "داير بحال المنشار طالع واكل، نازل واكل»، قبل أن يمد له يده من جديد، ما يعيد للواجهة عبارة بنكيران الشهيرة «عفا الله عما سلف». يحدث هذا في الوقت الذي لازالت حدة الانتقادات تتصاعد تجاه بنكيران وحكومته نتيجة عجزها عن محاربة الفساد، لذا فلا غرابة أن الترتيبات الجارية لتجديد التحالف مع شباط ستطرح أكثر من علامة استفهام ستلاحق بنكيران وحزبه، في ظل الاتهامات المتكررة التي كالها رئيس الحكومة لشباط بالفساد وتكوين ثروة مشبوهة. فالرجل لم يكتف بوصف الأمين العام لحزب الاستقلال ب»مسيو 10 في المائة»، متهما إياه بتلقي مبالغ مالية من المقاولين الفائزين بالصفقات العمومية التي يشرف عليها، بل ذهب أبعد من ذلك وأكد صراحة أنه «المفسد الكبير الذي يريد مغالبة العدالة والتنمية في الانتخابات بالعصابات والبلطجية»، وأنه «يشتري من يخرج في تجمعاته وأنه يريد إخراج الناس للشارع بخمسين درهما»، وأن «عقلاء حزب الاستقلال انفضوا من حوله»، قبل أن يختصر بنكيران التلميح بالقول «إلى بغيتو تعرفو شكون المفسد سيرو لفاس وسولو الناس وستجدون الجواب».
لائحة الاتهامات والنعوت التي هوت بالخطاب السياسي المغربي إلى الحضيض لم تتوقف عند هذا الحد بل تجاوزته حين قال بنكيران أمام أنصار حزبه، «داك لهبيل ديال فاس قالو ليه خرج من الحكومة وغادية تطيح وسنمنحك رئاسة الحكومة وهو يتيق، راها خلات على فاس وأهلها ملي ولا بحال هذاك زعيم ديال الاستقلال يا خسارتاه»، وأضاف «من كثرة غبائه، فتحوا له التلفزيونات وأرسلوه في سفريات للخارج، ومشا لباريس وشاف برج إيفيل ورجع لفاس وجمع الحدادة ديال المدينة وقال ليهم بنيو ليا برج بحالو… «وبقاو دوك لقجاقج حتى جا سيدنا وقال ليهم حيدو عليا هاد لقجاقج».
في مقابل ذلك، فإن شباط الذي وجد في المصالحة مع بلا هوادة ورقة رابحة أنقذت عنقه من مشنقة المؤتمر الاستثنائي لم يعد لديه ما يخسره، فالرجل جرب الحكومة والمعارضة واستهلك كل مجهوده في محاربة رئيس الحكومة وحزبه أملا في إضعاف شعبيته في إطار صفقة لم تتضح تفاصيلها بعد، لكن مفعول ذلك ارتد عليه بفعل النعوت والاتهامات التي أفرطت في الشعبوية، وجعلت عددا من المغاربة يطرحون أسئلة جدية حول الصحة العقلية وطريقة تفكير بعض المسؤولين السياسيين، خاصة بعد اتهام بنكيران بالانتماء إلى تنظيم «داعش» الإرهابي والنصرة، وعلاقته بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد». شباط الذي بدا وديعا خلال لقاء المصالحة مع «بلا هوادة»، ورقص مع رئيس الحكومة، هو نفسه الذي وظف الحمير في مسيرة وسط العاصمة الرباط أملا في إلحاق الإهانة بغريمه بنكيران قبل أن تتحول هذه المسيرة إلى مادة للتندر والسخرية التي تجاوز صداها حدود المغرب، دون أن يشكل ذاك عامل تنبيه يساعده على فرملة، أو على الأقل عقلنة هجومه المتواصل الذي انطلق مباشرة بعد خروجه للمعارضة لأسباب كثيرة، اتضح بعضها بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الجماعية، وما تلاها من انتفاضة ضد حلفائه، وهو ما جعل بنكيران يطالبه بالكشف عما وقع للرأي العام . شباط لم يفوت أي فرصة دون أن يجتهد في إبداع النعوت وطرز الاتهامات لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران مع مطالبته بالرحيل والاستقالة، قبل أن يصاب ب«بالزهايمر»، ويصرح قبل أسبوعين بأن سقوط هذه الحكومة هو سقوط للديمقراطية، رغم أنها الحكومة ذاتها التي اتهمها بتفقير الشعب والكذب عليه، وبأنها صنيعة الدولة العميقة حين قال بأنه « لولا الدولة العميقة لما استطاع بنكيران أن يكون رئيسا للحكومة». قصف شباط لبنكيران الذي تحول إلى مادة مجترة في وسائل الإعلام والتجمعات والمسيرات، طال التشكيك في الذمة المالية لرئيس الحكومة، حين أكد أن مكانه في السجن على خلفية الضجة التي أثيرت بشأن مطبعة قال شباط إنها في ملكية بنكيران، وأن الأخير تعمد إنكار ذلك، وأضاف بأن «بنكيران له سياسة غير شعبية، وفشل في تسيير «حانوت» وجاء ليتعلم فينا الحسانة». ولأن الكثير من المسؤولين والسياسيين يراهنون على الذاكرة القصيرة للمغاربة فلا بأس من التذكير باتهام حميد شباط لرئيس الحكومة بأنه «أكبر خائن للوطن والشعب»، وأنه «يتعمد التشهير المجاني بالمواطنين الشرفاء دون أدلة ولا وثائق، وأنه انقلب على الشعارات التي كانت ترفع أيام المعارضة، وعلى البرنامج الحكومي من خلال الإعفاءات التي استفاد منها مهربو الأموال، ليطبع مع الفساد ويتحول إلى أشرس المدافعين عنه،»، وهي الاتهامات التي رد عليها بنكيران بمطالبة شباط بالكشف عن مصدر ثروته، وقال «أتحداه أن يصرح بممتلكاته كعمدة لفاس وبرلماني دون سب وشتم»، متسائلا: «كيف جمع نقابي وعمدة مدينة كل هذه الأموال». وبالرجوع إلى قائمة الاتهامات التي سددها كل طرف للآخر، فإن أي تحالف مستقبلي بين الحزبين سيكون مهددا بشروخ عدة حسب عدد من المتتبعين، ما لم يطرأ تغيير على مستوى القيادة لطي صفحة ما حدث، بعد أن اجتهد كل من بنكيران وشباط في نسج سيل من الأوصاف القدحية والاتهامات الخطيرة التي اكتسى بعضها طابعا جنائيا.
بلقاضي: «البيجيدي» والاستقلال سيتحالفان لتفادي أي مفاجآت انتخابية للأصالة والمعاصرة
قال إن «الجرار» يعي بأن قوته يستمدها من الأحزاب الوطنية وليس الإدارية
في هذا الحوار يتحدث ميلود بلقاضي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية أكدال في الرباط، عن التحول الذي تعرفه علاقة أحزاب الكتلة، وبشكل خاص حزب الاستقلال بالعدالة والتنمية، وإمكانية الذهاب نحو تحالف مشترك قبيل الانتخابات التشريعية القادمة. ورغم استبعاده إمكانية خلق تحالف رباعي بين أحزاب الكتلة و«البيجيدي»، إلا أن بلقاضي سجل أن أي تحالف من هذا الشأن سيشكل خطرا حقيقيا على وجود حزب الأصالة والمعاصرة ومستقبله السياسي، بعدما أكدت الانتخابات الأخيرة أنه يمارس السياسة كما وليس كيفا.
– كيف تقرأ التحول الذي تعرفه علاقة حزب الاستقلال بحزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل المصالحة والنقد الذاتي الذي مارسه «الميزان» بعد خروجه من الحكومة ونتائجه في الانتخابات الأخيرة؟
أولا يصعب الحديث عن تحول جذري في علاقات حزب الاستقلال بحزب العدالة والتنمية، ولكن يمكن الحديث عن تحول نسبي حذر وبراغماتي يصعب فهمه دون ربطه بنتائج الانتخابات الجماعية والجهوية وانتخابات مجلس المستشارين، التي عرت حقيقة لعبة التحالفات -في ظل غياب الإطار القانوني والسياسي الضابط- والتي كان من أكبر ضحاياها حزب الاستقلال، الذي تخلت عنه أحزاب المعارضة، مما جعل الحزب يعرف زلزالا سياسيا، خصوصا بعد السقوط المدوي لحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال. هذا الأمر دفع هياكل الحزب وقادته وحكماءه إلى القيام بنقد ذاتي أفرز خروج الاستقلال من المعارضة إلى المعارضة المواطنة أو المساندة النقدية للحكومة تمهيدا لتحالف مستقبلي مع حزب البيجيدي. ونشير إلى أن التقارب بين الحزبين هو تقارب براغماتي محض تتحكم فيه الحسابات السياسية والتموقعات المستقبلية أكثر منه تقارب إيديولوجي أو فكري. حزب الاستقلال اقتنع بأن بنكيران هو رجل كلمة وحزبه أصبح رقما صعبا في كل المعادلات الحزبية والحكومية على الأقل إلى سنة 2021، وحزب البيجيدي يرى في حزب الاستقلال القوة التي يمكن أن يعتمد عليها لمواجهة أي تحالف مستقبلي بين حزبي الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار. ولذلك يجب أن يفهم هذا التحول في التقارب مجرد تحول تكتيكي استباقي يمهد لتحالف انتخابي وحكومي بين حزبين مشهود لهما بالتنظيم للرد على حزب الأصالة والمعاصرة، الذي هيمن على الانتخابات الأخيرة ويتجه نحو احتلال المراتب الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة لرئاسة حكومة 2017. هذا التوجه يخيف حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية اللذين سيضطران لخلق تحالف مستقبلي، تفاديا لأي مفاجآت انتخابية واردة قد يخلقها حزب البام في الانتخابات التشريعية نهاية 2016.
– بنكيران خاطب شباط في أحد اللقاءات: «هذه يدي ممدودة»، فهل هذا إعلان عن نهاية «الحرب السياسية» بينهما والتوجه نحو تنسيق مشترك في أفق الانتخابات القادمة؟
بنكيران كائن تواصلي بامتياز يتقن فن اختيار الكلمات والسياقات لإرسال رسائله لخصومه وأصدقائه. ويغتنم كل مناسبة لخلق الحدث، وهذا ما تم فعلا في ذكرى الاحتفال بالثورة الفلسطينية، حيث فاه رئيس الحكومة بجملة «هذه يدي ممدودة»، ليخلق بها الحدث ويحرج بها قادة أحزاب الكتلة الوطنية خصوصا حزبي الاستقلال والاتحاد. فهذا تعبير مباشر منه على أنه مستعد لأي تحالف قبلي ثم بعدي بينه وبين حزب الاستقلال قبل إجراء الانتخابات التشريعية سنة 2016، والتي ستكون انتخابات حرب مباشرة بين حزبي الأصالة والمعاصرة والبيجيدي. لكن يصعب أن نقبل بأن جملة بنكيران ستعلن نهاية «الحرب السياسية» بين الحزبين، وإن كانت لها دلالات عميقة عند بنكيران السياسي البراغماتي والواقعي، الذي سيقبل التحالف مع كل الأحزاب لمواجهة غريمه حزب البام. فبنكيران يغازل حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي لمواجهة ما يسميه التحكم، خصوصا أنه أكد أكثر من مرة أن خلافه مع شباط ومع ادريس لشكر وليس مع حزب الاستقلال أو مع حزب الاتحاد الاشتراكي، اللذين كان بنكيران يعتقد أنهما ينفذان أجندات خارجية لمواجهة البيجيدي
– هذه التغيرات تجري في الوقت الذي يدفع الأمين العام للتقدم والاشتراكية في اتجاه إحياء الكتلة، مع انضمام حزب العدالة والتنمية. هل هذا الأمر ممكن، أم أن الكتلة أصبحت جزءا من الماضي؟
الكتلة كفكرة وكمشروع باقية ولم تمت بعد، لكن ما أصبح فيها من الماضي هي أهدافها وتشكيلتها. حلم بنكيران منذ سنة 2011 هو خلق تحالف مع أحزاب الكتلة لتشكيل حكومة قوية، لأنه واع جدا بأن أي تحالف انتخابي أو حكومي مع أحزاب الكتلة يعني عزل حزب البام ومحاصرته وقتله سياسيا. بيد أن طبيعة النظام المغربي لا تقبل بأن يحدث تحالف انتخابي أو حكومي بين أحزاب الكتلة وحزب العدالة والتنمية، لأن ذلك سيشكل خطرا على المشهد الحزبي بل حتى على الدولة ذاتها لكون هاته الأحزاب هي الأكثر تنظيما وحضورا وشعبية ولها هياكل ومؤسسات ومتحكمة في المجالين الإعلامي والنقابي، وإذا ما شكلت تكتلا حزبيا، فإن المشهد الحزبي سيفقد توازنه الذي تتحكم فيه الدولة. لذلك يصعب أن يقبل بأي تحالف رباعي بين أحزاب الكتلة وحزب العدالة والتنمية، لكن هناك إمكانية القبول بإقامة تحالف ثنائي بين حزب الاستقلال والعدالة والتنمية للحفاظ عن توازنات النسق الحزبي الهش والقابل للانفجار في أي لحظة.
– أي خطورة سياسية يمكن أن يشكلها تحالف هذه القوى تجاه الأصالة والمعاصرة؟
كل المؤشرات تدل على أن أحزاب الأصالة والمعاصرة والاستقلال والعدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي هي الأرقام الصعبة والأساسية في المعادلة الحزبية والسياسية بالمغرب من بين 35 حزبا، ولا يمكن تصور رئيس حكومة مقبل خارج قادة هاته الأحزاب. وإذا ما تشكل التحالف الرباعي سابق الذكر، فإن ذلك سيشكل خطرا حقيقيا على وجود حزب البام ومستقبله السياسي، الذي أكد في الانتخابات الأخيرة أنه حزب يمارس السياسة كميا وليس كيفا. وهناك اليوم أكثر من مؤشر يشير إلى شعور حزب الأصالة والمعاصرة بالعزلة، خصوصا بعد فك أهم أحزاب المعارضة تحالفاتها معه، وأعني الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بعد اتهامه بالعودة للتخويف والتحكم. حزب البام واع بأن قوته تستمد من الأحزاب الوطنية وليس من الأحزاب التي كانت توصف بالإدارية، وبأنه يصعب أن يحكم دون تحالفه مع أحزاب الكتلة الوطنية، التي إذا ما اختارت المعارضة فستكون معارضة قوية على أي حكومة قد يقودها البام بتحالف مع أحزاب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وإذا ما اختارت الحكومة فإنها ستكون حكومة قوية أمام معارضة ضعيفة يقودها حزب البام. لذلك فإن أي تحالف بين أحزاب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكي سيشكل خطرا ليس على البام بل على الدولة ذاتها، ولذلك أستبعد قيام هذا التحالف.
– في حال برز تحالف يضم الاستقلال والعدالة والتقدم وربما الاتحاد الاشتراكي، هل يمكن أن نشهد أيضا تحالفا آخر يضم على الخصوص الأصالة والحركة والتجمع، بشكل يجعلنا أمام قطبين سياسيين بارزين؟
أعتقد أن المشهد الحزبي المغربي صعب الفهم، والتحالفات المشينة والنتائج الغريبة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة أكدت ذلك، لسبب بسيط هو عدم عقلانية ووضوح قواعد اللعب في المشهد السياسي، وعدم استقلالية قرارات الأحزاب لكون الفاعل الحزبي بالمغرب ليس هو الحاسم في التحالفات الحزبية، وإنما هناك فاعلين آخرين يتحكمون في هذه التحالفات وفي قواعد اللعبة الحزبية والسياسية. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تتشكل بالمغرب تحالفات منطقية قد تفرز القطبية دون إبعاد مبدأ التحكم وصناعة الخرائط واحترام الأحزاب للتحالفات المنطقية المبنية على أسس تقارب المرجعيات الفكرية والأيديولوجية، وليس تحالفات المواقع. فالتحالفات الحزبية القائمة اليوم هي شاذة ومأزومة، وبإمكاننا أن نتساءل عما يجمع العدالة والتنمية المحافظ بحزب التقدم والاشتراكية الشيوعي، وما يجمع حزب الاتحاد الاشتراكي التقدمي بحزب الاتحاد الدستوري الليبرالي، وما يجمع حزب الأصالة والمعاصرة الحداثي بحزب الاستقلال المحافظ، وما يجمع حزب التجمع الوطني للأحرار الليبرالي بحزب العدالة والتنمية أو بحزب التقدم والاشتراكية. ألا تمثل هذه التحالفات القائمة قمة العبث السياسي المغربي، وقمة تحالفات المصالح والمواقع والتعليمات؟ أعتقد أن عقلنة المشهد الحزبي المغربي ودمقرطته يجب أن تنطلق من تحالفات حزبية طبيعية تمهد لقطبية حزبية ثلاثية تتشكل من قطب تقدم وقطب محافظ وقطب ليبرالي وسطي. القطب التقدمي يضم كل أحزاب اليسار: الاتحاد الاشتراكي حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاشتراكي الموحد وباقي الأحزاب اليسارية. القطب المحافظ ويضم أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والحركة الشعبية. القطب الليبرالي والحداثي ويضم أحزاب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري. وأقول في هذا الإطار إن طبيعة التحولات الوطنية والإقليمية والدولية تفرض على الدولة والأحزاب المغربية التوجه نحو قطبية حقيقية وطبيعية عوض الاستمرار في التحالفات المغشوشة، باعتبار القطبية السليمة هي المدخل الطبيعي للتغيير الديمقراطي وإصلاح المؤسسات وعقلنة المشهد الحزبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.