حموشي يجتمع بمدير الشرطة الإسبانية    مقاولات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    السجن مدى الحياة لمغربي بتهمة قتل بريطاني "ثأرا" لأطفال غزة    الفيفا تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    منتخب "لبؤات الأطلس" يكتسح الجزائر    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    في يومها الأول.. عدد زوار الأبواب المفتوحة للأمن بأكادير يتجاوز 300 ألف (صور)    "البيجيدي" يطالب بالتحقيق في تسويق منتجات غذائية مصنوعة من المخدرات    لأول مرة .. المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    توقيع اتفاقية إطار بين الأمن ومجموعة العمران وولاية جهة سوس ماسة    الخسارة الثالثة للأشبال بدوري ماركفيتش    جامعة محمد الخامس "الأفضل في المغرب"    لبؤات الأطلس ينهين الشوط الأول على إيقاع التقدم على المنتخب الجزائري    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    تقلبات أحوال الطقس تقلص اعداد المهاجرين غير النظاميين المتسللين إلى سبتة    ملف إسكوبار الصحراء.. محاكمة بعيوي تبدأ في هذا التاريخ    كيف يتم تحميص القهوة؟    سانشيز يعلن الأربعاء موعد الاعتراف بفلسطين    إسرائيل: حرب غزة "ليست إبادة جماعية"    الطالبي العلمي يجري مباحثات برلمانية بالصين    الخزينة تكتتب ما يعادل 3,4 مليار درهم في سوق السندات ما بين 8 و 15 ماي    مباحثات تجمع أخرباش بوفد من أذربيجان    منظمات الإغاثة تحذر من تحديات متزايدة في عملياتها في قطاع غزة    القمة العربية في مواجهة التحديات    القائد محمد الحيحي كما عرفته    العصبة الاحترافية تحدد تاريخ إجراء مواجهة "الديربي البيضاوي"    السيد العمراني يلتقي أجاي بانغا.. إرادة قوية لتعزيز التعاون بين البنك الدولي والمغرب    طقس السبت.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق من المملكة    انخفاض ملموس في المساحات الغابوية المتضررة من الحرائق سنة 2023    الإيسيسكو تدعو لتعزيز دور المتاحف بالتعليم والبحث وانخراط الشباب في صون التراث    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أخبار الساحة    دول غربية تحث إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي في غزة    المعهد المغربي للتقييس يستضيف دورة تدريبية حول المواصفات الموحدة لمنتجات "الحلال"    شراكة تثمّن الإمكانات الغنية للسياحة القروية    ألمانيا تطلق هذه المبادرة لدعم خلق فرص شغل في المغرب    وَصَايَا المَلائِكةِ لبَقَايَا البَشَرْ    وجهة خطر.. بين مسلم ورمضان لم تثْبت رؤية هلال الكِتاب!    البرازيل تستضيف كأس العالم للسيدات 2027    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس يهودي    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    وسط اهتمام آرسنال.. ريال بيتيس يتشبث بشادي رياض    رد قوية وساحق لعمر هلال على ممثل الجزائر في الأمم المتحدة    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    الأمثال العامية بتطوان... (600)    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    الجزائر.. داؤها في قيادتها    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تذاكر قرآنية لكل شاب مهاجر في سبيل الله


مدخل قرآني:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) سورة الحج، الآية 5
الشباب غرة الدهر التي لا تخطئها العين في كل زمان و في كل مكان. فهم القوة في الروح و البدن، و هم العماد في نهضة الأمة و الوطن، و لا سبيل لأي أمة إلى بناء صرح حضاري مجيد دون لبنات شبابية، و أعمدة شبابية، و سواعد شبابية..و لهذا كان الشباب هم واسطة العقد، و القوة بين ضعفين: ضعف الطفولة، و ضعف الكهولة.
فالشباب إذا هم أشد فترات العمر قوة في العلم و الجسم، و إذا رأيت الشباب على خلاف ذلك فاعلم أن أمرا طارئا أصاب زهرة الشباب فذبلت و تساقطت أوراقها حتى ما عدنا نرى ما عهدنا فيها من رونق و جمال.
و للشباب المهاجرين في سبيل الله معالم أخرى أعظم من مجرد بسطة في الجسم أو قوة في الذاكرة؛ فهؤلاء مجاهدون في سبيل الله، ديدنهم إيمان و دعوة، و هجرة و جهاد. يقول عز من قائل:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
سورة البقرة، الآية 218
هؤلاء أعظم درجة عند الله. يقول الله تعالى:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)
سورة التوبة، الآية 20
و لا بد للشاب المهاجر في سبيل الله من تذاكر قرآنية يطوي بها مسافات الطريق، و يستعين بها على فتن كقطع الليل المظلم، لا مخرج منها إلا بكتاب الله و سنة رسوله، صلى الله عليه و سلم. فمن كان مع الله كان الله معه، و من سلك سبيله لقي مرضاته. يقول عز من قائل:
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
سورة النحل، الآية 110
أ‌. التذكرة الأولى في قوله تعالى:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الروم، الآية 30
هنا يحقق كل شاب مؤمن تمام الانسجام مع نفسه، و الناس، و الكون من حوله؛ فكل ما خلق الله من أشياء و أحياء مجبولة على الانصياع لنواميس الله في الآفاق و الأنفس، طوعا أو كرها. و تلك فطرة الله و مشيئته التي لا بديل عنها لاستتباب الأمن و دوام المحبة. و لعل أجل مشهد قرآني يحضرني في هذه اللحظات قول الله تعالى:
)ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) سورة فصلت، الآية 11
و تلك إجابة آنية لنداء الطاعة و المحبة، دل عليها لفظ "أتينا" في صيغة الماضي، للتعبير عن حتمية وقوع الفعل، دون تسويف أو تردد. و لا غرو في ذلك لأن لغة الحب لا تحتمل إلا السمع و الطاعة. يقول الله تعالى:
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) سورة الإسراء، الآية 44
و يقول عز و جل:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) سورة النور، الآية 41
ذلكم هو الإسلام الطوعي الذي تتوحد فيه الإرادة و الحركة، و تتفق فيه المبادئ و المقاصد؛ فالانطلاقة واحدة، و الغاية واحدة. يقول عز من قائل:
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) سورة الانشقاق، الآية 6
و قال عز و جل:
(وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَىٰ) سورة النجم، 42
فغاية كدحك أيها الشاب المؤمن مقصورة على لقاء ربك و ابتغاء وجهه، و ذلك رجاء الأحبة و سعي السالكين سبل الأمن و السلام. كذلك كان شأن الأنبياء عامة، و النبي الرسول سيدنا محمد – عليه الصلاة و السلام – خاصة. يقول الله تعالى:
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة المائدة، الآية 16
أما من حاد عن الصراط و خالف ما جبل عليه من الفطرة فقد أعلن الحرب على نفسه قبل أن يعلنها على الله و الكون من حوله. فمن هذا الذي يحتمل الحرب على الله و الكون من حوله و لا حول له ولا قوة إلا بالله؟!
إنك أيها الشاب حين تؤمن بالله و تهاجر في سبيله تجد الله و الكون كله معك. فلا أمن و لا طمأنينة إلا بالإيمان و الإسلام لله الواحد الصمد. يقول عز و جل:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) سورة الأنعام، الآية 82
و أعظم الظلم أن يلبس العبد إيمانه بظلم، فيشرك مع الله ما لا أساس له من العلم مما وضعه الناس من أراجيف و ترهات في الفكر و الاعتقاد، فجعلوها من الدين و ليس لها في الدين أصل و لا فرع. ذلك هو الشرك الخفي، و الشرك كله ظلم لا يغتفر. يقول عز من قائل:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) سورة الأنعام، الآية 116
فمن أراد الله به خيرا شرح صدره للإسلام فأصبح آمنا مطمئنا، و من أعرض عن ذكره عاش في ضيق و ضنك شديد. يقول الله تعالى:
﴿فمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ سورة الأنعام، الآية 125
و قال تعالى:
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) سورة طه، الآيتين 126- 126
فيا أيها الشاب المهاجر في سبيل الله: أقم وجهك للدين حنيفا تكن من أهل البصيرة، و الأمن، و الانشراح؛ و لا تتولى عن سبل السلام و الفلاح في الدنيا و الآخرة فتعيش في عراك، و هلع، و ضيق.
ب‌. التذكرة الثانية في قوله تعالى:
(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل، الآية 125
الآن و قد أصبحت نبراسا في قومك وجب عليك أن تؤدي أمانة الدعوة إلى سبيل ربك بالمنهج الذي أراك الله في كتابه، و بين معالمه سيد الخلق، محمد صلى الله عليه و سلم. و لا تظن أنك بهذه الدعوة تنفع الله في شيء أو تضره في شيء؛ فأنت إنما تعلي من مقامك في الآخرة بقدر إعلائك لكلمة الله في الدنيا.
و للدعوة إلى الله مبادئ و مقاصد وجب على كل شاب داعية أن يتحراها حتى ينال فضلها و يكتب له أجرها في الآخرة.و قد نجمل هذه الشروط في أمرين: الإخلاص في السمع و التلقي، و الصواب في التبليغ و التنزيل.
فأما الإخلاص فهو فاتحة كل قول أو عمل في الإسلام، و هو الشرط الأول و الأساس في حصول البركة و قبول الأعمال. الإخلاص أن تخلص (بضم الأول، و فتح الثاني، و تضعيف اللام و كسرها) قلبَك و جوارحَك مما سوى الله، فلا تنوي إلا وجهه، و لا تعمل إلا ما كان كدا إليه، و ابتغاء لمرضاته. فالله لم يجعل للرجل قلبين في جوفه، يملأ أحدهما بالله و الآخر بغيره، و لكن القلب-كل القلب- لله وحده لا شريك له و هذا هو مفاد المخْلِص في الدين كما في قوله الله تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (سورة الزمر، الآيتان 2 و 3
فالقرآن الكريم تنزيل من الله حقا، و حق لله أن نعبده به، مخلصين له الدين. و الدين الخالص هو ما خلص من الشرك بالله. و الدين عند الله الإسلام، و لا دين عند الله يقبل منا غيره؛ فلا يجوز البتة أن ندخل في الإسلام ما ليس منه كأهواء الناس مما يدعونه أيديولوجيات، و آراء الفلاسفة و المتكلمين، و ما ذاع بين الناس من الإسرائيليات، و الكفريات، و الأراجيف، و الأساطير، و الأديان الوضعية؛ ذلك أن القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة هما الحكم في كل ما يرد على المسلمين من جديد، فما وافق منه الدين فهو من الدين، و ما خالفه شكلا أو مضمونا فهو رد.
أما عن الإخلاص في السمع فلا سبيل للقرآن أن ينفذ إلى وجدانكَ، و يزرع فيكَ حَبه و ريحانه، و في أذنيك وقرا. فأول الشرط بعد تجريد القصد و إخلاص النية الإقبال و إلقاء البال. فلا ينتفع بالقرآن البتة من لم يقبل عليه بإخلاص و تعطش، بلْهَ أن يلقي باله لسماع آياته و تلقي رحماته. و هكذا لما ألقى النجاشي، ملك الحبشة، رحمه الله باله لسماع بلاغ القرآن في أمر عيسى و مريم عليهما السلام، فاضت عيناه، و غشيته الرحمة. و في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات. وفي رواية أخرى للبخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة. وقد جزم ابن حجر و غيره في الإصابة بإسلام النجاشي.
الشاهد عندنا ها هنا أن النجاشي رحمه الله انتفع بما سمع من القرآن على لسان جعفر رضي الله عنه لما ألقى باله لما يتلى عليه، بل و نفع رُسُل رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ اعتنى بهم و رحب بهم في داره لينعموا بالأمن و السلام. و كذلك كان شأن صحابة رسول الله عند إسلامهم، بل إن كفار قريش ممن أصروا على العمى، و رضوا بالخسران، كانت لهم تجربة مع القرآن فريدة لما استرقوا السمع، و ذاقوا طعم القرآن. و لعل أشهر ما قيل عن القرآن مقالة الوليد بن المغيرة، أحد كبار أغنياء قريش و صناديدهم، لقومه في مجلسهم: "والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن؛ إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وأنه يعلو وما يعلى عليه."
لقد أدرك ابن المغيرة أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حق، و أن القرآن حق، و شهد ذلك بعينه و لسانه و حاله، لكن شركه و كبره و إيثاره العاجلة على الآجلة صده عن ذكر الله، فأعرض و تولى، وكان من الخاسرين. يقول الله تعالى:
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) سورة المدثر، الآيات 18-25
لقد سمع من الحق ما سمع، لكنه أدبر و لم يتدبر، و استكبر و لم يكبر الله. خاف أن يخسر الدنيا بمالها و جاهها و سيادتها، فركن إلى ما كان عليه آباؤه و قومه، فضل عن سبيل الفلاح و نسي يوما ثقيلا، يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. هؤلاء و أمثالهم هم الذين قال الله تعالى فيهم في سورة الإنسان:
(إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا
إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا) الآيات 27-29
فمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا اتعظ بمصير من قبله، و ألقى باله لما يتلى عليه من القرآن، لعل الله أن يهديه سبل الرشاد، و يعفو عنه، و يبارك له في عمره. و لقد بدل الله أمثالهم تبديلا، و أخرج من أصلابهم أجيالا من الشباب الموحدين، عبدوا الله حق عبادته، و حملوا بيارق الدعوة و التبليغ شرقا و غربا.
إن إخلاص القصد وحده لا يكفي لبلوغ المآرب من الهجرة في سبيل الله و الدعوة إليه، إذ لا بد من تحري الصواب في تعاملنا مع القرآن الكريم تبليغا و تنزيلا؛ و استقامة هذا المنهج ينعكس إيجابا على حال المسلمين في جميع نواحي حياتهم العامة و الخاصة. فما أكثر من يفهم نصوص القرآن من شباب القرآن فهما معوجا! و ما أقل من يجيد فن الدعوة و علم تنزيل النصوص من طلبة القرآن و حملته!
فلا عجب إذا أن نجد في القرآن الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة توجيهات عدة حول منهج تبليغ رسالة القرآن و تنزيل الوحي على أمور العباد و البلاد. هذا المنهج يتأسس على ضروب من الفقه عظيمة- ليس هذا مقام التفصيل فيها - أولها فقه النص-قرآنا و حديثا- من حيث هو رسالة دعوية؛ ثم فقه واقع الإنسان في زمانه و مكانه، مع نفسه و ربه، و كذا مع غيره من بني جنسه؛ ثم فقه التنزيل مع مراعاة مقاصد النص، و كلياته، و أولوياته في جلب المصالح و درء المفاسد.
ت‌. التذكرة الثالثة في قوله تعالى:
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) سورة الكهف، الآية 28
إن الدعوة إلى الله أمر غليظ، فيها ما فيها من تكليف، و فيها ما فيها من تشريف. إلا أن الشاب الداعية – رغم ما أوتي من قوة في الجسم، و العلم، و الإيمان- كائن ضعيف بطبعه، له كغيره من الشباب أحوال و فترات؛ فالدنيا لا تنفك تتزين له، و ترواده، و تهمس له: هيت لك، هيت لك! ولهذا كان لابد للشاب المهاجر من معية إخوانه المهاجرين، ليعينوه على أمر الطاعة و الدعوة؛ فالذئب إنما يأكل من الغنم القاصية.
و ليس الضعف الذي طبعت عليه النفس البشرية مدعاة للمؤمن ليتملص من واجب الصبر و المصابرة؛ ذلك ان هذا الضعف عين ابتلاء الخالق لعباده، و هو مناط خلق الموت و الحياة لقول الله تعالى:
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) سورة الملك،
الآيتان 1 و2
فالمطلوب من المؤمن أن يفقه هذا السر، و يعي هذه الحكمة، و يأخذ بأسباب الثبات؛ و من ذلك ملازمة الأخيار، و مجالسة الأبرار، و الإعراض عن كل فاجر كفار، أتباع البدع و الأهواء. و ليس هذا دعوة إلا تكفير الناس و المسارعة في إطلاق الأحكام، فشأن الداعية ليس هذا؛ فنحن دعاة لا قضاة، و من كان يؤمن بالله فليقل خيرا أو ليصمت، أو كما قال الرسول المصطفى صلى الله عليه و سلم.
فالصبرَ الصبرَ يا شباب! و لا تفوتوا على أنفسكم فرص الصلاح و الإصلاح، و كونوا جسدا واحدا إذا اشتكى له عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى. و تعاونوا على الصبر، و البر، و التقوى؛ فإن بالاتحاد تكون القوة، و أنصتوا لأمر الله تعالى و هو يخاطب المؤمنين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة آل عمران، الآية 200
فالفلاح في الدنيا و الآخرة حليف الذين آمنوا، و صبروا، و تعاونوا على ذلك باغتنام مجالس الخير، و التزام رباطات االدعوة، و تبليغ رسالات القرآن.
ث‌. التذكرة الرابعة في قوله تعالى:
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ
وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون) سورة البقرة، 272
إني لأعلم أن لكل داعية عشيرة و أحباب، و أعلم كما تعلم أيها الشاب أن لنا إخوة و أقارب حادوا عن الجادة و الصواب؛ و يا ما دعوناهم إلى طريق الرشاد فلم تنفع معهم الموعظة و الإرشاد، فأصابنا لما لم نجد منهم من القبول و الإيجاب أسىً و اكتئاب، فكأن هداية الناس بيدنا، و ما نحن في واقع الأمر إلا علل و أسباب.
فلا تتحسر على ما يصيبك منهم من خيبة و أسى، و اعلم أنما عليك البلاغ المبين. فاحرص أن تؤدي ما عليك كما أوجبه الله عليك، و لا يجرمنك شنآن قوم على أن لا تعدل و تقسط إليهم. بل أحسن إليهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا عسى أن تلين قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق. و صدق الشاعر إذ قال:
أحسنْ إلى الناس تستعبدْ قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
مخرج قرآني:
(إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) سورة ق، الآية 37
"لذكرى" أي لتذكرة و تبصرة، و ذلك من مثيل قول الله تعالى: "إن هذه تذكرة" و قوله تعالى في سورة ق: "تبصرة و ذكرى لكل عبد منيب". "لمن كان له قلب" أي لمن كان حيا حقا، و ذلك من قبيل قول الله تعالى عن القرآن الكريم في سورة يس: "إن هو إلا ذكر و قرآن مبين لينذر من كان حيا و يحق القول على الكافرين". "ألقى السمع" أي ألقى باله و وجه سمعه بتمعن لتلقي البلاغ. "و هو شهيد" أي و هو حاضر القلب.
لقد حصلت البركة في الأمة يوم أخلصت السمع و أحسنت التلقي، فتخرج من مجالسها القرآنية جيل قرآني فريد، حملوا دعوة الإسلام شرقا و غربا، و برزوا في شتى العلوم و المعارف الدينية و الدنيوية؛ فنهضت الأمة، و بلغت القمة، و كانت قبلة لغيرها من الأمم و الحضارات.
فيا أيتها الطيور المهاجرة...يا شباب البعثة المقبلة...خذوا الكتاب بقوة، و لا تخذلوا رسول الهدى بعد إذ ظن بكم خيرا، و ترك فيكم الكتاب و الحكمة لعل الله أن يثبت بهما أقدامكم، و يسدد خطاكم، و يجعلكم أمة الشهادة على البشرية جمعاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.