كرست الجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة اختصارا ب"البوكر"، نفسها عند الكتاب والقراء معا كأقوى جائزة أدبية في العالم العربي خلال السنوات العشر الماضية، ليس فقط من حيث قيمتها المادية وطبيعة الإقبال على الروايات التي ترد في لائحتيها الطويلة والقصيرة، وخاصة تلك التي تفوز في آخر كل دورة، وإنما أيضا من حيث السجال القوي الذي يطفو على الساحة الثقافية، كلما لاح في الأفق الإعلامي والثقافي خبر أو معلومة عنها. وبغض النظر عن سؤال انتماء الجائزة إلى الأدب، في أفقه الروائي على الأقل، فإن الجائزة تحمل في مظاهرها المختلفة التباسات وآثار شبهات ينبغي على الساهر عليها أن يجلوها حتى ترتقي الجائزة إلى مرتبة "مكافأة التميز الأدبي"، كما نقرأ في أحد أهدافها. إذ لا يتطلب الأمر أكثر من توضيح يشمل الملاحظات الآتية: أولا، تكشف اللائحة الطويلة لهذه الجائزة، في كل سنة، عن اختيار ثلاثة عناوين لكل من دار التنوير المصرية ودار الساقي اللبنانية. إذ يكتنف هذا الاختيار، الذي يشمل هاتين الدارين سنويا، سرا ما. فهل يتعلق الأمر فعلا بسلطة إبداعية تفرضها الأعمال، التي ترشحها هاتان الداران، بقوة على لجان التحكيم المتعاقبة؟ أم بامتدادات لهاتين الدارين داخل الجائزة؟ أم باصطفافات خفية تصر سنويا على الانحياز لهما؟ ثانيا، كلما ترشحت بعض الأسماء المعروفة على الصعيد العربي، وإلا وحازت قصب السبق في لوائح الجوائز. وقد اقتصر الأمر هذه السنة على الأديبين اللبناني إلياس خوري والسوداني أمير تاج السر. وإذا كان لا أحد ينكر حضورهما القوي في ساحة الأدب العربي المعاصر، فإن هناك أسئلة تستفز القارئ المتتبع للجائزة من قبيل: لماذا لم يفز أي من هذين الكاتبين بها؟ وهل يتعلق الأمر فقط، بخدمة إعلامية تقدمها الجائزة لهذين الاسمين من خلال إدراجهما في اللوائح الطويلة؟ هذا من جهة. ومن جهة ثانية، ما معنى أن يترشح السر وخوري لهذه الجائزة، بعد أن فازا في وقت سابق بجائزة "كتارا"، التي لا تقل أهمية عن "البوكر" من حيث قيمتها المادية على الأقل؟ ثالثا، تبدي الجائزة نوعا من "الميل" إلى المكون الفلسطيني في الثقافة العربية. فقد توجت الجائزة كاتبا فلسطينيا العام الماضي. كما عينت فلسطينيين آخرين- أحدهما شاعر لم يكتب الرواية أبدا- على رأس لجنتيها خلال دورة 2015 والدورة الحالية؟ وما الغاية من هذا "الميل"؟ وهل لياسر سليمان، الكاتب الفلسطيني وعضو مجلس أمناء الجائزة، دور ما في برزوه؟ أم إن الجائزة تسعى، بهذا "الميل"، إلى مناصرة القضية الفلسطينية عبر إبرازها لشكل من أشكال التعبير الإبداعي الفلسطيني الذي أضحى ينظر إلى هذه القضية بمنظار جديد؟ وأخيرا، يمكن إبداء ملاحظة عامة في سياق التعبير الروائي العربي، مفادها أن جائزة "البوكر" بدأت تبدو كأنها المَعْلم الذي يصوغ أفق الكتابة الروائية عموما. إذ خلقت تهافتا على قيمتها المادية، بدل أن تبقى محصورة في حدود المكافأة والتحفيز، حيث صارت بذلك تحجب القراءة عن عدد كبير من الأعمال الروائية المهمة. على ضوء هذه الملاحظات، هل يسمح نظام الجائزة الجديد، المرتقب ابتداء من دورة السنة المقبلة، بتجاوز هذه الملاحظات؟ أترك السؤال معلقا إلى حين الاطلاع على نتائج اللوائح التي سيفرزها هذا النظام.