الانتخابات هي عملية يتم من خلالها تجديد النخب، وذلك عبر ضخ دماء جديدة في مسار تدبير الشأن العم الترابي، عملية دأبت على القيام بها مختلف دول العالم وذلك استنادا للمقتضيات الدستورية التي غالبا ما تفرد بابا من القوانين المنظمة للفعل الانتخابي ضمن دساتيرها. شهدت العملية الانتخابية تطورات عميقة في مختلف بقاع المعمور، الشيء الذي أنتج لنا نماذج متطورة وفريدة وأخرى متخلفة لازالت لم ترق بتاتا إلى أدنى أسس التوجه الديمقراطي الذي من اللازم أن تخضع العملية الانتخابية إلى مبادئه من بدايتها حتى نهايتها. تعد الممارسة الانتخابية الترابية بمثابة العمود الفقري لتدبير شؤون المواطن اليومية، وإن صح التعبير على ذلك بأنها لابد وأن تؤدي حتما إلى تأسيس إدارة ترابية للقرب المواطن، أسلوب انتهجته مجموعة من الدول المتقدمة واستطاعت من خلاله الرقي بالحياة الاقتصادية ، الاجتماعية والثقافية لمواطنيها إلى أحسن المستويات، نتائج إيجابية تمكنت من حصدها عبر الرقي بمسار أحزابها السياسية والتي غالبا ما دأبت إلى متابعة أجنداتها من خلال تفعيل جميع اليات المراقبة والتتبع الكفيلين بالتأكد من اضطلاع هذه الأخيرة بالمهام الدستورية المسندة إليها، هذا دون أن ننسى التذكير من تفعيلها لشتى أنواع الصرامة المنبثقة عن القواعد القانونية المنظمة للعملية الانتخابية ، وذلك عبر الحرص على مراقبة العملية الانتخابية من بداية الحملة و خلال عملية الاقتراع وتطبيق البرامج الانتخابية إلى نهاية الولاية الانتخابية والقايم بتقييم نتائجها. لعل المتأمل في الواقع الانتخابي المغربي لتستوقفه حتما مجموعة من المفارقات التي لازالت تجهز على تمتين العلاقة السببية التي تربط مختلف صانعي اللعبة الانتخابية من ناخب ومنتخب وأحزاب سياسية، عوائق نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: سيادة النهج الأفقي في التعامل مع قضايا تدبير الشأن العام من قبل الأحزاب السياسية، وكأن الأمر يتعلق بتصريف مرحلي ، تنشد من ورائه هاته الأخيرة الظفر بمقاعد انتخابية لا غير، وذلك في تغييب تام لتطلعات المواطن وعبره الكفاءات التي من المفروض توفرها في المنتخب، مما لازال يفتح الباب على مصراعيه أمام سماسرة انتخابيين خبروا عملية بيع وشراء الأصوات ، هذه الظاهرة التي لازالت متجذرة وخاصة في الأحياء الهامشية والفقيرة ؛ تعامل مثقفي الأحياء الشعبية مع الفعل الانتخابي بشيء من الترفع واللامبالاة، مما يفسح المجال لأناس لايقربون لامن قريب ولا من بعيد للشأن العام، أناس ألفوا التعامل مع عموم المواطنين" بالبون" المرتبط غالبا بالأعياد الدينية ، وكأن الفقير لا يحتاج إلى الطحين والزيت ومركز الطماطم إلا خلال هذه الأيام، مما يدفعنا إلى القول بأن الأمية الانتخابية لازالت متجذرة وخاصة في الأحياء القصديرية التي لازالت تراوح مكانها منذ أن خرجت إلى حيز الوجود، براريك اعتدت رؤيتها منذ نعومة أظافري حتى وسط العواصم والتي من المفروض أن لا توجد بها، غير أن واقع الفعل الانتخابي اقتضى تركها لتظل بمثابة طوق النجاة بالنسبة لمجموعة من بائعي الأحلام والوعود الانتخابية الوهمية، وبالتالي فأي دور لمثقفي هذه الأحياء في تنوير الرأي العام بخطورة الرشوة والعطايا الانتخابية المرحلية؛ فروع حزبية لا تفتح في معظمها إلا إبان الغليان الانتخابي، حيث أن البعض منها قد أصبحت بنيتها متهالكة بفعل الهجر الذي لازال يطالها من قبل المسؤولين الحزبيين الجهويين، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن الأموال العمومية التي تستفيد منها الأحزاب السياسية فيما تصرف، وحيث أنها منحت لتأطير المواطن وتحسين ظروفه المعيشية اليومية ، فمن المستفيد منها غير المواطن، الأمر الذي يدفعنا إلى المناداة بفتح نقاش وطني جاد يفعل من خلاله مبدأي المساءلة والمحاسبة الدستوريين في وجه كل ناهبي المال العام المقدم للأحزاب السياسية؛ أحزاب سياسية تتحكم في أجنداتها دائما الظرفية، من أجل أن تقوم بأنشطة أو حتى ندوات تحسيسية، وواقع الحال غير شاهد على ذلك ، فمشروع الجهوية قد ظل غائبا في برامج أحزابنا السياسية إن كانت لها فعلا برامج ، وفي وقت وجيز وبعد صدور مسودة مشروع الجهوية، أصبحنا نعيش تخما حزبيا كبيرا بخصوص هذه المسودة، الأمر الذي كان من الواجب القيام به منذ تبني بلادنا للنموذج الجهوي كبرنامج استراتيجي لبلوغ الأهداف التنموية للألفية؛ غياب الاحتكام لمنطق التدبير الاستراتيجي الترابي المبني على تحقيق النتائج ومن ثمة بلوغ الأهداف، منطق وإن ثم الاحتكام إلى تفعيله لا يمكن أن يتم بثاثا في معزل عن التقييم القريب، المتوسط والطويل الأمد، كلها أمور لازالت منعدمة في المجالات المرتبطة بتدبير الشأن العام، الأمر الذي يسائلنا في هذا الباب عن معايير اختيار الأحزاب السياسية لمرشحيها ، هل الانتماء إلى طبقة الأعيان الذين لا أختلف معهم إلا من حيث طريقة تسلقهم السريع لسلم الهرم الحزبي هم وعائلاتهم، هل هي القرابة احتكاما للرأي القائل بأنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، وواقع الحال يزكي صحة هذه الافتراضات ، إذ أصبحنا أمام مؤسسات حزبية تتحكم فيها القرابة والمصاهرة المصلحية ، وبالتالي فبما أننا لم نستطع تطبيق الديمقراطية حتى بداخل أحزابنا فكيف لنا أن نلقنها للمواطن العادي؛ غياب الاحتكام إلى تطبيق قانون التصريح بالممتلكات عند الانتماء للأحزاب السياسية ، إذ أصبحنا نرى أناسا كانوا بالأمس القريب لا يملكون ولو درهما واحدا ، إلا أن ولاءاتهم الملغومة لبعض الأشخاص الحزبيين صنع منهم قياديين وانتقلوا بقدرة قادر من طبقة الفقراء ، إلى طبقة الأغنياء دون طلب رخصة المرور من الطبقة المتوسطة؛ تأسيس جمعيات مدنية من قبل بعض الساسة لخدمة أجنداتهم الانتخابية الصرفة ، الأمر الذي يعتبر مخالفة صريحة للنصوص القانونية المنظمة لمجالات تدخل كل من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، مما يدعونا إلى مخاطبة المسؤولين من أجل تحمل مسؤوليتهم كاملة أمام هذا الخرق السافر للنصوص القانونية من قبل ساستنا الخ... إن التطرق إلى سرد بعض المعيقات التي لازالت تنخر توازن الجسم التنموي لوطننا، لا يجب أن يفهم معه القارئ التطرف الحزبي للكاتب، بل على العكس من ذلك فأنا مناضل بأحد أعرق الأحزاب السياسية التي أعتز بالانتماء لها، والتطرق لتحليل هذا الموضوع ليس من أجل جلد تجربتنا السياسية ، ولكن من أجل محاولة استنهاض همم مختلف أطيافنا السياسية اليسارية والمعتدلة ، سواء المنضوية تحت لواء الأغلبية أو المعارضة، لأن مغرب العهد الجديد قد كل ومل من الممارسات الانتخابية التقليدية المتهالكة، وأصبح يطالب لزاما بنقذ الذوات الحزبية، ومحاولة التطرق إلى دراسة وتحليل مواطن الداء الكفيلة بضمان المصالحة مع المواطن، مواطن قد أصيب بخيبة الأمل من جراء الممارسات الانتخابية الرديئة والتي لم ولن تساهم بثاثا في إشباع تطلعاته مقارنة مع نظرائه في الدول المتقدمة. وفي هذا الباب ،أقول وبصوت مرتفع للأحزاب السياسية ، بأن لا تجعل دائما من قرب موعد الاستحقاقات الترابية هاجسها الأوحد من أجل تواصلها مع المواطن أي الناخب، ولكنه من اللازم عليها وبقوة الدستور الاضطلاع بمهمتها الرئيسية إزاءهم والمتمثلة في التأطير المستمر ، كما أدعوا المواطن إلى مواجهة المنتخبين الغير مؤهلين، والقيام إلى جانب الأحزاب السياسية بصناعة منتخبين بإمكانهم التأقلم مع تطلعاتهم ومن ثمة الاستجابة إليها في قالب برامج انتخابية من اللازم أن يخضعوها إلى التتبع والمراقبة ومن ثمة التقييم المقرون بالمساءلة والمحاسبة الدستوريين. إن مغرب الجهات ، لم يعد يؤمن بالأقوال وإنما يتطلع إلى أفعال يتم تكريسها على أرض الواقع وتنعكس إيجابا على مستوى العيش الاقتصادي والاجتماعي للمواطن. وبالتالي، فلما لا نجعل صيف 2015، بمثابة عرس نضالي قوامه المصالحة الحزبية وخدمة وطن الجميع من قبل الجميع.