استغرب مهتمون بشؤون الحركات الإسلامية بروز ظاهرة التطبيع مع تنظيم القاعدة الإرهابي تحت مسميات متعددة، وبعدما كانت القاعدة بمثابة خط أحمر أضحت حاضرة في الوقفات الاحتجاجية وفي المسيرات التي يتم تنظيمها هنا وهناك، ولم يعد أنصار القاعدة يمارسون قناعاتهم خفية بل خرجوا للشارع في تحد سافر لضحايا أحداث 16 ماي الإرهابية وأخواتها، وتم رفع أعلام بن لادن والملا عمر في العديد من التظاهرات، وهي خرق تحمل شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وتحاول هذه المجاميع الموزعة هنا وهناك تصوير منع تلك الخرق على أنه حرب على الإسلام، مع العلم أن حمل شعارات إسلامية لا يفيد الالتزام بقواعد الدين وتسامحه والفهم السليم له. وحسب معلومات، تأكدت "النهار المغربية" من صحتها، فإن بعض الكليات أصبحت مرتعا لأفكار القاعدة وأنصارها مع الحديث عن هيمنة مطلقة على كلية أصول الدين، حيث لم تعد أعلام القاعدة تخشى أحدا وترفع في كل التظاهرات. ولم يعد التطبيع مع القاعدة يقتصر على عناصر السلفية الجهادية وحزب العدالة والتنمية، بل انتقل إلى التيارات اليسارية والعلمانية وجماعة العدل والإحسان ذات التوجه الصوفي المناهض للوهابية، حيث خرجت كل هذه الأطياف في وقفات للتضامن مع جبهة النصرة التي تقاتل في سوريا، ولم يعد أمر وجود جبهة النصرة خافيا كما لا يخفى انتماؤها لتنظيم القاعدة بل هي نفسها القاعدة في بلاد الشام. واجتمع اليوم في مساندة جبهة النصرة الوهابية السرورية والسلفية الجهادية والعدل والإحسان واليسار الذي انتحل لسان الوهابية وأصبح يتحدث باسمها، وعلق أحد الظرفاء قائلا، وهو يشاهد فتاة يسارية وقيادية في حزب يساري خرجت تتضامن مع النصرة، "لو سقطت بأيديهم لطبقوا فيها الحد لأنها سافرة"، وهذه التيارات لم يقم أي منها بإدانة التفجيرات التي عرفتها مدن سورية عديدة وذهب ضحيتها أبرياء وتبنتها النصرة في بياناتها. أما حزب العدالة والتنمية فلم يعد خافيا أنه فتح قنوات مع النصرة في سوريا، من خلال زيارة "وفد طبي" إلى ريف إدلب بالمناطق الحدودية، وليس مستبعدا أن يكون موقف التوحيد والإصلاح من التدخل الفرنسي بشمال مالي قد تم طبخه عندما كان أبناء الحزب في ضيافة تنظيم القاعدة. وكان وفد أطباء العدالة والتنمية قد اتصل مباشرة مع جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، رغم أن دخول وفد الحزب الإسلامي إلى سوريا وتقديم المساعدات متاح عن طريق لجنة الصليب الأحمر الدولي ومجموعة من المنظمات الإنسانية العاملة بسوريا. ومنذ وصوله إلى معسكرات القاعدة التي تشرف عليها حكومة أردوغان الإسلامية تحت مسميات مخيمات اللاجئين وجد وفد العدالة والتنمية مرافقين من النصرة الذين سربوه عبر الحدود التركية السورية، وهي حدود وهمية ليست فيها مراكز مراقبة ولا أسلاك شائكة. وحسب معلومات توفرت ل"النهار المغربية" أن مدينة أتاما التي استقر بها وفد العدالة والتنمية ليست استراتيجية في المعركة الدائرة بسوريا وبالتالي ليست ضمن أولويات الجيش السوري، ولا يوجد هناك سوى تنظيم النصرة أو القاعدة وينقل إليها جرحاه من إدلب وبالتالي من عالجهم الوفد هم جرحى تنظيم النصرة. ويشتد الخوف اليوم من تكرار سيناريو دعم الجهاد الأفغاني الذي سانده الإسلاميون وخصوصا جماعة بنكيران، وهو السيناريو الذي أثمر أحداث 16 ماي الإرهابية وأخواتها، فهل سيتكرر السيناريو مع جبهة النصرة التي قد تثمر أحداثا أليمة لا قدر الله؟ لكن هذه المرة يتساءل المهتمون من سيتحمل المسؤولية المعنوية بعد أن خرج العدالة والتنمية سالما غانما من الأحداث المذكورة حيث يشارك اليوم في التضامن أطياف عديدة؟