دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    الأرشيف المستدام    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    العفو الملكي    شحنة كبيرة من الكوكايين تستنفر أمن طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    طقس الإثنين.. أجواء حارة وأمطار خفيفة ببعض مناطق المملكة    التضامن يعلو مجددا في طنجة .. مسيرة للتذكير بمأساة غ.زة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    "عكاشة" يكذب محاولة "تصفية سجين"    النصيري يعاقب "غرناطة" بهدف جديد    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تنتقد تدبير قطاع الاتصال..وتنبه لوضعية المقاولات الصغرى والجهوية    الزمالك يحدد موعد الوصول إلى بركان    المغربي اسماعيل الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة إيندهوفن    حسنية أكادير تنفي حصولها على منحة 15 مليون من الرجاء    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية        وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    ڤيديوهات    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجلس البلدي للدريوش في قفص الاتهام
نشر في أريفينو يوم 19 - 05 - 2010


توطئة:
حينما ابتكر العقل البشري الديمقراطية نظاما للحكم، والتدبير المحلي لشؤون المواطنين أسلوبا من أساليب تنزيل ذلك النظام على أرض الواقع، فقد كان يتوخى من وراء ذلك – ولا شك – تيسير السبل لإرساء الحكامة الجيدة والتدبير السليم لشؤون الناس بما يكفل تجويد ظروف عيشهم وتوفير الشروط الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية.
غير أن تجربة الجماعات المحلية التي نهجها المغرب في العقود الماضية فشلت في الوفاء بالالتزامات التي نشأت من أجلها، ولم تفلح سوى في تحقيق إنجازات جزئية، بالنظر إلى حجم الاختلالات الهيكلية التي تعرفها الحواضر والبوادي على مستوى تدبير المجال. وهي اختلالات اتخذت صورا متعددة من قبيل استفحال التفاوتات المجالية وضعف البنيات التحتية، وتلوث البيئة، وشيوع السكن العشوائي وغير اللائق، ناهيك عن غياب تصورات ومخططات تنموية بعيدة أو متوسطة المدى، وغيرها من الظواهر المشينة التي خلفت تراكمات كثيرة يصعب تداركها في وقت وجيز.
ولا شك أن إخفاق التجربة الوطنية في مجال الديمقراطية المحلية تفسره عوامل متعددة ومتشابكة قانونية واقتصادية وسوسيوثقافية، بيد أنه بأي حال من الأحوال لا أحد ينكر أن العامل البشري يقع في صلب تلك العوامل. فمهما كانت النواقص والثقوب التي تعتري الإطار القانوني المنظم لتدخل الفاعلين المحليين في تحقيق التنمية المحلية، والمحدد لمجال تدخلاتهم واختصاصاتهم، فإنها لا يمكن أن تكون مشجبا تعلق عليه النخب المحلية فشلها في تحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع المحلي. وفي تقديري، يرجع ذلك إلى عاملين أساسيين: يتعلق الأول بإفراز النظام السياسي المغربي الهش والملتبس لنخب ضعيفة مجردة من قدرات القيادة ومقومات التسيير السليم، وغير قادرة على إنتاج الأفكار واتخاذ المبادرات الشجاعة والحاسمة. أما العامل الثاني فيتمثل في فساد تلك النخب وتحولها إلى لوبيات تسخر سلطة القرار المحلي لتحقيق مصالح ضيقة ذات طابع شخصي أو قبلي أو فئوي.
وقد شاء قدر سكان بلدية الدريوش، بل شاء سلوكهم الانتخابي أن يجعل مصير هذه المدينة أو القرية الكبيرة، سمها ما شئت، في أيدي “نخبة” محلية جمعت بين “الحسنيين”.وهذا ما يعني أن المسؤولية مشتركة يقتسمها منتخبون غير مؤهلين وناخبون غير ناضجين يتصرفون خلاف ما يقتضيه موقعهم الاجتماعي ومصالحهم العميقة.
وكي لا يكون هذا الكلام من باب التحليل النظري المجرد، فإنني سأوضح بعض جوانبه بالملموس من خلال إنجاز قراءة عميقة لسير أشغال الدورة العادية لشهر أبريل الأخير الخاصة بالمجلس البلدي للدريوش، وما تمخضت عنه من قرارات مصيرية  تهم جوانب هامة من حياة المواطن في ما يستقبل من الأيام، مع تسليط الأضواء عليها لمحاولة فهمها من خلال إنجاز قراءة موازية لسير أشغال دورة أبريل الخاصة بمجلس جماعة امطالسة.
وهذه القراءة المزدوجة والمتزامنة تبقى ضرورية على اعتبار أن المدينة وأحوازها تعرف وضعا انتقاليا بعد التقسيم الجماعي الأخير، وما تلاه من مستجدات بعد اختيار مدينة الدريوش لتكون عاصمة للإقليم الجديد المحدث بالريف الشرقي ( وليس الريف الأوسط  كما قرأنا في بعض الكتابات المنشورة بهذا المنبر وغيره، فالريف الأوسط يطلق على القبائل التابعة حاليا لإقليم الحسيمة ( لمزيد من التوضيحات يمكن مراجعة العددين 1و2 من مجلة حوليات الريف)
عقد المجلس البلدي للدريوش دورته العادية لشهر أبريل يوم الجمعة 23/04/2010 برئاسة السيد رئيس المجلس وحضور 13 عضوا من أعضائه الخمسة عشر،علاوة على ممثل السلطة المحلية ورئيس المكتب التقني بالبلدية وممثلي بعض المصالح المعنية بالنقط المدرجة في جدول الأعمال الذي كان على الشكل الآتي.
1- الموافقة على إحداث مجموعة الجماعات المحلية “التضامن والبيئة” من أجل خلق مطرح مشترك لتدبير النفايات بين ثلاث جماعات حضرية وخمس جماعات قروية بإقليم الدريوش.
2- الموافقة على توسيع المدار الحضري لبلدية الدريوش بإضافة 200 هكتار من الأراضي الواقعة غربا، كما اقترح الرئيس، مع رفض ملتمسات بتوسيع المجال شرقا.
3- توجيه طلب إلى الجهات المختصة بتحيين تصميم التهيئة لمدينة الدريوش وتوسيعه، تماشيا مع المستجدات والمتغيرات المشار إليها.
4- تحويل السوق الأسبوعي التابع للجماعة الحضرية إلى المكان المسمى “سكريتا” والواقع بنفوذ جماعة امطالسة.
5- الموافقة على تفويت قطاع الإنارة العمومية إلى المكتب الوطني للكهرباء.
6- تحويل مبلغ 307.800,00 من الفصل 33/30 .21/30.20 المتعلق بالمسالك والممرات الجماعية المرصودة بالجزء الثاني لإصلاح طريق بني وكيل لفائدة ميزانية جماعة امطالسة.
وقد تمت المصادقة على كل النقط بالإجماع في ظرف قياسي لا يتجاوز ساعتين، وفي غياب نقاش حقيقي وجدي يتناسب وأهمية بعض تلك النقط ذات الأهمية البالغة على مستقبل المدينة، نظير توسيع المجال الحضري وتحويل موقع السوق الأسبوعي وتفويت الإنارة العمومية للمكتب الوطني للكهرباء إلخ… وهذا يبقى منطقيا ومفهوما بالنظر إلى أن الأمور قد حسمت يوم الانتخابات حينما تم قطع الطريق على كل الأصوات المتعلمة والنزيهة التي كان من شأنها أن تسبب إزعاجا حقيقيا للمجلس العائلي البلدي،الذي نجح في تهريب المجلس، بتوظيف شتى الوسائل بدءا من المال الحرام ومرورا باستغلال انحياز السلطة( خاصة أعوان السلطة) وانتهاء بأساليب الترهيب والترغيب. أما انتخاب بعض الأعضاء ضمن مكتب المجلس من خارج العائلة الحاكمة فهو من باب ذر الرماد في العيون، لتقديم صورة مزيفة إلى المسؤولين والرأي العام عن المجلس باعتباره مجلسا يضم جميع الأطياف.
ولعل من العلامات التي تبين انفراد الرئيس ومن معه باتخاذ القرارات وطبخها تهميش اللجان وعدم عرض النقط المدرجة في جدول الأعمال عليها لمناقشتها قبل عرضها على الجلسة العامة طبقا للمادة 14 من الميثاق الجماعي. كما لا يحتاج المتتبع إلى كثير من الذكاء ليكتشف أن بعض أعضاء المكتب أنفسهم لا يتم إشراكهم حتى في صياغة جدول الأعمال،حينما يرى تدخلاتهم تصب في اتجاه مناقض لمقترح الرئيس. ومن الشواهد على سوريالية مجلسنا الموقر كذلك أن تصويت المنتخبين يكون دائما بالموافقة وبالإجماع، حتى وإن كانت الآراء التي يعبر عنها بعضهم  في مداخلاتهم المحتشمة والنادرة عكس اتجاه الرياح. وأحب في هذه الورقة أن أقف عند نقطتين اثنتين بالنظر إلى ردود الفعل السلبية التي نتجت عنهما، والاستياء العميق الذي خلفتاه في نفوس فئات عريضة من المواطنين، وإن كانت الجرأة تخونهم للتعبير عن ذلك الاستياء بأشكال ملموسة.
1.    توسيع المدار الحضري لبلدية الدريوش: الحقيقة الغائبة:
فرضت المستجدات المتعلقة  بإحداث عمالة الدريوش توسيع المجال الحضري التابع لبلدية الدريوش،قصد توفير الوعاء العقاري الضروري لاستيعاب مختلف المصالح الخارجية، وكذلك النمو السكاني المتوقع نتيجة لذلك. بيد أن اقتصار عملية التوسيع على الجهة الغربية من المدينة فقط (في اتجاه الحسيمة) ورفض اقتراحات بأن يشمل أيضا المنطقة الجنوبية (باتجاه الناظور) يطرح أكثر من علامة استفهام، ويدفع إلى التساؤل عن الأسباب الخفية التي تقف وراء ذلك، خصوصا وأن المبررات التي قدمها الرئيس تبدو غير مقنعة. فقد تحدث في هذا السياق أن هذا القرار تحكمت فيه مسوغات تتعلق بالوضعية القانونية للأراضي المشمولة بالتوسيع (أراضي محفظة) وطبيعتها الجغرافية (أراضي منبسطة) ومن ثم فهي لا يمكن أن تكلف كثيرا على مستوى تجهيزها وإعدادها للتعمير خلافا للأراضي الواقعة جنوبا المتسمة ببعض الارتفاع.
لكن هذه التفسيرات تبدو غير مقنعة لأسباب كثيرة: فالوضعية العقارية لم تكن أبدا عائقا أمام التعمير والدليل هو أن المساحة الأكبر من مدينة الدريوش غير محفظة (وهذا موضوع يطول الحديث عنه في كل المنطقة الخليفية التي كانت خاضعة للحماية الاسبانية)، ثم متى كانت المناطق غير المنبسطة غير مؤهلة للتعمير؟؟؟ والأمثلة على ذلك كثيرة فمدن الشمال المغربي كلها تقريبا تقع في مناطق مرتفعة (الحسيمة،تطاوين، طنجة…)، وهناك أيضا مدن عالمية مشهورة شيدت على مناطق أكثر ارتفاعا مثل مدينتي مارسيليا وروما التي تتربع على سبع هضاب،ولم يقل أحد بأنها تشكل عائقا أمام تجهيزها.
وإذا تحدثنا بمعايير التعمير وقوانينه فالمناطق المعنية بالتوسيع غير مؤهلة للتعمير من زاويتين:أولا لكونها مناطق منبسطة  فيضية مهددة بالفيضانات، وثانيا لكونها عبارة عن ضيعات فلاحية مسقية بفرشة مائية قريبة (على عمق حوالي 30متر) وتعد سلة غذاء حقيقية للمنطقة بما تتوفر عليه من أشجار مثمرة ومساحات تزرع بالخضراوات والفواكه والأعلاف.وهذا ما أكد عليه ممثل الوكالة الحضرية لإقليمي الناظور والدريوش حين نبه المجلس إلى ضرورة موافقة وزارتي الفلاحة والتجهيز وكذلك وكالة حوض ملوية، لكن الرئيس صم أذانه عن ذلك حينما زعم أن تلك الأراضي غير مسقية لأنها لا تتوفر على تجهيزات هيدروفلاحية، وكأنه يتعمد صرف الأنظار عن السقي ذي المصادر الجوفية لتسريع المسألة. لذلك على الجهات المذكورة أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن لتطبيق القوانين الجاري بها العمل في هذا الصدد والتي تحرم البناء في المناطق الفلاحية.
كل هذه المعطيات تكشف أن الدوافع الحقيقية التي جعلت المجموعة المتحكمة في المجلس تتخذ هذا القرار لها امتدادات قبلية ومصلحية ، فهي تشكل إقصاء للمناطق التابعة لمشيخة أولاد سالم،بسبب الصراعات القبلية الدفينة، على اعتبار أن هذا القرار يعني تجميد التعمير في المناطق الجنوبية حتى سنة 2014 تاريخ انجاز تصميم التهيئة الجديد. وفي مقابل ذلك يتيح الفرصة لمناطق مشيخة أولاد حمو لتستفيد خاصة على مستوى تثمين الوعاء العقاري، خاصة وأن هذه المناطق استفادت من التحفيظ العقاري مجانا بقرار اتخذه المجلس القروي السابق الذي يعد هذا المجلس البلدي امتدادا له.
وقد بدأت آثار هذا القرار تظهر سريعا حيث قفز سعر العقار في هذه المناطق وكذا المناطق المجاورة لها بشكل صاروخي. وتتحدث بعض “ألسنة السوء” أن سبب الحماسة التي انتابت المجلس لطبخ هذا القرار المهم هو إصرار أعضاء نافذين فيه على الاستفادة من الوضع على اعتبار أنهم يملكون مساحات عقارية مهمة في هذه المنطقة. ومن ثم فهم يودون اغتنام الفرصة و”ضرب الحديد ما حدو سخون” من باب “الساقي يسقي راسو” و”الصدقة في المقربين أولى”.
2.    تحويل السوق الأسبوعي وفضيحة الجهل بالقانون:
يكشف إدراج هذه النقطة بالصيغة التي وضعت بها في جدول الأعمال:   “الموافقة على  تحويل السوق الأسبوعي التابع للجماعة الحضرية إلى المكان المسمى سكريتا”  جهلا فضيعا بالقانون، فقد مرت مرور الكرام وصوت عليها المجلس بالإجماع- طبعا- ولم تتدخل سلطة الوصاية لتنبيه المجلس وإعادة الأمور إلى نصابها دون أن ينتبه أحد إلى عيب التطاول على اختصاص الغير الذي يشوبها .فإذا كان المجلس يريد أن يغير موقع السوق داخل دائرة نفوذه إلى مكان آخر فذلك من حقه ولاشك، ولكن ما دام المجلس يريد تفويت السوق إلى اختصاص جماعة امطالسة فليس من حقه قطعا أن يحدد الموقع في (ضيعة سكريتا) أو غيرها من الأماكن، لأن ذلك يعتبر تطاولا على اختصاص جماعة أخرى. مما يجعل المصادقة على هذه النقطة باطلا من الناحية القانونية لأنه مشوب بعيب عدم الاختصاص، ومن ثم يلزم سلطة الوصاية بإلغاء العمل بها وإرجاعها إلى المجلس للتداول فيها من جديد طبقا للقانون.
وإذا تجاوزنا هذه الملاحظة الشكلية الصرفة وركزنا على القرار في جوهره، سيتضح لنا أن القرار من حيث المبدأ (تحويل السوق بعيدا عن وسط المدينة) يبقى وجيها، ولكن التبريرات التي قدمت حول أسباب التحويل(عدم القدرة على مواجهة مخلفات السوق على مستوى النظافة) تبقى غير مقبولة لكونها تعبر عن عجز المجلس على التسيير وتملصه من أداء واجباته، فربط الرغبة في تحويل السوق بما يسببه من تلوث يوحي وكأن المدينة ليس فيها من مصادر التلوث سوى السوق الأسبوعي، مع أن الواقع يِؤكد أن المدينة تعرف كل أشكال التلوث، وهذا منطقي للغاية بحكم إهمال المجلس وعجزه ،وخير دليل على ذلك أن المدينة لا تتوفر ولو على صندوق واحد لجمع القمامة  .
وقد كان موضوع اختيار الموقع الجديد للسوق الأسبوعي في البداية يبدو بريئا ، بيد أن مناقشة النقطة ذاتها في  دورة ماي الخاصة بمجلس جماعة امطالسة كشف المستور وبين أن وراء الأكمة ما وراءها. فقد عرفت مناقشة هذه النقطة جدلا واسعا حيث انقسم الأعضاء بين مؤيد للموقع الذي وقع عليه الاختيار ومعارض له،وهنا مرة أخرى طفت الخلافات القبلية( أولاد حمو،أولاد سالم) على السطح مما حدا بالرئيس إلى اقتراح تأجيل البث فيها.
وقد تساءل بعض الأعضاء بقوة عن السر الذي جعل المجلسين معا (البلدي والقروي) يتغاضيان عن اقتراح ضيعة غارسيا لاحتضان الموقع الجديد للسوق، وهي في موقع أقرب ، على اعتبار أنها تعتبر بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1-73-213 الصادر في 26محرم 1393 الموافق ل 2مارس 1973 والصادر في الجريدة عدد 3203 بتاريخ 25صفر1394 الموافق ل 20 /03/1974 من الأراضي المسترجعة التي تنتقل ملكيتها للدولة. وقد أبدوا عدم اقتناعهم بالدفوعات التي تقدم بها الرئيس وكذلك ممثل سلطة الوصاية. فإذا كان نزع ملكية ضيعة غارسيا سيستغرق مدة طويلة على اعتبار أنها موضوع نزاع قضائي بين المتصرف فيها حاليا والمسمى أشلحي شعيب وإدارة الأملاك المخزنية، وجهات أخرى لا صلة لها بالموضوع ودخلت على الخط ربما طمعا في نصيب من الكعكة، فلماذا وقع الاختيار على مكان يسري عليه نفس الوضع القانوني أي ضيعة سكريتا؟ ثم لنفهم الأمر بشكل جيد أو بالأحرى لنستفسر عن الدوافع الحقيقية بشكل أوضح: لماذا تهرب رئيس المجلس البلدي من اقتراح أحد المستشارين إدراج ضيعة غارسيا ضمن المجال المشمول بتوسيع المجال الحضري المشار إليه سابقا حينما زعم أن المجلس البلدي يريد شراء هذه الضيعة؟ وهل امتلاك ضيعة غارسيا – على فرض شرائها -  يتيح للمجلس البلدي فرض سلطاته الإدارية عليها في ظل وجودها ضمن نفوذ جماعة أخرى؟ إن إجابة الرئيس تعني أحد أمرين: فهم إما يجهل القانون وإما يضحك على الذقون؟
إن الأمر- بلا ريب –  لا يتعلق بطلاسم سحرية يجب فكها، وإنما بأسرار وخبايا لا يعرفها سوى الراسخون في العقار والمتمكنون من أساليب الاغتناء في خمسة أيام بدون معلم ، مادام عامة الناس في “دار غفلون” ولا يبالون بالشأن العام وما يحاك ضد مستقبل أبنائهم، وكيف يتنبهون إلى ذلك وأغلبهم نائمون لا يستيقظون إلا مرة كل خمس سنين ليقبضوا الثمن المسموم ثم يعودون إلى النوم المعلوم. وهنا مرة أخرى تتحدث “بعض ألسنة السوء” عن طبخة تسوى لتنضج على نار هادئة وصفقة تحاك خيوطها بليل.
من شأن التوضيحات والملاحظات السابقة أن تكشف بدون شك أي نوع من المجالس المنتخبة تسير الشأن العام. فعلاوة على الجهل بالمقتضيات القانونية، ثمة حرص كبير على تحقيق المصالح الذاتية والفئوية الضيقة ،وعلى تفويت اختصاصات المجالس للمؤسسات والشركات في إطار التدبير المفوض ، ليكتفي السادة المستشارون المحترمون بالتوقيع على الوثائق الإدارية نظير شواهد العزوبة وعقود الازدياد والمصادقة على الإمضاءات…أما مصالح المواطنين فلتذهب إلى الجحيم، ولتتبخر مع تبخر الوعود الانتخابية. طفرناه بكري مع هاذ المنتخبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.