توقيع عقدين للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة 2023-2026    مستشارون ينتقدون اللغة "الانتقامية" لميراوي في مواجهة أزمة طلبة الطب    كلميم: الاحتفاء بالذكرى ال 68 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    المغرب يدين إغلاق متطرفين إسرائيليين باب المغاربة في القدس    رئيس "الليغا" يؤكد انضمام مبابي لريال مدريد بعقد مدته 5 سنوات    بعد استئنافه الحكم.. حامي الدين يمثل أمام محكمة فاس في هذا التاريخ    وزير التجهيز: 3000 كلم طرق سيّارة ستواكب تنظيم المغرب لكأس العالم    كيف يمكن الاستعداد لامتحانات البكالوريا بهدوء وفعالية؟    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    التوقيع على مذكرة إنشاء المركز الدولي للبحث والتكوين في الذكاء الاقتصادي بالداخلة    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    340 نقطة سوداء على مستوى الطرق الوطنية تتسبب في حوادث السير    "أمنستي المغرب" تدعو إلى إلغاء تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج    تنسيقيات التعليم تؤكد رفضها القاطع ل"عقوبات" الأساتذة وتحذر من شبح احتقان جديد    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    حيتان "الأوركا" تحطم قاربا شراعيا بسواحل طنجة.. وتنسيق مغربي إسباني ينقذ طاقمه    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    جماعة طنجة ترصد نصف مليار لتثبيت مئات الكاميرات لمراقبة شوارع المدينة    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي        "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    قُصاصة حول إصدار    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    الجمعية الرياضية السلاوية للدراجات تتوج بسباقي القصر الكبير وأصيلا    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    توظيف مالي لمبلغ 3,8 مليار درهم من فائض الخزينة    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    تبون يلتقي قادة الأحزاب السياسية.. هل هي خطوة لضمان دعمها في الاستحقاقات الرئاسية؟    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمازيغية باعتبارها لغة الأم
نشر في أريفينو يوم 02 - 09 - 2011


توطئة:
من المواضيع التي تؤرق الأمازيغيين، وتثير تفكيرهم، وتجعلهم دائما في حيرة كبيرة سواء أكان في المغرب الأقصى أم داخل دول المغرب الأمازيغي الكبير(تامازغا)، لابد من استحضار قضية اللغة الأم التي أصبحت مثار اهتمام المؤسسات الحقوقية الوطنية والدولية والجمعيات الأمازيغية ، حتى وجدنا هيئة الأمم المتحدة بدورها منشغلة باللغة الأم عبر مؤسسة اليونسكو ، إذ خصصت لهذه القضية يوما عالميا تدافع من خلاله عن اللغة الأم ، وتعتبرها حقا إنسانيا مشروعا لتحقيق التنمية البشرية، وتطوير التعليم، وإثراء الثقافة الإنسانية ، وذلك على أسس المحبة، والأخوة، والتعاطف، والتسامح، والتعايش السلمي، والحوار البناء ، والجدل الهادف.
إذاً، ماهو مفهوم لغة الأم؟ وماهي مميزات الأمازيغية باعتبارها لغة الأم ؟ وماهي المراحل التي مرت بها كينونة اللغة الأمازيغية تلفظا وكتابة على المستوى التاريخي ؟ وكيف يمكن لنا أن نفرض الأمازيغية باعتبارها اللغة الأصلية لسكان المغرب الأصليين نظريا وميدانيا وواقعيا؟ تلكم هي الإشكاليات التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.
1/مفهوم لغة الأم:
نعني بلغة الأم (la langue maternelle) اللغة التي تشربها الطفل منذ ولادته في البيئة التي يعيش فيها، والوسط الذي ينتمي إليه لغويا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وحضاريا. ومن المعروف أن الطفل يكتسب اللغة بطريقة عقلية فطرية وراثية ومنطقية كما يقول التوليديون التحويليون( نوام شومسكي) . ويعني هذا أن الطفل يولد وهو مجهز بالقوالب اللغوية الوراثية العقلية والمنطقية بشكل طبيعي، ويستطيع من خلال مجموعة من الأصوات والقواعد النحوية والصرفية والفونولوجية والتركيبية والدلالية المستضمرة أن يولد جملا لامتناهية العدد، وهذه القواعد هي التي تشكل ما يسمى بالقدرة الفطرية لدى الطفل، ويترجمها إلى كلام عن طريق الإنجاز.
ولا تعني لغة الأم اللغة المنطوقة فحسب، فهي أكثر من ذلك، إذ تحوي اللغة والكتابة والهوية والثقافة والحضارة والكينونة، وتتجاوز ذلك إلى امتلاك الأرض والسلطة والسيادة، و الحصول على الاعتراف الوطني والدولي واللغوي.
هذا، وقد اعترفت منظمة اليونسكوUNES(=COUNESCO) ) باللغات الأم ، وذلك باعتبارها إرثا إنسانيا حضاريا، وحقا من حقوق الإنسان المدنية واللغوية والثقافية، كما أن هذه اللغات تعتبر من الآليات القوية للمحافظة على تراثنا المادي والروحي، وتطويره إيجابيا، وتعد أيضا من الوسائل الكفيلة لتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية، ووسيلة إجرائية لتسهيل التواصل بين الأفراد والجماعات والشعوب فيما بينها.
هذا، وقد لوحظ اندثار الكثير من لغات الأم ؛ بسبب هيمنة اللغات العالمية الكبرى، كالإنجليزية، والفرنسية، والإسپانية، واللغة العربية، واللغة الألمانية ، واللغة الإيطالية. والهدف من الاعتراف باللغات الأم هو العمل على خلق التنوع اللغوي والتربوي والثقافي والحضاري، والمساهمة في إثراء التراث الإنساني العالمي، وإبراز خصوصياته الأدبية والفكرية والفنية والعلمية.
أضف إلى ذلك، أن هذا الاعتراف يجسد ما يسمى بالتعددية الثقافية والخصوصية الحضارية ، وذلك في مواجهة العولمة ، والتغريب، والإقصاء الثقافي، وصدام الحضارات الذي يشير إليه الباحث الأمريكي صمويل هنتغتون، ونهاية التاريخ الذي يلمح إليه الياباني فوكوياما.
ومن هنا، فالاعتراف باللغة الأم مبني في أدبيات اليونسكو على التسامح والتعايش والتضامن والتعاون، وإثراء المنظومة الحضارية العالمية الإنسانية التي تتسم بالتنوع اللغوي والثراء الثقافي.
هذا، وقد تم الإعلان عن اليوم العالمي للغة الأم من قبل اليونسكو بپاريس لأول مرة في شهر نوفمبر من سنة 1999م، وقد تم الإجماع على جعل يوم 21 فبراير اليوم العالمي للغة الأم ، وذلك إحالة على ماتعرض إليه الطلبة البنغاليون الخمس الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الدفاع عن لغتهم الأم في أثناء تكون باكستان الشرقية، وانفصالها عن الهند الكبرى، فنتج عن ذلك استقلال بانگلاديش إبان معركة التحرير في 21 فبراير من سنة 1952م .
وقد صرح مدير اليونسكو الياباني كويشيرو ماتسورا Koïchiro Matsuura بأن اللغة الأم لاتشكل خزانا للتراث الثقافي والمادي فقط، بل تعبر أيضا عن ميسم الإبداع الإنساني في تنوعه. وقد أحصى اليونسكو وجود 6 آلاف لغة يتم الحديث بها في العالم تعبر عن التعليم المتعدد، والثقافات المتعددة، واللغات المتنوعة من أجل خلق عالم ، يتواصل فيه الناس بكل محبة ويسر، وتتفاعل فيه الشعوب، وتتثاقف على أسس التسامح والتعايش البناء.
2/ مميزات الأمازيغية باعتبارها لغة الأم:
من المعروف أن الأمازيغية هي لغة الأم لسكان شمال أفريقيا أو لأهالي تامازغا من منطقة سيوة بمصر شرقا إلى جزر الكناريا بالمحيط الأطلسي غربا، ومن حوض البحر الأبيض المتوسط (الأندلس وصقلية) شمالا إلى دول الصحراء الكبرى جنوبا(موريطانيا ومالي والنيجر). وتعد اللغة الأمازيغية من أقدم اللغات في العالم إلى جانب اللغة الفرعونية، واللغة الفينيقية، واللغة اليونانية ، واللغة العبرية. وتنتمي هذه اللغة إلى الفصيلة الحامية إلى جانب المصرية والكوشيطية . وتسمى كتابة الأمازيغيين بتيفيناغ أو تفنغ Tifinag أي خطنا أو كتابتنا، وقد وصلتنا هذه الكتابة مخطوطة عبر مجموعة من النقوش والصخور وشواهد القبور منذ آلاف من السنين، ولدينا من ذلك أكثر من ألف نقش على الصفائح الحجرية .
هذا، وقد انحدرت الأبجدية تيفيناغ – حسب الباحث الجزائري بوزياني الدراجي- عن ” أبجدية لوبية قديمة، وهي ما زالت مستعملة- في هذه الأيام- ضمن الأوساط التارقية؛ وتتميز بكونها لغة صامتة consonantique ؛ وكانت في البداية تكتب منفصلة في الاتجاهات كلها: من اليمين إلى الشمال، ومن الشمال إلى اليمين؛ ثم من الأعلى إلى الأسفل، ومن الأسفل إلى الأعلى. وحروفها ليست كاملة حتى الآن… وكانت هذه الكتابة المعروفة بالليبية أو اللوبية منتشرة في كامل بلاد المغرب القديم. بل تعتبر من أقدم الكتابات في لغات القارة الأفريقية؛ إلى جانب الكتابة الإثيوبية المعروفة بالمروية. كما أنها مصنفة ضمن أقدم لغات العالم. وقد اختلف المختصون في أصولها الأولى، فمن قائل أنها تنتمي إلى العائلة السامية، إلى قائل بانتمائها إلى العائلة اللغوية الحامية؛ بينما اشتط آخرون في حكمهم بكونها يافثية الأصل…”.
ويرى محمد شفيق بأن الأمازيغية قد شكلت شخصية الإنسان البربري تشكيلا شعوريا ولاشعوريا، وكونت الإنسية المغربية، وملامح هوية ساكنة بلاد تامازغا منذ ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، وأن البربرية لغة قائمة بذاتها ، تتفرع عنها مجموعة من اللهجات كتاريفيت، وتاشلحيت، وتامازيغت، والقبائلية ، و الشاوية،وبنو مزاب، و بنو صالح، و الطوارق (الملثمون)، وتتحول هذه اللهجات بدورها إلى لغات تتفرع عنها مجموعة من اللهجات كما هو حال الريفية التي تتفرع عنها لهجة بني توزين، ولهجة آيت بني ورياغل، وآيت وليشيك….
هذا، وتتسم هذه اللغة بالوحدة في بناها النحوية والتركيبية والصرفية ، مع وجود اختلافات طفيفة دلاليا ومعجميا وفونولوجيا. وتنماز هذه اللغة كذلك بمرونة الاشتقاق ( يتفاعل فيها الاشتقاق الأصغر والأكبر) ، والنحت، واستيعابها لقانوني التركيب المزجي والتمزيغ،وقدرتها على التواصل والنمو والتطور، وتأرجحها بين الشفوية والكتابة. وتعد اللغة الأمازيغية كذلك من اللغات الحية التي مازالت تستعمل في شمال أفريقيا إلى يومنا هذا، وقد حافظت على كيانها الذاتي، ومقوماتها اللسنية والثقافية والحضارية ، وذلك على الرغم من خضوع البرابرة لمجموعة من الشعوب الاستعمارية المتغطرسة أوالشعوب المستبدة المطلقة في حكمها(القرطاجنيون، والمصريون،والرومان، والوندال، والبيزنطيون، والعرب، والاستعمار الغربي) .
ومن ثم، فقد أعطيت لكلمة تيفيناغ ، التي تعبر عن اللغة الأم لساكنة أفريكا ونوميديا وموريطانيا – حسب محمد شفيق- ، تأويلات عدة، ” وأسرعها إلى الذهن، هو أن الكلمة مشتقة من (فينيق، فينقيا)،وما إلى ذلك. قد يطابق ذلك أصل هذه التسمية، وربما لاعلاقة له به، ولكن المحقق هو أن الكتابة الأمازيغية غير منقولة عنها، بل رجح الاعتقاد بأنها والفينيقية تنتميان إلى نماذج قديمة جدا، لها علاقة بالحروف التي اكتشفت في جنوبي الجزيرة العربية. لقد كانت الأبجدية الأمازيغية في المراحل الأولى من وجودها تتكون من حروف صامتة هي المعنية بتيفيناغ، ويعتقد أن عدد تلك الحروف الصامتة كان 16 حرفا ، وأنه صار 23 حرفا في عهد المملكة المازيلية النوميدية. وقد أضيفت إلى الحروف الصامتة consonnes، في زمن متأخر، حروف صائتة Voyelles سميت ” تيدباكين”، تقابل الفتحة والكسرة والضمة. وتسمى الأبجدية في مجموعها”أگامك”. كان الأمازيغيون القدماء يكتبون بهذه الحروف، على جدران الكهوف وعلى الصخور، من الأعلى إلى الأسفل، في أول عهدهم بالكتابة؛ ثم كتبوا في جميع الاتجاهات، ودام ذلك الوضع إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أخذ التوارگ يستقرون على الكتابة من اليمين إلى اليسار تقليدا لما هو معمول به في العربية.”
وعلى أي، فالأمازيغية هي اللغة الأم بالنسبة لسكان شمال أفريقيا، وبها نقلوا تجاربهم المعيشية، وعبروا عن أفكارهم ومشاعرهم، كما تدل على ذلك آدابهم وفنونهم ومعارفهم وعلومهم، بينما تيفيناغ هي كتابتهم التي خضعت لمجموعة من التطورات، لتصبح بهذا الشكل الذي أقره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية IRCAM ، والذي يضم في طياته 33 حرفا أيقونيا، وكل حرف يحمل في طياته ذاكرة رمزية ، ويحوي دلالات بصرية ولغوية عميقة في التاريخ الأنتروبولوجي البربري.
3/ تاريخ الكينونة اللغوية الأمازيغية:
من المعروف أن الأمازيغية هي لغة سكان تامازغا أو سكان شمال أفريقيا، وقد انتعشت هذه اللغة تداولا وكتابة في ليبيا وأفريكا ونوميديا وموريطانيا القيصرية وموريطانيا الطنجية.
وإذا كانت اللغة الأمازيغية قد انتعشت منذ القديم بالاحتكاك مع الشعبين: المصري الفرعوني والشعب اليوناني على أراضي ليبيا، فإن هذه اللغة لم تزدهر وتتحقق ملفوظا وكتابة إلا مع الفينيقيين الذين استقروا في تونس، وبنوا مدينة قرطاج عاصمة لهم، وأسسوا حضارة مزدهرة، تسمى بالحضارة القرطاجنية أو الحضارة البونيقية.
هذا، وقد استفاد الأمازيغيون في عهد يارباس ويوفاس من مقومات الحضارة الفينيقية على مستوى الفلاحة (كتاب ماغون في تعليم الفلاحة)، وتنشيط التجارة وتدويلها، والاهتمام بالملاحة البحرية(رحلات حانون وهاميلكار)، وتنظيم الجيوش ، وتوحيد صفوفها( حنكة حنابعل العسكرية في مواجهته للرومان). لذا، انصهر الأمازيغيون في المجتمع القرطاجني انصهارا كبيرا، وتأثروا بلغتهم الفينيقية التي ترجع في أصولها إلى اللغة الكنعانية. وفي هذا الصدد، يقول الباحث الجزائري عبد الرحمن الجيلالي:” لقد أقبل البربر على اللغة الكنعانية الفينيقية، عندما وجدوا ما فيها من القرب من لغتهم، وبسبب التواصل العرقي بينهم وبين الفينيقيين”.
وإذا كان الأمازيغيون قد حافظوا على هويتهم ولغتهم الأم إبان المرحلة القرطاجنية؛ بفضل سياسة التعايش التي كانت موجودة بين الأمازيغ وحكام قرطاج، إلا أن الأمر سيتغير مع دخول الرومان والوندال والبيزنطيين الذين حاولوا احتلال شمال أفريقيا، واستغلالها عن طريق التنكيل بالأمازيغ، ومسخ هويتهم، وتشويه تراثهم ، والإساءة إلى حضارتهم ، وذلك عن طريق تدمير معالم مدنيتهم، وحرق مؤلفاتهم، وتزييف عناوين كتبهم، ورومنة الشخصيات الأمازيغية المثقفة . لذا، انسلخ الكثير من المفكرين والمبدعين عن لغتهم الأم، وفرطوا في هويتهم الأصلية، وتمسكوا باللغة اللاتينية، لغة المحتل الروماني المتغطرس القوي، ودرسوا بها في مدارسهم وكنائسهم، وحاضروا بها في معاهد روما. بيد أن أمازيغ الجبال والبادية حافظوا على لغتهم الأمازيغية، بينما أمازيغ المدينة خضعوا للرومنة ، والتدجين الحضاري الروماني، والاستلاب اللغوي اللاتيني. وظهر الكثير من الملوك والمثقفين والمقاومين الأمازيغ الذين دافعوا عن تامازغا ، ولغة الأم، والكتابة المحلية، والهوية الأمازيغية، كصيفاقس ، وماسينيسا، ويوغرطة، وتاكفاريناس، ويوبا الأول، ويوبا الثاني، وجيلدون، ودوناتوس، وأفولاي . وفي هذا السياق، يقول الدكتور عباس الجراري:” لكن المغرب لم يلبث بهذه الحروب ( البونيقية) أن تعرض للغزو الروماني الذي لم يستطع أن يخضع لسيطرته غير جزء من البلاد. أما الباقي فقد ظل محافظا على نوع من الاستقلال، ويؤكد التاريخ أن الرومان حاولوا القضاء على اللغة والتقاليد الفينيقية، لدرجة أنهم دمروا مدينة قرطاجة ومكتبتها العظيمة، وحاولوا من أجل محو الثقافة الفينيقية أن ينشئوا مدارس لتعليم اللغة اللاتينية، ولكن البربر ظلوا محتفظين باللغة الفينيقية وبلغاتهم المحلية القديمة.
على أن هذا لاينفي أن الرومان أثروا على طبقة معينة من البربر ذات مصالح، هي الطبقة الأرستقراطية التي كانت تختلف إلى مدارسهم، وتتسمى بأسمائهم، وتتكلم اللغة اللاتينية، وتعبد الآلهة الرومانية مثل: مارس وهرمس وسيريس وباخوس وأسكولاب وايزيس وأوزيريس ومترا. أما الطبقات الشعبية فقد ظلت تقدس الآلهة الفينيقية وإن أخفتها تحت ستار أسماء جديدة.”.
ويشير الباحث أيضا إلى أن الكثير من أبناء الأعيان الأمازيغ ومجموعة من مثقفي المدن كانوا يتعلمون اللغة اللاتينية ، ويتحدثون بها ، وقد” احتفظ التاريخ بأسماء غير قليل من الأدباء والفلاسفة وعلماء الدين الذين تخرجوا في هذا التعليم من مختلف أقطار الشمال الأفريقي، وعبروا باللاتينية في الغالب، لأنها كانت لغة الفاتح المستعمر، وليس لأن اللغة الوطنية كانت قاصرة كما ذهب شارل أندري جوليان”.
وعندما دخل المسلمون إلى شمال أفريقيا لفتح بلدانها ، ونشر الإسلام، تعايشت في حضن الدين الجديد اللغتان: العربية والأمازيغية، فأقبل الكثير من الأمازيغ على اللغة العربية لتعلمها، والنهل من معارفها وعلومها وآدابها، كما هو حال ابن خلدون صاحب كتاب:”المقدمة في التاريخ”، و” كتاب العبر”، وهناك من كان يكتب مؤلفاته العربية بالأمازيغية، كما هو حال ابن تومرت صاحب كتاب:” أعز ما يطلب”.
ولم تطرح إشكالية الهوية الأمازيغية واللغة الأم إبان الفتح العربي الإسلامي، كما تطرح اليوم بنوع من القلق والتوتر والاستفزاز ؛ لأن البرابرة والمسلمين جميعا كانوا منصهرين في بوتقة دينية واحدة، ينطلقون من الآية القرآنية :﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير﴾
زد على ذلك، إن الفاتحين المسلمين عندما دخلوا إلى شمال أفريقيا وجدوا الأمازيغ يتكلمون بلغتهم الأم ، ولكنهم كانوا يكتبون باللاتينية حسب ما أثبته ليون الأفريقي في كتابه:” وصف أفريقيا”:” يعتقد المؤرخون العرب اعتقادا جازما أنه لم تكن للأفارقة كتابة أخرى غير المرسومة بالحروف اللاتينية، ويقولون إن العرب عندما فتحوا أفريقيا لم يجدوا فيها غير الكتابة اللاتينية. وهم يعترفون بأن للأفارقة لغتهم الخاصة، لكنهم يلاحظون أنهم يستعملون عادة في كتابتها الحروف اللاتينية….
ويذهب فريق آخر من مؤرخينا إلى أنه كانت للأفارقة لغة مكتوبة خاصة بهم، لكنهم افتقدوا هذه الكتابة من جراء احتلال الرومان لبلاد البربر، وطول مدة حكم المسيحيين الذين فروا من إيطاليا، ثم القوط من بعدهم. “.
ولم تطرح قضية اللغة الأم والهوية الأمازيغية داخل المنظومة العربية البربرية في المغرب إلا مع الظهير البربري سنة 1930م في ثوب سياسي إيديولوجي استعماري سبب في كثير من التشنج العرقي، والاستفزاز المشين، وإثارة الانفعالات العصبية المتقدة، بغية تطبيق سياسة فرق تسد، و كان الهدف من الظهير البربري هو تفريق الأمازيغيين عن إخوانهم العرب، وتأجيج الصراع العرقي واللغوي والديني. لذا ، عمد الفرنسيون ، مستعينين في ذلك بمجموعة من الدراسات الاستمزاغية، إلى تأسيس مجموعة من المدارس الأمازيغية ، حيث تأسست ثانوية أزرو سنة 1929م قصد تكوين أجيال أمازيغية ، لتكون ممسوخة في معتقداتها، ومستلبة في هويتها المتعايشة مع الهوية العربية الإسلامية، متطرفة في نقمتها على الدين الإسلامي و اللغة العربية، لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ومع الاستقلال ، ستتأجج القضية الأمازيغية فتنة واشتعالا مع مجموعة من الانقلابات السياسية العسكرية ( أفقير، دليمي …)، وستزداد اتقادا وتهييجا مع التنكيل بالريفيين في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين عندما كان الحسن الثاني وليا للعهد، ناهيك عن الصراع السياسي المرير بين الحكومات المتعاقبة حول السلطة، والذي أفرز هيمنة حزب الاستقلال على دواليب الحكم، فعمل هذا الحزب على تطبيق سياسة التعريب ، وذلك عن طريق إماتة اللغات الأخرى، وتشجيع اللغات الأجنبية، كاللغة الفرنسية لمغازلة الحكومات الفرنسية المتعاقبة ، وذلك على حساب اللغات المحلية المغربية، كاللغة الأمازيغية. لذا، لجأ المخزن طوال فترة الملكين : محمد الخامس والحسن الثاني إلى قمع الأمازيغ، ومصادرة حقوقهم اللغوية والثقافية، ومنع اللغة الأمازيغية من التداول في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها الرسمية وشبه الرسمية والمؤسسات الخاصة، بل منعت من التداول حتى في الشارع الشعبي ، بعد أن وصف أمازيغ الريف بالمهربين والأوباش.
وقد نتج عن هذه السياسة الاحترازية القمعية تفجير الاحتقان، وإذكاء الحقد العرقي، واستنبات الكراهية داخل المجتمع الواحد، وانتشار ظاهرة التمييز العنصري. كما نتج عن سياسة الحصار والاستبداد، وتهميش الأمازيغيين، وإقصائهم على جميع الأصعدة، والتنكيل بهم ماديا ومعنويا، انفجار الساكنة الأمازيغية، ولاسيما الريفية منها، وتنظيم مجموعة من المظاهرات والإضرابات التي سببت في زهق الكثير من الأرواح البريئة، وخاصة إبان مظاهرات 1984م بمدينة الناظور.
بيد أن الملك الجديد محمد السادس أعلن ، مع توليه للحكم المغربي، عهدا جديدا من المصالحة ، والمصارحة الحقيقية مع الذات، فأعطى ، وذلك من خلال خطاب أجدير لسنة 2001م، الإشارة الخضراء لانطلاق الدرس الأمازيغي في جو ديمقراطي عادل ، فنتج عن ذلك أن تأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط . وبعد ذلك،انطلق المثقفون والجمعيات الأمازيغية في كل ربوع المغرب بممارسة الأنشطة الثقافية والسياسية بكل شجاعة وحرية ، وإن كانت السلطة الحاكمة مازالت إلى يومنا هذا تمنع إنشاء الأحزاب الأمازيغية ، وذلك على أسس لغوية وعرقية ودينية، كمنع السلطة لحزب أحمد الدغرني من مزاولة مهامه السياسية والتأطيرية.
4/ كيف تفرض لغة الأم؟
لابد لأي شعب أن يدافع عن لغته الأم بكل استماتة ومقاومة، وبكل حوار وإقناع سلمي، وإلا ستضيع هويته وكينونته الحقيقية، وقد قال شكسپير في إحدى مسرحياته:” كن أو لاتكن: ذلك هو السؤال، To be or not ton be ,that is the question “. ويعني هذا أن لغة الأم هي الوجود والتراث والهوية والحضارة والكينونة الأنطولوجية للإنسان، فمن يفرط في لغته وكتابته ، فقد فرط في وجوده فوق هذه البسيطة الكريمة.
ومن هنا، إذا فكر الأمازيغيون في فرض لغتهم ميدانيا، وعلى أرضية الواقع بشكل فعلي محسوس وملموس، فما عليهم سوى إلزام السلطة الوطنية الحاكمة بتأهيل اللغة الأم لسكان المغرب تدريسا وتداولا ودسترة وتنويعا، بعيدا عن المعيرة المصطنعة، والتوحيد الواهم الطوباوي (إسبيرانتو Espirantoأمازيغي جديد). ولابد كذلك من مراعاة مجموعة من الشروط المادية والمعنوية لتحقيق ذلك، مادامت هيئة الأمم المتحدة ، وذلك من خلال منظمة اليونسكو، قد اعترفت اليوم بحق جميع الشعوب والأقليات الإثنية واللغوية في الدفاع عن لغاتها الأصلية ، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، والتطور الشامل، والحفاظ على التراث العالمي المادي واللامادي؛لأن ذلك يعد حقا إنسانيا شرعيا وقانونيا في عالم يحترم الخصوصية والاختلاف، ويرفض العولمة (و الصحيح الغولمة)، والمسخ الحضاري ، والاستلاب التغريبي.
وعليه، فإليكم مجموعة من الشروط الضرورية التي نراها كفيلة بفرض اللغة الأمازيغية في المغرب بصفة خاصة والمغرب الكبير بصفة عامة، وهي على الشكل التالي:
1- السعي الحثيث للحصول على السلطة السياسية، وذلك عن طريق تقوية المجتمع المدني، وتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، وتولي الحقائب الوزارية ، والدخول في الانتخابات للسيطرة على كراسي المجالس القروية والحضرية.
2- تملك السلطة الدينية والروحية ، وذلك من أجل التأثير في الجماهير الأمازيغية العريضة ، استعدادا لفرض لغتها وهويتها.
3- التحكم في دواليب الاقتصاد ، وتسخيره لخدمة القضية الأمازيغية ، والتأثير على السلطة الحاكمة في البلاد ، عبر تشغيل القوة الاقتصادية، وفرض الضغوطات المالية ، والتحكم في الاستثمارات ، وذلك على غرار اللغة الكاطالانية( برشلونة) التي فرضت اقتصاديا في إسپانيا.
4- توظيف أموال المهاجرين في خدمة القضية الأمازيغية على جميع الأصعدة والمستويات.
5- تشجيع البحث العلمي الأمازيغي، وتطويره لتتبوأ الأمازيغية مكانتها اللائقة بين اللغات العالمية المعروفة.
6- ضرورة تفعيل مقترحات الكونگرس الأمازيعي العالمي إجرائيا لفرض اللغة الأمازيغية واقعا وممارسة في منطقة شمال أفريقيا ، لكي تتبوأ الأمازيغية المكانة اللائقة بها.
7- إنشاء مجموعة من المرافق والمؤسسات والمعاهد والجامعات والمدارس لتعريف المغاربة بهويتهم الأمازيغية للدفاع عنها .
8- المزاوجة بين المقاربة اللسانية والمقاربة الثقافية في تكوين المدرسين، وتأهيل التلاميذ والطلبة والمدرسين والباحثين.
9- تفريع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية جهويا ومحليا، مع خلق المكاتب الأمازيغية في الدوائر الإقليمية والقروية لخدمة لغة الأم .
10- تأسيس إعلام أمازيغي متطور، كإنشاء القنوات التلفزية والفضائية والإذاعية، وتشجيع الاتصال والإشهار والصحافة الورقية والرقمية ، وذلك لخدمة القضية الأمازيغية ، عبر توعية الناس بلغة الأم لنشر معالم الحضارة الأمازيغية، والدفاع عن الهوية والكينونة الأصلية.
11- إحداث مسالك للغة الأمازيغية بالجامعات المغربية، وإنشاء مطابع أمازيغية لنشر الكتاب الأمازيغي، وتوزيعه في كل ربوع الوطن، وعبر دول المغرب الأمازيغي الكبير.
12- تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس والجامعات والمعاهد، وتطوير معجم مرن ليستوعب كل مظاهر الحضارة الوافدة وتقنياتها الجديدة.
13- تأسيس اتحاد كتاب المغرب خاص بالأمازيغ، ونقابة الفنانين الأمازيغيين للدفاع عن الحقوق المشروعة للمبدعين والباحثين والفنانين الذين يخدمون القضية الأمازيغية ؛ وذلك تفاديا لسياسة التهميش واللامبالاة والإقصاء التي يتعرضون لها بشكل متعمد وممنهج.
14- إعادة كتابة التاريخ الأمازيغي بطريقة علمية أكاديمية ، ونشره بين الناس قاطبة، وتسليط الضوء على الإيجابيات في هذا التاريخ، وتحديد نقطه السلبية للاستفادة منها والاعتبار به.
15- الانتقال من مرحلة الشفوية الأمازيغية إلى مرحلة الجمع، والتوثيق، والتدوين، والطبع ،والنشر، والمدارسة، وإعادة البناء ، والابتعاد كثيرا عن الجدال البيزنطي، وكثرة الكلام دون فائدة تذكر، أو منفعة تستحصل.
16- ممارسة النقد الذاتي، والميل إلى المصالحة القائمة على العفو والتسامح والتعايش والمصارحة الحقيقية ، والتشبث بالعمل والتطبيق والتنفيذ، والتمسك بالوحدة الدينية والوطنية والقومية ، والابتعاد عن الحسد والحقد والإقصاء والتهميش والتطرف، واحتقار الذات، وتمزيق الوحدة الوطنية ، وتحويلها إلى عرقيات طائفية ، تخدم مصالح الغرب الاستعماري.
17- ضرورة فتح أبواب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على مصراعيها بكل عدالة وإنصاف أمام جميع المثقفين والفاعلين الجمعويين الأمازيغيين، مع العلم أن معظم الريفيين قد أعلنوا منذ وقت مبكر ، وذلك بكل وضوح وجلاء، إفلاس هذه المؤسسة، وتأكيد موتها النهائي، وفشلها الذريع في خدمة الثقافة الأمازيغية الريفية ؛ بسبب إغلاق أبوابها بالمفاتيح الحديدية في وجه المثقفين الريفيين المنتجين العاملين، وطرد الأطر المثقفة المتنورة، واستخدام سياسة اللامبالاة في وجه الأطر المثقفة الأخرى ، واستبدالها بأطر ضعيفة ناقصة في زادها المعرفي والثقافي، لاتملك الشواهد العلمية العليا التي تؤهلها لإصدار القرارات داخل المجلس الإداري للمعهد، بله عن تسييج المؤسسة بمجموعة من القيود البيروقراطية التي يستهجنها كل زائر لمؤسسة ” إيركام” ، تلك المؤسسة التي جعلها العاهل المغربي لخدمة كل الأمازيغيين بدون إقصاء أو تمييز. لكن ما يلاحظ اليوم أنها مؤسسة لا تخدم سوى طائفة معينة من الأمازيغيين ( أهل سوس )، مع إقصاء الطوائف الأخرى ( ساكنة الأطلس المتوسط وساكنة الريف). لذا، نرجو من المشرفين على هذه المؤسسة الملكية ، التي خلقت لخدمة كل الأمازيغيين بدون استثناء، أن يفكروا في إرساء إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على أساس التناوب لمدة أربع سنوات فقط، دون إعادة لنفس الشخص، فمرة يكون العميد من سوس ، ومرة من الأطلس المتوسط،ومرة أخرى يكون من الريف ، وكل ذلك من أجل تحقيق الديمقراطية، والعدالة الحقيقية ، وشفافية التناوب الصحيح، وكل ذلك قصد إرضاء جميع الأمازيغيين الذين يرفضون سياسة التهميش والنبذ والإقصاء. ونرجو كذلك أن يكون للعميد المختار مستشاران مساعدان: واحد من الريف وواحد من الأطلس المتوسط، إذا كان العميد قد عين من سوس ، والعكس صحيح إذا عين العميد من الريف أو من الأطلس المتوسط. وإذا لم يتحقق هذا التناوب الديمقراطي بشكل فعال وسريع، فنحن نرى جازمين بأنه من الصعب جدا أن يطوق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أبناء الريف ومثقفيه، الذين انطلقوا في هذه السنوات الأخيرة بجموح كبير للتعبير عن تشبثهم بأرضهم، وتمسكهم بهويتهم الأمازيغية، وحبهم الكبير لاستنطاق ذاكرتهم التاريخية المليئة بالمقاومة والبطولات المشرفة، مع التغني بالحكم الذاتي الذي يعتبره الريفيون أملا مستقبليا ، و مسلكا لا محيد عنه لتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وخدمة الثقافة الأمازيغية في كل نواحيها، وطريقا إستراتيجيا لابد منه لتسيير المنطقة ذاتيا، مع احترام السيادة الوطنية، ومراعاة مقتضيات الملكية الدستورية .
خلاصات ونتائج:
يتبين لنا – من خلال هذا العرض الوجيز- أن اللغة الأم هي الآلية الوحيدة لاكتساب المعارف ، وتحقيق الكينونة الأنطولوجية للإنسان، وهي أس وجوده وبقائه في هذه الحياة. ومن ثم، فاللغة الأمازيغية هي اللغة الأصلية للكثير من سكان شمال أفريقيا. لذا، يستوجب الواقع المنطقي تدريسها وفرضها في المؤسسات الرسمية، ودسترتها وطنيا، والاعتراف بكامل الحقوق التي يستحقها الإنسان الأمازيغي في بلده، دون ممارسة العنف ضده أو قمعه ترهيبا وتخويفا، أو متابعته قضائيا، أو تصفيته جسديا لإسكاته وقطع أنفاسه، على الرغم من أنه اليوم من الصعب القضاء على اللغة الأمازيغية؛ لأنها تتوالد مع الأجيال عبر السنين كأسطورة العنقاء الفينيقية.
ومن هنا، أرجو من السلطة الوطنية الحاكمة أن تدخل في حوار جاد مع الأمازيغيين بكل تواضع وتفهم، وأن تجلس إليهم لمحاورتهم، وسماع آرائهم ومقترحاتهم، مادامت الوحدة الوطنية محفوظة، والسيادة الشرعية مصانة. وينبغي السماع لكل الأمازيغيين قاطبة، دون إقصاء أو تهميش، أو التفرد بالبعض على حساب الآخرين ؛ لأن القضية الأمازيغية هي قضية المغاربة كلهم.
الهوامش:
- الكوشيطية: هي لغة السكان الأصليين للقسم الشرقي من إفريقية، وبها يتكلم نحو ثلث سكان الحبشة. وهناك مناطق في الحبشة تتكلم بلغة سامية. انظر صبحي الصالح: دراسات في فقه اللغة، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة التاسعة، ص:44.
2 – محمد شفيق : لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين،، دار الكلام الرباط، الطبعة الأولى 1989م، ص:62.
3 – بوزياني الدراجي: القبائل الأمازيغية، الجزء الأول، دار الكتاب العربي ، لجزائر، 2003م، ص:34.
4 – محمد شفيق : لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين،، دار الكلام الرباط، الطبعة الأولى 1989م، ص:61-62.
5 – عبد الرحمن الجيلالي : تاريخ الجزائر العام،دار الثقافة، طبعة رابعة، بيروت، لبنان، 1980م، ص:30-141.
6 – عباس الجراري:الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، الجزء الأول، مكتبة المعارف، الرباط، طبعة ثانية،ص:26.
7 – عباس الجراري: نفسه، ص:26-27.
8 – سورة الحجرات، القرآن الكريم، الآية: 13.
9 – الحسن بن الوزان الفاسي: وصف أفريقيا، ترجمة: محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية،1983م، ص:69-70.


إستعمل حساب الفايسبوك للتعليق على الموضوع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.