يتقاضون أكثر من 100 مليون سنتيم شهريا.. ثلاثون برلمانيًا مغربيًا متهمون بتهم خطيرة    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    وفد حماس يدرس مقترح الهدنة.. والولايات المتحدة وبريطانيا تدعوانها لقبول "العرض السخي"    أمطار ورياح مرتقبة اليوم الثلاثاء في ممناطق مختلفة من البلاد    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري        اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمزيغ، وزمن أخطاء التعريب
نشر في الصحيفة يوم 28 - 01 - 2022


تقديم:
" لهذا،وفي إطار البحث عن الشرعية ،في الإسلام، فان الدولة (المغاربية)لا تسعى الى تحويل الحداثة إلى المحافظة؛بل تطمح الى تحقيق عملية نقل:تريد أن تغطي هذه الشرعية المحتوى الحداثي، الذي ينغرس فيه أساس سلطتها .
إن التعريب ،في هذا المستوى،يعني ما يلي: أن يجعل الإسلام يعترف بما ليس هو....أن يقال باللغة العربية ما أنتجته اللاعربية."
Gilbert Grandguillaume :Arabisation et politique linguistique au Maghreb p :140
Maisonneuve et larose.1983
Paris
زمن الأخطاء:
يرتد هذا الزمن إلى مستهل السنة الدراسية 1957-1958؛حينما قرر المرحوم محمد الفاسي- دون سابق إعداد- الشروع في تعريب التعليم الأولي. ولعل الفشل الذي منيت به هذه المحاولة أصبح بمثابة الخطيئة الأصلية التي ستلازم كل خطوات الدولة المغربية- الحديثة العهد بالاستقلال - في هذا الاتجاه:
في يونيه1958انعقد أول مجلس أعلى للتعليم ،وقد اشتغل ،أساسا،على بحث سبل إدراج تعريب التعليم ضمن المخطط الخماسي. شكلت قرارات المجلس مستندا لاستقدام أساتذة مصريين وسوريين لدعم جهود التعريب المتسرع.
في سنة 1959 ستتم بلورة المبادئ الأربعة للسياسة التربوية:التوحيد،التعريب،التعميم،المغربة.
بعد انعقاد المؤتمر الأول للتعريب بالرباط،في ابريل 1961، وهي السنة التي تأسس فيها"المكتب الدائم لتنسيق التعريب"انعقد ثاني مجلس أعلى للتعليم ،في 18اكتوبر 1962,وقد ترأسه المرحوم الحسن الثاني.
اشتغل هذا المجلس على مشروع وزارة التربية الوطنية الذي استقر على التعريب التدريجي؛وانتهى الى التأكيد على مطلب جعل لغة التعليم بالمدرسة المغربية – بالنسبة لجميع المواد- هي اللغة العربية.
سيتواصل تأثير الخطيئة الأصلية فتختلف الرؤى بخصوص تفعيل مطلب التعريب الشامل :التعريب الأفقي(مستوى بعد مستوى)كما كان يرى وزير التربية الوطنية يوسف بلعباس؛أم التعريب العمودي(مادة بعد مادة) وهو رأي مساعده أحمد الأخضر غزال. حسم الخلاف لصالح الوزير ،فانطلق مسلسل التعريب الأفقي.ويسجل هنا تردد الوزير في التخلص من الستة آلاف6000مدرس مغربي معرب الذين وظفتهم الوزارة ،باستعجال،لتحقيق التعريب-دون أن يحقق هذا العدد الكفاية – واستقدام مدرسين فرنسيين.
ما بين13 و14 أبريل1964جرت ،بغابة المعمورة,أشغال منتدى واسع حول التعليم ،ترأسه الراحل الحسن الثاني الذي دفع ،ما وسعه الأمر، صوب اعتماد لازدواجية في التعليم ،اعتبارا لمقتضيات الحداثة ,ومحيط المغرب الإفريقي الناطق بالفرنسية والانجليزية.شكل الاتحاد المغربي للشغل ،والاتحاد الوطني لطلبة المغرب –وقد هيمنا على الملتقى،معارضين لهذ الرأي -العقبة الكأداء ؛إذ تمسكا بمطلب التعريب الشامل ،مفسرين تدني مستوى التعليم بهذه الازدواجية بالذات.
"انتهى المنتدى، في الختام، الى التصويت على خيار التعريب الشامل للابتدائي ،على مدى ثلاث سنوات؛وللثانوي على مدى سبع سنوات." غروندغيوم ص:73
ورغم أن تسييس التعريب –بعيدا عن المتطلبات الحقيقية للتنمية الحداثية الشاملة للمغرب المستقل - بدا واضحا منذ وزارة محمد الفاسي ،تفعيلا لما اشتغلت عليه الحركة الوطنية ،في مواجهة المدرسة الكولونيالية؛خصوصا حينما اتخذت اسم, ومحتوى، المدرسة الفرنسية البربرية . وخدمة أيضا لأغراض حزبية اختطها الحزب المهيمن ،وقتها،لامتلاك الدولة ,التي رآها له وليس لغيره.
رغم هذا يشكل ملتقى المعمورة مرحلة حاسمة في دخول النظام التربوي المغربي ,ومخطط التعريب،بصفة خاصة,معترك السياسة السياسوية ؛ولا يزال جريحا بين سنابك خيوله ،وأسنته، إلى اليوم ،لا هو يموت ولا هو يحي.
ستبلغ الأزمة التعليمية ذروتها سنة 1965,مع بداية وزارة الدكتور بنهيمة؛وهي أزمة بنيوية شاملة مهما حاولت الحزبية إظهارها على أنها مرتبطة بهذا الوزير ،وبفلول السياسة الاستعمارية. لم تستطع مصالح الوزارة تحمل تبعات التعميم ،بنفس البنيات السابقة ؛كما أن رقم مليون تلميذ في الابتدائي ،في نفس السنة,في مقابل مائة وثلاثين ألفا في الثانوي ،لم يكن عاديا إطلاقا.يضاف الى هذا تدن كبير في مستوى التعليم.
وحتى حينما لجأ الوزير الى تقنين الولوج الى الثانوي ،من خلال مذكرته الشهيرة,لم يعمل إلا على فتح باب تسييس التعليم على مصراعيه ؛وصولا الى " الربيع البيضاوي" الدموي سنة 1965. متى تبتدئ السياسة التربوية،ومتى تنتهي السياسة السياسوية؟ لم يعد أحد يعرف.
في ندوته الصحفية بتاريخ6أبريل 1966سيعمد بنهيمة إلى قلب الطاولة التعليمية رأسا على عقب.لقد أعاد طرح سؤال التعريب ،ومنهجيته المتسرعة التي شكلت وبالا على المستوى التلاميذي .ولم يسلم مبدأ المغربة من انتقاد الوزير ،لنفس التهمة.
وحينما "تطاول" على مبدأ التعميم ،توفرت كل الشروط للفاعلين السياسيين ليعتبروا أن ميدان التعليم هو الحقل الخصب لممارسة السياسة السياسوية ،بإطلاق. لقد تأذى تعليمنا كثيرا بهذه القناعة التي لاتزال فاعلة الى اليوم.
من الأهمية بمكان تسجيل تصريح الأستاذ محمد الفاسي عميد جامعة محمد الخامس –وهو ينتخب في نفس تاريخ الندوة الانقلابية- رئيسا لمنتدى الجامعات المعتمدة ،كليات أو جزئيا ،للغة الفرنسية،المنعقد بمدينة "لياج" الفرنسية.يقول:"لا تزال أمام اللغة العربية سنوات طويلة لتصبح لغة التواصل الدولي".
صمم الدكتور بنهيمة على التراجع عن تعريب المواد العلمية ,كما ربط تطبيق التعميم بالابتدائي,بتقنين الولوج الى الثانوي.
لتهدئة الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تسببت فيه السياسة التعليمة التي كلف هذا الوزير بتنفيذها ،عمد النظام الى إجراء استشارات حزبية أفضت الى تأجيل تنفيذ هذه السياسة الى الدخول المدرسي لسنة1967.
في 12 ماي1967 عوض الدكتور بنهيمة بالأستاذ عبد الهادي بوطالب ،ذي التكوين العربي الصرف.
مابين 11 و15 مارس 1970- على خلفية من الإضرابات الطلابية الواسعة- انعقد بايفران ملتقى/مناظرة وطني واسع لإصلاح التعليم ،وتقديم مقترحات في ما يخص مبادئ:المغربة,التعريب،و التعميم.بفعل الجو الطلابي المشحون ,وحدة الخلافات،وهي سياسية بالدرجة الأولى، داخل الملتقى، تم اختزال نتائجه في بعض الإجراءات المستعجلة:الزيادة في المنح ،توفير قاعات الدراسة .ظلت الازدواجية اللغوية هي المعتمدة،رغم مطالبة الآباء،في الملتقى,بتطبيق توصيات ملتقى 1964 في موضوع التعريب؛وقد تعززت هذه المطالبة- بعد شهرين- بعريضة موقعة من طرف خمسمائة عالم ورجل فكر و مثقف ،تناهض بقوة الازدواج اللغوي .
إن نظامنا التعليمي اليوم ،وبعد مرور عشرات السنين ،على كل هذه الأحداث ،التي لم تكن إلا لماما ذات جوهر تربوي أكاديمي، لم يحسم بعد في مسألة التعريب ،رغم الانتهاء من التعريب الكامل للتعليمين الإعدادي والتأهيلي ،منذ سنين.
أقول هذا وأنا أستحضر وضع طلبتنا في التعليم العمومي المغربي، وهم يلجون تعليما جامعيا يلزمهم بعقد ديداكتيكي علمي مفارق: أهلا بكم لتواصلوا تحصيلكم المعرفي العلمي لكن باللغة الفرنسية. سيان بينكم وبين هؤلاء القادمين من مؤسسات البعثات الأجنبية بالمغرب. لعلها داروينية تربوية /سياسية: البقاء فيها للأصلح.
(تعمدت في هذا الجزء من الموضوع- حصريا في ما يخص كرونولوجيا التعريب،وليس التحليل-الاقتصار على استثمار البحث الأجنبي المذكور ،لموضوعيته ؛حتى أتفادى دراسات تعليمية وطنية ظلت وفية لتحكيم السياسة السياسوية في تحليل النظام التربوي) .
حتى لا تتكرر هذه الأخطاء في التمزيغ:
1.ربط التعريب بهوية الدولة ،وليس بمتطلبات معرفية أكاديمية :
غداة الاستقلال أصبحنا على مغرب تعليمي لم تتهيأ بعد البنية الأكاديمية الوطنية لتقييمه معرفيا ،وبناء سياسة وطنية ،بخصوصه؛بأساس علمي متين وغايات وأهداف معرفية وتنموية واضحة. تم تعويض الاشتغال على مفارقة الاستعمار بالاشتغال على مقاربة الهوية .مجال لم تكن الحركة الوطنية ,ولا النظام مستعدين للتخلي عنه –على الأقل ما يخص جانبه التربوي النظامي- للأكاديميين.
كل كلام عن الاحتفاظ بنفس البنية التربوية الفرنسية التي تأسست على مدى عشرات السنين ؛الى حين اكتمال بناء الأفضل ،كان يعد خيانة.
تهافت السياسي على بضاعة التعريب، بائعا لها في سوق السلطة والانتخابات الموصلة إليها. لا أحد قال ،في زمن الأخطاء هذا ،بأن التعليم شأن سيادي يجب أن يتطهر من السياسة السياسوية التي اغتالت تدريجيا الحياة في شرايين نظامنا التربوي ؛وجعلت منه المريض الدائم رغم حملات توفير الدواء.لو تكرست السيادية في هذا الفجر لسارت نهجا قويما.
رغم أن الدكتور بنهيمة لم يعمل سوى على تدارك الخطيئة الأصلية وبطلها – من شدة وطنيته- محمد الفاسي فان الشيطنة بل اللعنة لا تتوجه الا إليه. وحتى حينما تراجع في تصريح "لياج" عن ثقته بمستقبل عاجل للغة العربية لم يحاسبه أحد؛ لأن الحزب العتيد كان يجيد كثيرا توزيع التهم والأدوار.
تعود بي الذاكرة إلى الهجمة الشرسة التي شنها الأستاذ الاستقلالي عبد الرحمن احجيرة على الدكتور بنهيمة ؛وكم اعتُبر بطلا ،وببطولة لا تزول من الذاكرة الوجدية. خِلت أن الرجل –بكل دفاعه عن التعريب- سيخرج أبناء من أمراء البيان "مثلي" أنا الذي نفذ فِيَ الوالد استقلاليته ،بكل تطرف.
الواقع اليوم شيء مختلف تماما:أبناء بتكوين علمي فرنسي لحما وعظما ونخاعا. هذا ما تفعله السياسة السياسوية حينما تشتغل تربويا.
2. تقديم الشكل على المضمون: في كل محطات التعريب لم تطرح الأسئلة المركزية،التي كان طرحها سيؤدي إلى إيقاف التهافت السياسي على الشأن التعليمي:
ماذا نعرب؟ الجاهز من المعرفة العلمية الفرنسية،أم ننتظر إنتاج المعرفة العلمية الوطنية؟ لماذا نستبدل حرفا بحرف لنقَوِّل اللغة العربية ما لم تقله؟
لماذا نهدم السياسة التعليمية الفرنسية في المغرب- على علاتها- لنعيد تشكيلها ،هي ذاتها، لكن بعجالة مغرضة. ما كان في متناول جميع التلاميذ ،في الحاضرة كما في البادية،بات –بدهاء كبير- من نصيب القلة.
3.قيادة النضال التعريبي الهوياتي –بكل الضجيج الممكن- وإهمال تكوين القيادات التربوية ،في اتجاه جعلها الرافعة الحقيقية للنظام التربوي. استقدام مدرسين عرب من المشرق لبناء عقول في المغرب. سيعتبر بعض الباحثين ،لاحقا،أن هذا شكل أول بذر للفكر القومي العربي في المغرب. حمل سياسيونا المعاول وهدموا الصرح القائم ،دون أن يكون بوسعهم إعادة البناء معتمدين على إمكانياتهم فقط.
ويكرر التمزيغ الرسمي نفس الأخطاء:
1.بتأسيسه –ضد ا حتى على قانون الأحزاب- على السياسة السياسوية ،وليس على نضج الخطاب الثقافي الوطني ،وصولا الى الإنصاف الذاتي لجميع مكوناته ومشاربه .
ان هذا النضج- إذا توفرت كل شروطه- يفضُل بكثير القرار السياسي الدولتي الملزم. إنصاف جماعي لا يقصي جهة ما لتشعر بأنها مهددة؛ولا يفسح مجالا للاحتقان الملاحظ حاليا.
لقد أدت التوازنات السياسية للدولة الى تشجيع تأسيس حزب الحركة الشعبية للوقوف في وجه الطموح الكبير لحزب الاستقلال.ولم يخف زعيمه التاريخي المحجوبي أحرضان نضاله من أجل الثقافة الأمازيغية أبدا،حتى وهو يساند سياسة التعريب.
في الاستشارات التي أعقبت انقلاب بنهيمة على التعريب انفردت الحركة الشعبية بطرح مطلب تدريس الأمازيغية كما عززت الرأي الملكي القاضي بالازدواجية.وتتضمن الكثير من قرارات الحزب دفاعا سياسيا واضحا لصالح الأمازيغية.
هكذا أرادت الظروف أن يُفرض على الأمازيغية الاشتغال السياسي.والى اليوم تظل أفضل قراءة لكتابات نشطائها وتصريحاتهم ،هي القراءة السياسية.ومن هنا "الهوس الهوياتي" الذي تحدث عنه حسن أريد ,ورأى فيه الأستاذ عصيد عدم إنصاف ل"ذوي القربى".
فيض التعليقات ،وأنا أثمنها كلها – لي وعلي- أغلبها لا يشتغل الا سياسيا؛وهذا ما يجعلني أربط بين بذور الفشل التي لا زمت التعريب ،ومثيلتها التي بدأت تنزرع في التمزيغ.
أين أصحاب الشأن ،من الأكاديميين والمثقفين ليرشدوا ويزيلوا غبَش السياسة؛على مستوى القرار الرسمي ،والمواطنين ،على السواء.
لماذا تزايد كل الأحزاب- يمينا ويسارا ووسطا- في هذا الشأن الثقافي الصرف ؛الى درجة تغييب بقية الفاعلين الذين لا تهمهم الانتخابات، بل يهمهم عدم ارتكاب نفس الأخطاء ،بسلوك مسلك الاستعجال والتهافت؟
2. الاشتغال على الشكل أكثر من المضمون : آرائي في هذا الجانب معروفة ولا داعي لتكرارها.
لم يختلف اثنان على حبكة وحسن الحكاية الأمازيغية الزكراوية، التي أوردت في مقال قديم؛بل ورد رأي لقارئة أمازيغية من الجزائر ،تتعجب كيف فهمت هي نسبة 80في المائة منها ؛في الوقت الذي عبر مغاربة على أن الحرف العربي- وقد ترجمتها به - أخرسها تماما.
المهم هذا محتوى أدبي قصصي ؛لا ينقص من جدواه وجماليته الحرف الذي يكتب به ؛ولولا السياسة السياسوية لانصرف النقاش الى مضمونه التراثي الأمازيغي المفارق للمألوف ؛ومحاولة تقديم تفسيرات مقارنة له ؛وليس "مناقشة" شكله الى درجة النيل حتى من شخص الكاتب، وكأنه صانع قوالب الحرف العربي، بعد أن أذاب رصاص الحرف الأمازيغي.
ويلحق بهذا – مما يقلق بقية المواطنين- إقحام تامزغا الكبرى في كل نقاش ،وحمل شارات وراية توحي للناس بأن كل الطمأنينة والاستقرار المجتمعي باتا مهددين.
شخصيا لو خُيرت بين روايتين إحداهما عربية فاشلة ،وأخرى أمازيغية ناجحة ،وبحرف تفناغ،لاخترت الأمازيغية ،انحيازا إلى الجودة. تصورا معي كيف سيتعامل المواطنون- مثلا- مع كتاب طبي أمازيغي يقدم فتحا في مجال علاج السرطان، أو التهاب الكبد الفيروسي، أو مرض السكري؛أو حتى كوفيد وبناتها؟
رجاء ليرقى النقاش الى الوظيفية، الى المعنى، الى القيمة العلمية المضافة. ان كانت الدولة ستعطل الكثير من الخدمات المواطنية ،وتخصص أموالها لسياسة لغوية وثقافية جديدة ،فليكن من أجل المكسب الوطني الحقيقي ،وليس الوهمي .
عربنا المضمون العلمي الفرنسي ،وأرحنا العقل المغربي من إنتاج معرفة علمية وطنية؛فهل ترضون أن يتكرر نفس التكريس للكسل ،ونحن نعيد نقاش الهوية ،ونقاش الشكل؟
3. ان إرساء بنية تربوية –وأتحدث هنا في اختصاصي- مؤهلة لاستيعاب مكون الأمازيغية ،يتطلب أن تكون جميع مكونات هذه البنية سليمة،بمخرجات تحقق غايات النظام التربوي ؛وخصوصا فعاليته ووظيفيته في تحقيق التنمية الشاملة.
ان قطعة الغيار الجديدة في المحرك المهترئ لا تقدم ولا تؤخر ،وسرعان ما تنتهي الى وضعية أخواتها .
لم نبرح بعد مستوى تجريب الإصلاحات ،بعضها يمسك بتلابيب البعض ,دون أن يمسك بالنجاعة.تعاني جميع وحداتنا التعليمية من قصور –بما في ذلك اللغات- ليتشكل قصور عام لا يخفى على أحد؛بما في ذلك المنظمات الدولية المختصة.
ان استيعاب مكون الأمازيغية ،ضمن بنية هذه حالتها،سيكون ضارا بها،وبغيرها -خلافا لما ذهب إليه البعض من خدمة الأمازيغية للعربية-على المدى المتوسط والبعيد.
هذا ما يفسر التعثر الحالي ،خصوصا في الأكاديميات التي لا يحضر فيها الهاجس الأمازيغي .لقد سبق أن استشارني ،في سنوات الخدمة،مدير أكاديمية تطوان وقتها ،معبرا عن حيرته في تفسير الفشل والعزوف رغم حرص مصالحه على إنجاح التجربة الأمازيغية.
ليس في قرارة نفسي ما يكفي من الخبث ،لأدفع في اتجاه التسرع في تبني مكون الأمازيغية لقتلها ديداكتيكيا، والتخلص منها. لقد مورس مثل هذا بخصوص التعريب ولا أريد له أن يتكرر.
فوضوا الأمر للأكاديميين ؛فليس للسياسوي ما يخسره حتى في حالة الفشل ؛وهو بطبعه لا يخجل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.