حين يختار طلاب الجامعات خوض تجربة الزواج فإنهم يركبون قطارين للتحدي، أولهما لنيل شهادة علمية تؤهلهم للحصول على منصب في المجتمع ينالون منه قوت يومهم بالإضافة إلى نيلهم من مناهل العلم، والثاني من أجل تكوين أسرة هي بمثابة نواة للمجتمع وهم بذلك يكونون أمام تحديات النجاح من كل جانب. ترى هل يساعد المجتمع طلابه على بناء حياتهم الأسرية إلى جانب بناء حياتهم العلمية، وهل يجد الأبناء الآباء إلى جانبهم في هذه الاختيارات المهمة في الحياة أم أن الأبناء يواجهون مصيرهم مهما كانت نتائجه؟ تجارب ناجحة لزواج الطلبة استقتها «التجديد» تؤكد أن الاختيار رغم صعوبته في البداية، فهو أرحم من السقوط في براثن العلاقات غير الشرعية التي تنتج للمجتمع «أمهات عازبات» و «حالات حمل تبحث عن سبل للإجهاض» وغيرها من نتائج الارتباط بين الجنسين برابط غير رابط «الميثاق الغليظ». تجربة أم حكت أم أصبحت اليوم جدة أنها تزوجت وهي طالبة وعمرها 22 سنة، واقتنعت هذه الأم أن الزواج في المرحلة الطلابية يعين على تعلم تحمل المسؤولية مبكرا، ولهذا زوجت ابنتها وهي طالبة من طالب تخرج سنة بعد الزواج، (حكت هذه الأم) تجربتها ل «التجديد»، ولم تخف أن لوالدي الزوج والزوجة دورا في إنجاح التجربة إذ مرت الآن خمس سنوات على هذا الزواج دون مشاكل، إذ في المرحلة الأولى تم عقد القران وبقي كل طرف عند والديه وبعد تخرج الزوج الذي يعمل مهندسا استقل مع زوجته في مسكن واحد إلا أنهما يقضيان معظم أغراضهما الحياتية من أكل وتصبين وكي للملابس عند أم الزوجة التي أبت إلا أن تحتضن المتزوجين واعتبرتهما بمثابة ولديها، وبعد حصول ابنتها على شهادة الإجازة تم التسجيل في سلك الماستر وزاد كل من والدي الزوج والزوجة في تشجيع ابنيهم على المزيد من طلب العلم، وأنجبا المتزوجان خلال الخمس سنوات الماضية بنتا يتعاون الجميع من أجل رعايتها إلى أن حان وقت سفر الزوجين إلى كندا من أجل إتمام تعليمها، الزوج في الهندسة والأم في الاقتصاد، وهما إلى حد الآن ما يزالان في مرحلتهما الطلابية وينعمان بالاستقرار العاطفي بفعل تشجيع الوالدين الذين كان همهم الأكبر هو الإحصان والعفاف. وعلقت الأم على هذه التجربة مازحة بكون ابنتها بعد أن كانت تهتم بالموضة وتنفق الأموال من أجل ذلك، أصبحت متحملة للمسؤولية وتكتفي بالضروريات، وهذا من إيجابيات الزواج الذي يخرج الفتيان والفتيات من دوائر اهتمام ضيقة إلى تحمل مسؤوليات وترشيد للنفقات وتحمل مسؤولية الميثاق الغليظ. وأضافت الأم المتحدثة ل «التجديد» أن زواج الطلبة أفضل من ربط العلاقات غير الشرعية خصوصا في ظل المراهقة التي أصبحت مبكرة بفعل عدة وسائل منها وسائل الإعلام والاتصال المتوفرة بكثرة عكس الماضي. طالب أصبح معيلا يرى زوج مر من تجربة الزواج وهو طالب مرت على زواجه مدة سنة بعد خطوبة أن زواج الطلبة يلغي فكرة ضرورة توفر الجانب المادي للحياة الزوجية، ويبين أن للزوجة التي تقبل بالارتباط بزوج ما يزال يطلب العلم قيمة في ظل سيادة شيوع الفكر الاستهلاكي وتركيز معظم النساء على الجانب المادي دون غيره. والمرأة في هذا الاختيار حسب المتحدث ل «التجديد» تختار في زوجها «الإنسان». وعن المراحل التي قطعها المتحدث قبل حصوله على عمل قار هو وزوجته، لقي الطرفان تفهما من قبل أهل الزوج رافقه تريث من أهل الزوجة التي اشترطت إجراء عقد الزواج بعد الحصول على الإجازة حتى ينطلقا في بحث عن مستقبل مهني مع العلم أنهما كانا حاصلين على دبلوم الشهادة الجامعية العامة. وفعلا مباشرة بعد الحصول على الإجازة تم عقد الزواج بعد أن كان الأمر يقتصر على خطبة، ومن الأقدار الإلهية، يقول صاحب التجربة، أنهما من بعد الحصول على الإجازة حصلا هما الإثنان على عمل، بالإضافة إلى أن الزوج تمكن من التسجيل في سلك الماستر وهو الآن ما يزال يتابع دراسته. ومن الشروط التي يرى المتحدث توفرها لنجاح هذا الزواج توفر الثقة والحب والتفاهم.وينظر المتحدث إلى أهمية الوالدين في مثل هذا الزواج في استيعاب آراء طرفي الزواج ومساعدتهما على تجاوز المراحل الأولى لتأسيس عش الزوجية. ويعتبر المرحلة الطلابية فقط مرحلة عابرة من الحياة الزوجية الممتدة. من وحدة التكوين الدراسي رغم صعوبة الأإقدام على الزواج في المرحلة الطلابية لجأ كثير من الطلاب إلى الزواج - رغم ظروفهم المادية المزرية -، ورغم تحدي الظروف المادية والعادات السائدة. وفي هذا الإطار، تحكي إحدى المتزوجات في المرحلة الطلابية ل «التجديد» تجربة زواجها بطالب فتقول: «كنت أدرس في السلك الثالث لما وقعت عيني على شاب أنيق، تبدو على محياه علامات الطيبوبة وحسن الخلق، كان هذا انطباعي، ثم علمت في ما بعد أنه معي في وحدة التكو ين نفسها، وأنه شاب متدين ذو أخلاق عالية. التقينا في فترة اجتياز الامتحانات ثم في فترة التكوين والبحث، إذ سجلنا الدكتوراه في التخصص نفسه مما قرب المسافة بيننا ووحد طريقنا. لم يكن بيننا كلام بخصوص المشاعر، وإن كانت النفوس قد التقت من أول نظرة، اللهم إلا السؤال عن الأحوال وتبادل الاستشارات والتعاون في مسائل العلم. وفي يوم من الأيام، فوجئت بقدومه وسلامه، ظننته يسأل عن حالي كعادته، لكنه هذه المرة أراد مفاتحتي في موضوع الزواج، فقد بدت عليه أمارات الارتباك والحياء وهو يطلب مني أن أجود عليه بخمس دقائق من وقتي، أخبرني في حياء أنه يريد خطبتي إذا لم يكن لدي أي مانع ولا أي ارتباط، وذلك بعد اختمار الفكرة في رأسه واستشارة الأهل والأصدقاء واستخارة الله عز وجل». تردد وحيرة وخوف لم تخف الطالبة مفاجأتها بطلب زميلها وقالت بهذا الخصوص: «كان طلب زميلي مفاجأة لي، إذ أحسست بالخوف والتردد، ولا أنكر أني كنت أشعر إزاءه بالقبول النفسي، إلا أن أمر الزواج أربكني خاصة وأنه لا يزال طالب علم، لا يملك شيئا إلا كتبه وجذاذاته. كنت أتهرب من الإجابة مدة ليست باليسيرة. كان أخذ القرار صعبا جدا. لم يستسلم الشاب، بل كان يحاول إقناعي، وبعد طول تفكير واستشارة واستخارة، حصل لي الاقتناع فوافقت وكلي توكل على الله تعالى». اعتراض العائلة حكت الطالبة معاناتها بسبب عدم اقتناع عائلتها بزواج طالب من ابنتهم وقالت: «واجهتني اعتراضات العائلة بدعوى أنه لا يملك وظيفة، لا سيما وقد تقدم لخطبتي الكثير ممن لهم وظائف محترمة، وأنها لا تستطيع أن تراني أتبع السراب، لكني – لاقتناعي بالفكرة- استطعت الدفاع عن قراري بإرادة وحزم، واستطعت إقناع العائلة بعد نضال مرير، فكانت الخطبة، التي لا تخول ما يخوله الزواج، فكان التفكير في العقد، وهو ما عانينا من أجله الأمَرَّين أيضا لمعارضته تقاليد المجتمع، فقد جرت العادة أن لا يتم العقد إلا عند الزفاف والانتقال إلى بيت الزوجية، وهو ما لم يتوفر في زواجنا الذي اقتصر على عقد الزواج دون الالتحاق ببيت الزوجية، إلى حين الحصول على مورد مالي قار». وتضيف صاحبة الاختيار الصعب: «كان هذا الزواج لطالبة علم مثلي في طور تهييء أطروحتها إيجابيا، ذلك أني لم أكن أتحمل أعباء وتبعات الحياة المنزلية اليومية...، كنت أسكن مع الطالبات أتابع عملي متنقلة بين المكتبات، رفقة زوجي في غالب الأحيان، تستقبلنا عائلته في مناسبات عديدة. مما كان يتيح لنا فرصة التعاون وتعميق النظر في مسائل البحث، إضافة إلى تحقق الاستقرار النفسي والعاطفي الذي كنت أغبط عليه من زميلاتي، وينسيني متاعب البحث. أتممنا مشوارنا الدراسي بتفوق – والحمد لله- راضين بما قسمه الله لنا، ونعيش حسب إمكاناتنا المادية البسيطة التي توفرها لنا العائلتان». وتشير المتحدثة نفسها إلى صعوبات اختيار زواج الطلبة بقولها: «لم يخل زواجنا من صعوبات، تتجلى في فقدان متعة الاجتماع تحت سقف واحد بشكل دائم. إضافة إلى التحديات المادية، ونظرة المجتمع التقليدية. لكن رغم أننا لا نملك عشا للزوجية، فإننا نملك الكثير من الحب والمودة، والاحترام والتقدير، والتفاهم والحوار... ورُبَّ زواج طاهر يحقق الإحصان والعفاف خير ألف مرة من الوحدة القاتلة، وخير من علاقات غير شرعية يرفضها الشرع والمجتمع». نضال فوظيفة فإنجاب تخرج الطالبان لكنهما لم يجدا أبواب الوظيفة مفتوحة أمامهما بل ناضلا في شوارع الرباط مع زملائهم من حاملي شهادة الدكتوراه إلى أن جاء الفرج بتعيينهما في الوظيفة العمومية لتزول معاناتهما المادية ويستقرا في بيت واحد وينجبا طفلا ويعيشان في استقرار أسري واجتماعي بعد رحلة زواج من مدرجات الجامعة إلى سقف بيت الزوجية وأحضان الوظيفة العمومية. لكن تقول صاحبة التجربة لابد من الصبر ولابد من الثبات على المواقف سواء في وجه الحاجة المادية أو في وجه التقاليد التي لا تنبني على أساس متين. رأي المستشار ترى الأستاذة زكية البقالي مستشارة في قضايا الأسرة أن تجربة زواج الطلبة هي تجربة إيجابية ومتميزة لكنها تعترضها تحديات يجب مواجهتها من قبل المعنيين وقليل ممن يخوضون التجربة يتعرضون للفشل في منتصف الطريق لسبب من الأسباب الذاتية أو الخارجية.وأضافت البقالي في حديث ل «التجديد» أن تجربة زواج الطلبة تتيح ربح الوقت من العمر وتحقيق الاستقرار العاطفي، ولكن لها شروط وتتطلب ظروفا للنجاح حتى لا يكون مصيرها الفشل، ومن الشروط حسب المتحدثة: توفر الإرادة القوية والرغبة في تحديد أهداف الزواج الذي يعتبر بمثابة الميثاق الغليظ، كما تحتاج إلى المساعدة والدعم المادي والمعنوي من قبل أفراد العائلة. وقالت البقالي وهي المهتمة بقضايا الأسرة من خلال الاستشارات والعمل المدني: «نلاحظ أن هناك جيلا من الشباب يقدمون على التجربة وهم واعون بخطورتها وتحدياتها، لكن بصمودهم ودعم واحتضان عائلاتهم يتمكنون من تخطي المرحلة الطلابية بنجاح وبالتالي الحصول على وظيفة والتمكن من تحمل مسؤولية الزواج من الناحية المادية». وتدعو البقالي المجتمع المدني إلى الاهتمام بملف زواج الطلبة عبر تقديم دور التأطير عبر تنظيم دورات تكوينية للتأهيل للزواج ولم لا تقديم المساعدة المادية عبر تنظيم حفلات الأعراس الجماعية لتقليص مصاريف حفل الزفاف، كما أن المجتمع أيضا عليه رعاية هذه التجارب وتحفيزها ومساعدتها على النجاح». وتشدد البقالي على ضرورة إنشاء مؤسسات ومشاريع وبرامج لتأهيل الشباب والفتيات المقبلين على الزواج وإعادة تأهيل وتوعية الأسر. مع مساعدة الشباب على الزواج، بتوفير المسكن المناسب، والمساعدة المادية له، والقضاء على البطالة.