باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    عندها الزهر لي كيهرس الحجر.. مرا ربحات 2 مرات فالقمر فقل من 3 شهر    دعوة من بيت الذاكرة لترسيخ التنوع الثقافي من أجل إشاعة قيم السلام    الإنتحار أزمة نفسية أم تنموية    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    الأرشيف المستدام    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    العفو الملكي    شحنة كبيرة من الكوكايين تستنفر أمن طنجة    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    دراسة أمريكية: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    طقس الإثنين.. أجواء حارة وأمطار خفيفة ببعض مناطق المملكة    التضامن يعلو مجددا في طنجة .. مسيرة للتذكير بمأساة غ.زة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    يوسف النصيري دخل تاريخ إشبيلية مع أحسن 10 هدافين دازو عندهم    النصيري يعاقب "غرناطة" بهدف جديد    رئيس جمهورية غامبيا يستقبل المدير العام للإيسيسكو في بانجول    الفيدرالية المغربية لناشري الصحف تنتقد تدبير قطاع الاتصال..وتنبه لوضعية المقاولات الصغرى والجهوية    الزمالك يحدد موعد الوصول إلى بركان    "عكاشة" يكذب محاولة "تصفية سجين"    حسنية أكادير تنفي حصولها على منحة 15 مليون من الرجاء    المغربي اسماعيل الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة إيندهوفن    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط        مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    ڤيديوهات    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الداعية والخطيب الدكتور أحمد غاوش ل«التجديد»:على الداعية أن يكيف خطابه ويطور ثقافته وينفتح على ثقافات عصره
نشر في التجديد يوم 18 - 07 - 2013

يتحدث الداعية والخطيب الدكتور احمد غاوش من حواره مع جريدة التجديد عن تجربته الدعوية، وعن مواصفات خطبة الجمعة، وعن ضرورة حسن استغلال الوسائط الحديثة في الدعوة الى الله، واختلاف الاسلوب الدعوي باختلاف المنابر الدعوية، والخطاب الدعوي في رمضان..
 كيف يمكن تكييف الخطاب الدعوي مع اختلاف المنابر الدعوية؟
الحمد لله الذي يسر لي في هذا العمر الوجيز، الذي لا يمكن أن نصفه بالعمر المديد في الدعوة أن خاطبت أنواعا مختلفة من الناس ومن الأشياء التي يجب أن تذكر هنا أننا سنويا نقوم برحلات دعوية إلى ديار المهجر حيث نمارس الدعوة والإرشاد والتوجيه في بلاد الغرب للمسلمين، أو للمغاربة المقيمين بالخارج، والتواجد في دولة أوربية لا تدين بدين الإسلام بمعظمها، يفرض عليك أن تكيف خطابك الدعوي بما يناسب تلك البيئة، لأن الناس اللذين يأتون إليك يحملون مشكلات مختلفة عن تلك التي يعيشها المسلم في بلاد الإسلام، حينما يعيش لإنسان في بلد إسلامي المشكلات تكون مختلفة عن الإنسان الذي يعيش في وسط غير إسلامي، ولاسيما فئة الشباب، ففئة الشباب في بلاد المهجر عندها هموم خاصة ومشكلات الاندماج ومشكلة الهوية واللغة ومشكلة التفاعل مع المجتمعات الغربية، ونوعية التعامل مع غير المسلم وقضايا الولاء والبراء، ومسألة الانخراط في المجتمع المستقبل، إذا هناك جملة من القضايا التي يجب أن يكون الداعي إلى الله والواعظ والخطيب على علم ودراية بها، حتى يستطيع أن يكيف خطابه الدعوي بما يناسب احتياجات المتلقي، الأصل في الداعي أن يطبق الأثر المشهور «خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتحبون أن يكذب الله ورسوله»، كثير من الناس يفهمون هذا الأثر فهما قاصرا، ما معنى خاطبوا الناس على قدر عقولهم؟ أي خاطبوا الناس خطابا مبسطا بما يتناسب مع العقول ولكن إذا نظرت إلى المقولة نظرة صحيحة المقصود أن تخاطب الناس بما يناسب مستواهم الثقافي ، «خاطبوا الناس على قدر عقولهم» لا يفهم منه كما هو متبادر أن تخاطب الناس خطابا مبسطا بما يناسب العقول، لا ، أن تخاطب أيضا أصحاب العقول الرفيعة وأصحاب الثقافة العالية بما يناسبهم. لابد للداعي أن يكيف خطابه ويختار وسائله وأن يطور ثقافته وأن ينفتح على ثقافات عصره قدر ما يستطيع، بالطبع مع الانطلاق من الأصول الشرعية التي هي رأسمال الداعي إلى الله عز وجل.
بالرجوع إلى خطبة الجمعة، في نظركم، ما هي مواصفات خطيب الجمعة؟ وكيف يمكن أن تحبب الخطبة إلى الناس؟
أول شيء لابد للخطيب أن يكون ذا مهارة في اختيار موضوعاته وحسن إعدادها، وفي نظري أن الخطيب الذي ينتظر إلى أن يأتي يوم الجمعة، ثم ينتقي موضوعا من الموضوعات الجاهزة، إما منقولة من ديوان للخطب، أو مستنسخة مما هو متوافر بكثرة على شبكة الأنترنت، ثم يلقيها على الناس، لا شك أن خطبة أعدت على هذا النحو تكون خطبة جافة باردة، لماذا؟ لأنها لم تكتب بإحساس، ولم يبذل فيه الخطيب جهدا، ولم يضمنها فكره، ولم يصب فيها أحاسيسه، وهذا ما يفسر والله أعلم أن الناس يدخلون إلى الخطبة أو إلى الجمعة، فتجد نصف المسجد نائما والنصف الآخر لاهيا منشغلا بأفكاره وهواجسه الدنوية غير عابئ بالخطبة وما جاء فيها، لماذا؟ لأن الخطيب يلقي كلاما لا يعنيه هو بالدرجة الأولى لأنه كلام غيره،إنما هو نسخ من ديوان الخطب أو طبع ما هو موجود على الشبكة العنكبوتية، أول شيء أن الخطيب لابد أن يختار موضوعاته وأن يعدها بنفسه، وأن يضمنها تجربته وملاحظاته وأن تكون هذه الموضوعات قريبة من هموم الناس، لا يمكن أن يكون الناس قد انشغلوا بقضية من القضايا التي طغت على مناقشاتهم وأحاديثهم، وحين يدخلون إلى الجمعة يجدون الخطيب يتحدث عن قضية تنتمي إلى قضايا التاريخ، أو في القضايا الجزئية الهامشية التي لا تعني الناس لا في قليل ولا في كثير، وهنا لا بد أن أنبه على محذور قد يقع فيه الكثيرون تحت مسمى الاقتراب مما يشغل الناس ويعنيهم، وهو أن ينساق الخطيب وراء الموضوعات اليومية دونما بصر في الانتقاء والاختيار، كما نرى في بعض الحالات، فيتحول منبر الجمعة إلى منبر للتحليل السياسي مثلا، أو منصة لإطلاق المواقف الخاصة، هنا لابد أن يحضر فقه الخطيب وحكمته، وأن يتناول موضوعات واقعية وتعني الناس، ولكن دون أن يسقط في الخطاب الصحفي المباشر، ودون أن يدخل في السجال السياسي، ودون أن يموقع نفسه مع هذا الفريق، أو ذاك الفصيل، أو يحول منبر الجمعة إلى بوق لترويج سياسات معينة، وتنتصر لطرف معين ضد طرف آخر، الخطيب لا بد أن يكون للناس أجمعين، يمثل العقل الجمعي الإسلامي، ويمثل جميع الناس اللذين يصلون وراءه بالطبع بما يتوافق مع صحيح الإسلام، وحينما ينحاز لطرف ضد طرف آخر فإنه بذلك يدخل نفسه يدخل في دائرة حزبية ضيقة لا تليق بمكانة الإمام والخطيب، ولا بدوره الشرعي المنوط به من لدن الشارع الحكيم.
 نبقى في نفس السياق وخطبة الجمعة نلحظ بأن بعض الخطباء يبالغون في الترهيب بينما ينسون جانب الترغيب، كيف ترى هذه المسألة وكيف يمكن أن نوازن بينهما؟
عموما لابد أن نقرر بأن أسلوبي الترغيب والترهيب من وسائل التربية في الشرع، ولكن الذي يرجع إلى المصادر الإسلامية من كتاب وسنة يجد بأن الخطاب الشرعي أصلا يغلب جانب الترغيب على جانب الترهيب، فالخطيب أو المحاضر أو الواعظ الذي يعتمد فقط أسلوب التخويف، وأسلوب الترهيب ويطغى على كلامه استحضار الزواجر والقوارع والعقوبات وما ينتظر العصاة من أليم العقاب، لا شك أن هذا يدفع الناس إلى القنوط من رحمة الله، ويقطع رجاءهم في رحمة الله، فالداعي إلى الله هو الذي يحسن الموازنة بين البشارة والإنذار، مع أن السنة النبوية في الدعوة تغليب جانب الترغيب على جانب الترهيب، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث يرغب ويبين الفضائل ويبين ما فيه رجاء، ومعروف لدى الكافة حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي ذرالذب رواه الشيخان وفيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إليه فقال له: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق ثلاثا، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر...
فالنبي صلى الله عليه وسلم يفتح أبواب الرحمة، ويفتح أبواب الرجاء مع أن هذا الصحابي كان يحاول أن يستثني بتكراره لعبارة: وإن زنى وإن سرق، كأنه يقول: كيف ارتكب هذه الجرائم والمعاصي، ومع ذلك يدخل الجنة؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: سيدخلها ولو رغم أنف أبي ذر...
والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينتهج أسلوب الترغيب في دلالة الناس على الخير الذ بعثه الله به، وحينما كان يرسل الصحابة للدعوة، ماذا كان يقول؟ يسرا ولا تعسرا بشرا ولا تنفرا فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، هذا هو الأنموذج وهذا هو المثال، والدستور الذي يجب أن يتمثله الداعي إلى الله تعالى هو ما قاله النبي عليه السلام في سياق التوجيه والتعليم لأبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل وهما ينطلقان إلى اليمن داعيين ومبلغين لرسالة الإسلام: « يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا «.
إن طغيان منهج التخويف والترهيب قد يخلق لنا مواطنا مطيعا وملتزما بما يطلب منه، ولكن هل هذا هو الهدف المرغوب؟ إننا كأمة تسعى إلى النهضة في الدين والدنيا محتاجون إلى المواطن الصالح المبادر المبدع الذي يتحرر عقله من إسار الخوف والرهبة فيدفعه ذلك إلى العمل الصالح لرفعة الدين والوطن.
سؤال آخر مرتبط بهذا العصر مجموعة من الشباب أصبح الانترنيت والشبكة العنكبوتية داخلة في الممارسة اليومية، كيف يمكن للداعية أن يستغل هذه الوسيلة في نشر الدعوة وتقريب الخطاب إلى الشباب خاصة؟
الإنسان إذا كان مطلعا على هذه الوسائل سيجد بأنه في الحقيقة هناك جهد كبير ينجز في هذا الباب من طرف دعاة معروفين في العالم الإسلامي يحسنون استغلال هذه الوسائط الحديثة في الدعوة إلى الله وفي الإرشاد لاسيما الفيس بوك والتويتر، وما إلى ذلك حيث نجد بأن كثير من الدعاة هذا شيء واقع لهم مواقعهم وصفحاتهم والتي يتابعها مئات الآلاف أن لم نقل الملايين، ويكون في ذلك نفع كبير، فالداعي إلى الله تبارك وتعالى لابد أن ينفتح على هذه الوسائط من أجل أن يخوض مع الناس في مجالاتهم وفي الميادن التي يتواجدون فيها، لأن الداعي إلى الله تبارك وتعالى هدفه هو أن تصل كلمة الله، الوسيلة قد تختلف في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كانت هناك وسائل معينة تتناسب مع ذلك العصر، استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم جميعها، استعمل الرسالة والخطبة واستعمل الموعظة مرة بعد مرة، أرسل الوفود المباشرة هذه كانت الوسائل موجودة في ذلك العصر، ولكن في عصرنا استحدثت أمور ووسائل كثيرة لا يجوز أن يقف منها الإنسان موقف المرتاب ولا موقف المحرم كما قد يقع لكثير من الناس قد يقولون أن وسائل الدعوة توقيفية وليست اجتهادية، لكن هذا كلام لا دليل عليه والصواب أنها وسائل والدليل على ذلك هو أن الكتب وتأليف المصنفات لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن صار العلماء فيما بعد يألفون الكتب والرسائل المعينة في الأبواب المخصوصة، إذا استحدثت الأمور فاستغلها العلماء في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، الأصل هو أن الداعي إلى الله عز وجل عليه أن لا يتخذ مواقف سلبية تجاه هذه الوسائط الحديثة من الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي هذه الآن التي صارت من وسائل التغيير السياسي فلا يبعد بل متوقع أن تكون من وسائل التغيير التربوي والأخلاقي، والداعي إلى الله تبارك وتعالى يهدف إلى تغيير الناس إلى الأفضل تربويا وأخلاقيا، فإذا تواصل معهم بهذه الوسائل سيصل إلى جمهور ربما لن يصل إليه عبر المسجد، مثلا قد يكتب صفحة أو تعليقا فيتابعه عشرات الآلاف، بينما لا يحظر له في المسجد إلا بضع مئات على أحسن تقدير، والآن موجود على شبكة الانترنيت نعرف بعض الخطباء يلقون خطبهم أمام خمسين أو ستين من الناس، ولكن حينما يعرضها على اليوتوب تجد عدد المشاهدات قد فاق مثلا خمسة آلاف أو خمسين أو ستين آلفا، ومن أين؟ من مختلف بقاع ودول العالم، بينما كان يخاطب أهل حيه، وبتحويل هذا الخطاب الدعوي من وسيلة تقليدية إلى عصرية صار كل إنسان عبر المعمور إذا توافر له الاتصال بالشبكة العنكبوتية يطلع على هذا الخطاب ويستفيد منه إذا هذا هذه وسائل لابد أن يستفاد منها.
بالنظر إلى كل هذا، في نظرك بغض النظر عن الاستعمال، ما هو الخطاب الذي يجلب أكثر الشباب ومجموعة من الناس لمتابعته والتأثير فيهم؟
أول شيء لا بد أن يكون الإنسان ابن عصره، فالشباب لهم اهتماماتهم وأغلب المستعملين لهذه الوسائط من الشباب، عندهم اهتمامات معينة عندهم أسئلة لا بد أن يجاب عنها، عندهم هموم لا بد أن يستمع إليها، إذا لابد أول شيء أن يكون هذا الخطاب الذي يستعمل عبر هذه الوسائط أن يكون منتميا إلى هذا العصر، لا يعقل أن نستخدم خطابا عتيقا في وسائل حديثة، كأنك استخدمت مثلا شرب سائل فاسدا عتيقا وتشربه في إناء جديد، هذه أوان جديدة لابد أن يصنع لها خطاب جديد يتناسب معها.
هل نحن في حاجة لدراسات ميدانية لفهم نفسية الشباب لفهم هذا العصر ولفهم مجموعة من الأمور، وهل هناك خريطة في هذا العمل الدعوي عبر الوسائل الحديثة؟ أم ان الأمر يحتاج إلى تذكير الناس بالأصول والفرائض ومجموعة من الأمور كما أسلفت الذكر أنهم ابتعدوا عنها؟
 الجواب عن هذا السؤال يكون من شقين، الشق الأول هو أن هناك أصولا لابد أن تلقى وأن تعلم لأنه لا يكون المسلم مسلما حقا إلا بالإتيان بها ولا يحتاج الأمر إلى كثير بحث في هذا المجال، مثلا أصول الاعتقاد والتعبد الأصلية والأساسية هذه ربما لا يتوقف الإنسان كثيرا في البحث عن أفق التوقع أو ما يتوقعه لدى الغير، لكن في نفس الوقت لا يجب أن يستغنى عن دراسات استطلاع الرأي الإنسان الذي يتابع واقع الأمة فلابد أن يلحظ أن هناك جملة من الظواهر الخطيرة التي بدأت تنتشر داخل مجتمعنا، فإن ظل الدعاة مطمئنين على أفكارهم المسبقة بأن الأمة الحمد لله كلها لها نفس الاهتمامات ولها نفس القناعات، ربما قد نصل إلى مرحلة نجد أنه لا يوجد لدينا من نخاطبهم، أقصد بذلك تيارات التشكيك في العقيدة، من يتابع كثيرا من مواد الشبكات المعلوماتية ويقرأ تعليقات الشباب على الموضوعات التي تطرح لابد أن يستوقفه أن هناك شيئا ما يحدث في عقائد الناس، هناك مثلا ما يمكن أن نسمية بروزا لظاهرة الإلحاد، ومجاهرة في بعض الأحيان بالارتداد عن الدين والتشكيك في القرآن والسنة، وفي اللغة العربية وفي أمور من هذا القبيل، فلابد على الداعية أن يستعين بهذه الدراسات، التي تبين له المستوى الحقيقي لا المتوهم لجماهير الأمة...
في دراسة من إحدى الدراسات اطلعت عليها، وكانت بحمد الله من بين الأسباب التي دفعتني إلى إعداد خطبة تتعاطى مع موضوعها، دراسة استقصائية أنجزها معهد أمريكي معترف به دوليا تركز على مجموعة كبيرة من دول من العالم الإسلامي، وتستهدف قياس التدين داخل المجتمع الإسلامي، سواء على مستوى الممارسة أو على مستوى الاعتقاد، كانت من بين الخلاصات التي أثارت انتباهي أن كثيرا من الناس وهذا في العالم الإسلامي في العالم العربي، كثير من المسلمين هم مسلمون لكن لا يعتقدون بوجود جنة أو نار، لا أذكر الآن بالضبط النسبة لكن كل اثنين من أربعة قالوا نحن مسلمون لكن لا نعتقد بوجود شيء اسمه الجنة والنار أو أن هناك شيئا يعرف باليوم الآخر و الجزاء، إذا الإنسان الداعي إلى الله تبارك وتعالى حينما يطلع على مثل هذه الدراسات ومثل هذه الاستطلاعات يقف على حقيقة التدين داخل المجتمع، والمستوى العقدي والتربوي الذي يعيش فيه الناس، وبناءا عليه يصوغ خطابه على نحو يعالج المشكلات، ويصف الدواء الشافي لما يراه من علل وأدواء، مثلا إذا كانت نسبة الإلحاد في ارتفاع، والتشكيك في العقائد في تزايد، لابد لهذا الخطاب أن يكون غنيا بعناصر الحجاج، وعناصر البرهان عن الاعتقادات التي ربما لا نحتاج إليه حين نلحظ بأن المسلمين بشكل عام متقبلين بما يقال من العقيدة، حينما مثلا أجد بأن دراسة تقول أن ما يزيد عن ستين في المائة من مجتمع كذا وكذا لا يصلون، لا يؤدون الشعائر، إذا هذا يدفعك لتوجيه خطابك في هذا الاتجاه ترغيب الناس في عبادة ربهم، والصلوات التي فرضها الله تبارك وتعالى عليهم.
وأنا أدعو إلى أكثر من هذا، وهو أن تؤسس مراكز للاستطلاع الدعوي وينتفع بها الخطباء، وتكن مادة علمية تثري مواعظهم ودروسهم، ومن الأشياء التي نحبها وشخصيا أرغب فيها أن يأتيني الناس، ويقولون لي نريد الحديث عن الموضوع الفلاني، وما يؤرقنا كثيرا أن تجد موضوعا يحتاج الناس الحديث عنه، وهذه المراكز ستنفع الدعاة كثيرا وستوفر لهم مادة علمية تدرس المجتمع مستوياته أنماط تدينه، فقد نقول أن المجتمع الفلاني مجتمع متدين، لكن أي نوع من التدين هل تدين شكلي تدين ظاهري، تدين تعبدي يفصل بين العبادة والمعاملات، يفصل بين المسجد والواقع، ووهذه الأبحاث العلمية توفر لنا نتائج أقرب إلى الصواب؛ لأنها تقوم على عدم كشف هوية المستجوب، بالتالي يعبر لك عن مكنون نفسه دون أن يخاف رقابة أو يخشى حسابا وعقابا، وبإجمال، الدعاة إلى الله تعالى والوعاظ والخطباء والمربون في أمس الحاجة إلى من يعطيهم الصورة الحقيقية للواقع دون مبالغة ودون زيادة أونقصان.
الخطاب الدعوي ورمضان، نعرف أن منسوب الإيمان عند عامة الناس يرتفع، إذا كيف يمكننا أن نستغل هذه المناسبة الكريمة في الخطاب الدعوي في تقوية إيمان الناس؟
لا شك أن رمضان مناسبة عظيمة، لتقريب الناس إلى دينهم، وربطهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وربطهم بالمساجد، ولكن يا حبذا لو أن الخطاب الدعوي الذي يلقى في شهر رمضان لا يقتصر فقط على توجيه الناس إلى مسائل التعبد ومسائل الصيام، هذا شيء كله طيب وكله مقبول، ولكن لابد من توجيه الناس هذه الأيام المباركات إلى تنويع العبادات بما فيها الإنفاق في سبيل الله تعالى، والبذل والعطاء والسخاء، والانخراط في هموم المجتمع، وتحويل المسلم الصائم إلى مواطن نافع لنفسه ولمجتمعه و لمحيطه، إذن الآن الناس هم صائمون والحمد لله ويصلون، لكنهم في أمس الحاجة إلى فهم أعمق وأشمل، لا يجوز أن تقتصر الخطابات على بيان أحكام الصيام، ربما سمعها الناس مرات وكرات، وربما يكون هذا الخطاب معتادا سمعوه من هذا الخطيب أو ذاك الإمام، بينما هذه فرصة لفتح أعينهم على آفاق التدين الواسع، التي تنفع الإنسان في رمضان وخارج رمضان.
كيف نستغل الخطاب الدعوي في بناء المواطن الصالح؟
الذي نلحظه الآن في المساجد ونحن نعايش الناس في المساجد أن هناك تقزيما وتسطيحا للممارسة الدينية ، الإنسان قد يصل به الحال إلى أنه قد يشرع أو يبدأ في الشروع في الصلاة ولكنه يخاصم أخاه الذي على جانبه، بل في كثير من الأحيان قد يتشاجر الناس داخل المسجد، ويتعاركون بالأيادي داخل المسجد، هل في هذه الممارسات شيء من الاستفادة من الصلاة؟ لا قطعا، بعضهم ينظرون للصلاة باعتبارها فرضا ألزموا به، والسؤال هو كيف يتحول أداء الفرض الشرعي إلى تغير في سلوكيات الإنسان، وإلى ضبط للنفس، وإلى محبة من المسلم لأخيه المسلم وتعاون معه، هناك أناس قد يتنافرون ويتشاجرون لأن أحدا وضع رجله قرب الآخر، بيمنا لما دعانا الشرع لتسوية الصفف والوقوف فيه كالبنيان المرصوص، ليس في الشكل والمظهر فقط ولكن أن يتحول هذا الوقوف صفا إلى محبة وإلى وتعاون وتضامن، وسؤال لبعضنا عن بعض، إذن لابد أن نخرج الممارسة الدينية وأيضا الخطاب الدعوي الذي يوجه إلى الناس يجب أن يخرج، من هذه الزوايا الضيقة، إلى الآفاق الأرحب فالدين الذي لا ينفع الناس في حياتهم دين ناقص، والتدين الذي لا يحول الشوارع نظيفة هذا دين ناقص، ووضوئك الذي لا يعلمك التطهر والنظافة وضوء مفتقر إلى هدفه ومقصوده، القيام في الصفوف ومتابعة الإمام التي لا يعلمنا النظام في الواقع والقيام في صفوف منتظمة في الإدارات وفي وفي المصالح والوكالات يطرح ألف تساؤل، فالوقوف في الصف لابد له أن يعلمك أن تقف في الصف وإتباع الإمام يعلمك إتباع النظام وإتباع القيادة فلابد أن يكون لهذه الأمة رأس وأن يكون لها قائد، إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، فهي لها معان، فمن سينبه الناس على هذه المعاني؟ وظيفة الداعي إلى الله أن ينبه الناس على هذه المعاني، مثلا الناس يصومون بحمد الله، ولكن هل يتحول صيامهم إلى تربية وتزكية؟ وظيفة الداعي إلى الله أن ينبه الناس إلى أن الله تبارك وتعالى ليس في حاجة إلي طعامك وشرابك، «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش»، «من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، الناس يحرصون على ترك الطعام والشراب، لكن لا يحرصون على عدم السب والشتم والقذف والمنازعات والمشاجرات، أعتقد أنه من بين أسباب هذا التسطيح للممارسة الدينية أن الخطاب الدعوي لا يركز على المقاصد، لا يركز على الأهداف، ولا يركز على إبراز غايات العبادات، لابد للناس أن يتعلموا ويعرفوا أن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجا لك في عبادتك، فعبادة الله تعالى كتبت عليك لتزكيك وتطهر أخلاقك من السيئ إلى الأحسن، هذه أمور يجب أن تضمن في الخطاب الدعوي في رمضان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.