يشكو أزواج هذا العصر من الافتقاد إلى الإحساس بالأمن والطمأنينة والسلام الداخلي.. ولا عجب أن يطلق علماء النفس على هذا القرن عصر القلق. الأمن النفسي داخل الأسرة هو أحد اللوازم الضرورية للنفس الإنسانية، وهو كذلك أحد ضرورات الحياة الاجتماعية الطيبة، هذا الأمن يتضمن مشاعر تعود في مجملها على الفرد بالإحساس بالطمأنينة والثقة وبالتالي القدرة على الإبداع والإنتاج وحسن التصرف. وهكذا فإن من المفروض في الزوجين أن يضفي كل منهما على الآخر مشاعر الأمن النفسي ويزيل من نفس الآخر مشاعر الخوف والتردد والخجل والشعور بالنقص والقلق. ولكن الواقع في كثير من الأحيان قد لا يكون موافقا لعالم المثاليات، ولذالك نجد لأسباب متعددة وظروف مختلفة أسرا يسودها الاضطراب والانفعالات النفسية العنيفة أو القلق المرضي. ويمكن تعريف القلق المرضي بأنه حالة نفسية تحدث حين يشعر الفرد بوجود خطر يتهدده وينتظر وقوعه ويميل القلق إلى توقع الشر والمصائب، ارتفاع درجة تأهب الشخص، التوتر المستمر وعدم القدرة على تحمل الآخرين، التشاؤم وسوء الظن. وتصاحب القلق أعراض فزيولوجية مثل الإرهاق، ضربات القلب السريعة، ضيق التنفس، وجع الرأس، الأرق والشد العضلي. القلق المرضي عند المرأة والرجل أصبح اليوم منتشرا بصورة لا يمكن تجاهلها، سواء كان المرض معروفا ومشخصا أم لا، فوجودها الكامن داخل الأسرة يكون بلا شك عاملا هاما في تدني الكفاءة العاطفية والجنسية للأسرة وربما في تفككها. فهو عائق للسعادة والنجاح الزوجي، فبسببه تختفي العاطفة والمودة ويحل محلها الغضب والاستياء وكثرة التذمر والتسبب في الشجار المؤدي إلى المحاكم لأتفه الأسباب، وتظهر على الأزواج أثناء معاناتهما من القلق المرضي، سلوكات مضطربة في معظم المواقف الاجتماعية التي يمران بها، سواء أكان ذالك مع الجيران أو الأقارب، أو عند مزاولة أي نشاط عادي في حياتهما اليومية. ومن صور القلق المرضي الذي يسيطر على الزوج والزوجة عدم القدرة على التواصل بينهما وإدارة الصراعات النفسية الداخلية واحتواءها وبالتالي اللجوء إلى العنف اللفظي تعبيرا عن مشاعر الغضب والقلق وصولا إلى العنف الجسدي الذي يمثل الصورة الأسوإ في العلاقة الزوجية والتي قد تحسم الصراع لصالح الانفصال. وقد تبين أن الأطفال في الأسر المضطربة "الأسرة المنتجة للمرض النفسي" يعانون من ظروف اجتماعية ونفسية وتربوية صعبة تعرضهم للإحباط والحرمان والصراع وتعوق نموهم الجسمي والنفسي وتعرقل نضجهم الاجتماعي والانفعالي وتجعلهم مهيئين للأمراض النفسية والانحرافات السلوكية. ولا بد أن نذكر أخيرا، أن علاج القلق ضروري لتخفيف المشاكل الزوجية التي قد تعترض استمرارية وتطوير الحياة الأسرية. * باحث في علم النفس ومختص في تدبير التنمية الاجتماعية