"البسيج" يفكك خلية إرهابية خططت لتنفيذ أخطر عمليات إرهابية بالمغرب    بوريطة يتباحث ببانجول مع وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية    موزمبيق.. انسحاب قوات مجموعة تنمية افريقيا الجنوبية يفتح الطريق أمام حالة من عدم اليقين    مندوبية التخطيط: الشوماج تزاد ب96 ألف عاطل ف عام (أرقام رسمية)    أسعار الذهب تتجه للانخفاض للأسبوع الثاني تواليا    توقف أشغال طريق بين مكناس وبودربالة يثير غضب السكان بالمنطقة    النفط يتجه لتسجيل أكبر انخفاض أسبوعي في 3 أشهر    "الفاو": أسعار الغذاء العالمية تواصل الارتفاع للشهر الثاني في أبريل    احتجاجات أمام القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء تضامنا مع طلاب الجامعات الداعمين لغزة    اليونسكو تمنح الصحافيين الفلسطينيين جائزة حرية الصحافة    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    الكعبي يسجل "هاتريك" ويقود أولمبياكوس للفوز أمام أستون فيلا في دوري المؤتمر الأوروبي    نزار بركة… وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية    توقعات طقس اليوم الجمعة في المغرب    المحامي عزوزي دفاع ضحايا مدير ثانوية التقدم ل"كود": القضية بانت فيها مستجدات جديدة والضحايا كيعيشو ضغوط نفسية والنيابة العامة تعطات مع الملف بسرعة    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    بنك المغرب…66 في المائة من أرباب المقاولات الصناعية المغاربة يعتبرون الولوج إلى التمويل "عاديا"    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى رئيس دولة الإمارات إثر وفاة سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    برنامج مباريات المنتخب المغربي الأولمبي بأولمبياد باريس 2024    غامبيا.. بوريطة يتباحث مع نظيره الغابوني    حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    إيقاعات الجاز تصدح بطنجة بحضور مشاهير العازفين من العالم    المرة اللولى منذ 2009.. واحد من الحزب الإسلامي المعارض كيترشح للانتخابات الرئاسية ف موريتانيا    ال BCIJ يُوقف 5 عناصر موالين لداعش كانوا يُخططون لأعمال إرهابية    أوريد: العالم لن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"    تركيا تعلن وقفا كاملا للتعاملات التجارية مع إسرائيل    "حرية الصحافة"..المغرب يرتقي في التصنيف والصحافة المستقلة مهددة بالانقراض بالجزائر    "تقدم إيجابي" فمفاوضات الهدنة.. محادثات غزة غتستمر وحماس راجعة للقاهرة    الفرقة الجهوية دالجندارم طيحات ريزو ديال الفراقشية فمدينة سطات    زلزال جديد يضرب دولة عربية    ريم فكري تفاجئ الجمهور بأغنية "تنتقد" عائلة زوجها "المغدور"    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    رسالة هامة من وليد الركراكي ل"أسود" الدوريات الخليجية    مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    عقب قرارات لجنة الأندية بالاتحاد الإفريقي.. "نهضة بركان" إلى نهائي الكونفدرالية الإفريقية    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    الإبقاء على مستشار وزير العدل السابق رهن الاعتقال بعد نقله إلى محكمة تطوان بسبب فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كفاح مغربيات في أعالي الجبال
نشر في التجديد يوم 07 - 03 - 2014

بمنطقة الزات السامقة بدواري "تغزيرت" و"زروون" القريبين من منبع واد الزات، والمتواريين وراء جبال الأطلس الكبير الشامخة بجماعة تغدوين (مركزها على بعد 70 كلم من مدينة مراكش)، تعيش المرأة مثل باقي النساء والفتيات القرويات فصولا من الإقصاء والتهميش في ظل ظروف طبيعية قاسية متجلية بكل تلاوينها، تعيش في هذه الوضعية بعيدا عن شعارات 8 مارس وعن اهتمامات ناشطات حقوق المرأة بالمدن الكبرى، وبعيدا عن فصول سجالات النقاش حول مدونة الأحوال الشخصية وعن برامج وأضواء وسائل الإعلام المرئية.
حصار!
ينتاب المرء القادم من المدينة، وهو يضع رجليه بالدوارين الأمازيغيين ويلقي أول نظراته المتفحصة، شعورا قويا بأن المنطقة تعيش حصارا كبيرا بواسطة كتلة صخرية شاهقة، لا يخفف من ذلك الشعور غير وجود الإنسان ذاته وأشجار مثمرة وخرير مياه الوادي الذي لا ينقطع انسكابه وشقه لطريقه الوعرة وكأنه في رحلة يومية متواصلة منذ الأزل وإلى ان يأذن الله بالفناء.
حصار يشدد خناقه على المنطقة انعدام شبكات الاتصال الهاتفي واستحالة وصول وسائل النقل الحديثة البرية. حصار يعمق جراح المنطقة خلال فصل الشتاء البارد مع تساقط الثلوج وارتفاع منسوب مياه الوادي، حيث تنقطع المنطقة عن العالم الخارجي وتصبح الساكنة عاجزة عن فعل أي شيء اتجاه أي ظرف طارئ. حصار يزيد من قساوته غياب أي من المرافق العمومية؛ طبية كانت أو إدارية، باستثناء حجرات دراسة متهالكة لا يصل إليها مدير أو مفتش.
يقول الشاب حسن وهو ناشط جمعوي "إن معاناة المرأة بالمنطقة تتواصل يوميا من أجل لقمة العيش والكرامة.. هي مناضلة بفطرتها وقدرتها على التحدي والصمود وهي صاحبة المهمات الصعبة، قادرة على التعبير عن جميع المشاعر الإنسانية بكل عفوية وتلقائية، من فرح وحزن وانتصار وانكسار، وبداخلها يكمن بريق أمل من أجل غد أفضل".
في المهد
يتجول المرء بعينيه محاولا استكشاف المكان، لا يجد غير بيوت بسيطة مبنية بالطين والخشب، متناسقة وغير متناسقة، لكنها متراصة بشكل غريب كأنها تعبر عن تضامن وتلاحم قويين أمام قساوة الطبيعة، صغيرة الحجم لكنها تبدو أيضا صامدة. يقول حسن "هنا حيث الصخر والضجر سيدا الموقف، تبدأ معاناة المرأة منذ أن تبدأ "علقة" في رحم أمها، حيث لا مراقبة طبية ولا عناية خاصة، والموت يتربص بها في كل حين خاصة في فصل الشتاء البارد حيث تحاصر المنطقة بالثلوج.
تقول السيدة رقية وهي امرأة متزوجة وأم لطفلين "بقاء المرأة على قيد الحياة في هذه المنطقة معجزة بحد ذاتها، رزقت بخمسة أطفال، مات منهم بنتان وولد، حيث لا يكمل الرضيع شهره الأول بل أسبوعه الأول حتى يموت بسبب انعدام الرعاية الصحية وعجزنا عن إيصاله إلى المستشفى من أجل العناية". هي شهادة صادمة حقا خاصة أن أغلب البيوت تعيش نفس القصة، فالمعطيات الميدانية، حسب حسن، تشير إلى أن نسب وفيات الأمهات والأطفال الرضع مرتفعة بالمنطقة، "فلا يخلو بيت من وجود ذكرى حزينة لوفاة رضيع أو امرأة خلال الحمل أو عند الوضع". ويضيف حسن "حين يكمل الرضيع المولود في فصل الثلوج شهره الثالث، يخف خوف العائلة من موته المحتمل لأنه آنذاك يصبح قادرا على تحمل قساوة الظروف الطبيعية كما أن الحصار يخفف من وطأته ويمكن زيارة الطبيب ولو أن الرحلة كلها معاناة ومحفوفة بالمتاعب.
في المدرسة
تكبر الرضيعة شيئا فشيئا إلى أن تصير طفلة وتدخل المدرسة، وهنا تبدأ فصول أخرى من التهميش والإقصاء، كونها تلميذة لا يشفع لها شيئا . فالفتاة منذ الصغر تسند إليها مهام صعبة كالرعي وجمع الحطب وجلب الماء ومساعدة الأم في الأشغال المنزلية، وكذلك تربية الإخوة الصغار حين تغيب الأم في الغابة أو في الحقل. حتى عندما تدخل حجرة الدرس، فالمعاناة تصاحبها كظلها في هذا الدوار. فاطمة ذات الثماني سنوات والتي تدرس بالقسم الرابع ابتدائي تقول وهي تنظر إلينا نظرة امتزجت فيها ملامح ابتسامة طفولية بريئة وبداية صرخة ألم قوية داخلية "قسمنا ليس ككل الأقسام، لأن حالته مزرية ولا تشرفنا ولا تشرف من بنوه"، تتوقف قليلا وهي تستجمع قواها كأنها تصعد قمة جبلية وتشير بأصبعها إلى سقف الحجرة الدراسية المتهالك ثم تضيف "بينما تشرح معلمتنا الدرس، ينصرف بالنا إلى أمور كارثية قد تقع بسقوط هذا السقف فوق رؤوسنا". نسأل أحد السكان فيقول "إن هذا القسم منذ بني قبل سنوات لم يخضع لأي إصلاح أو ترميم، نحن مستعدون لذلك على أمل أن نجد ترخيصا من المسؤولين، لكن لا حياة لمن تنادي". تستطرد فاطمة وهي توجه نظرتها إلى قمم الجبال المكسوة بالثلوج مرة ومرة إلى المراعي الخضراء ومرات صوب أسفل الوادي حيث الطريق إلى القرية والى المدينة " تقول معلمتي إني تلميذة مجدة، ونقطي تدل على ذلك، وأمنيتي أن أكمل دراستي لكي أصبح ممرضة، لكن أملي هذا من باب المستحيل، لا توجد أي فتاة في القرية أكملت دراستها بسبب عدم وجود أي داخلية قريبة كما أن الطريق صعبة جدا، مصيرنا أن "نجلس إلى الركن" بعد الحصول على الشهادة الابتدائية، وبعد أقل من سنة يكون كل ما تعلمناه خلال ست أو سبع أو ثمان سنوات في خبر كان. هذا هو الهذر المدرسي وهذا هو تفريخ أجيال أمية،يعلق الشاب حسن، على هذه الشهادة الحية التي تكررت حين تحدثنا إلى زميلات فاطمة في القسم جميلة وإلهام وحنان.
قصة مؤلمة
يقول حسن ولكي تصير الطفلة شابة يبذل الوالدان جهدا مضاعفا في الرعاية والعناية، وحين تكبر قليلا يكون مصيرها الزواج، وسرعان ما تصبح ربة بيت ومسؤولة عن إدارة شؤونه بكل طاقتها الشابة ومن دون خبرة. فاضمة سيدة في عقدها السادس من سيدات الدوار، لم تنل أي حظ من التعليم، حين تدخل بيتها تجده أقرب إلى كوخ، الغرفة الوحيدة هي المكان الذي تجتمع فيه العائلة وينام فيها الجميع بدون أدنى شيء مما نعده من الضروريات في المدن، لا زليج ولا رخام، لا ثريا ولاتدلاكت، ولا ولا..، وعلى الجانب مطبخ مكسو بالسواد حيث تجلس السيدة فطومة تعد طعام العشاء، والذي لن يكون سوى كسكسٍ لأن في البيت ضيفا، عدا هذا اليوم فالزيت والزيتون وكؤوس الشاي كفيلة بأن تسد رمق الأطفال قبل النوم. ما إن تحدثنا معها عن "حقوق المرأة في الدوار " حتى تبلل خدها بالدموع، وقالت إن صورة جارتها الشابة "خدوج" وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد ولادة عسيرة، مازالت ماثلة أمام عينيها، تحاسب عجزها وعجز ساكنة الدوار، وتحاسب أكثر غفلة المسؤولين عن واقع الصحة بالمنطقة، في حين يقول زوج الفقيدة "خدوج ماتت كمدا وحزنا على وليدها الذي فقدته بعد أسبوع واحد من ولادته حين وضعته في شهر يناير الماضي، كانت المنطقة محاصرة بالثلوج، والوصول إلى المستشفى من سابع المستحيلات. مازال الحزن مستوطنا في عيون الزوج "بعد وفاة الرضيع وتدهور حالة خدوج"، يقول المتحدث، "تكبدت مشاق رحلة صعبة من أجل الوصول إلى منطقة "الريزو" وأطلقت نداء استغاثة وأخبرت من قبل عون سلطة أن المروحية في طريقها إلينا، مرت الساعات ثم الأيام القليلة علينا وكأنها شهور وأعوام، تجمع نسوة الدوار بكاملهن قرب خدوج للتخفيف من معاناتها، وحين اتصلنا مرة أخرى بمسؤول آخر طلب حملها على نعش، حين عدت وجدت شباب المنطقة قد أعدوا فعلا نعشا من أجل حملها على الأكتاف إلى أقرب وسيلة إسعاف من أجل نقلها إلى المستشفى، حين دخلت الغرفة وجدت النسوة باكيات وجثتها هامدة، عرفت أن القصة انتهت وأن النعش الذي جهز من أجل إنقاذ حياتها سيكون محملها إلى أن توارى الثرى". يختم السيد ابراهيم شهادته الصادمة بالقول "بوفاة خدوج أكون فقدت العضو الخامس في العائلة فقد مات قبلها أربعة أطفال لانعدام المركز الطبي وعدم خضوعهم لأي تطعيم أو تلقيح". حالة خدوج ليست فريدة فالمنطقة تعرف دائما مثل هذه الوفاة.
تضامن فريد
هل تكتفي المرأة بالمنطقة بإدارة شؤون البيت والعناية بأطفالها، الجواب حتما لا، يقول حسن، فمنذ أن يصيح أول ديك في القرية، معلنا عن بداية يوم جديد، تبدأ رحلة يومية شاقة للمرأة الجبلية، تقوم بأشغال البيت إلى جانب أشغالها في الحقل وتربية الماشية. يختلف عملها باختلاف الشهور والفصول والمواسم لكن المعاناة قاسما مشتركا بينها، عملها يستوجب منها الخروج الباكر مع تحمل الصقيع والبرد القارس قاصدة حقلها الصغير الذي تقضي به اليوم كاملا من شروق الشمس إلى غروبها، قبل أن تعود إلى المنزل منهكة القوى في انتظار صباح جديد ويوم جديد لا يختلف عن الذي سبقه.
صادفنا السيدة رقية في حظيرة المنزل، تقترب من إكمال عقدها السابع. آثار الزمن بادية على وجهها الذي لا يخلو من بهاء. تلتفت إلينا ببطء بعدما طبعت لمسة حانية بيديها على بقرتها الوحيدة. وتقول "هنا في الدوار نعمل أو نموت"، وكما ترى أنا أطلب من بقرتي حليبا يكفينا في وجبة خفيفة في المساء. عندما يذهب أزواجنا للتسوق نبقى بدون خبر حتى يعودوا، أولادنا مضطرون للعيش بعيدين عنا في المدينة من أجل لقمة العيش. ونحن ننتظر العيد لكي نراهم، في نهاية رمضان المنصرم الماضي قدموا من بلاد بعيدة لكن ما إن وصلوا إلى تغدوين أسفل الوادي حتى هبت رياح قوية وهطلت أمطار كثيرة وفاض الوادي وقطعت الطريق. واضطروا إلى العودة أدراجهم دون أن نشاركهم فرحة العيد.
كانت الشمس تتوسط السماء، حين أوشك حديثنا مع المرأة الستينية على الانتهاء، نقترب من بيت آخر فنجد نسوة قد تجمعن لدى إحدى جاراتهن التي أعدت المنسج في بيتها، وهيأت معه صينية الشاي، وما توفر من حبات اللوز والجوز، وخبز ساخن. تحلقت النسوة حول الصينية الفضية الملمعة، وفور ملء البطون، انطلقت أشغال النسج، بعد أن وزعت الأدوار عليهن، الأطفال الصغار يحدثون ضجة تملأ المكان، بعض النساء حملن رضيعهن على ظهرهن، والبعض الآخر كلفن بناتهن الصغار بالمهمة. انطلقت الأشغال.. فجأة صدح صوت شجي بموال أمازيغي، وعلت معه أصوات النساء مرددات أشعارا متوارثة في الدوار أبا عن جد. تقول السيدة كريمة "هذا هو حالنا لما نريد أن ننسج زربية، هي طريقة للتضامن، لكن نتمنى أن يتوفر الدوار على نوادي نسوية تعلم الفتيات الصغيرات هذه "الحرفة".
حمل ثقيل
كانت الشمس تميل إلى الغروب، تلعب طفلتين لعبة "السيس المشهورة، فيما يلهو صبيان أقل سنا تعلو محياهما نظرات شرود وهما ينظران إلى غريبين اقتحما عالمهما دون إذن مسبق. تظهر امرأتان تحملان على ظهريهما حزما من الحطب اليابس، والعياء والجوع باد على محياهما، ترفع إحداهما رجلا لتضع الأخرى بتثاقل شديد وكأنهما في تدريبات شبيهة بالخطوات العسكرية المتناسقة، هي طريقة لتخفيف معاناة الطريق. تقول سميرة إحداهن وهي تتحسر على حالها بلكنة أقرب إلى الاستنجاد منه إلى أي شيء آخر "هذا هو حالنا نبقى في الغابة طيلة اليوم نجمع الحطب للتدفئة في الليل وبعض الحشائش للبهائم، نسمع كثيرا عن حقوق المرأة في التلفاز لكن الأكيد أنهم لا يعنوننا نحن سيدات الجبل". قبل أن تضيف "ليس لنا أي حرفة يمكن أن تخفف من معاناتنا، ولا نستطيع التواصل مع العالم". تعدل من وضع حزمة الحطب فوق ظهرها كما تحاول أن تعدل من وقفتها لكن ثقل الأخشاب الذي على ظهرها يفرض أن تبقى منحنية قليلا إلى الإمام. وتستطرد "لا أمل لنا إلا في الله، ييسر الأسباب من أجلنا حتى نعيش كبقية الخلق، ونطلب من المسؤولين الالتفات إلينا، نحتاج إلى من يعلمنا حرفة ومن يأخذ بيدنا في حياة مليئة بالمتاعب".
عدسة عصام زروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.