تتناول الدكتورة آمال بورقية المتخصصة في أمراض الكلي ورئيسة جمعية «أمل» لمحاربة أمراض الكلي، العلاقة العلاجية بين الطبيب والمريض، وتؤكد على أن هذه العلاقة ينبغي أن تخضع للعديد من المؤثرات، فالمريض يتفاعل مع مرضه وفق قوة شخصيته ومحيطه الاجتماعي ومستواه الثقافي كما يمكن لهذا الوضع أن يولد لديه صراعات ومواقف عايشها في الماضي قد تؤثر على هذه العلاقة. فهذه العلاقة تعتمد على مبدأ المثالية المتبادلة: المريض يحترم ويعظم الطبيب فهو يمتلك الخبرة والمعرفة العلمية للعلاج، أما مثالية الطبيب للمريض فتتجلى في كونه الجسد الذي يمكنه من صقل تجربته وبلورة أطروحته الطبية. ويضيف الكتاب أن خصوصية العلاقة بين المريض والطبيب تكمن كذلك في الظروف التي يحتمها الخطاب اللفظي وغير اللفظي المتبادل وخاصة ارتباطها الوثيق بمسألة مهمة وحساسة ألا وهي الحياة والموت. لهذا على الطبيب أن يخضع لالتزامات أخلاقية كالصدق والكتمان ولا يجب أن يكون عنيفا أو مندفعا أو يخضع المريض لأي ضغط أو تهديد أو ابتزاز الشيء الذي قد يدفع بهذا الأخير إلى التخلي بسهولة عن العلاج. فترة التشخيص تؤكد مؤلفة الكتاب أن على الطبيب أن يتحلى طيلة فترة التشخيص والعلاج بمهارة عالية في التواصل التي من المفروض أن يكون قد اكتسبها من خلال تجربته، محاولا تبسيط وتكييف الخطاب الطبي حسب المستوى اللغوي والمعرفي للمريض خاصة عند وصف وشرح طبيعة المرض ومراحله. لهذا وجب على الطبيب المعالج أن يستقي ثقافته الطبية من أحدث المعارف العلمية الشيء الذي يتطلب منه التكوين الذاتي والمستمر في ميدان التطبيب معتمدا في ممارسته المهنية على التحليل النقدي لسلوكاته وفق الضوابط الأخلاقية واحترام حقوق الفرد. ويجب على الطبيب أن يتأكد من صحة التشخيص عند إبلاغ المريض وأسرته محاولا بكل جهده زرع الأمل في تحسين الوضعية الصحية للمصاب مع مراعاة وجهة نظره من أجل ضمان رعاية صحية وتتبع علاجي جيد بممارسة طبية جد مريحة. فبناء علاقة جيدة ذات جودة عالية تستوجب إرادة عميقة تنبثق من القلب والعقل معا لكي يشعر المريض وأسرته بنوع من الارتياح والرعاية عند كل لقاء. فحسن هذه العلاقة يفرض مبادئ جوهرية تتجلى في الثقة والكتمان لأن التجربة الطبية وحدها لا تكفي دائما لإنجاح العلاج الطبي. أسلوب الإخبار بشكل شعوري أو لا شعوري فهذه العلاقة مبنية على انتظارات وآمال متبادلة: المريض ينتظر العلاج أو على الأقل التخفيف من معاناته، والطبيب يسعى لتحقيق قدراته العلاجية منتظرا الاعتراف بالجميل من طرف المريض. غير أن نجاح هذه التوقعات والآمال المشتركة غير ثابت ويمكن له أن يعرف إخفاقات خاصة عندما يصبح المرض مزمنا أو عند حدوث الوفاة. فهذا المشهد الطبي المؤلم يشكل الحياة اليومية للطبيب وهكذا، ومن خلال مسيرته المهنية كل طبيب يكون مضطرا إلى الإعلان عن مرض مزمن أو خطير. فهذه الوضعية تتطلب منه مراعاة شعور المريض وعائلته. فمن المناسب أن يتميز أسلوب الإخبار باللباقة وعدم التعسفية حرصا على تجنب حدوث صدمة نفسية لأن الاعلان عن تشخيص أي مرض مزمن يعتبر صدمة نفسية قوية لا يجب خلالها أن يشعر المريض بالوحدة والضياع، بل بالأمان والأمل مدعما بالمصاحبة الطبية من قبل الشخص الذي له المعرفة العلمية والقدرة على مساعدته على اجتياز محنته والتخلص من المرض وبالتالي تحقيق الشفاء. فالأخلاق المهنية تتطلب مراعاة كيفية إعلان نتائج التشخيص للمريض لا بكونها معلومات عادية ولكن لأنها موضوع قد يجعل المريض عرضة لردات فعل غير متوقعة. فمنذ أول لقاء، يمكن للطبيب استخلاص مجموعة من المعلومات من خلال ملاحظة المريض التي ستمنحه فرصة التعرف عن قرب على هذا المريض، وبتجربته الواسعة سيتمكن حتما من فهم سلوك المصاب وتوقع احتياجاته وانتظاراته. أهمية التواصل يعتبر الفحص الأولي جوهريا لأنه سيحدد مسار سنوات العلاج المستقبلية. وغالبا ما يتأثر المريض وأهله بصدمة ما يعرفونه عن المرض أو ما يرونه ويسمعونه عنه خصوصا وأن مجتمعنا يعتمد بشكل كبير على الثقافة الشفاهية ويكون المريض ومحيطه الأسري عرضة لتصديق قصص تروى عن تجارب أناس مروا من نفس الحالة المرضية أو حتى لقوا حتفهم. علاقة المريض بالطبيب تتضمن أولا اكتشاف معلومات خاصة بالمصاب وكذلك إعداد كشف طبي بدني تعمل على نجاح هذه العلاقة من البداية كما أن المحور البدني الذي يخص الكشف الطبي يعتمد على خلق ركن جوهري لاي طريقة علاجية مقبلة. العلاقة بينهما يجب أن تقوم على العطف والإحساس بآلام الشخص الذي نعلن له الخبر السيئ وتعد العبارات المناسبة والتحاور في بعض الحالات اكثر أهمية من التشخيص العلمي. ولا يمكن للإنصات أن يكون إيجابيا إلا إذا كان يتمحور على ما عاشه المريض في الماضي. كما أن الإنصات والتحاور يمكنان من تحليل حاجيات المريض ومعرفة آماله ورغباته وطريقة قضاء حياته الشخصية مع محيطه العائلي والاجتماعي ويساعد الطبيب على اقتراح القرار الطبي الملائم. سناء القويطي