قد لا يكون وراء ذلك مؤامرة، لكن الذي عشناه في المغرب في هذه الأواخر يؤكد تواتر هجمات، أحيانا بشكل متزامن و على كثير من الأصعدة، تستهدف كلها قيم وهوية الشعب المغربي. تلك الهجمات بعضها فج أثار غضبا واستياء في المجتمع، كما هو الشأن ببعض سهرات مهرجان السلطوية "موازين"، والنقل التلفزي لتلك السهرات الصادمة من خلال قناة "دوزيم" و "ميدي 1 ساط". وبعضها الآخر تم في "غفلة" عن السلطات، وبتدبير بعيد عن أعينها لكنه رغم ذلك يسائل حنكة الاستباق لدى المخابرات، وكان مسرحها باحة مسجد حسان وبتوثيق صادم لوسائل إعلام مغربية ربما غرها تمتعها ب"حماية" ما، وتناقلت وسائل الاعلام صور وشريط تعري أجنبيتان في باحة المسجد حيث تبادلتا القبل وأرسلتا رسالتهما الشاذة عبر جسديهما، وتبعهما في مسلسل الاستفزاز و الاستهداف شباب مغاربة مصابون بداء الشذوذ اختاروا نفس المكان، و كأن الشواذ يريدون أن يحولوا باحة مسجد حسان، ذي الدلالة التاريخية العظيمة في تاريخ وهوية المغاربة، إلى منبر للدعاية للشذوذ. وقبل هذه الأحداث المستفزة والصادمة ملأ إعلام المغرب فيلم "الزين لي فيك" لمخرجه نبيل عيوش، الذي أراد أن يضع الحجر الأساس لسينيما البورنو على أرض المغرب بالتحايل على المركز السينمائي بسيناريو نال به ترخيصا وظفه لتصوير مشاهد بورنوغرافية… و في الوقت الذي كان فيه المغاربة يستنكرون هجموم الشواذ عليهم من منصة موازين وقناة "ميدي1سات" كان برلماني أوروبي يطالب لجنة المساواة وعدم التمييز لمجلس أوروبا المنعقدة بباريس يوم 2 يونيو 2015، بالضغط على المغرب للإعتراف بالشذوذ، نعم تصدت لتلك المطالب برلمانية مغربية تمثل المغرب، لكن المعركة هناك لم تبدأ بعد، حيث تربط البرلمان المغربي بمجلس أوروبا اتفاقية "الشريك من أجل الديمقراطية" وهي اتفاقية يتوقع أن ينتقل مجلس اوروبا قريبا إلى مطالبة المغرب بتفعيلها، وضمنها مطالب بالاعتراف بالشواذ، وإلغاء نظام الإرث، وكثير من المطالب التي تضرب في الصميم قيم المغاربة وثوابت دينهم. وهذه الهجمة التشريعية من خلال الاتفاقيات الدولية تجري فصولها أيضا داخل البرلمان المغربي، فالمغرب الذي رفع كل التحفظات على البنود التي سبق واعترض عليها بالدين وشريعته فيما يتعلق ب"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، يستعد برلمانه هذه الأيام للمصادقة على البروتوكول الاختياري لتلك الاتفاقية بصفته إحدى آليات تفعيلها، كما تابعنا جميعا اتساع نطاق تهميش اللغة الرسسمية من طرف المسؤولين واستبدالها بلغة فرنسا دون مبرر مقبول … ليس الهدف مما سبق استعراض كل أشكال الهجوم على قيم المغاربة وهويتهم، بل للتمهيد لطرح سؤال كبير وعميق: إذا كانت قيم المغاربة الدينية وهويتهم مستهدفة بانزلاقات فنية وإعلامية، وبأفعال استفزازية للتيارات الشاذة، وبتشريعات هنا وهناك، و بتجاوزات لسياسيين متنامية، فأين هو دور المجتمع في حماية نفسه؟ إن الاحتجاجات التي أثارتها العروض التلفزيونية الصادمة تؤشر على يقظة اجتماعية دالة شعارها الأساس "لا تمس قيمي وهويتي"، لكن هذه الاحتجاجات تتميز بنوع من ردود الفعل، ولا تعبر عن توجه ممانع يقظ ومتابع ليس فقط لما هو صادم عبر تلفزيونهم، بل أيضا، وهو الأخطر، لما يتم على المستوى التشريعي ويهم القيم والهوية، ليس فقط في المغرب بل في الاتحاد الأوروبي أيضا. إن المطلوب من المجتمع المدني الهوياتي أن لا يعول على السياسيين للدفاع عن القيم والهوية، فهؤلاء خاضعون لأنظمة المؤسسات التي يشاركون فيها، وكل ما يمكن أن يقوموا به تقديم تعديلات، أو تسجيل اعتراضات، وهي أعمال، إن وجدت، لا يمكن أن توتي أكلها في غياب ضغط كبير ومعبر من المجتمع المدني يساندها و يعلي صوت المجتمع المغربي المعبر عن رفض المس بقيمه وهويته. لقد آن الأوان أن يدافع المجتمع المغربي بقوة عن قيمه وهويته ضد كل المشاريع التي تستهدفها، وهذه المهمة يتحمل مسؤولية تفعيلها المجتمع المدني الهوياتي بالدرجة الأولى، الذي عليه أن لا يترك المجال فارغا للسياسيين الذين تحكمهم التقديرات السياسية التي قد لا تضع مسألة القيم والهوية في المكان الذي يضعهما فيه المجتمع. إن تخلف المجتمع المدني الهوياتي عن التصدي للهجمات التي تستهدف القيم والهوية مرده عدم مسايرته لما يتفاعل على المستوى التشريعي، سواء من داخل المغرب أو من خارجه. ومن شأن الفراغ في الممانعة في هذا المجال، إما أن يضعف أي مبادرة للممانعة من طرف السياسيين، أو أن يدفع بهؤلاء السياسيين إلى اختيار التعامل السلبي، مادام أن التشريع، خاصة خارج المغرب، يتم بعيدا عن الأضواء إلى أن يصير واقعا ملزما. إن المجتمع المدني الهوياتي عليه الاعتبار بالطريقة المهربة التي تم بها رفع التحفظات عن "سيداو"، والطريقة المتسترة التي تم بها التوقيع على اتفاقية "الشريك من أجل الديمقراطية" مع الاتحاد الأوروبي، و الأجواء الملتبسة التي يتم بها الاستعداد للمصادقة على البروتوكول الاختياري ل"سيداو"، و أن يتحمل المسؤولية التاريخية في الدفاع عن هوية المغاربة وقيمهم، لأن ذلك الدفاع وحده ما يعطيه مبرر وجوده ومصداقية نشاطه.