المرزوقي: لماذا لا يطالب سعيّد الجزائر وليبيا بالتوقف عن تصدير المشاكل إلى تونس؟    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    للمرة الأولى.. بايدن يهدد بإيقاف إمداد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة    الصين توصي باستخدام نظام بيدو للملاحة في الدراجات الكهربائية    البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر "تمرد" الدعم السريع    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    محاكمة الرئيس السابق لاتحاد الكرة بإسبانيا    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    رئيس الحكومة: الحصيلة المرحلية دليل على "صناعة الحلول دون تسويف"    شوكي: حصيلة الحكومة الحالية تتفوق على اشتغالات السابقين في 30 شهرا    رحيمي يورط إدارة نادي العين    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    وزارة الأوقاف تعلن عن أول أيام شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    أخنوش: الفرق بين الحكومات في التقاط الإشارات والانسجام مع توجيهات الملك    كل مرة بمليون.. الحظ يحالف أمريكية مرتين في أقل من 3 أشهر    مديرية الأرصاد: طقس حار هبات لرياح قوية بهذه المناطق    كيف أنهت "البوليساريو" حياة الأطفال؟    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    الحمل والدور الحاسم للأب    وزارة الأوقاف تعلن الجمعة أول أيام شهر ذي القعدة بالمغرب    الريال يقلب الطاولة على بايرن ويلتحق بدورتموند في النهائي    أخنوش: محظوظون بالعمل في إطار الرؤية الملكية.. والفرق بين الحكومات في القدرة على الانسجام مع توجيهاته    الجيش المغربي يجهض عملية لتهريب طن ونصف من المخدرات على الحدود مع الجزائر    كيف تؤثر سيطرة إسرائيل على معبر رفح على المواطنين وسير مفاوضات وقف إطلاق النار؟    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي    رياض مزور..المغرب نهج استراتيجية استباقية للتحرير الاقتصادي مكنته من استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة هامة    وهبي.. المغرب على استعداد تام لدعم إحداث الشبكة الدولية للآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان    الأمثال العامية بتطوان... (593)    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات بالرباط مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية    الفيلم الأمازيغي "قارب الحب" يحصد جائزتين بمهرجان الدراما بمكناس    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    رغم تراجع ظاهرة إل"نينيو".. تسجيل درجات حرارة قياسية حول العالم في أبريل الماضي    الزمالك المصري يعترض على حكام "الفار" في نهائي الكونفدرالية الإفريقية أمام نهضة بركان    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    دالاس.. تسليط الضوء على مؤهلات المغرب، القطب الاستراتيجي للاستثمار في إفريقيا    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    لوحة الجمال والعار    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اشكالية التجديد بين الفكر الاسلامي والفكر الغربي - بقلم اسعيد مديون
نشر في التجديد يوم 03 - 09 - 2008


التجديد لغة : عرفه ابن منظور الافريقي في لسان العرب 2/ 202 والرازي ومحمد بن ابي بكر في مختار الصحاح ص: 95 : تصيير الشيء جديدا ، وجد الشيء ، اي صار جديدا وعرفه احمد بن علي المقري في المصباح المنير ، ص: 92 : وهو خلاف القديم ، وجدد فلان الامر وأجده واستجده اذا احدثه ... *** اولا : تعريف التجديد : التجديد لغة : عرفه ابن منظور الافريقي في لسان العرب 2/ 202 والرازي ومحمد بن ابي بكر في مختار الصحاح ص: 95 : تصيير الشيء جديدا ، وجد الشيء ، اي صار جديدا وعرفه احمد بن علي المقري في المصباح المنير ، ص: 92 : وهو خلاف القديم ، وجدد فلان الامر وأجده واستجده اذا احدثه فالتجديد لغة يعني وجود شيء كان على حالة ما ، ثم طرأ عليه ما غيره وأبلاه ، فاذا أعيد الى مثل حالته الاولى التي كان عليها قبل ان يصيبه البلى والتغيير كان ذلك تجديدا . أما شرعا فالتجديد هو نفسه التجديد اللغوي عينه ، مضافا اليه ما تقتضيه طبيعة الاضافة الى الشرع من مدلول خاص ومعنى جديد . وقد تنوعت عبارات العلماء في تعريف التجديد ، وتعددت صيغهم لكنها لم تخرج عن محاور ثلاثة : 1)المحور الاول : احياء ما انطمس ، واندرس من معالم السنن ونشرها بين الناس ، وحمل الناس على العمل بها : * قال محمد بن عبدالر حمن بن علي بن ابي بكر العلقمي : معنى التجديد : احياء ما اندرس من العمل من الكتاب والسنة والامر بمقتضاها ، ويضيف قائلا عن دور المجدد : يجدد ما اندرس من احكام الشريعة ، وما ذهب من معالم السنن ، وخفي من العلوم الظاهرة والباطنة المناوي، محمد بن عبد الرؤوف فيض القدير شرح الجامع الصغير 1 / 14. *ويقول المودودي : المجدد : كل من احيا معالم الدين بعد طموسها ، وجدد حبله بعد انتقاضه المودودي ، ابو الاعلى ، موجز تاريخ تجديد الدين ، ص : 13 . 2) المحور الثاني : قمع البدع والمحدثاث ، وتعرية اهلها واعلان الحرب عليهم ، وتنقية الاسلام مما علق عليه من أوضار الجاهلية ، والعودة به الى ما كان عليه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام : *قال المناوي : يجدد لها دينها : ؟أي يبين السنة من البدعة ، وينصر أهله ، ويكسر أهل البدعة ويذلهم المناوي ، فيض القدير 2/357 . * ويقول العظيم آبادي في عون المعبود ، شرح سنن ابي داوود 11/391 : التجديد : احياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة ، والامر بمقتضاهما ، واماتة ما ظهر من البدع والمحدثات * أما السيوطي في جامعه الصغير أن : المراد بتجديد الدين ، تجديد هدايته ، وبيان حقيقته وأحقيته ، ونفي ما يعرض لاهله من البدع والغو فيه ،أو الفتور في اقامته ، ومراعاة مصالح الخلق ، وسنن الاجتماع والعمران في شريعته . 3) المحور الثالث : تنزيل الاحكام الشرعية على ما جد من وقائع وأحداث ، ومعالجتها معالجة نابعة من هدي الوحي : يقول عبد الفتاح ابراهيم : التجديد : يعني العودة الى المتروك من الدين ، وتذكير الناس بما نسوه ، وربط بط ما يجد في حياة الناس من أمور ، بمنظور الدين لها ، لا بمنظارها للدين . حسن الترابي وفساد نظرية تطوير الدين ، ص 53 . ومن مجموع هذه التعريفات للتجديد يمكننا صياغة تعريف جامع له على الشكل التالي : التجديد هو احياء وبعث ما اندرس من الدين ، وتخليصه من البدع والمحدثات ، وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها من دون بتر او تحوير او اضافة لان ذلك يؤدي الى الخروج عن الاسلام ، وافتراء على الله ، وافتيات على الناس ، وتهجم على الحق بغير علم . ثانيا : مفهوم التجديد في الفكر الاسلامي : مصطلح «التجديد» هو من أكثر المصطلحات إثارةً وتداولا في الفكر الإسلامي ، وفي الوقت نفسه يثير حساسية بالغة في بعض الأوساط نتيجة لسوء استخدامه وتغيير النصوص الدينية والاحكام الفقهية والشرعية ، تحت عباءته. وإذا كان المؤتمر الثالث عشر للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر عقد مؤتمره الكبير تحت عنوان «التجديد في الفكر الإسلامي» فإنه بذلك يثبت مدى إلحاح هذا المصطلح وانتشاره من جهة، ويدفع به إلى حيز التداول الشرعي من جهة أخرى. فأهمية هذا «المصطلح» لم تعد خافية، ولا يجوز أن تكون كذلك، وإلاّ فسوف نكون خارج كل ما يحدث من حولنا . وبالرغم من كل ما تعرض له المصطلح من شروح أو اعتراضات أو انتقادات أو تفسيرات بقي مصطلح «التجديد» ضبابياً، يختلف مفهومه من كاتب إلى آخر، ومن مفكرٍ إلى مفكرٍ آخر، وهكذا أصبح من العسير الإمساك بمعنى واحد له. وربما يجد البعض في هذه الضبابية ميزة للمصطلح، حيث تحثّ هذه الضبابية على التفكير والإبداع، أو ما يسمى فلسفياً بـ «لعب دورٍ إشكالي». لكن في كل الأحوال يبقى لعدم الوضوح دور سلبي يتمثل في انقطاع التواصل واستمرار الصراع والخلاف (وليس الاختلاف). فقد ورد مفهوم «التجديد» أوّل مرة في تاريخ الإسلام في النص النبوي الشريف: (‏ ‏إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) رواه أبوهريرة رضى الله عنه واخرجه ابو داود . ويمكن القول أن مصطلح «التجديد» لم يكن طوال حقبة السلف مفهوماً يقوم الجدل حوله وفيه ، يؤدي الانقسام في تفسيره إلى الانقسام إلى تيارات فكرية كبرى، مما يعني أنه كان يأخذ حيّزاً فرعياً هامشياً نسبةً إلى قضايا الأمة الأخرى، فلم يكن قط على النحو الذي نشهده اليوم، والذي أصبح الاختلاف فيه أساساً لتشكل تيارات ومذاهب فكرية برمتها. هذه الهامشية لمصطلح التجديد عند السلف تفسّر ثبات موقع مصطلح «التجديد» في «شروح» الحديث النبوي إجمالاً، ضمن ما يشرح عادة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان أفرد في أحايين قليلة بالشرح في بعض الرسائل الصغيرة، ولعل وجود مفردات ومصطلحات أكثر تعبيراً عن حاجات المجتمع الإسلامي والقضايا التي تشغله آنذاك مثل «الاجتهاد، الإحياء، .. الخ» أسهم كثيراً في عملية التهميش لدور هذا المصطلح (التجديد). وهذا يبين بأن مصطلح «التجديد» نفسه ما كان سَيرِدُ في كتب السلف أساساً لولا وروده في الحديث النبوي الشريف، على العكس مما هو عليه الحال اليوم، حيث لم يكن مصطلح «التجديد» مجرّد استنباط من النص النبوي أو استعارة منه، كما سيأتي. وفهم السلف لهذا المصطلح وشرحوه ينبني على ثلاثة مفاهيم له، لا تشذُّ عنها كل الشروح (ونذكر هنا أن الشيخ محمود الطحان كان قد ألف رسالة صغيرة عام 1984م بعنوان «مفهوم التجديد: بين السنة النبوية وأدعياء التجديد المعاصرين»، لكنه لم يستقصِ بشكل بحثي هذا المفهوم ) 1- الإحياء: يظهر تفسير «التجديد» هنا بمعنى «إحياء ما اندرس من السنة» أو «إحياء الدين» عندما تكون تحديات العصر الكبرى، التي وُجد المفسّر فيها، من النوع الذي يهدد الكيان الإسلامي على مستوى عقائده ومجتمعاته وأخلاقياته وقيمه على نحو كلي، ولعل هذا التفسير هو أوّل ما ورد عن التعريف بمفهوم هذا المصطلح في كل شروح السنة الشريفة، وهو قول الزهري رحمه الله (التابعي الجليل) الذي يفهم من وصفه للخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز بمجدد القرن الأول (انظر: ابن حجر العسقلاني، توالي التأسيس لمعالي محمد بن ادريس، تحقيق: عبد الله القاضي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1986م، ص48). وهو المعنى الذي تبناه ابن حجر فيما بعد حيث يقول: «في الحديث [النبوي: إن الله تعالى ليبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها (رواه أبو داود بسند صحيح)] ما يشير إلى أن المجدد المذكور يكون مجدِّدًا عاماً في جميع ذلك العصر، وهذا ممكن في حق عمر بن عبد العزيز ، إلاّ أنه وإن لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم والعدل، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلاّ أن يُدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المئة الأولى». على أن أمثال عمر بن عبد العزيز بفقهه وورعه كثيرون في زمانه؛ لكن هذا اللقب الذي منحه أو توسَّمه الزهري فيه جاء بسبب ما فعله من إعادة الحياة للخلافة الإسلامية ومرافقها، التي ما لبثت أن عادت إلى ما كانت عليه من بعده. وهذا أيضاً عند ابن الأثير، وإن كان لا يخرج عن معنى «الإحياء»، فهو يرى أن «التجديد» إحياء الدين، إذ يقول: «فالأجدر أن يكون ذلك إشارةً إلى حدوث جماعةٍ من الأكابر المشهورين على رأس مئة سنة يجددون للناس دينهم، ويحفظون مذاهبهم التي قلّدوا فيها بمهتديهم وأئمتهم» (جامع الأصول، تحقيق: الأرناؤوط، ج11، ص321)، والإطار التاريخي لتفسير ابن الأثير هذا لمصطلح «التجديد» ، هو حقبة الحروب الصليبية التي كانت تدور رحاها آنذاك. 2- إزالة البدعة والعمل بالسنة: يأخذ تفسير التجديد في بعض الأحيان منحى «فِرقيّاً»، فيظهر بوصفه موقفاً تجاه الفِرَق، التي أطلق عليها لقب «المبتدعة»، وهي تمثل كل ما عدا أهل السنة والجماعة، وبتصنيف المتصوفة ضمن هذه الفرق المبتدعة، فيكون التجديد بإزالة بدع التصوف، وأحياناً أخرى يصبح التمذهب بالمذاهب الفقهيّة نفسه «بدعة» تكاد تصنف تصنيفاً اعتقادياً عند بعض المغالين. وبالتالي فإن إحدى سمات هذا التفسير أنه يحوّل ـ في بعض الأحيان ـ الفروع الفقهية من النظرة الفرعية العملية الاجتهادية إلى الإطار الاعتقادي. في كل الأحوال فإن أول تفسير من هذا النوع ، هو تفسير الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، الذي بنى عليه اعتبار الإمام الشافعي مجدداً لأنه «يعلم الناس السنة، وينفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكذب» (ابن حجر، توالي التأسيس، مصدر سابق، ص48). وكان الإمام أحمد وقتذاك في أجواء تخيّم عليها «فتنة» المعتزلة، مترافقةً مع ظهور فرق متعددة متأثرة بالثقافة الفارسية الوافدة. وقد بدا هذا التفسير بشكلٍ و اضح في القرن الثالث الهجري، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن الحاكم قال: «سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول غير مرّة: سمعت شيخاً من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريج: أبشر أيها القاضي؛ فإن الله منَّ على المسلمين بعمر بن عبد العزيز على رأس المئة، فأظهر كلَّ سنَّةٍ وأماتَ كل بدعةٍ، ومنَّ اللّه على رأس المئتين بالشافعي حتى أظهر السنة، وأخفى البدعة، ومنَّ الله على رأس الثلاثمائة بك» (توالي التأسيس: 49)، والظاهر أن كلام هذا الفقيه مبني على كلام الإمام أحمد الذي اعتبر الشافعي مجدد القرن الثاني، خصوصاً وأنه قريب العهد به. ولارتباطه بالعمل بالسنة في مقابل محو البدعة شاع هذا التفسير لدى المحدّثين (والمتكلمين بشكل أقل)، وما يزال قائماً بينهم إلى اليوم. وقد انتقد بعض المحدثين من متأخري السلف ، ابن الأثير الذي عدّ مذهب الإمامية من المذاهب التي يقوم عليها الإسلام، وذكره منهم من اعتبره مجدداً في الدين، من منطلق أن التجديد قائم على إزالة البدعة وخصوصاً العقدية، والعمل بالسنة، التي ثبتت في الصحاح عن أهل السنة والجماعة. (انظر هذا النقد في: عون المعبود: شرح سنن أبي داود، أبو الطيب محمد شمس الحق آبادي، ط، بيروت، الكتب العلمية، ج6، ص263). 3- الاجتهاد المذهبي: الاجتهاد هنا، ليس الاجتهاد المفتوح أو «المطلق» حسب تعبير الأصوليين، بل هو الاجتهاد الفقهي الجزئي المذهبي، وها هنا يبدو أن مصطلح التجديد أخذ يُخضع للتجاذب في إطار الصراع المذهبي الذي انفجر منذ القرن الثالث، حيث أخذت تتلبس نصرة الدين بنصرة المذهب، وإحياء المذهب بإحياء الدين، ومن ثم «ادعى كل قومٍ في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث» (فيض القدير: عبد الرؤوف المناوي، بيروت، دار المعرفة، 1972م، ج2، ص282، ونسب الكلام إلى ابن كثير). وقد تكلم العلماء في تأويل الحديث الذي ورد فيه مصطلح التجديد «كل واحد في زمانه» أي حسب زمانه على حد تعبير ابن الأثير، «وأشاروا إلى القائم الذي يجدد للناس دينهم على رأس كل مئة سنة، وكأن كل قائل قد مال إلى مذهبه وحمل تأويل الحديث عليه» (ابن الأثير، جامع الأصول، ج7، ص320)، ويبدو موقف السيوطي ـ رحمه الله ـ من أكثر الشواهد وضوحاً على هذا الاتجاه في تحديد مدلول «التجديد»، فهو يرى أن «التجديد» يطابق معنى «الاجتهاد»، إذ يقول في قصيدته المشهورة «... عالماً يجدد دين الهدى لأنه مجتهد». وهكذا راح السيوطي يذكر أسماء المجددين، فكانوا كلهم من فقهاء الشافعية!. هذه التفسيرات الثلاثة لمصطلح التجديد الوارد في النص النبوي استمرت على طول التراث الذي خلفه لنا السلف حتى عصر الإمام الشوكاني، بحكم ثبات المشكلات والتحديات التي كانت تواجههم. ومن المهم التأكيد هنا على أن تفسير مصطلح «التجديد» وتقديم مفهوم له، كان مرتبطاً دوماً بطبيعة التحديات التاريخية التي كانت تواجه المسلمين كأمة ووجود، وكل عصر ينفرد بخصوصياته. وهذا ما جعل مصطلح «التجديد» يتخذ في الفكر الإسلامي ، احياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة ، والامر بمقتضاهما ، واماتة ما ظهر من البدع والمحدثات . فمصطلح «التجديد» لم يكن ليرد في تراث السلف الصالح برمته لولا وروده في النص النبوي، وبالتالي كان طبيعياً مع وجود بدائل اصطلاحيّة أن يبقى مصطلح «التجديد» الشرعي محدود التداول، ومتركزاً بشكل كلي في شروح الحديث الشريف. غير أن هذا الموقع (موقع الشروح) الذي ظل فيه «المصطلح» ثابتاً طيلة القرون الطويلة جعل تحليل النص النبوي الذي ورد فيه المصطلح، يتخذ في بعض الأحيان صبغة حرفيّة، إلى الدرجة التي قيل فيها مثلاً: «إن من كان على آخر المئة ولم يبعد بعد انقضائها، بل مات قبل المئة الجديدة بخمسة أيام مثلاً، لا يكون مجدداً». بل قد تنازع البعض في المقصود بالتاريخ (رأس كل مئة سنة) هل هو آخر السنة أم أوّلها؟ وقد ولّدت هذه الحرفية آراءً طريفة، كاعتبار بعض الشارحين أن بعض أتباع المالكية، والحنابلة، والحنفية من المجددين، ولا يعتبر أئمتهم مالك وأحمد وأبو حنيفة ـ رحمهم الله أجمعين ـ مجددين. (لأنهم توفوا في منتصف القرن أو قبل رأسه! وتتأكد هذه الحرفية في قول للسيوطي في «مرقاة الصعود» إنه «قد يكون في أثناء المئة من هو أفضل من المجدد على رأسها» ثانيا : مفهوم التجديد في الفكر الغربي : يرتكز مفهوم التجديد في الفكر الغربي على أساسين: أ- لا تُرى عملية التجديد إلا بمنظور التكيف في إطار من نسبية القيم وغياب العلاقة الواضحة بين الثابت والمتغير؛ إذ تعتبر كل قيمة قابلة للإصابة بالتبدل والتحول، وعلى الإنسان أن يستجيب لهذه التغيرات بما أسمته التكيف، ولم يطرح الفكر الغربي قواعد لعملية التجديد وحدوده وغاياته ومقاصده. ب- يغلب على مفهوم التجديد في الفكر الغربي عملية التجاوز المستمرة للماضي أو حتى الواقع الراهن؛ من خلال مفهوم الثورة والذي يشير إلى التغيير الجذري والانقلاب في وضعية المجتمع . وتبدو فكرة التجاوز مرتبطة بالفكر الغربي الذي يقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقل عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادي. وفي الواقع يرتبط مفهوم التجديد بشبكة من المفاهيم النظرية المتعلقة بالتأصيل النظري للمفهوم، والمفاهيم الحركية المتعلقة بالممارسة الفعلية لعملية التجديد. على سبيل المثال: يتشابك مفهوم التجديد مع مفهومي الأصالة والتراث ؛ حيث يقصد بالأصالة تأكيد الهوية والوعي بالتراث دون تقليد جامد، وتلك المقاصد جزء من غايات التجديد. كما يشتبك التجديد مع مفهوم التغريب الذي يعبر عن عملية النقل الفكري من الغرب، وهو ما قد يحدث تحت دعوى التجديد. وعلى صعيد المفاهيم الحركية، تطرح مفاهيم مثل التقدم و التحديث و التطور و التقنية و النهضة لتعبر عن رؤية غربية لعملية التجديد نابعة من الخبر التاريخية الغربية، ومستهدفة لربط عملية التجديد في كل الحضارات بالحضارة الغربية، باعتبارها قمة التقدم وهدفاً للدول الساعية نحو التنمية، كما تظهر مفاهيم مثل الإصلاح و الإحياء وهي نابعة من الرؤية الإسلامية لعملية التجديد، حيث التجديد هو إحياء لنموذج حضاري وجد من قبل ولم تحدث تجاهه عمليات التجاوز والخلاص، ويتضح مما سبق مدى الارتباط بين مفهوم التجديد فكرًا وممارسة وبين الخبرة التاريخية والمرجعية الكبرى النهائية للمجتمع. وتبدو فكرة التجاوز مرتبطة بالفكر الغربي الذي يقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقل عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادي. لذا يبدو واضحا أن ثمة فوارق جوهرية بين التجديد في الفكر الإسلامي، والتجديد في الفكر الغربي، فالتجديد إسلاميا لا يعدو كونه إحياءً وبعثا وإعادة، أما التجديد غربيا فيعني أن التغيير يأتي على كل القيم لعدم وضوح العلاقة بين الثابت والمتغير، كما يعني أيضاً التجاوز المستمر للماضي، وهو نابع من طبيعة الفكر الغربي الذي يقوم على نوعين من الفصل - وفق عبارة الفيلسوف الإسلامي طه عبد الرحمان - فصل العقل عن الغيب، وفصل العلم عن الأخلاق، ومما لا شك فيه أن النوع الأول من الفصل قد نتج عنه ما أشار إليه الدكتور سيف الدين عبد الفتاح من نفي وجود مصدر معرفي مستقل (ألا وهو الوحي)، عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادي. إن مراجعة مدققة لكثير من أدبيات ومقولات الحركات الإصلاحية، والدعوات العقلانية التجديدية التي نشأت وظهرت في القرنين التاسع عشر والعشرين تبرز أن التعاطي مع مفهوم التجديد لم يعد متقيدا بما كان يعنيه في المجال التداولي الإسلامي، بل تجاوز ذلك وتخطاه إلى مراجعة الأصول, وتطويع الشريعة بعقائدها وشرائعها لتلائم متغيرات العصر، وتطورات الزمن الراهن، مما أحدث حالة من السجال الساخن، والجدل المحتدم بين أتباع المدرسة العقلانية الحديثة التي أرسى قواعدها، جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده، وبين أتباع المدرسة السلفية المحافظة، والذي يتربع على رأس تلك السجالات والمجادلات إشكالية العقل والنقل وأيهما يقدم عند التعارض بينهما؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.