الداكي يستعرض إشكالات "غسل الأموال"    لقجع: لا أتدخل في تعيين حكام المباريات    وفرة المنتجات في الأسواق تعيق طيّ "صفحة الدلاح" بإقليم طاطا    إعدام أشجار يخلف استياء بالقصر الكبير    القضاء يسقط جناية الاتجار بالبشر عن التازي.. الطبيب يغادر "سجن عكاشة"    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    جنيات كازا فضات ملف الطبيب التازي او ها الحكم باش تحكمو    ماركا الإسبانية: أيوب الكعبي الميزة الرئيسية لنتائج أولمبياكوس الجيدة    "الداخلية" تطمئن موظفي الجماعات المحلية: الحوار سيعود لحل الملفات العالقة    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان من 08 إلى 12 ماي الجاري بأكادير    لجنة من الفيفا تحل بملعب سانية الرمل بتطوان.. هل يعرف أشغال توسعة؟    تفاعل أمني مع شريط فيديو متداول يوقف شابا متورطا في سرقة سيارة    من مكناس.. وزير الصحة يعطي انطلاقة خدمات 14 مركزا للرعاية الصحية الأولية على مستوى الجهة    مطالبات في لبنان بحجب تطبيق تيك توك إثر استخدامه من عصابة متورطة بشبهات جرائم جنسية    تشييع جثمان النويضي .. سياسيون وحقوقيون يعددون مناقب الراحل (فيديو)    بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    الأمثال العامية بتطوان... (589)    حموشي تباحث مع السفير المفوض فوق العادة للسعودية المعتمد بالمغرب بخصوص تطوير التعاون الأمني بين البلدين    السيولة البنكية.. تراجع العجز ليصل إلى 144,7 مليار درهم    صفعة جديدة لنظام العسكر.. ال"طاس" ترفض الطلب الاستعجالي لل"فاف" بخصوص مباراة بركان واتحاد العاصمة    منظمة دولية: المغرب يتقدم في مؤشر حرية الصحافة والجزائر تواصل قمعها للصحافيين    قضية "الوظيفة مقابل لفلوس".. النيابة العامة فتطوان هبطات اليملاحي المستشار السابق ديال وزير العدل لحبس الصومال    العصبة الوطنية تعلن عن برنامج مباريات ربع نهائي كأس العرش    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    كوت ديفوار تكتشف أكبر منجم للذهب    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان المصمودي رئيس مركز الإسلام والديمقراطية في واشنطن لالتجديد الحركة الإسلامية في المغرب مرشحة لتمثل النموذج الإسلامي الديمقراطي في العالم العربي
نشر في التجديد يوم 29 - 07 - 2010

يرى الدكتور رضوان المصمودي أن صناع القرار السياسي الأمريكي ليس لهم تصور واحد في موضوع دعم الديمقراطية في الوطن العربي، وأنهم ينقسمون إلى ثلاث توجهات بهذا الصدد، فهناك قسم من صناع القرار السياسي الأمريكي لا يهمه نشر الديمقراطية في العالم بقدر ما يهمه الحفاظ على مصالح أمريكا، وهناك قسم يرى أن من واجب أمريكا أن تنشر مبادئها وأن ذلك هو طريق حفاظها على مصالحها، بينما هناك قسم ثالث يرى أن من واجب أمريكا أن تدعم الديمقراطية خارج ترابها لكنه يتخوف من أن تكون الديمقراطية سببا في وصول الإسلاميين إلى الحكم، ولذلك يرون أن من واجب أمريكا أن تنشر الديمقراطية في العالم دون العالم العربي، ويعتبر الدكتور المصمودي أنه لا يمكن أن تتصور ديمقراطية بدون مشاركة للإسلاميين، وأن هذه المشاركة هي التي تساعدهم على تطوير وعيهم السياسي في اتجاه امتلاك برنامج سياسي واقتصادي واضح، والقطع مع منطق الشعارات والتوجه إلى السياسات العمومية، ويعتبر أن الحركة الإسلامية في المغرب تمثل تجربة متقدمة في العالم العربي، وأنه يحتاج إلى أن يتطور ليمثل نموذجا ديمقراطيا في العالم العربي.
مركز الإسلام والديمقراطية له رصيد كبير في برامج دعم الديمقراطية في الوطن العربي، ونشر وتأصيل الفكر الديمقراطي والتقريب بين الإسلاميين والعلمانيين من أجل إنجاز مهمة الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي، دكتور رضوان المصمودي ما حصيلة أداء مركزكم خلال العشر سنوات الأخيرة؟
لا بد أن أقر في البداية أن عملية التقييم تبقى عملية جد صعبة، لأن هناك إيجابيات كما أن هناك سلبيات. مما لا شك فيه أن السنوات العشر الأخيرة كانت سنوات عجاف بمنظور التطور الديمقراطي. لا ينبغي أن ننسى أنه ضمن هذه الفترة كانت أحداث الحادي عشر من شتنبر، وحرب العراق وحرب أفغانستان، وحرب غزة أيضا. وبالجملة يمكن أن نقول بأنه خلال هذه الفترة كان هناك توتر كبير، إذ ازدادت العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي تعقدا وسوءا. ولذلك، العوامل السلبية كانت كثيرة. لكن مع ذلك، أعتقد أن المركز أسهم إسهامات جيدة في محاولة تحسين هذه العلاقات بالرغم من أن الشروط الموضوعية كانت تسير في خط معاكس، لكن نحن كنا واعين أن هذه العلاقات بدون تحرك نوعي من قبل مركزنا ومنظمات أخرى تعمل في هذا الحقل كانت ستزداد سوءا بشكل أكبر . فقد قمنا بجهد كبير في الانفتاح على أمريكا لشرح حقيقة الإسلام وتقديم هذا الدين على حقيقته النظيفة وإبعاده عن ظاهرة الإرهاب والتطرف. وأعتقد أن دورنا في هذا المجال كان كبيرا، وأيضا في مجال الديمقراطية، بالرغم من أنها لا تزال تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل. لكن مع ذلك، هناك إنجازات كبيرة حققناها في السنوات العشر الأخيرة. ويكفي أن نشير إلى أنه من بين هذه الإنجازات أن الديمقراطية أصبحت مطلب الجماهير.
أنا أتذكر أنه منذ عشر سنوات خلت، كان النقاش عند بعض الإسلاميين حول سؤال هل تتناقض الديمقراطية مع الإسلام أم لا؟ وهل الديمقراطية هي قيم غريبة مستوردة من الغرب؟ أعتقد أن هذا النقاش اليوم لم يعد له محل. صحيح أنه لم يضمحل تماما، لكنه صار جد محدود ولم يعد له أي تأثير على الغالبية العظمى من مكونات الحركات الإسلامية. اليوم، يمكن أن نقول بأن الديمقراطية صارت تمثل إجماعا بين الإسلاميين والعلمانيين وبين مختلف التيارات الفكرية والسياسية في الوطن العربي. اليوم، أصبح الجميع يعتقد بأن الديمقراطية أصبحت تشكل ضرورة حياتية للتنمية الاقتصادية والسياسية والمجتمعية في وطننا العربي. ولا يوجد اليوم من يتموقف ضد الديمقراطية. هذه محطة تجاوزناها، ثم هناك إجماع أيضا على أن الديمقراطية لا تتناقض مع الإسلام، وأنه ليس هناك نموذج معين يجب أن ننقله من بلد إلى بلد. ولكن الديمقراطية لا بد أن تحترم قيم المجتمع. وهي لا تكون صحيحة وناجحة إلا إذا تأسست وانبنت على ثقافة المجتمع وعلى قيم المجتمع. فمن المستحيل أن تكون الديمقراطية ضد الإسلام وضد القيم التي جاء بها الإسلام. لأن الإسلام هو جزء كبير من الهوية العربية، والديمقراطية لم تأت لتنسف هذه الهوية، وإنما هي مثل المرآة، جاءت لتعكس قيم الأمة وقيم الشعب وقيم المجتمع. أما في مجال التقريب بين الإسلاميين والعلمانيين، أعتقد أنه قد تم إحراز خطوات جيدة في هذا الاتجاه. ففي كل بلدان العالم العربي حصل هناك تقارب أو على الأقل خفت حدة الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين ونقصت كثيرا.
قضية الإصلاح السياسي والدمقرطة يتجاذبها أكثر من وجهة نظر، فهناك من يرى أن عملية الإصلاح ينبغي أن تكون ثمرة حراك ذاتي، وأن الضغوط الخارجية مهما كانت في ظاهرها في صالح الديمقراطية فهي في الأصل معيقة لها، وهناك من يرى ضرورة استثمار الضغوط الخارجية في التمكين للديمقراطية في الداخل، ما هو تصوركم لقضية الإصلاح السياسي وجدل الداخل والخارج في الموضوع؟
في رأيي أن الديمقراطية تأتي من الداخل، فلا بد أن تكون هناك تيارات وقوى وحركات اجتماعية وسياسية في داخل المجتمع تطالب وتعمل من أجل الديمقراطية وتعمل من أجل تحصين المكتسبات الديمقراطية في حال تحققها. حتى إذا ما وصلنا إلى الديمقراطية، فإن مهمة هذه القوى لا تنتهي على جبهة النضال من أجل الديمقراطية، إذ لا بد لها من أن تحمي هذه التجربة، فالديمقراطية دائما تحتاج إلى من يدعمها ويدافع عنها حتى في أعتى الديمقراطيات وأعرقها. لأن الناس إذا تخلوا عن الدفاع عنها وحمايتها وتحصينها فمن الممكن جدا أن تقع عملية نكوص وارتداد عنها في أي وقت من الأوقات. ولذلك، فالديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان من ورائها تيار وطني داخلي ينادي بالديمقراطية ويدافع عنها. هذا أمر ضروري لا غنى عنه.
ولكي نكون صرحاء لا بد أن نقر بأنه في كل أقطار العالم العربي، الأنظمة قوية، بل إنها متغولة على في أغلب هذه الدول. المجتمع بكل تياراته، وبمعارضاته وأحزابه غير قادر أن يفرض الديمقراطية لوحده. لأن هذه الأنظمة قوية بجيشها وأجهزتها الأمنية، وهي متمسكة بالسلطة، ولن تتنازل عليها. ولن تتخلى عن السلطة بمجرد وجود حركة مجتمعية تنادي بالديمقراطية وتناضل من أجلها. فالحكومات في أغلب الدول العربية قادرة على أن تقمع هذه القوى المتلطعة نحو الديمقراطية، بل إنها قادرة على أن تمسك بعشرات بل آلاف المناضلين وترميهم في السجن، وتستطيع أن تخمد هذه الأصوات وتقمعها نهائيا إلا إن كانت هناك ضغوط خارجية، فإنها تحمي المجتمع وتفرض على الدولة أن تستمع إلى حقوق الناس، وتصبح الدولة تحت تأثير هذه الضغوط مجبرة على أن تتعامل بشكل لا ينتهك حقوق الإنسان، أو على الأقل تصبح غير قادرة على التنكيل بالقوى الديمقراطية. فلا تستطيع أن تدخل المناضلين إلى السجون من غير سبب. فهذه الضغوط تفرض على الأنظمة السياسية قيودا بدونها لا تستطيع الحركات الديمقراطية أن تتقدم في نضالها الديمقراطي.
ولكن دكتور، كثير من الدراسات والتحليلات تؤكد بأن صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي حينما يتعلق الأمر بدعم الديمقراطية يختارون دعم الأنظمة الاستبدادية خوفا من أن تؤدي نتائج الديمقراطية إلى صعود الإسلاميين المعتدلين، بل إنهم يتغاضون عن صور كثيرة من التضييق على القوى الديمقراطية وحصارها بذريعة أن الأنظمة السياسية الاستبدادية في الوطن العربي هو أفضل من يدافع عن المصالح الأمريكية والأوربية؟
منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أعيش في وسط صناع القرار في أمريكا في واشنطن، وأعرفهم جيدا. وأقول لك إنهم لا يملكون جميعهم نفس التصور في موضوع دعم الديمقراطية في الوطن العربي، فهناك ثلث تقريبا من صناع القرار السياسي يقولون نحن لا تهمنا الديمقراطية، والديمقراطية شأن داخلي يهم أقطار العالم العربي، وما يهمنا هو مصالحنا، وأن دور أمريكا أن تحمي مصالحها، وأما مسألة الديمقراطية فشأن داخلي نحن لا نتدخل فيه. ومهما كان الرئيس نحن نتعامل معه إذا كان يخدم مصالحنا، وإذا كان لا يخدم مصالحنا فلن ندعمه. هؤلاء يمثلون حوالي الثلث ضمن صناع القرار السياسي الأمريكي ومن المفكرين والسياسيين. وهناك ثلث ثان، يرى أن مصالح أمريكا تقوى عندما تدافع عن قيمها ومبادئها، وقيم أمريكا هي الحرية والديمقراطي والعدالة والمساواة، وبقدر ما تدعم أمريكا هذه القيم خارج ترابها وتدافع عن فكرة الديمقراطية في العالم بقدر ما تخدم مصالحها. بكل تأكيد، فالحكومة الأمريكية ليست جمعية خيرية، فدورها هو المحافظة على مصالح أمريكا ومحاولة توسيعها، ولذلك يرى هذا الثلث أن نشر قيم أمريكا ومبادئها ودعم الديمقراطية خارج تراب أمريكا يعود عليها بتحقيق مزيد من المصالح وتحقيق السلام وتحسين العلاقات مع الشعوب، وهذا يؤول في نهاية المطاف إلى تعزيز مصالح أمريكا. وأظن أن حوالي ثلث المثقفين والمفكرين وصناع القرار السياسي في أمريكا يحملون هذه الرؤية. وأهم مقولة يرفعها هذا الثلث، هو أن أصدقاء أمريكا هم الذين يؤمنون بالديمقراطية، أما الذين لا يؤمنون بها فهم أعداء أمريكا الذين يهددون مصالحها ضرورة. أما القسم الثالث من صناع القرار السياسي الأمريكي، فيؤمنون بالديمقراطية ويؤمنون بأن من واجب أمريكا أن تدعم الديمقراطية خارج ترابها لكن يتخوفون من أن تكون الديمقراطية سببا في وصول الإسلاميين إلى الحكم. فهؤلاء عندهم إشكالية، هم يريدون أن يدعموا الديمقراطية لكنهم لا يطمئنون ولا يرتاحون إلى الإسلاميين لأن الإسلاميين في نظر هذا القسم ليسوا ديمقراطيين. ولذلك، فوجهة نظر هؤلاء أنهم مع دعم الديمقراطية في كل العالم إلا في الوطن العربي؛ لأنها ستأتي في هذا العالم بالإسلاميين الذين هم حسب وجهة نظر هذا القسم ضد الديمقراطية. ومن ثمة، يسوغون بهذا الاعتبار عدم دعم الديمقراطية في الوطن العربي. هذا هو الصراع الموجود اليوم بين صناع القرار السياسي حول قضية دعم الديمقراطية في الوطن العربي. والقرار يتململ مرة إلى هذا الطرف ومرة إلى ذاك. وكل قسم من هؤلاء يدافع عن رأيه، وفي بعض الأحيان نسمع من يدافع عن دعم الديمقراطية في الوطن العربي، وفي أحيان أخرى نسمع عكس ذلك.
تمت في الآونة الأخيرة العديد من الدراسات الصادرة عن مراكز أبحاث ومستودعات تفكير أمريكية تؤكد الدور الهام للحركة الإسلامية في إحداث الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، بل إن بعض الدراسات تتحدث عن الدور الهام الذي يمكن أن تقوم به الحركات الإسلامية المعتدلة في المحافظة على الاستقرار ومحاربة التطرف والإرهاب، بل وحتى المحافظة على المصالح الغربية في المنطقة. في نظركم ما هي الأسباب التي توجد وراء تنامي مثل هذه الخلاصات في الوسط البحثي الأمريكي والأوربي؟
مركز الإسلام والديمقراطية في الحقيقة طرف من الأطراف الذين نقول هذا الكلام، ونقول بأن العالم العربي يحتاج إلى ديمقراطية، ومستحيل أن تبني ديمقراطية بدون إسلاميين، هذا خيال. وأن البديل عن دعم الديمقراطية هو دعم الديكتاتورية، ومن ثم قيادة البلدان العربية إلى الانفجار والتطرف وتنامي العمليات الإرهابية. وهذا ليس في مصلحة أي طرف، بل بالعكس هذا سيدفع نحو التطرف، ولذلك ليس هناك أي خيار لأمريكا إلا أن تدعم الديمقراطية وتقبل بمشاركة الإسلاميين لأنهم طرف أساسي في أي إصلاح، وطبعا ليسوا الطرف الوحيد فيه. والتجربة أثبتت أن الإسلاميين عندما يشاركون في اللعبة السياسية يميلون شيئا فشيئا نحو الواقعية والبراغماتية ويبتعدون عن الشعارات التي ربما تكون فضفاضة أو لا تكون لها قيمة حقيقية، لأن الشعارات يمكن أن تكسبك في الانتخابات الأولى قواعد شعبية تجتذبها بخطابك الشعبوي، لكن بعد ذلك يصعب عليك أن تحافظ على هذه القواعد أو توسعها لأن الناس يريدون مشاهدة نتائج عملك، وماذا حققت لهم من مصالح وإنجازات في الاقتصاد والسياسة والخدمات الاجتماعية.
فالحركة الإسلامية إذا شاركت في اللعبة السياسية سيفرض عليها أن تحترم هذه اللعبة السياسية وأن تقدم خدمات للمجتمع. وأمامنا النموذج التركي، فلقد كانت الحركة الإسلامية في بدايتها إيديولوجية ترتهن إلى رفع الشعارات الفضاضة، وقد أثمر ذلك العديد من المشاكل، إذ لما وصلت إلى رئاسة الحكومة دخلت في صراعات غير مدروسة وغير محمودة العواقب مع الجيش ومع المكونات العلمانية إلى أن سقطت التجربة. لكن مع الممارسة، شيئا فشيئا، اكتسب الإسلاميون في تركيا الوعي السياسي الكافي، وفهموا قواعد اللعبة السياسيةّ، بل أتقنوها وصاروا محترفين فيها وجمعوا حولهم جماهير واسعة وقطاعات مختلفة، حتى إن شريحة كبيرة من العلمانيين صاروا يصوتون لصالح العدالة والتنمية، وأصبح عندهم برنامج سياسي واقتصادي واضح، وأصبحت لديهم أيضا علاقات سياسية واضحة مع الغرب ومع الشرق ومع كل الأطراف في الساحة. وأصبح عندهم وزنهم وحضورهم الدولي المميز، وأظن أنهم لو تمسكوا بالشعارات الفضفاضة التي كان يرفعها نجم الدين أربكان وأنصاره في البداية، على الرغم من أنه مفكر إسلامي جيد لكنه كان مبدئيا أكثر من اللزوم، أظن أنهم لو استمروا على ذلك، ما وصلوا إلى الآفاق البعيدة التي فتحتها لهم مشاركتهم السياسية بوعيهم السياسي الواقعي الجديد الذي يلتفت إلى مصالح الناس أكثر مما يركز على رفع شعارات تخص المبادئ والقيم.
صحيح أن السياسة تحتاج إلى مبادئ وقيم، لكنها تحتاج أيضا إلى معالجة مشكلات الواقع وخدمة الناس وتحقيق إنجازات على الأرض تعود بالنفع على البلاد والمجتمع. وبفضل ذلك أصبحت تجربة العدالة والتنمية نموذجا جيدا، والغرب اليوم تقبل هذا النموذج وأبدى إعجابه بذلك بما في ذلك أمريكا، وكل السياسيين بأمريكا لا يترددون في إبداء إعجابهم بهذه التجربة، وهذا ما يدفع بعض المفكرين والسياسيين وصناع القرار السياسي إلى الدعوة إلى إفساح المجال لغيرهم من الحركات الإسلامية حتى تسهم مشاركتهم في العملية السياسية في ترشيد وعيهم السياسي والالتحاق بالنموذج التركي. وهؤلاء يقولون إذا نجحت التجربة في تركيا فلماذا لا تنجح في المغرب وغير المغرب.
في هذا الصدد تنامت في الآونة الأخيرة العديد من الدراسات المقارنة بين العدالة والتنمية التركي والعدالة والتنمية المغربي، مع الاعتراف بحدوث تقدم نوعي في الحالة المغربية، في نظركم إلى يمكن أت تكون المقارنة بين الحالة المغربية والحالة التركية مناسبة؟
في اعتقادي المقارنة جيدة جدا، بالرغم من أن بين التجربتين اختلافات يحكمها اختلاف السياقين المغربي والتركي، واحتفاظ كل مجتمع بخصوصياته وأوضاعه الخاصة وثقافته الخاصة. وأعتقد أن النموذج المغربي كان قريبا جدا من النموذج التركي، لكن مع الأسف سجلت في الآونة الأخيرة انتكاسة وتراجعات خطيرة في موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذه التراجعات أصبحت اليوم تهدد المسار الديمقراطي في المغرب. ولا أخفي هنا أني كنت من المعجبين جدا بالمسار الديمقراطي المغربي قبل أربع أو خمس سنوات، لكن الآن أصبحت لدي العديد من نقاط الاستفهام حول هذه التجربة، لأن هناك تراجعات كبيرة. لكن، أعتقد أن الإسلاميين في المغرب محتاجون إلى بناء جذور ثقة مع غيرهم، فلا يجب أن تكون عندهم رغبة أو استعداد للعمل المنفرد. فهذا ليس في مصلحتهم وليس في مصلحة أي طرف. وأظن أنهم بقدر ما يوسعون من حلفائهم والمكونات التي يشتغلون إلى جانبها، وبقدر ما يوسعون من علاقاتهم ويطمئنون غير الإسلاميين في المغرب وأيضا القوى الخارجية، فهذا سيصب في مصلحتهم ومصلحة الديمقراطية في البلاد. وأعتقد أن الحركات الإسلامية، بما فيها الحركة الإسلامية المغربية، لم تقم بخطوات كافية في طمأنة غير الإسلاميين؛ سواء كانوا قوميين أو علمانيين أو يساريين أو ليبراليين حول مشروعهم السياسي، وطمأنة الغرب كذلك بأنهم ليسوا أعداء لمصالح الغرب.
وما رأيكم في موضوع التمايز بين الحركة والحزب أي الدعوي والسياسي في التجربة الحركية في المغرب؟
أعتقد أن التجربة المغربية تعتبر متقدمة نوعا ما بالمقارنة مع بقية الحركات الإسلامية في الوطن العربي. وأظن أنها فهمت ضرورة هذا التمايز على الأقل منذ عشر سنوات وخطت خطوات جيدة في هذا الموضوع، لأن الخطر كل الخطر أن تصبح عندنا دولة ثيوقراطية في وطننا العربي، أو يصير عندنا الإمام متحزبا، هذا خطر كبير، لأن الأصل في الجامع أن يجمع الناس ويوحدهم، وتحزب الإمام ينقل الصراعات السياسية إلى المسجد ويبعده عن دوره في تجميع الناس وتوحيدهم. ومن ثمة لا بد أن نفرق بين الدعوي والسياسي، ولا بد أن نمايز بين الوظائف الدينية والوظائف السياسية. وأظن أن الحركة الإسلامية في المغرب نجحت في إقرار هذه التصورات، كما خطت خطوات مهمة في إطار ترسيخ هذا الخيار.
أنتم عشتم في أمريكا مدة طويلة ولكم اتصالات مطردة مع المفكرين والسياسيين ومراكز أبحاث ومستودعات تفكير وصناع القرار السياسي. بشكل مجمل كيف تقيمون موقف هذه النخب جميعها من الحركة الإسلامية المغربية؟
أعتقد أنهم يعتبرون الحركة الإسلامية المغربية تمثل نموذجا جيدا وواعدا ومتقدما على بقية الحركات على الأقل في العالم العربي. مايزال ينقصه مزيد من النضج السياسي، لكن بصفة عامة، هذه النخب متفائلة بهذا النموذج، ويعتبرونه نموذجا واعدا يمكن أن يتطور ويقدم نموذجا ديمقراطيا في العالم العربي، وكما هو معروف فالعالم العربي اليوم في أمس الحاجة إلى هذا النموذج، خاصة وأن النموذج التركي ينتمي إلى العالم الإسلامي وله خصوصياته وله سياقه، والمغرب مرشح لأن يقدم هذا النموذج، والحركة الإسلامية في المغرب تطورت وقادرة اليوم على أن تتطور أكثر لكي تصبح هذا النموذج الذي نبحث عنه: نموذج إسلامي ديمقراطي مستنير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.