الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة إلى 35034 منذ اندلاع الحرب    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    مغاربة يحاولون الفرار بمطار روما بعد هبوط إضطراري لطائرة قادمة للمغرب    وفاة أول مريض في العالم يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    تجرى على مستوى بنجرير وأكادير وطانطان وأقا وتفنيت تنظيم الدورة ال 20 من تمرين «الأسد الإفريقي» ما بين 20 و31 ماي    الأضواء القطبية المذهلة تنير السماء لليلة الثانية على التوالي    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة نهضة بركان والزمالك المصري    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    هدفان لإبراهيم دياز والنصيري في الجولة 35 من الليغا    بطولة فرنسا.. مبابي يخوض مباراته الاخيرة بملعب "بارك دي برانس" بألوان سان جرمان    المغرب يتوج بطلا لإفريقيا في التنس لأقل من 14 سنة ذكورا وإناثا ويتأهل لبطولة العالم    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    الفيلم السينمائي "ايقاعات تامزغا " لطارق الادريسي في القاعات السينمائية    مهرجان موازين يعلن عن الفنانين المشاركين ويعد بتحويل الرباط إلى مركز احتفال غير مسبوق بالموسيقى العالمية    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    المغرب يشارك في تدريبات "الأسد المتأهب" العسكرية بالأردن    المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.. تقديم نتائج مشروع دراسة مكتب العمل الدولي المتعلقة بالتقييم الاكتواري لمنظومة التعويض عن فقدان الشغل بالمغرب    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    "الأسرة وأزمة القيم" بين حقوق الإنسان الكونية والمرجعية الدينية    دول الاتحاد الأوروبي بين مطرقة شعوبها وسنداد البيت الأبيض الأمريكي    الهلالي يشارك في الاجتماع الاستثنائي للمجلس العالمي للتايكوندو بكوريا الجنوبية..    عائلات المغاربة المحتجزين بتايلاند تنتقد صمت الحكومة    البطولة الوطنية.. ترتيب أندية القسم الثاني    بعد استغلالها لمصالحه الشخصية.. الوزاني يسحب سيارة الجماعة من مستشار بالاغلبية.. ومضيان يثمن القرار    غوتيريش يدعو إلى "وقف فوري لإطلاق النار" في غزة    المغرب يتوفر على 6 مختبرات للكشف عن الجريمة الرقمية (مسؤول مكتب الجريمة السبرانية في الفرقة الوطنية)    مصممة أزياء: القفطان يجسد رمز عظمة وغنى تاريخ المغرب العريق    مطالب بوقف "التطبيع الأكاديمي" بين المغرب وإسرائيل    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    مطالب نقابية بإقرار منحة لعيد الأضحى    سيطرة مغربية في "الترياثلون الإيكولوجي"    مجلس الأمة الكويتي … المأزق بين السلطة التنفيذية والتشريعية    ثلاثة وزراء ثقافة يكرّمون أحمد المديني رائد التجريب في الأدب المغربي    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيان تحليلي تاريخي من "نادي الفكر الإسلامي" يوضح : كيف تعامل العالم العربي مع "إفساد بني إسرائيل" في فلسطين ؟ الحلقة الثانية
نشر في التجديد يوم 24 - 05 - 2002


انتصار الإسلام حتمية قرآنية تاريخية حضارية :
لقد حذرنا القرآن الكريم بوقوع "حدث خطير ومعجز" منذ أربعة عشر قرنا، لم يتخيل المفسرون أنه سيحدث بعد كل هذه القرون، لنكتشف نحن اليوم أننا فعلا نعيش واقع هذا "الحدث الخطير" ومشاهده المأساوية يوميا في عالمنا العربي والإسلامي منذ سنة 1948، وطبق ما جاء في قوله تعالى : "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا..." (الآيات الأربعة الأوائل : 4-5-6-7 من سورة الإسراء)، واضطر المفسرون القدماء لاستحالة أن تكون لليهود دولة أو علو كبير في الأرض، في نظرهم يومئذ أن يبحثوا في تاريخ بني إسرائيل عن فترات إفسادهم بالمعاصي وقتل الأنبياء، فسلط الله عليهم الآشوريين والبابليين أو جالوت وقومه فدمرهم، وهي أحداث لا يمكن أن تنطبق عليها الأوصاف الواردة في هذه الآيات، التي تبلغ دقة مطابقتها لواقعنا السياسي حد "الإعجاز" المعروف في إخبار القرآن بالغيبيات، فضلا عن الأدلة التاريخية واللغوية والمنهجية التي أوردناها بتفصيل في دفتر لنادي الفكر الإسلامي بعنوان : "العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل" صدر سنة 1983، وفي كتابنا : "بنوا إسرائيل في عصر الانحطاط العربي" صدر سنة 1992،
وفضلا عن الحديث النبوي الوارد في صحيحي البخاري ومسلم : "تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله".
إن إفساد بني إسرائيل في أرض فلسطين ومصر ولبنان وسوريا، المتمثل في عمليات التخريب والتدمير والتقتيل والتعذيب والتآمر والتحالف ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، بمساندة كاملة من أمريكا وبريطانيا، أعطى لليهود شعورا قويا بالاستعلاء والغطرسة والتحكم السياسي والاقتصادي والإعلامي الفعلي، الشيء الذي لم يسبق له نظير في تاريخ اليهود، إنهم يتحكمون في أمريكا التي تتحكم بدورها، ليس فقط في مجلس الأمن الدولي، ولكن في العالم العربي من موريطانيا حتى اليمن، ولكي نزداد يقينا بأن "الكفر ملة واحدة" وموحدة ضد الإسلام والمسلمين، فإن البيان الرباعي للكتل العالمية القوية في العالم التي اجتمع ممثلوها في مدريد باسم الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة، وروسيا يوم 11/04/2002 لاتخاذ قرار حاسم بالدفاع عن وجود وأمن إسرائيل، ضد من سماهم بالإرهابيين الفلسطينيين، لم يعبر أصحابه عن وجهة نظر شارون في تبرير حربه الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، وإنما كرر بالحرف تصريحاته الرسمية في "القضاء على البنية الأساسية للإرهابيين الفلسطينيين، وإيقاف التحريض على العنف، وقطع المساعدات المالية عنهم ؟!
كما طالب بدوره أن يقوم عرفات بتنفيذ الشروط الأمنية التي فرضها شارون على الشعب الفلسطيني" ؟!.
فشل الأطروحات الفكرية، والتجارب الميدانية للدول والأحزاب العربية :
بناء على كل هذه المواقف، لا شك أن هذه التطورات المفاجئة، سواء من جانب ظهور الرئيسين اليهودي أرييل شارون والصليبي جورج بوش على المسرح الدولي، كحليفين وزعيمين دوليين للمعسكر المعادي علنا للإسلام والمسلمين، أو من جانب العالم العربي والإسلامي الذي انهارت جميع أطروحاته الفكرية، وتجاربه الميدانية، على اختلاف تياراتها القومية والاشتراكية والديمقراطية والعنصرية والطائفية منذ سقوط الخلافة العثمانية وخلال 79 سنة، ولم يحقق العالم العربي أي مطمح من مطامح شعوبه لا في الوحدة العربية، ولا في العدالة والحرية، ولا في التنمية الاجتماعية، ولا في التسلح والتصنيع وإعداد القوة العسكرية، هو إذن الفشل والعجز والسقوط سياسيا وحضاريا، وهو "إحباط الأعمال" إسلاميا وعقابيا".
هذه التطورات التي يقف فيها المعسكران العالميان المتقاتلان في فلسطين منذ 54 سنة وجها لوجه، تعبر عن مسار تاريخي كوني لطبيعة (الصراع الحضاري) التاريخي العالمي، بين الإسلام، كدين وحيد للبشرية جمعاء، وهو دين جميع الأنبياء والرسل السابقين، "إن الدين عند الله الإسلام" (ءال عمران 19) حيث نص القرآن الكريم على تعدد (الشرائع) لا تعدد (الأديان) :
"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما أوصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" (الشورى 13).
"ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما" (ءال عمران 67).
"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين" (ءال عمران 85).
هذا من جهة الإسلام وشريعته الكاملة والشاملة لجميع مجالات الحياة كحضارة إنسانية عالمية خالدة نسخت الشرائع السابقة عليها بما فيها اليهودية والمسيحية، بحكم أنها ءاخر الرسالات السماوية المواكبة لتقدم وتطور الفكر والعقل الإنساني، وتأهله لدخول عصر العلم والمعرفة بحقائق الكون والحياة والإنسان، وهذا ما حققته رسالة الإسلام الخالدة، ولم يحدث قط خلال الأربعة عشر قرنا الماضية، أي صراع بسبب اختلاف الشرائع، طالما أن الإسلام اعترف بحق الشعوب غير الإسلامية في ممارسة شرائعها السابقة بقوله تعالى : "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256). حيث تمتع المسيحيون واليهود والصابئة والمجوس في رحاب الدول الإسلامية شرقا وغربا، قديما وحديثا، بكل حقوقهم الإنسانية والدينية.
الصراع الجديد بين الحضارتين : الإسلامية والغربية :
لكن الصراع نشأ تاريخيا، ولا يزال قائما، بين مكونات وخصائص المجتمعات الحضارية : القومية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
ولأن "الحضارة الإسلامية" تميزت عن كل الحضارات البشرية، وحتى الشرائع السماوية الأخرى، بأن جميع أنظمتها ومؤسساتها الحياتية لها مرجع ديني أخلاقي ثابت لم يتغير، هو القرآن الكريم والسنة النبوية.
ولأن "الحضارة الغربية" المعاصرة آمنت بالمادة وتجاهلت الروح، وانزلقت في طريق الإلحاد، وأنكرت البعث والحساب والعقاب، فقد اتسعت الهوة الفكرية والثقافية والأخلاقية عمليا بين الحضارتين، وتطور الصراع بينهما لدرجة أن (زعيمة الحضارة الغربية) الطاغية المستكبرة بأسلحة (الدمار الشامل)، انطلقت بعد أحداث "11 شتنبر" كالثور المجنون، تضرب أقطار العالم الإسلامي يمينا ويسارا، جوا وبرا وبحرا، تنتقم من هزيمتها في أفغانستان، بتقتيل الشعب الفلسطيني، وتدمير مؤسساته الوطنية، وتتوعد بالانقضاض على العراق وإيران، إنها انتفاضة الجريح الهائج الشاعر بالضعف والإهانة، لكن الولايات المتحدة الأمريكية، ستقتنع في نهاية المطاف، كما اقتنع الاتحاد السوفياتي قبلها، بأن "الدولة الإرهابية الكبرى في العالم" المعتزة بامتلاكها (أخطر أسلحة الدمار الشامل)، ستنهار حتما أمام "الأمة الإسلامية الكبرى في العالم" المعتزة بامتلاكها (أعظم طاقة جهادية)، تفتقدها "الحضارة المسيحية الغربية المعاصرة :
هل تريدون دليلا من تاريخ القرون الوسطى ؟.
خذوه إذن من واقع الحروب الصليبية الثمانية، التي أعلنتها كل دول أوربا المسيحية على الإسلام في فلسطين، طيلة 195 سنة (1096-1291)، وجاء صلاح الدين ليضع لها حدا، وعاد الصليبيون منهزمين إلى بلدانهم، دون ما حاجة إلى مؤتمرات سلام، لكن الغرب لم ينس الهزيمة، وبعد 657 سنة جاءت بريطانيا وأمريكا ب (إسرائيل)، ليشهد العالم معنا بداية "دورة ثانية انتقامية" من الحروب الصليبية الصهيونية، أيضا ضد الإسلام في فلسطين سنة 1948!.
لنأخذ دليلا آخر من القرن العشرين :
شهد النصف الأول من القرن العشرين "بداية النهاية" للحروب الاستعمارية الغربية لأقطار العالم الإسلامي شرقا وغربا، كان ءاخرها بالنسبة لشمال إفريقيا كنموذج :
- احتلال (الجزائر) وإدماجها الكامل كجزء من فرنسا خلال حقبة "1830-1962".
- احتلال (تونس) بصيغة الحماية الفرنسية خلال حقبة "1880-1956".
- احتلال (المغرب) بصيغة الحماية الفرنسية خلال حقبة "1912-1956".
لقد استطاعت هذه الأقطار أن تحرر نفسها بفضل "الجهاد" الإسلامي لشعوبها، وبالنسبة للجزائر يمثل جهادها بمليون ونصف من الشهداء، (معجزة إسلامية مذهلة ومخيفة في القرن العشرين) إذ لم يكن للتيارات اليسارية يومئذ أي تأثير أو حتى وجود، بشهادة قادة الجيوش الاستعمارية الفرنسية والإسبانية والبريطانية نفسها، هذه الثورة المعجزة قصمت ظهر الأمبراطورية الفرنسية وأسقطتها إلى الأبد.
لكن المأساة تبدأ مع حكومات وأحزاب هذه الدول المستقلة حديثا، في العالم العربي خلال النصف الثاني من هذا القرن، فبدلا من أن تتبنى الإسلام نظاما لحكمها تبعا لرغبة وتضحيات شعوبها، اختار تسعون في المائة 90% منهم الأنظمة الاشتراكية والقومية والوطنية، لتمزيق وحدة الأمة الإسلامية، واستبعاد "الفكر الإسلامي" من حياتها، بتخطيط ودعم خبراء الاستعمار الجديد.
أما دليلنا الحديث على أن الأمة الإسلامية لا تزال تملك (أعظم طاقة جهادية واستشهادية للقتال) ضد أعداء الإسلام، لولا السدود التي أقامتها الحكومات في طريقها، فيكفي ما شاهده وعرفه العالم عن صمود الشعب الفلسطيني، ومقاومته البطولية للاستعمار الصهيوني طيلة 54 سنة الماضية، فضلا عن جرائم التدمير والتقتيل والإبادة المتواصلة حتى اليوم بأمر، السفاح شارون، ومباركة وتأييد الرئيس الأمريكي بوش الثاني، كما أن العالم لا يزال يشاهد المظاهرات الاحتجاجية الصارخة لشعوب العالم العربي والإسلامي شرقا وغربا، وللأقليات الإسلامية في أغلب الدول الغربية نفسها، ومطالبة الملايين منهم بفتح الحدود أمامهم للجهاد في فلسطين.
التفسير الإسلامي ل "ظاهرة سقوط العالم العربي المعاصر" :
هل هناك تفسير ل "ظاهرة سقوط العالم العربي المعاصر" غير التفسير الإسلامي؟.
وهل أدرك رجال العلم والفكر والسياسة، وحتى علماء الشريعة في العالم العربي، أنهم يعيشون هذه (الظاهرة العامة) من موريطانيا إلى اليمن، بمفهومها الاجتماعي المنهجي "السوسيولوجي" دون تأثر طبيعتها وخصائصها باختلاف أنظمته السياسية، أو مواقعه الجغرافية، ملكية كانت أو جمهورية أو سلطانية، منذ سقوط "الدولة العثمانية" سنة 1923م، مرورا بإنشاء "الجامعة العربية" سنة 1945، وصولا لقيام دولة إسرائيل سنة 1948م؟!.
أجبنا عن هذين السؤالين بتفصيل في سلسلة كتبنا التي اعتبرت هذا السقوط "بداية النهاية" لأخطر مراحل هذه "الظاهرة" والتي تتحمل فيها الأنظمة العربية، وأحزابها الحكومية، ومجالسها النيابية المزيفة، مسؤولية "التخلي الكامل" عن نجدة من بقي من الشعب الفلسطيني يقاتل في أرض فلسطين، وإنقاذ ما بقي من أرضه، بينما الإرهابي الأكبر، (سفاح بني إسرائيل)، يعيث فسادا وتخريبا وتقتيلا في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، يدكها دكا على سكانها العزل، بمئات من الدبابات، فوقها الطائرات، لتخلف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى فضلا عن 5000 سجين، على مرأى ومسمع من العالم أجمع ؟!.
الأخطاء القاتلة للسياسة العربية العلمانية :
واجبنا في إطار هذا "البيان التحليلي" أن نسجل أهم الأخطاء السياسية التي كانت "بداية النهاية" لعصر "سقوط العالم العربي المعاصر" لنجد في طليعتها مسلسل التنازلات التي ابتدأت بالاعتراف بإسرائيل، وحقها في الوجود على أرض اغتصبتها بالقوة، وأخرجت سكانها بالإرهاب، وتمثل 80% من أرض فلسطين، وهو اعتراف باطل شرعا وقانونا، أجمع علماء المسلمين في المشرق والمغرب، على أنه خيانة لله وللرسول وللأمة الإسلامية، صاحبة الحق الكامل في استرجاعها بالجهاد، وليس بخرافة السلام.
وفي إطار هذه التنازلات الضالة التي أخرجت قضية فلسطين من مسارها الإسلامي الذي عاشت في كنفه أربعة عشر قرنا، وحتى في عهد الرئيسين السابقين المجاهدين الحاج أمين الحسيني وأحمد الشقيري، جاء "ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية" الجديد، ليقطع صلتها بتاريخها الإسلامي جملة وتفصيلا، ويحولها إلى حلم "دولة علمانية ديمقراطية"؟! أملا في أن تحظى برضا اليهود والنصارى، ويتم الاعتراف بها من دول الشرق والغرب والله تعالى يقول :
"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، مالك من ولي ولا نصير" (البقرة 120).
ويقول جل علاه : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين" (المائدة 51).
وهكذا ظل السيد ياسر عرفات رئيس المنظمة، منذ أكثر من ثلاثين سنة، يعلن ويؤكد ويكرر في جميع المواقف والمناسبات العربية والدولية، دون أي اعتراض من الدول العربية، بأن قضية فلسطين هي (قضية عربية)، أي لا علاقة لها بالإسلام؟! وذلك طبقا لما نص عليه "ميثاق المنظمة". من أن هدف الثورة الفلسطينية هو "تأسيس دولة فلسطينية علمانية ديمقراطية" تتكون من المسلمين والمسيحيين واليهود على صعيد واحد؟!.
وعندما أسسنا "الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني" سنة 1969، في غمرة الحزن والتأثر العام للشعب المغربي، لهزيمة 5 يونيه 1967 ، بمشاركة قادة حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وعدة شخصيات وطنية حرة اكتشفنا نحن ممثلي "رابطة علماء المغرب" في الجمعية المذكورة هذه المعلومات، أعلننا معارضتنا لها في اجتماعاتنا الرسمية، لما تمثله من خطورة سياسية ودينية ووطنية بالغة، لأنها تفرغ الكفاح الفلسطيني من طاقاته الإيمانية، وثقافته الجهادية، وتجعل هدفه من كفاحه محصورا في "تحرير الأرض"؟!.
لم تكن ظروف القضية يومئذ تسمح لنا بإثارة هذه المشكلة علنا مع المنظمة على اعتبار أنها في معركة مع إسرائيل، لكننا لم نسكت، قمنا بتحليل نتائج سياستها (اليسارية العلمانية الثورية) في صحف مغربية ومصرية وخليجية، وأصدرنا دفترا بعنوان :
"العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل" قام بنشره "نادي الفكر الإسلامي" سنة 1983، - حسبما أشرنا إليه سابقا - يتضمن التصور الإسلامي لقضية فلسطين، وردود الفعل العربية والإسلامية والدولية لجرائم إفسادهم الأخير في لبنان، كما يتضمن بحثنا المفصل لتفسير الآيات الأربعة الخاصة بالإنذار الإلهي المخبر بإفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين مع العلو الكبير، وجئنا بالأدلة القاطعة على أن الإفساد الأول هو فعلا ما تقوم به إسرائيل منذ سنة 1948، وأن الإفساد الثاني الأخطر ربما بالقنابل الذرية هو ما سينتهي بهزيمتها وسقوطها، وهذا ما لا نشك فيه، ويقوي عزيمتنا نحن المسلمين على تحقيقه.
مع ذلك لم يتغير موقف "المنظمة" من "علمانية الدولة الفلسطينية" التي ظلت تحلم بإنشائها بمساعدة أعداء الإسلام بعد أن استبعدت الجهاد الإسلامي وخلال سنين طويلة، لم يتوقف السيد عرفات في رحلاته المتواصلة، عن الاستعانة بموسكو ورئيس دولة إسرائيل والبابا والرئيس الأسبق الفرنسي (اليهودي) ميتران، مطئطئا رأسه أمام كل منهم؟! وفي إطار هذا التوجه السياسي، لا حظ جميع الخبراء باستغراب، أن "المنظمة بدل أن تركز كفاحها على تنظيم المقاومة المسلحة داخل فلسطين، وجهت كل نشاطها وأموالها للجانب الدبلوماسي، ففتحت مكاتبها في جميع العواصم العالمية، وأصدرت من الكتب والصحف والمنشورات ما لا يحصى، ودائما في نفس الخط العلماني، الذي التزمت به مجلة "فلسطين الثورة" القبرصية، اللسان الرسمي للمنظمة، الذي يشرح لنا بوضوح وجهة نظره في مسألة الدين، ردا على كاتب يهودي بمقال في هذه المجلة (عدد 659 بتاريخ 11/07/1987) تحت عنوان : " للفلسطينيين من حوافز النضال ما يغنيهم عن الحافز الديني"؟!.
ما ذا صنع "الفكر القومي العربي العلماني" بالقضية الفلسطينية ؟!.
كان علينا اليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عاما، من السير في وحل هذه السياسات، التي جعلت العالم العربي تائها في خضمها، عاجزا منهارا ومهانا، أمام الاجتياح الدموي الوحشي الإسرائيلي الجديد، لتصفية "المقاومة العربية الإسلامية" أن نتساءل :
- ما ذا صنع "الفكر القومي العربي العلماني" بقضية فلسطين؟!
ونجيب عن هذا السؤال بإيجاز :
1 أقصى الإسلام والشعوب والدول الإسلامية غير العربية، عندما أعلن أن (القضية الفلسطينية) هي "قضية عربية"؟!.
2 جعل "المنظمة" تعتقد وتوهم نفسها بأنها "طليعة الثورة العربية" منذ قيامها، وإلى أن سقط الاتحاد السوفياتي سنة 1990.
3 توهم لفترة زمنية طويلة أن "القومية العربية" يمكنها أن تحل محل "الإسلام" ك "إديولوجية ثورية" تمثل الحداثة والتقدم؟!.
4 ثم تراجع وأعلن أن (قضية فلسطين) هي (قضية فلسطينية) لاحق لأحد في التدخل في شؤونها؟!.
5 ثم اختصرها "سياسيا" لتصبح قضية تهم فقط " لجنة القدس"؟!
6 ثم اختزلها "وطنيا" في "الرئيس عرفات" بإعلان أنه "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني؟!.
7 واستغلها "تضليلا" باحتوائه "الانتفاضة الإسلامية" على اعتبار أنها "الكفاح الوطني" الممكن والمطلوب من الشعب الفلسطيني؟!.
8 واستغلها "تمويها" عندما تعامل مع "الانتفاضة" على أنها "البديل الوحيد للجهاد" وتركزت "الحملة العربية" على "دعم الانتفاضة" وتجاهل "الجهاد" الذي أصبح واجبا على جميع المسلمين شرقا ومغربا.
9 واستغلها "تخلفا حضاريا" عندما أعلن : "أن السلام اختيار استراتيجي" وتباهى الرئيس عرفات رافعا بدوره شعار : "سلام الشجعان"؟!.
هذا التفكك، والتشتت، والضياع، والإحباط، الذي سقط فيه أصحاب "الفكر العربي" وأغلبهم من الفلاسفة العلمانيين، والمسيحيين واليهود والمنافقين، كان هدفهم منح "الفكر العربي" محتوى "إديولوجيا ماركسيا فلسفيا ثوريا" يستطيع بطاقته المعبأة شكليا، أن يحل محل "الفكر الإسلامي" ؟!.
- كيف، ومتى، وأين، نشأ هذا الفكر ؟
تجيب عن هذه الأسئلة "وثائق المؤتمر العربي الأول المنعقد في باريس سنة 1913 مع المراسلات الدبلوماسية الفرنسية السرية المتعلقة به، والذي يعود بنا إلى جذور نشأة هذا الفكر كحركة إصلاحية عربية انفصالية عن الدولة العثمانية سنة 1912، لعبت فيه القنصليات الفرنسية والبريطانية في البلدان العربية دورا حاسما لإنجاز مشروعين كبيرين :
أحدهما فرنسي يقضي بجعل بلاد الشام منطقة نفوذ فرنسي،
وثانيهما إنجليزي يقضي بإنشاء منطقة نفوذ إنجليزي : العراق الأردن، فلسطين، ساهمت فيهما المخابرات والأموال بدور كبير في شراء العملاء الأعوان، وإقناع الكتاب والسياسيين ورجال الأعمال، بحقيقة واضحة هي "أن المدنية الأوروبية العصرية" هي التي انتشلتنا من سباتنا العميق"؟!.
والغريب في الأمر أن القنصلية الفرنسية بعاصمة المغرب المستقل يومئذ (فاس) لعبت نفس الدور، وفي نفس السنة 1912، الذي لعبته القنصليات الفرنسية في بيروت ودمشق وغيرهما، وذلك بإقناع القواد ورجال "المخزن" بأهمية وضرورة عقد الحماية الفرنسية" الذي وقعه السلطان عبد الحفيظ في السنة المذكورة، ودافع عن نفسه بعد ذلك بقصيدة يقول فيها :
أءامر بالجهاد وجل قومي يرى أن "الحماية (فرض عين)؟!
ومنذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم، نجح "الفكر العربي القومي العلماني- برعاية قوية ومستمرة شرقا ومغربا من الاستعمار الغربي في السيطرة على أنظمة التعليم والثقافة والإعلام، ونشر ثقافة الجنس والعنف والإجرام، بكل صورها المدمرة للأخلاق، ولنظام الأسرة الإسلامية، ولأن الأمية ضاربة أطنابها في العالم العربي، أصبحت أغلب الفضائيات العلمانية العربية، هي (المدرسة المرشدة والمربية) للأجيال العربية التي فقدت هويتها الإسلامية.
هذا الفكر القومي لم يسيء إلى أصحابه، بقدرما أساء إلى أمته العربية نفسها، ولم يسيء إلى قضية، بقدرما أساء إلى القضية الفلسطينية، وبإلقاء نظرة على العناوين السابقة، التي يحتاج كل منها إلى شرح وعرض تاريخي، يمكن فهم الأسباب والظروف التي شجعت مجرمي بني إسرائيل السابقين، وكبيرهم السفاح شارون، على اجتياح مدن وقرى الضفة الغربية وغزة، خاصة مخيم جنين ورام الله ونابلس والخليل، بمئات الدبابات من فوقها الطائرات، تدمر الدور على ساكنيها من النساء والأطفال، ءامنا مطمئنا إلى أن أكبر قوة في العالم تسنده وتحميه، وأن أضعف قوة لأعدائه العرب لا تجرؤ على مجابهته، بل ومعلنا باسم حزبه الليكود معارضته لقيام (دولة فلسطينية)، غافلا عن أن هذه الظروف لن تدوم، وأن (دوام الحال من المحال).
الإسلام قاهر الأمبراطوريات الاستعمارية والصليبية :
هذا مع العلم بأن كل التغيرات السياسية العالمية، تنذر بأن (الأمبراطورية الأمريكية) المتسلطة على العالم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، الذي ضاق ذرعا بها، ستواجه حتما مصير سابقاتها : الأمبراطوريات الفرنسية والبريطانية والسوفياتية، ولا يمكن لمؤرخي هذه الأمبراطوريات أن ينكروا أن "الجهاد الصادق" للشعوب الإسلامية كان دائما العامل الأساسي والحاسم في سقوطها بعد حروب طاحنة واحدة بعد أخرى.
هذه الحقائق التاريخية والحضارية، تجعلنا نومن بأن هذه (الإمبراطورية الأمريكية) ءاخر وأعظم الأمبراطوريات التي عرفها تاريخ الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي، خلال القرون الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ستسقط بنفس السرعة التي سقط بها الاتحاد السوفياتي، رغم امتلاكهما لأسلحة (الدمار الشامل).
لكن يجب أن لا يغيب عن ذهن أي مسلم مسؤول في القمم العربية أو الإسلامية، أو في القواعد الشعبية، وخاصة "أجيال الجهاد الصاعدة" أن القرآن الكريم وضع ثلاثة قوانين خاصة بالمجتمع الإسلامي :
1 قانون "النصر" :
إن انتصار أي جيش أو مقاومة إسلامية على العدو، مشروط بعقيدة الدفاع عن دين الله لقوله تعالى :
"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" (محمد7) فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، ويؤكد الله تعالى ذلك بقوله : "ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز" (الحج40).
2 قانون "الابتلاء" :
كل تصرفات المسلم من البلوغ حتى الوفاة، تخضع ل "امتحان مستمر" يسجل في "كتابه" ويحاسب بمقتضاه يوم القيامة لقوله تعالى :
"ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم" (محمد31)
"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والتمرات" (البقرة154).
"الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" (الملك2)
" إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" (الإسراء14).
3 قانون "إحباط الأعمال" :
قلما ينتبه الناس، وخاصة المجتمعات والمنظمات والحكومات، إلى أن النكبة التي تحل بهم أو بأوطانهم، في أي زمان أو مكان، هي (عقوبة إلهية) لما ارتكبوه من ظلم أو منكرات، لقوله تعالى :
"والذين كذبوا بئاياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" (الأعراف147).
"ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله" (المائدة5).
"المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم...أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون" (التوبة67-69).
"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" (الأنفال25).
فهل يستطيع أي باحث أو مفكر اليوم، أن ينكر أن "قانون إحباط الأعمال" القرآني يتجلى ك "ظاهرة اجتماعية" في العالم العربي الذي باءت ب (الفشل والإحباط) جميع نظرياته المذهبية التي تبناها وحاول تطبيقها ميدانيا، لتحقيق مطامح شعوبه في الوحدة والحرية والشورى والعدالة والتنمية البشرية والتصنيع والقوة العسكرية، منذ سقوط الدولة العثمانية حتى اليوم (79سنة)؟!.
عندما اجتاحت إسرائيل لبنان سنة 1982، نشرنا في ظهر الدفتر الذي أصدره (نادي الفكر الإسلامي) بعنوان : "العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل" دائرة مستديرة جاء فيها :
"كان العرب قبائل متصارعة تعبد الأصنام، فجاء الإسلام ومنحهم الإيمان والأخوة والوحدة والعلم والقوة، وكلما ابتعدوا عن الإسلام عادوا لعاداتهم القديمة * بعد أندلس القرن الخامس عشر، جاء دور فلسطين القرن العشرين، هل تغير العرب بعد خمسة قرون؟! أم هم في حاجة دائما إلى صلاح الدين ويوسف بن تاشفين"؟!.
د. ادريس الكتاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.