محمد تركان، أو " بّا مدان"، كما هو معروف في ابزو، رجل بسيط يقطن في دوار اغبالو، جماعة ابزو، إقليمأزيلال. عاش حياته على الموسيقى الموسيقى. منها كان يقتات، وبها كان يُدخِل على الناس كثيرا من الفرح والبهجة في المواسم والأفراح والحفلات الشعبية التي كان يُدعى إليه. وللتذكير فقط، ف " بّا مدان" هو أول من أسس فرقة موسيقية تقليدية في تراب جماعة ابزو في أواخر الستينات من القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوانَ " بّا مدان" وفرقته في إحياء كل الأعياد والمناسبات الوطنية، بعيدا عن أية مساومة مادية أو غير مادية، دافعه الأساس وطنيته الصادقة وحبه للعرش العلوي. ولأنه وطني صادق ومغربي حتى النخاع، فقد كان طبيعيا أن يلبي نداء الوطن سنة 1975 بتلقائية وحماس، ويشارك في المسيرة الخضراء المظفرة؛ تلك المسيرة التي أدهشت العالم، حتى أنها عُدّت واحدة من معجزات القرن العشرين. كيف لا، وهي التي استرجع بها المغرب صحراءه، واستكمل وحدته الترابية من غير إراقة قطرة دم؟ ورغم أن الكثير ممن شاركوا في هذه المسيرة المعجزة، خاصة من الشرائح الاجتماعية الفقيرة، قد استفادوا من هبات أو منح أو امتيازات، ومن حقهم ذلك، فإن " بّا مدان"، لم يزايد أبدا بمشاركته في المسيرة، ولم يطلب يوما معونة أو امتيازا، وظل دائما يربأ بنفسه عن ذلك، وينأى عن طرق أبواب المسؤولين، رغم حاجته الماسة، محتسبا مشاركته في المسيرة عملا خالصا لوجه الله، وللوطن. ولأن " بّا مدان" فنان شعبي، كل رأسماله نَفسه الطويل الذي كان يتمتع به، وأصابعه التي كان يعزف بها بمرونة ومهارة على المزمار، فقد أُجبر على العطالة والبطالة بعدما أصيبت يده اليسرى بشلل جزئي، فلم يعد يقوى على التحكم في أصابعه، بل صار الشلل ينتقل بالتدريج إلى اليد اليمنى، و" بّا مدان"، عاجز على أن يفعل شيئا لقلة الحيلة وضعف ذات اليد، ولعزة نفس تمنعه من امتهان كرامته، رغم المرض الذي يستشري يوما عن يوم، ورغم الفقر والعوز. ولأن المصائب لا تأتي إلا دفعة واحدة، فقد انهار بيت " بّا مدان" الطيني على إثر التساقطات الغزيرة التي شهدها دوار اغبالو قبل زهاء شهرين، ولولا ألطاف الله التي قضت بأن يتواجد " بّا مدان" خارج البيت وقت انهياره، لكان الرجل اليوم في خبر كان. ولأن مجتمعنا لا يعدم أناسا كراما، وعلى نبل أصيل، فقد تفضل أحد أبناء الدوار بأريحية معهودة في البسطاء من مجتمعنا، المتآزرين في الضراء وإن كانوا على خصومة، وبنى غرفة ل " بّا مدان"، غير أنها ما زالت في حاجة إلى الكثير من الأشغال ومواد البناء، ناهيكم عن التجهيز، حتى تستوي غرفة يمكن العيش فيها على ضيقها، ورغم أنها مبنية على حافة الهوة الكبيرة الناجمة عن انهيار البيت. وفي انتظار ذلك، يعيش " بّا مدان" الآن في استضافة أحد أصدقائه من أبناء الدوار. ولأن بوابة أزيلال أون لاين، صوت من لا صوت له، فها نحن من هذا المنبر نتوجه إلى المسؤولين، أن يبادروا إلى نجدة الرجل، وينتشلوه من الوضع المأساوي الذي يعيش فيه، ويحفظوا له كرامته، وذاك واجبهم وليس منّا، و حقه عليهم وليس فضلا، خاصة وأنه بلا معيل ولا كفيل، وصحته تتدهور يوما عن يوم وقد أوشك على السبعين من عمره، قضى منها ما يقارب خمسين سنة في إسعاد المجتمع وخدمة الوطن. كما نهيب بمواطنينا من ذوي القدرة والأريحية أن يساعدوا الرجل في محنته، ويتكرموا بما جاد به كرمهم، فالرجل على ما به من خصاصة، تعز عليه نفسه أن يمد اليد ولو قضى متضورا جوعا وفقرا، ومنهكا مرضا وعجزا. وفي مثل هؤلاء البسطاء الأباة، فليتقِّ اللهَ المتقون. ابزو، مكتب البوابة