الخط : قد يجد البعض الأمر غير قابل للتصديق، لكنه حدث بالفعل تاريخيا وورثت الجزائر المستقلة حلم الجنرال دوغول، وقادة فرنسا الجمهورية الخامسة، في فتح الطريق إلى المحيط، ليكون للجزائر منفذ على الواجهة الأطلسية. وقد كانت فرنسا تعتقد بأنها ستظل سيدة القرار في الجزائر، وأن عليها أن تعمل بأن يكون لها منفذ على هذه الواجهة، بعد أن استقل المغرب، والذي لم تغفر له أبدا أنه كان قاعدة لكفاح الشعب الجزائري وثورته التحريرية. بطبيعة الحال، عندما تتنكر الجزائر لأيادي المغرب من أجل حريتها فهي في الواقع تلتقي موضوعيا وذاتيا مع السياسية الاستعمارية، والتي كانت هي ضحيتها! وقمة العبث أن تعمل بنفس العقلية الجغرافية في قص امتداد المغرب الترابي لبناء دولة تابعة لها، تزيد من اتساع رقعتها بالمزيد من التراب التي قضمت من المغرب الكثير منه !! وظل المغرب مقتنعا بأن استمرار التمزق، لن يخدم سوى القوى التي تسعى إلى الاستمرار الاستعماري.. بل أن محمد السادس دافع عن أنظمة الدول المغاربية في وجه من يملون عليها سياسات التفرقة عندما خطب في ثورة الملك والشعب في 2021 وقال إن بعض قيادات هذه الدول الأوروبية «لم يستوعبوا أن المشكلة ليست في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي، ولا تستطيع أن تساير التطورات ولا يريدون أن يفهموا أن قواعد التعامل تغيرت، وأن دولنا قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها، لصالح شعوبنا». لطالما عرض الملك محمد السادس، أن تكون الصحراء المغربية قاعدة موحدة لمغرب الشعوب. وسعى باستمرار إلى جعل مشاريع تنمية أقاليمه الجنوبية التي حولت «الصحراء إلى فضاء مفتوح للتنمية والاستثمار» قاعدة لتحقيق وحدة مغاربية في ميادين الإقلاع والتقدم، غير أن الجارة الشرقية لم تخرج عن منطق العداء، الذي عملت به، منذ وجودها في بداية الستينيات. وعوض أن تعمل مع المغرب، الذي يمد يده باستمرار من أجل مصالح مشتركة في شمال إفريقيا، عملت بكل وسائلها غير المشروعة من أجل فرض هيمنتها على المنطقة وفرض اشتراطاتها المجنونة أحيانا. ومن مخططاتها في هذا الباب السعي إلى فتح الطريق نحو المحيط الأطلسي، على حساب وحدة المغرب. واجتهدت في ذلك، سواء من خلال تسليح وتدريب الانفصاليين وفرض الحروب على المغرب، أو من خلال الدعوة إلى تقسيم تراب الصحراء لكي يمنحها ذلك موقع قدم، متجاوزة في ذلك شعاراتها حول تقرير المصير وأكذوبة الشعب الصحراوي والمواقف المبدئية المفترى عليها. لقد كان من العار أن الدولة التي بنت وجودها على شعار الثورة تتنكر لثورة تحرير المغرب لصحرائه وتنكرت لكل مبادئ الوحدة المغاربية، وبعد أن تبين للجميع ولا سيما شعوب المغرب الكبير أن دولة الجنرالات لا تختلف في نزعاتها الهيمنية عن نزعات الاستعمار السابق، اختار المغرب التوجه نحو إفريقيا، ولا سيما دول الساحل. ذلك أن المغرب يقدم الصحراء باعتبارها التعبير الترابي عن عمقه الإفريقي. وبالتالي فالقارة هي المستفيدة من كل تطور حاصل في المنطقة، وأكثر من ذلك، وضع ملك المغرب في خطاب المسيرة كل الآليات التي تخدم إفريقيا انطلاقا من الصحراء: رافق الدعوة مخطط عملي وبراغماتي، إفريقي مغربي، ينطلق من الصحراء ويتوجه نحو أكبر فضاء جيوسياسي في العالم وهو الفضاء الأطلسي، مع ما يقتضيه ذلك من آليات ديبلوماسية، تتمثل في خلق إطار يضم 23 دولة، تنظر إلى مستقبلها من على ضفتي الأطلسي. وفي حوار مع زعيمة القطب الأطلسي (عسكريا وسياسيا واقتصاديا) الولاياتالمتحدة تم في صيف 2022 وضع الأساس لحوار سياسي مسطَّر ومُمأْسس و خطة للعمل من أجل مقاربة إفريقية أطلسية للاقتصاد الأزرق، علاوة على مقومات التنمية المستدامة والصديقة للبيئة، وللمغرب في مجال هاته المقومات قصة نجاح، لعل أبرزها هو إنجاز 80٪ من نموذجه التنموي للصحراء الذي مرت عليه سبع سنوات. وهو ما يأهل المنطقة إلى أن تكون إقليما إفريقيا ناجحا بامتياز.. والهدف المغربي واضح من خلال تأكيد الملك على «هيكلة هذا الفضاء الجيو – سياسي على المستوى الإفريقي». وهو لأجل ذلك يقدم محفظة مشاريع بدأت أو في طور الإنجاز كما هو حال أنبوب الغاز مع نيجيريا... وعلاوة على ذلك توجه العاهل المغربي إلى دول الساحل بعرض اقتصادي تنموي، يفهم منه أن العبور إلى الأطلسي بالنسبة لدول الساحل هو عبور نحو العالم والخروج من شرنقة العنف والعنف المضاد، والبحث عن سبل تنموية لحل معضلات سوء النمو وضعفه، والتناحرات التي تعطل طاقات شعوب دول الساحل وتزج بها في أتون الحروب الأهلية. وفي السياق ذاته توجه العاهل المغربي، باسم شعوب المنطقة إلى كل العالم من أجل مبادرة دولية، تستجيب لطموحات هذه الشعوب.. وهو ما عبر عنه «بإطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي». ولأجل هذا الهدف، صار معروفا أن المغرب «مستعد لوضع بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول الشقيقة؛» .. هي قمة التضامن والتآزر الإفريقي، لكنها في الوقت ذاته تحويل مِلْكية فردية إلى ملكية قارية، في قلبها الصحراء كمنطقة محورية في لقاء دول غرب إفريقيا ودول الساحل للاستفادة من النمو المضطرد في المنطقة الأطلسية لفائدة شعوبها. ولعل الذين لن يقبلوا هذا الصرح الإفريقي الفريد من نوعه، والذي يقترحه المغرب على القارة هم أولائك الذين كانوا يفكرون في تمزيق الأمة المغربية من أجل دويلة في خدمتهم لوحدهم، كامتداد للخطة الاستعمارية القديمة!. والحال أن المغرب كان قد سعى إلى فتح التعاون المغربي الجزائري من أجل منطق الشمال والغرب في إفريقيا منذ اتفاقيات غار جبيلات، وما تلاها، الشيء الذي تنكرت له الجزائر البومدينية وظلت تتنكر إليه إلى حدود المرحلة التبونية، التي تسعى إلى تأجيج الأوضاع والدخول إلى المنطقة بمنطق القوة ..!. ليس هناك ما يفيد بأن الحاكمين في دولة الجوار قرأوا الدرس المغاربي جيدا، وقد انتهى للأسف بسبب تعنتهم وحلمهم في الخيمة، ولا شك أنهم سيسعون بكل ما لديهم إلى تفويت الفرصة على دول غرب القارة ودول الساحل كي لا تستفيد من العرض الحضاري المغربي، وكما في حالات سابقة سيفشلون وسيتعرَّوْن أكثر، لا سيما وهم يهددون بالحرب من أجل تمزيق القارة من جديد! أما المغرب فسيواصل .. بناء الجدار الإفريقي حول مستقبل الصحراء لإقبار نهائي لحلم دولة الانفصال..