الخط : إستمع للمقال حينما كتب المفكر "جين شارب" نظريته حول "التحدي السياسي" وتحليل أساليب مواجهة الأنظمة والسلطة بتقليص الخيارات العنيفة واستعمال بدائل أخرى ناعمة، لم يخطر ببال هذا الكتاب الأمريكي أن يصبح التشهير والادعاء وارتكاب الجنح وسيلة من وسائل التحرر ومواجهة الأنظمة والدول. لم يتوقع أن تظهر كائنات بشرية تتقمص دور المعارضة وتنشر الادعاءات وتختلق الوقائع وتستهدف المؤسسات خلال مواجهتها للدولة، وخلف كل ذلك يختبئ التخابر كواحد من أقدم المهن قدم تاريخ الدعارة في المجتمعات البشرية. لم يتبادر إلى ذهن "جين شارب" وهو يضع قائمة بأساليب العمل باستخدام اللاعنف يضم 198 إجراءً تنوعت بين الاحتجاج والإقناع واللاتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أن يصنع بعض المعارضين الطارئين اليوم أساليبهم الخاصة في مواجهة الدولة، باستخدام التشهير العلني والابتزاز كوسيلة لإضعاف الدول عبر استهداف الأنظمة الأمنية بالتحديد. على مواقع التواصل الاجتماعي تشن هذه الكائنات حربا إعلامية ضد المغرب ومؤسساته، ولا تستثني أحدا من ادعاءاتها وزيف رواياتها، لكن بعض المواقف، في توقيتها، تفضح بين الفينة والأخرى عملية التنسيق المسبق بين هذه الكائنات بدعم وتخابر مع دول أجنبية وجدت فيهم "السعار" المطلوب. لم يعد خافيا الأجندات التي تحرك هذه الكائنات التي تسترزق بخطابات المعارضة والتشهير، فلكل مآربٌ تحركه. منهم من يبحث عن تسوية وضعية إقامة غير قانونية بادعاء ممارسة العمل الصحفي، ومنهم من يبحث عن استقرار مادي بنشر ادعاء وفبركات تعزز فرصه في اللجوء السياسي، بينما اختصر آخرون كل هذا الجهد في الاسترزاق بإجبار الضحايا على الأداء، أو بتقديم خدماته لمخابرات دول أجنبية مسبقا. ولأن العدو واحد، فإن الهدف واحد أيضا. استهداف المؤسسة الأمنية في المغرب والتشهير برجالاتها عبر نشر ادعاءات زائفة ووقائع غير صحيحة وصلت حد فبركة محاضر من الخيال؛ ويبدو أن هذه "الكائنات" تدرك مسبقا أن إضعاف الدولة في محيط إقليمي يشهد حالة تصعيد غير مسبوقة، طرفاه صراع المغرب والجزائر، هو غاية حاضنيهم داخل أجهزة المخابرات التي جمعتهم من شوارع أوروبا. لا يحتاج الأمر إلى كثير ذكاء لفهم كل ما يجري، فاستهداف مؤسسات إنفاذ القانون، وتحديدا قطاع الأمن، في اعتقاد هذه الكائنات يخدم الأجندات المتآمرة على الدولة، واستعارة مفاهيم من قبيل "البنية السرية" و"البوليس السياسي" و"التحدي" هو جزء من استراتيجية تشهير شاملة، تقوم على تبادل الأدوار بين من ينشر على منصات التواصل الاجتماعي وبين من يتولى إنتاج الجهاز المفاهيمي لإضفاء مصداقية على الوقائع، وفئة ثالثة وظيفتها التأجيج والتعاون وتشبيك العلاقات بين الداخل والخارج.. إن التشهير كوسيلة لإضعاف الدول، ليس عملا فرديا فقط. بل قد يكون اختيار دول. ومن صوره أيضا استغلال مؤسسات البرلمان الأوروبي لإصدار توصيات كيدية ضد الدول والأفراد والمؤسسات، كما حدث مع المغرب، حينما حرضت باريس على الرباط داخل أروقة البرلمان الأوروبي لاستصدار توصية غير ملزمة طالبت السلطات المغربية ب"ضمان محاكمة عادلة لصحافيين"، رغم أنهم معتقلون في قضايا اعتداءات جنسية لا علاقة لها بالصحافة والنشر. لاحقا صدرت توصية جديدة بشأن منع ممثلي المغرب من دخول مقر البرلمان الأوروبي إلى حين انتهاء تحقيقات السلطات البلجيكية بشأن مزاعم قضائية حركتها أجهزة استخباراتية. كل هذه الأساليب تعتبر وسائل تشهير ضد الدول لضرب مصداقيتها، لا تقل دناءة عن الترخيص لعاهات من المهاجرين من أبناء "الحركى" فوق التراب الفرنسي، لتنظيم مسيرات بأعلام جزائرية في كبريات الساحات الفرنسية التي تشهد توافد آلاف السياح الأجانب، فقط من أجل التهجم على المغرب ونظامه وشعبه. فرنسا التي نوعت من خيارات التشهير بالمملكة خلال الفترة الماضية، ظنت أنها بذلك تبعث برسائل تهديد إلى المغرب، قبل أن تكتشف أن العسكر الجزائري الذي يحرك ويمول هذه المسيرات في الداخل الفرنسي وجه قطيعه نحوها أيضا، فتبين لها أنها غامرت بالسيادة والنظام العام، وهي تتابع حجم التحريض الإعلامي والسياسي ضد فرنسا بعد مقتل مواطن من أصول جزائرية على يد الشرطة الفرنسية في ضواحي باريس، فوجدت نفسها رهينة اليوم.