الخط : إستمع للمقال يشكل شهر رمضان مناسبة لاستحضار عدد من المحطات والأحداث التاريخية التي وقعت فيه في سنوات سابقة. وبمناسبة رمضان هذا العام؛ يقدم "برلمان.كوم" لقرائه سلسلة من الوقائع التاريخية التي وقعت سابقا في شهر رمضان. وحدث اليوم سيعيد الذاكرة إلى فتح "عمورية"، التي هي مدينة حصينة في الأناضول بتركيا تقع جنوبي غربي مدينة أنقرة، وباتت تسمى اليوم "سيفلي حصار". فتح بقي خالدا في تاريخ الدولة العباسية. وحدث فتح "عمورية" في رمضان سنة 223؛ ردًا على غزو ملك الروم "تيوفيل" حصن "زبطرة" – قرب مدينة مالطية – أثناء انشغال الخليفة المعتصم وجيشه برد فتنة "بابك الخرمي" وأصحابه ببلاد فارس. وكان "بابك الخرمي" قد أعلن التمرد والخروج على حكم بني العباس، في زمن المأمون، وامتدت فتنته 20 عامًا، لم يستطع خلالها الخلفاء العباسيون رده ولا صده. وخلال ذلك؛ تحالف "بابك الخرمي" مع ملك الروم على المسلمين. ولما حاصره المسلمون في مدينة "البذ" وضيقوا عليه الخناق؛ بعث خطابًا إلى "تيوفيل يقول له فيه: "إن ملك العرب قد جهز إلي جمهور جيشه ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها، فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعًا إلى ما حولك من بلاده فخذها فإنك لا تجد أحدًا يمانعك عنها". وذاك ما كان، فدخل ملك الروم حصن "زبطرة" وقتل خيرة أهلها، واسترق الباقي، وأخذ في الأسر ألف امرأة من المسلمات. ويذكر أن امرأة من المسلمات الهاشميات اللواتي تم أسرهن صرخت مستغيثة لما أخذت في الأسر "واامعتصماه". فلما بلغ المعتصم ذلك استعظمه وكبر لديه حيث بلغه أن امرأة هاشمية صاحت تستغيثه، فأجابها وهو جالس على سريره: "لبيك لبيك!"، ونهض من ساعته، وصاح في قصره: "النفير النفير". ثم ركب دابته وجمع العساكر، فجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد- وهو عبد الرحمن بن إسحاق- وشعبة بن سهل، ومعهما 328 رجلاً من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثًا لولده، وثلثًا لله تعالى، وثلثًا لمواليه". وقيل إن "المعتصم" لما أراد الخروج حذره المنجمون من الخروج وإنّ ذلك طالع نحس، وإنه يهزم ويكسر، فلم يلتفت لتخرصاتهم، وعزم على الخروج وغزو الروم. وخرج المعتصم على رأس جيش عظيم، قيل كان جيشه يتكون من 200 ألف مقاتل، وقيل كان في 500 ألف مقاتل، وعندما وصل الجيش الإسلامي بلاد الروم أقام على نهر اللامس- الحد الفاصل بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية، والذي على ضفتيه كانت تتم مبادلة الأسرى. وقام المعتصم بتقسيم جيشه لعدة فرق، جعل على كل واحدة منها قائدًا من خيرة قواده. فكان على مقدّمة جيشه أشناش التركيّ، وعلى ميمنته إيتاخ التركيّ، وعلى الميسرة جعفر بن دينار، وعلى الساقة بغا الكبير وعلى القلب عجيف. ثم أمر قواده بغزو بلاد الروم من ثلاث جهات، وسير أمامه قائده "الأفشين" لكي يفتح الطريق أمام الجيش، وأمره بالاتجاه إلى أنقرة ففتحها المسلمون. ثم سأل المعتصم قواده: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل له: "عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية" فعزم المعتصم على غزوها وفتحها. واجتمعت كل العساكر بقيادة "المعتصم" عند عموريّة، وتحصن أهلها بالأبراج، وجعل المعتصم كل قائد من قواده على ناحية من أبراج المدينة، وجعل المسلمون يرمونهم بالمنجنيق، والروم يردون عليهم الضرب، والروم في منعة شديدة داخل أبراج المدينة. وعلم "المعتصم" من عربي متنصّر، تزوّج في عمورية وأقام بها، أن موضعًا من المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السور في ذلك الموضع، فأمر المعتصم بتشديد الرمي بالمنجنيق على هذا الموضع، ومحاولة دخول المدينة منه، وأمر بردم الخنادق التي أقامها أهل عمورية حول أسوار المدينة. ودار قتال شديد انتصر فيه المسلمون بالنهاية، ودخلوا عمورية لست ليال بقين من شهر رمضان، وتم قتل نفر كثير من أهل الروم المحاربين، كان على رأسهم قائدهم "ياطس". وسقطت عمورية بعد معركة طويلة صعبة استخدمت فيها أدوات الحصار الضخمة الكبيرة كالدبابات والمجانيق والسلالم والأبراج على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يومًا. ومما يرويها التاريخ في هذه الواقعة أن المعتصم قتل قرابة 30 ألفًا من الروم، وأسر 30 ألفًا، وسار عائدًا إلى "طرسوس" في غنائم كثيرة. ويقال بعدها أحضر المعتصم الأعربي الذي أبلغه باستغاثة المرأة المسلمة، وطلب منه أن يأخذه إلى مكانها، ولما وصل إليها قال لها: هل لبى المعتصم نداءك، وملكها سيدها، والرجل الذي لطمها، وعادت حرة كما كانت بفضل المعتصم. الوسوم ذاكرة رمضانية رمضان فتح عمورية