محمد العلالي: استرجاع الثقة للشباب ولدور المثقف والمناضل و الفاعل السياسي سعيد بنيس: الانتقال من سياسة الدعم إلى سياسة التأطير والتملك من طرف الشباب أكد محمد العلالي أستاذ سوسيولوجيا الإعلام بالمعهد العالي للإعلام والتواصل، أن نظام ثقافة الانترنت قوضت ما يعرف بنظام وسائل الإعلام الجماهيري "الصحيفة والمجلة والإسطوانة والشريط والفيديو والتلفزيون والعروض الفرجوية من مسرح وسينما..."، بل وفتحت مجال الحرية على مصراعيه للتداول في مختلف المواضيع التي كان مقننا تناولها والتي كان كثير منها يعد من الطابوهات، وصارت هذه الثقافة تلبي حاجات الجماعات الإثنية و اللغوية و الثقافية المختلفة بعيدا عان الطابع الرسمي أو السلطة. وأضاف العلالي، في لقاء نظمه فرع الشبيبة الاشتراكية بالرباط حول موضوع" الشباب والثقافة في ظل الثورة الرقمية"، مساء الأربعاء المنصرم، بالمعهد الوطني للشباب والديمقراطية، على أن التحولات مست مختلف المفاهيم الثقافية نتيجة الثورة الرقمية، مقدما في هذا الصدد نموذجا بالتحولات التي طرأت خلال ما يسمى بحركة "الربيع العربي، حيث أن الثورة الرقمية خلال هذه المرحلة غيرت المفاهيم عن المثقف، بل وحطمت هذا المفهوم وخلقت مثقفا آخر، يطلق عليه اسم الوسطاء ويتعلق الأمر بالصحافيين، و الأشخاص الذين يتناولون الكلمة في برامج تبثها وسائل الإعلام وكذا الذين يعلقون على الأحداث عبر التلفزيون. وفي هذا الصدد، أوضح العلالي، خلال هذا اللقاء الذي شهد نقاشا عميقا ساهم فيه شباب بأسئلة حارقة بخصوص عنصري الثقافة والشباب والثورة الرقمية ودور الدولة والفاعل السياسي، والخطاب السائد،"أوضح" على أن ما يطلق عليهم اسم الوسطاء هم الذين يرتبطون باللحظة ويقدمون ردود أفعال على واقع قائم، وهو بذلك نوع يختلف تماما عن المثقف الذي يمتلك رؤية ، له إيديولوجية و تصور للعالم والذي كان يتميز في الماضي بوصفه كثير القراءة والاطلاع. وأفاد العلالي، محاولا إبراز أوجه التأثير على المفاهيم الذي جاء نتيجة الثورة الرقمية، أن الثورات في السابق قامت على مفهوم المناضل الذي يعني شخص ينتمي إلى حزب سياسي، له إستراتيجية واضحة ، وبرنامج طويل المدى وحينما يتفاعل فإنه يستهدف مدى طويلا، في حين في إطار ما يعرف بثورة الربيع العربي عوض ذلك المناضل نشطاء الفيسبوك الذين يطلقون حملات لمدة أسابيع أو شهر ويشاركون في تظاهرة ثم ينسحبون وهم يتميزون بعدم تملكهم لأي برنامج أو رؤية طويلة المدى. وربط العلالي فشل الربيع العربي والخيبة التي مني بها الشباب الذي خرج لميدان التحرير في مصر والشوارع في غيرها من البلدان من أجل التغيي، بغياب المثقفين الحقيقيين وغياب حتى الفاعلين السياسيين، مشيرا إلى أن الحراك العربي جرى كله على الإشاعة ونقص في المعلومة وأن الشباب قام بالتغيير وتمكن من إسقاط أنظمة لكن لم يستطع أن يقيم أنظمة بديلة عنها، كما ربطه أيضا بالثقافة السائدة لدى المجتمع المدني والتي وصفها بأنها توجد في مستوى متدني وتختلف تماما عن ثقافة المجتمع المدني في الدول الغربية والتي تبنني على المواطنة، التسامح، الحرية، الحداثة، الديمقراطية، المساواة، المصلحة العامة والشفافية، قائلا "نلاحظ أن الفضاء الثقافي العربي لم يستبطن بعد قيم المواطنة وبالتالي هذا أدى إلى ظهور الاتجاهات النكوصية التي تتسم في مجتمعات بالقبلية، والعشائرية، والأنظمة الاستصالية والتي عادت في أول تأثير ورد فعل إلى الأصول القبلية والعشائرية ولم تستطع أن تقدم الديمقراطية. ومن المخارج التي اقترحها العلالي في هذا الإطار، العمل على استرجاع الثقة للشباب ،"فهناك عنصر هام وخطير جدا مفاده أن الشباب نزل إلى الشارع للتغيير لكنه لم ينجح في ذلك و نجح آخرون الذين تلقفوا الفرصة"، يشير العلالي، كما شدد على ضرورة إعادة الثقة في دور المثقف بل وأيضا في دور المناضل و الفاعل السياسي قائلا" يجب أن نؤمن أنه لا يمكن لأي عملية تغييرية أن تمر في أي بلد دون وجود أحزاب وقوى سياسية منظمة وبأن تكون العملية السياسية على المستوى المرحلي أو البعيد". واعتبر مستطردا بأنه لايمكن الحديث عن أي ديمقراطية ناجحة دون وجود أحزاب قوية ، حقيقية تتمتع باستقلالية القرار والتنظيم ولها رؤية استراتيجية ، مبرزا أن الحاجة ماسة لإعادة بناء المجتمعات العربية للمرور لمرحلة جديدة، كما هناك حاجة إلى عصر تنويري جديد بتبني قيم النهضة وليس بروح استئصالية بل عبر فتح المجال لكل القوى المجتمعية التي تؤمن بقيم الديمقراطية والتعددية. ومن جانبه أكد، سعيد بنيس أستاذ السيوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط الذي قدم تشخيصا لعنصر الثقافة بارتباط مع الشباب، على تصريف مشروع الجهوية الموسعة الذي يتم الإعداد لتطبيقها بحيث يتم فيها مراعاة الغنى الثقافي واللغوي للجهات وذلك بخلق مؤسسات جهوية لتدبير التنوع الثقافي على غرار نماذج مقارنة، خاصة في إسبانيا وكندا التي أحدثت مؤسسات جهوية تعتني بالثقافة المحلية والجهوية وجعلتها عنصرا لتحقيق التنمية . وعلى مستوى تحددي التعددية، دعا إلى توخي إلغاء الخطاب المضاد للجماعات والعشيرة في برامج الإصلاحات الثقافية، والانتقال من سياسة الدعم إلى سياسة التأطير والتملك من طرف الشباب ،مع العمل أيضا على مراعاة جميع أوجه التنوع الثقافي في مشاريع الإصلاحات المستقبلية التي تخص الشباب، وكذا إبداع مقاربات ترتكز على مقولات الكفاءة والعدالة الاجتماعية اتجاه هذه الشريحة، والعمل على إعادة تصويب التوجهات الثقافية للمدرسة والجامعة من أجل بناء منظومة تقوم على تملك وترصيد وتمكين الشباب من مرجعياته الثقافية والهوياتية.