قضية فتاتي انزكان كشفت عن كثير أشياء تفرض اليوم تأملها بصراحة وشجاعة من طرف طبقتنا السياسية ونخبتنا الثقافية والمدنية وإعلامنا وكامل المجتمع، ولعل أكثرها وضوحا حجم العنف الذي تتعرض له النساء في الفضاء العمومي. فتاتان تمران بالسوق، وفجأة ينقض عليهما التحرش من أكثر من جهة بمبرر كونهما ترتديان تنورتين قيل إنهما قصيرتين، ولما رفضتا التجاوب مع"بلطجية"المتحرشين والانصياع لهم، نادى المنادي بأن الشابتين فاسقتين ويستفزان المتحرش"المسكين"، وتجمع من حولهما القوم وكل من لا شغل له، وأرغد الكل وأزبد، ولما حضرت عناصر الأمن لم تجد لما وقعت فيه حلا سوى أن تقتاد الفتاتين، وبقية الحكاية يعرفها الجميع. السؤال: هل المتحرشون لم يقترفوا الإخلال بالحياء العام لما كانوا يلاحقون الفتاتين؟ ولماذا لم يتم اقتيادهم أيضا أو على الأقل الاستماع إليهم؟ التحرش في الشارع وفي عدد من مقرات العمل صار اليوم ظاهرة جلية، وهو يجسد عنفا حقيقيا تتعرض له المرأة في كثير من مدننا، وهذا ما يجب أن ننتبه إليه في قضية فتاتي انزكان. من جهة أخرى، بالفعل صار لمواقع التواصل الاجتماعي ولوسائل الإعلام حضورا أكبر وتأثيرا أعمق في إثارة الانتباه إلى عديد قضايا وخروقات وانتهاكات، وحشد التعبئة حولها، وهذا مهم وطبيعي بالنظر لما يشهده العالم من تطورات تقنية وقيمية وسلوكية، ولكن أيضا بدا من قضية فتاتي انزكان أن أطرافا معينة لا تتردد في الركوب على أي شيء من أجل تضخيمه والتهويل منه لتحريف نظر المجتمع عن قضايا جوهرية أخرى، أو لتمرير رسائل لا منطق أو سياق يربطهما بما حدث... أيها الناس، إن ما حدث في سوق انزكان مرفوض وغير مقبول ويجب أن يدان، ولكنه لا يعني أن انزكان باتت"إمارة داعشية"، أو أن ظلاما كثيفا عم المكان... نرفض ما حدث وندينه، ونعبر عن نقدنا أو عدم تفهمنا أو رفضنا لقرار متابعة الفتاتين، ولكن لا يعني كل ذلك أن وزارة العدل أو الحكومة تتحملان المسؤولية، أو أن عليهما التدخل بشكل فج لإلغاء قرار قضائي كما نادت بذلك بعض شعارات المحتجين... المشكلة في العقلية الذكورية الجاهلة المنتشرة بما في ذلك وسط سوق انزكان، والمشكلة أيضا في عقول بعض قضاتنا ومسؤولينا الأمنيين، ولو حضر لدى هؤلاء في انزكان بعض العقل لوجدوا الحل بعيدا عن التسرع والبلادة التي قادت إلى كل التطورات اللاحقة. عناصر الشرطة في حاجة إلى التكوين والى تمثل سياقات المغرب الجديد، وقضاتنا يحتاجون إلى التكوين، وأيضا كل الموظفين الموكول لهم تنفيذ القانون، وهذا كذلك من الدروس التي كشفت عنها قضية فتاتي انزكان. من حق المجتمع وقواه المدنية والسياسية والحقوقية التدخل بحزم وصرامة للدفاع عن الحريات الفردية، ولكن أيضا من واجبه استحضار باقي قضايا وانشغالات شعبنا والتعبئة الجماعية للنضال من أجلها، وذلك على غرار محاربة فساد الانتخابات ولوبيات الريع والتحكم والتلاعب بالمال العام، وأيضا المعضلات الكبرى التي تطرحها اليوم قضايا التعليم والبطالة والرشوة والجريمة وغيرها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته