الكثير من الناس في بلادنا العزيزة يكافحون و يناضلون في سبيل لقمة عيشهم اليومية. يناضلون بكل السبل و يصمدون على ذلك رغم كل المصاعب و العراقيل و الإكراهات الموضوعية و الذاتية. ناس فقراء يدهم قصيرة لكنهم لا يستسلمون للواقع المر. تجدهم لا يضيعون أي وقت في مسائل تافهة لا تنفعهم. يضحون بكل شيء من أجل ان يكونوا رجالا حقيقيين مسؤولين مع ذواتهم و مع عائلاتهم و بين مجتمعهم. في العمل لا يتكاسلون و لا يبخلون بأي جهد في أن ينجزوا أحسن عمل. و إن كانوا بدون عمل فهم لا يضيعون أي وقت في البحث عن عمل يقيهم شر الفقر و شر الذل وسط المجتمع، يبحثون عن أي عمل لتوفير حاجاتهم و حاجات عائلاتهم... لا يختارون في أنواع الأعمال و لا يهربون من أي عمل. حتى أن من درسوا الى ان شبعوا و الى ان تخرجوا من الجامعة تجدهم لا يكلون من العمل كيفما كان أو البحث عن أي عمل من أجل حياتهم اليومية و من اجل عائلاتهم.. يناضلون و يكافحون في أي عمل و لو ان العمل لا يمت بأية صلة الى ما درسوه طوال سنوات عديدة. كل همهم هو ان يكونوا رجالا نافعين وسط عائلاتهم و وسط مجتمعهم، رجالا مسؤولين و مناضلين حقيقيين في الحياة. نعم رجال درسوا الى ان تخرجوا من الجامعات و رجال لم يدرسوا او فقط درسوا القليل فقط.. لكن المشترك فيهم هو حسهم الرجولي الواقعي، نضالهم و تضحيتهم من اجل أنفسهم أولا و ثانيا من أجل عائلاتهم و أيضا من اجل مجتمعهم. تجمعهم المسؤولية الحقيقية التي يتصف بها كل رجل حقيقي يعرف معنى الرجولة و يعي معنى الحياة و معنى النضال و الكفاح في هذه الحياة. حقا كل هذا يبشر بخير و يدل على دينامية المجتمع و استمرارية الحياة بالتطور الى الامام.. لكن للأسف نجد ان فئة ليست بالصغيرة، فئة مجتمعية كبيرة تعاكس هذا التيار بمبررات واهية غير واقعية في كثير من الأحيان. للأسف تدعي أنها واعية. إلا أن وعيها غير سليم بسبب شيزوفرينيهتا و انتهازيتها داخل المجتمع. فئة مثقفة الى حد ما او لنقل أنها ليست أمية أو بالأحرى ذات مستوى تعليمي متوسط و عال. تدعو من منابر مختلفة الى التغيير و ترفع شعارات كبيرة جدا و تحاول ان تفرضها على بقية المجتمع دون أن تمر بنفسها أولا و ان تخترق القاعدة الشعبية لتوعيتها و تربيتها. أي أنها تدعو من الاعلى الى قيم و الى مبادىء ما دون أن يفهموها حق فهمها و دون اعطاءها حقها في النضج و الوجود. كثيرا ما يتحدثون في السياسة و هي بريئة منهم براءة الذئب من دم يوسف. يلعبون بمفاهيم و اطروحات فلسفية و سياسية دون أن يكونوا واعون تمام الوعي بها و بظروفها و شروطها. يدعون الناس الى التغيير كما يفعل القديسون غير ان الإختلاف كبير فالقديس يبدأ من نفسه في التغيير ثم يدعو الناس الى التغيير، أما هؤلاء فينسون انفسهم و يدعون الناس الى التغيير و يعتبرون أنفسهم كالقديسون في قدسية أقوالهم. تجدهم ينتقدون الناس و يتكلمون عن أخطاء الناس و هم جالسون فقط يراقبون و يحكمون على الناس. لا يعرفون معنى النقد الذاتي و لا يعرفوا ان يعترفوا بأخطائهم فهم معصومون عن الخطأ في نظرهم، فقط يعرفون توجيه الأوامر الى الناس. لا يكلفون عناء انفسهم في النظر الى انفسهم و الى حالتهم و محاولة بدأ التغيير من ذواتهم أولا و تربية أنفسهم على قبول الآخر و احترامه و على العمل و الإنتاج. يتبجحون بالسياسة كما قلت سابقا و هي بريئة منهم، يتبجحون بالنضال و انفرادهم به كأنهم وصيون على السياسة و النضال و على كل المجتمع. يتبجحون بالمسؤولية و الرجولية و هم طوال اليوم جالسين في المقهى او امام شاشة الكميوتر يناقشون أفعال و أقوال الآخرين و ينتقدوهم و يعددون أخطائهم. حتى التعامل مع الآخر غالبا ما يكون بالأنا أي بكل غرور و بكل تكبر و أنانية و فكما قلت يحسبون أنفسهم قديسون و معصومون. يعاملون الآخر على انه يجب أن يكون تابع لهم، لا يناقشهم و لا يجادلهم في أقوالهم و أفعالهم. إنها معاملة السيد للعبيد تماما. أما معاملتهم للمرأة فللأسف رغم كل ثقافتهم المزعومة و مستواهم الدراسي إلا أنهم بعيدون كل البعد عن ان يكونوا رجالا حقيقيين. يعتبرونها متعة للجسد و لا رأي لها، إنهم جهلاء أكثر من أناس زمن الجاهلية. دائما ينظرون الى المرأة كانها جسد او دمية متحركة لتفريغ مكبوتاتهم التي تتكون يوميا بسبب غرقهم في عالم بئيس يصرون على البقاء فيه. لا تقدير و لا احترام. و يطلون علينا يوميا بتفاهات السياسة و هموم حياتهم. يكبرون في السن و لا يتعلمون و لا يكتسبون أية تجربة في الحياة سوى متابعة الناس و الحكم عليهم و الضحك عليهم و انتقادهم. لا يقبلون أي عمل و لا يجتهدون في البحث عن عمل يساعدهم و يساعد عائلاتهم، لا يكترثون الى معاناة عائلاتهم من أجلهم... كل أعذارهم هي أنهم درسوا و تخرجوا و لهذا فهم يستحقون وظيفة أو عمل سهل و جيد لدى الدولة. طبعا أعذار تافهة فلا يمكن أن يعمل جميع المتخرجون لدى الدولة في عمل له علاقة بما درسوه. غير ممكن حتى في الدول المتقدمة جدا. فلابد للإنسان ان يكافح و يجتهد في حياته حتى يكون ذو قيمة لدى نفسه أولا و لدى عائلته و وسط مجتمعه. العمل ليس عيبا و ليس تحقيرا للإنسان.. العمل كيفما كان يجعل الإنسان حقا إنسانا كما يجب أن يكون. فكثير من الناس درسوا حتى شبعوا الدراسة يعملون في مهن لا تحتاج و لو الى عام واحد من الدراسة، يعملون بكل شرف في مهن لا تمت بأية صلة الى ما درسوه، يعملون بجد و يصمدون في سبيل ترقية انفسهم و في سبيل عائلاتهم و مجتمعهم. للأسف هؤلاء الناس لا يتحركون و يبقون جالسين يوم تلو يوم يقتلون الوقت ببشاعة منتظرين ذلك العمل المريح أو ينتظرون أموالا تأتيهم من حيث لا يدرون، يتحدثون في السياسة و يحللون و يفسرون و ينتقدون و يعددون اخطاء الآخرين و يصدرون الاوامر الى الآخرين بالتغيير و يتركون أنفسهم بلا تغيير و بلا تربية و بلا انتقاد. فأي غرور هذا وأي مرض سياسي و اجتماعي أصاب هؤلاء؟؟ من يريد التغيير عليه ان يبدأ بنفسه..