على طريق الكورنيش على غرار على حبل المشنقة؛ تموت الأخلاق و يموت الحياء و تموت الحرية . أردت من خلال مقالي هدا أن أضع القارئ الكريم أمام صورة واقع أغلبكم يعرفه، واقع فرض علينا فرضا، حيث أرادت دولتنا الحبيبة أن نعيشه لغرض في نفس يعقوب، أن نعيشه في عطلنا، في فراغنا الذي يملك شعبنا منه الكثير ثمار البطالة و العطالة. بأسلوب سخري، ما أحوجنا إلى هذا النوع من الأماكن ( الكرانيش) و ما أحوج معطلين إليها على قاعدة " و ش خصك العريان خصني لخواتم". سمعنا الكثير عن التنمية، بالأحرى أسمعونا الكثير عن التنمية، خدعنا و ما زلنا نخدع لأنا الكثير - لقصر النظر عندهم- حملوا عن واقعنا انطباعا مغلوطا، فالكثير يتحدث عن تواجد تغيير و أن الأمور تسير إلى الأحسن لكن الذي يعرف عن التنمية و لو القليل سيلمس أن ما عرفنا من التنمية إلا المظهر، و الذي له من العلم و لو اليسير للصيرورة التاريخية لمن عرف التقدم أو لمن هو سائر في طريق التقدم من دول العالم سيدرك عمق الفجوة بين خياراتهم و خياراتنا، أو بالأحرى بين خياراتهم و ما اختير لنا بين خياراتهم. التنمية لا تقزم في عناوين فارغة من كل محتوى و معنى، كمن يصيد في محيط على الخريطة، التنمية لا يبحث عنها من خلال فتح المجال لبعض الشركات المعروف أن تغزو أسواقنا و أن تضع لها لافتات مضيئة على جوانب الطريق و لا بتزين الطرق بالأشجار و الأضواء الملونة و لا في تكثير البنايات الشاهقة و لا في تنظيم مهرجانات فاحشة تصرف عليها ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة. ما يعاش في الكورنيش أصبح بحق يمثل ظاهرة تستوجب التأمل و الدراسة، ظاهرة الذهاب و الإياب الغير المتناهي في حلقة مفرغة، مفرغة من كل القيم و من كل هدف. ذهابا و إيابا على طول مسافة لو طرحت الأولى على الثانية لكانت النتيجة بالبداهة صفر، و الذي يمثل قيمة النفع و الجدوائية التي تجلب من هدا الترحال الأجوف. صفر في الضمير، صفر في الحياء، صفر في الروح النضالية لرفض الظلم و الدفاع عن الحق، صفر في النخوة في الكرامة في العزة في الشرف... لكن هذه النتيجة تبقى نسبية، لو نظرنا إلى مشروع الكرانيش من زاوية أخرى سيظهر لنا جليا أن النتيجة بالنسبة للدولة تختلف، فلقد نجحت هذه الأخيرة في مشروعها التنموي ألاستلابي لكل ما يحرك المواطن لطلب الحق، و الدفاع المستميت و النضال الدائم من أجل تحقيق العدل و رفع الظلم و التفكير في تغيير الواقع إلى الأحسن. ليحقن بمصل الرضا و الاستكانة و الخضوع لأمر الواقع و العيش بنفسية مهزومة و بعقلية ليس بالإمكان أحسن مما كان و بما هو كائن. نعم الدولة نجحت في خلق أناس يتحركون بقلوب ميتة متطبعين مع كل أشكال الرذيلة و الخصال الدنيئة نهيك أن يفكروا في تغيير أو إصلاح. ذهابا و إيابا، أجساد بدون أرواح، قلوب بدون حياة و لا حياء، في أشكال مقرفة، مخزية. عروض بالمجان لأجساد و ألباس، على قاعدة "شف فيا نشوف فيك" ها أنا ذا، هذه سلعتي استمتع... "الشوف ما يشبع جوف" بالعكس يولد كائنات مكبوتة،تتعذب نفسيا، تحترق داخليا، يأخذ التفكير عندها مسار واحد: الجنس. أشكال مقرفة أشبه ما تكون بعروض الموضة لكن في صورة فوضوية يصعب فيها تحديد العارض و المعروض عليه، الفاعل و المشاهد، الكل فاعل و مشاهد في نفس الوقت. إذا كان العارضون المحترفون خالون من القيم لكن لا يخلوهم الهدف المتجلي في البحث عن المال و الشهرة، أما هؤلاء لا مال و لا شهرة إلا حك الأحذية مع الأرض و تقطيعها. أصبحنا نرى أشياء أو بالأحرى فضائح تتقطع لها القلوب و تشمئز لها الأنفس، نهارا جهارا. كنا نسمع عنها في مواضيع لا علاقة لها بالانتماء الإسلامي، كنا نستهجن سماعها لما فيها من خدش للحياء، انقلبت الموازين فأضحت لا شيء فيها يعاب، العيب أن تتحدث عنها باستغراب، تطبع كامل و قبول تام، حتى أن أحد أفراد الجالية احضر معه زوجته البلجيكية الأصل، المعتنقة للإسلام بعد أن عرفت قيمه و أخلاقه من حياء و عفة و طهارة، كادت تخرج من جلدها حين رأت عجائبنا على الكورنيش، التفتت إلى زوجها باستغراب قائلة أحقا نحن في بلد مسلم. تساقطت كل الجسور نحو التنمية الحقيقية لتبنى بدلها جسور نحو الفجور. فأضحى الحديث عن التنمية و تحسين الوضعية ضحك على الذقون و استهزاء بالتنمية بحد ذاتها. أخذنا كل شيء بالمقلوب بحثنا عن التنمية في ما بعد التنمية بحثنا عنها في الترفيه و اللهو، بحثنا عنها في التزيين و الزخرفة. حينما تقف ليلا في أحد شوارعنا الرئيسية تشعر كأنك تقف في أحد شوارع مدن عالمية معروفة، لافتات أضواء بهرجة، لكن حين يصبح عليك النهار تخطوا محاذيا على الجوانب تقترب بالأحياء المحيطة، سرعان ما تنجلي لك الحقائق، و تكشف لك العجائب،ستدرك المفارقة و ستحس أنك أبهرت بمظهر زائف لعمل مغشوش، ترى الفقر ترى الجوع ترى التسكع ترى التشرد، شباب ضائع ينتظر المجهول، نساء يبعن عروضهن بثمن بخس، و القائمة طويلة، ترى التسول أمام أبواب المساجد في الطرقات على مداخل الأسواق، كنا في ما مضى نادرا ما نرى متسولا أمام مسجد، أما الآن و الله بدون مبالغة العدد بعض الأحيان يقترب العشرة، نهيك عمن لا تراهم من التعفف من لا يسألون الناس إلحافا، لا عائل لهم و لا دخل، إلا ما يصلهم من المحسنين ألأقارب أو الجيران الميسورين. الذي نعيشه هو ما يمكن أن تتوج به التنمية، لكن بشكل عفيف طاهر، أما ما نشهده فليس من التنمية في شيء. أساس التنمية هو تحسين وضعية المواطن مالية بتوفير العمل، صحيا ببناء ما يكفي من المستشفيات و الأجهزة ألازمة و أطباء أكفاء إنسانيين، و مع تواجد تغطية صحية تشمل كل المواطنين. ثم تحسين الوضعية الإدارية بتواجد محاسبة نزيهة فعالة لتصبح الإدارة في خدمة الشعب تبحث لهم عن حل لا لتكون هي المشكلة بحد ذاتها تجعل من المواطنين نعوج تحلب بخلق طوابير أمام موظف واحد، نهب و سرقة و رشوة و محسوبية... فيما مضى من الوقت كنا نحسب على عداد الشعوب المحافظة و كنا فخورين بذلك، و كان هذا الموقف بمثابة عز و شرف لنا، نباهي به بين الناس، رغم انه كان غالبا ما يتبع بكلمة التخلف، و نتهم فيه بالرجعية، بيد أننا كنا نرد بفخر و اعتزاز و نقول: مرحبا بكل تخلف يحفظ لنا شرفنا و يبقي لنا كرامتها. هذه العقلية المحافظة أكسبت أبناء المنطقة مناعة فكرية و حصانة ثقافية، و منحتهم روح نضالية جد عالية، فكانت المنطقة بحق رائد في تصدير المناضلين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية و توجهاتهم السياسة. ثم عشنا فترة الانفتاح مع ما سمي بالعهد الجديد و الذي مثل الانطلاقة الايجابية في تصحيح المسار بعد سنوات من التضييق و التهميش. لكن هذا الانفتاح الذي اختارته الدولة رغم كل ما يحمله من ايجابيات جسد بحق المدخل الأساس لقتل روح الممانع الأخلاقية و الفكرية عند أبناء المنطقة. كنا نأمل من هذا الانفتاح أن تعقبه تنمية حقيقية تحمل معه مشاريع معقولة تستهدف وضعية المواطن المالية و الصحية و التعليمية ...مع الأسف الشديد تبخر الأمل.