المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    باريس.. فتاح تتباحث مع الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية    اليوم العالمي لحرية الصحافة.. مطالب بالإفراج الفوري عن بوعشرين والريسوني والراضي    العجز التجاري للمغرب ينكمش 14.6% إلى 61.9 مليار درهم    بعدما أوهموهم بفرص عمل.. احتجاز شباب مغاربة في تايلاند ومطالب بتدخل عاجل لإنقاذهم    الجامعة تعلن عن موعد مباريات كأس العرش    منتخب إفريقي يفرض على الجزائر خوض تصفيات مونديال 2026 بالمغرب    أصيلة.. توقيف سيدة يشتبه في تورطها في حيازة وترويج المخدرات القوية (صور)    وزارة الصحة ترصد 13 إصابة بفيروس كورونا خلال أسبوع    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا للشهر الثاني على التوالي    المضيق تحتضن الدورة الثالثة لترياثلون تامودا باي بمشاركة مختلف الجنسيات    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    الوزير آيت الطالب يعطي انطلاقة خدمات 14 مركزا للرعاية الصحية الأولية بجهة فاس مكناس (صور)    بدعم من السفارة الهولندية.. مندوبية السجون تجدد الشراكة مع جمعية "TIBU AFRICA" (صور)    بنموسى: إصلاح المنظومة التربوية الوطنية ورش استراتيجي يتطلب انخراط جميع الفاعلين    منيب تنعي النويضي: "رغم تقلده مناصب مهمة خلال عهد اليوسفي إلا أنه ظل مناضلا حقوقيا"    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    مندوبية التخطيط: ارتفاع معدل البطالة إلى 13,7 بالمائة خلال الفصل الأول من 2024    ملف "اليملاحي".. "جرائم الأموال" بالرباط تقضي بعدم الاختصاص وتعيده إلى ابتدائية تطوان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى رئيس جمهورية بولندا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    في الذكرى 42 لتأسيسها.. الإيسيسكو تواصل النهوض برسالتها الحضارية وتلبية تطلعات دولها الأعضاء بمجالات اختصاصها    موزمبيق.. انسحاب قوات مجموعة تنمية افريقيا الجنوبية يفتح الطريق أمام حالة من عدم اليقين    المكتب المركزي للأبحاث القضائية يعلن تفكيك خلية إرهابية من 5 عناصر    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    الكعبي يسجل "هاتريك" ويقود أولمبياكوس للفوز أمام أستون فيلا في دوري المؤتمر الأوروبي    احتجاجات أمام القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء تضامنا مع طلاب الجامعات الداعمين لغزة    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    إيقاعات الجاز تصدح بطنجة بحضور مشاهير العازفين من العالم    بنك المغرب…66 في المائة من أرباب المقاولات الصناعية المغاربة يعتبرون الولوج إلى التمويل "عاديا"    غامبيا.. بوريطة يتباحث مع نظيره الغابوني    أوريد: العالم لن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    "تقدم إيجابي" فمفاوضات الهدنة.. محادثات غزة غتستمر وحماس راجعة للقاهرة    ريم فكري تفاجئ الجمهور بأغنية "تنتقد" عائلة زوجها "المغدور"    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائية حنان درقاوي: الأصولي مأساته أنه لا يغادر الماضي.. “أنا لا أكتب ..أنا أصرخ” .. و”التكفير حجة الضعيف عقليا “.. وعانيت من مرض نفسي معقد سنوات طويلة..و أبي كان عنيفا بخيلا وفاقدا للحب
نشر في كود يوم 14 - 03 - 2020

في هذا الحديث تعود حنان درقاوي الكاتبة المغربية المقيمة في فرنسا إلى هوايتها المفضلة: البوح والإفصاح عن أفكار وأحاسيس تشبه إطلاق رصاص ورفع ورق التوت عن أشياء نسكت عنها..
صدر للكاتبة التي درست الفلسفة وعلم النفس مجموعات قصصية منها “تيار هواء “و “طيور بيضاء” و”حياة سيئة” ونشرت مؤخرا روايتها الجديدة الأخيرة ” الراقصات لا يدخلن الجنة”.
و لها ترجمات منها ” تلك الحاجة المذهلة للإعتقاد” لجوليا كريستيفا..
_ جئت للكتابة من تجارب ألم وبوح وهذا يصدم القارئ الكسول النمطي..كيف هي جنتك اليوم..؟
_ أتيت إلى الكتابة من حزن قديم وجرح كبيرين, من ألم حاد, من حقد الأم وعنف الأب.. البنت لا تتصالح مع نفسها وجسدها دون نظرة حب من الأم التي رفضت اعطائي حبها رغم أني كنت طيعة ومجتهدة وأنفذ ما تقول وتأمر به.
هو جرح نرجسي صعب أن يندمل خاصة أنه يورث الذنب وفكرة أنني مسؤولة عن تصرف أمي معي ..دائما كنت أفكر أني مذنبة في شيء ما لا أعرفه بالضبط.
الطفل المعذب يعتقد دائما أنه المذنب وهوما نسميه في علم النفس ” بعقدة ذنب الابرياء”..
عشت طفولة قاسية في بيت طيني بلا ماء ولا كهرباء وكانت الحقول مرحاضنا ومكان لعبنا بدون دمى ولا شرائط.. لعبت بعظم ميت لأشهر واستمعت لحكايته العجيبة .. رغم وظيفة أبي فقد فرض علينا فقرا لا يطاق ليتمكن من إتمام دراساته والسهر مع أصدقاءه.. صعب أن تفهم وأنت طفل كل هذا.
أنا بحت بكل هذا في روايتي السير ذاتية “جسر الجميلات” التي حررتني من الماضي بمجمله وجعلت مسافة بيني وبين الألم ..عدت للسيرة الذاتية في رواية “أرض الأخطاء” التي ستصدر مستقبلا لأبوح بسر كتمته بداخلي وهو أني عانيت من مرض نفسي معقد لسنوات طويلة ولزمني جهد خارق وعلاج و أموال وطاقة جبارة لأخرج منه..
كل هذا يصدم القارئ النمطي لأنه تربى على الاستعانة بالكتمان في اموره وهذا للأسف أرث يعرقل الجميع ويعرقل انتشار الطب النفسي وعلاجاته في بلداننا لأننا لم نتعود على البوح والاعتراف.
التحليل النفسي تطور في الغرب لأنه في الدين المسيحي هناك طقس الاعتراف أمام القسيس ..إنهم ثقافة البوح ونحن ثقافة الكتمان والسراديب والعيب الذي أورثنا أمراضا مستعصية. أناأواجه القارئ النمطي.. أزعزعه وأستفزه لينهض من نومه الطويل.. نحتاج لعلاج بالصدمات الكهربائية لنخرج من الكسل الذهني الغالب علينا..
جنتي اليوم هي اقامتي في مدينة جنوب فرنسا مدينة صغيرة مخضرة مليئة بالآثار التاريخية والمعارض الفنية والسهرات الموسيقية والاعياد الشعبية ..جنتي هي نافذة شقتي الصغيرة التي تطل على واحدة من أجمل الكاتدرائيات في العالم.. جنتي هي شقتي التي تعج بالكتب والاسطوانات والافلام الجميلة وهي ضحكة بنتاي وحبهن الشديد لي ..جنتي حين أشعل شمعا في غرفة ابنتي وتقرأ لي من أشعارها الثائرة الوثابة وأقرأ لها نصوصي مترجمة عن واحتي تنجداد ونضحك ..جنتي على الأرض ولا حاجة لي لتصور جنة من نهود..
_ الحاجة للحرية تطغى على نصوصك..لماذا كل هذا العطش للتعبير والحرية..؟
_ الفطرة في الانسان هي الحرية وهو قبل الاستعباد خوفا فقط وبحثا عن الحماية أريد أن أكون حرة, أن أنطلق, أن أرقص.. أن أطرح كل الاسئلة الممنوعة لأنه لا حياة بدون حرية.. خلقنا كي نطير كما يقول مولانا جلال الدين الرومي. أريد لقارئ نصوصي أن يرقص معي وأن ينطلق بدون حواجز ولا عراقيل..
ألا يقول نبي الاسلام في بداياته” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ “ لكنه لم ينفذ هذا الوعد وأبقى على الرق وملك اليمين للأسف وهذا لا يعرفه أغلب المسلمين أو يتغاضون عنه..
التوق الى الحرية هو ما قاد المغامرات والتغيرات الكبرى في تاريخ الانسانية من تحرير العبيد وحقوق النساء والاطفال والمثليين وكل الفئات المسحوقة.. بدون التوق إلى الحرية لا إبداع .. لا تغيير ولا حياة ..
الحرية هي نبع الحياة وفطرة الانسان الأولى..
حرية التفكير هي منبع ما نراه من منتجات صناعية الحواسيب والهواتف الذكية والاقمار الاصطناعية والصواريخ صارت ممكنة بفضل قرون من ضمان حرية التفكير والابداع في الدول المتقدمة.. الحرية بكل تجلياتها هي ما يقود مغامرة الانسان على هذا الكوكب الرائع..
ونحن كعرب وكمسلمين لا نساهم في مغامرة الحرية هاته.. نريد الحاسوب المتطور والهاتف الذكي لكننا لا نريد مستلزماته من حرية التفكير والابداع. نريد الغسالة لكننا لا نريد أن نعرف شيئا عن الأنوار التي قادت الى صنعها ..
يمكن للإنسان أن يستغني عن ماديات كثيرة لكنه لا يستغني عن حريته أبدا ..
_ في صفحتك هجوم مستمر عليك يتهمون فيها الكاتبة بالكفر والإلحاد والمروق.. لماذا كل هذا الهجوم..وأنت تقبلين..وتحاورين أشباه دواعش..؟
_ الفلاسفة والمفكرون في بلداننا تعودوا على تهم التفكير والزندقة وأنا لست استثناءا.. التكفير هو حجة الضعيف عقليا .هم يعجزون عن محاورتي بالدليل والبرهان فيعمدون إلى رميي بالكفر. أقبل الحوار حتى مع الدواعش لأني اخترت الفلسفة كنوع معرفي وفضيلتها الاساسية هي الحوار.. ثم إني اشتغلت محللة نفسانية ومهنتي هي الانصات والمحاورة.. أنا أسير على نهج سقراط الذي حاور السوفسطائيين والعبيد وغيرهم.. لابد أن نؤسس لتقاليد الحوار والانصات للدواعش وأشباههم..فهم
أناس مثلنا ولابد أن ننصت إليهم لنفهم دوافعهم وما قادهم الى الحقد على الانسانية بذلك الشكل الهمجي.
إنهم في الغالب بهشاشة نفسية استغل دعاة الظلام ضعفهم وجندوهم بوعد نساء ذوات نهود ضخمة في الجنة. صفحتي مفتوحة للنقاش والمناظرة في أجمل تجلياتها صدري رحب ولا تهزني الشتيمة والاساءة الاخلاقية لأني أعرف قدر نفسي جيدا وعلى أي الشتيمة لا تلصق بي وهي سلاح الضعيف الفاشل..
_ صورة الأب مختلفة عندك..و طفولة قاسية كتبت عنها بشكل مختلف عن بعض ما يروج..؟ هل كان مخططا أم تلقائيا؟..
_ بالفعل صورة الأب مختلفة عندي عن ما كتبه شكري مثلا. رغم احترامي لشكري إلا أنه كان سطحيا في تناوله للأب بحيث صوره بشكل أحادي كشرير بالمطلق.. لاوجود لإنسان شرير بالمطلق نحن مزيج من الخير والشر من الأسود والأبيض..
أبي رجل متناقضات ولهذا حضر مختلفا في كتاباتي.. لا يمكنني أن أقول أنه شرير فقط.. لقد كان عنيفا بخيلا مع أسرته وفاقدا للحب.. لكنه رغم ذلك شجعني على التعلم وزكى فضولي المعرفي الكبير..تركني حرة أنهل من مكتبته الضخمة من كل العلوم شرقية وغربية.. لم يخف عني غير كتاب الخبز الحافي لشكري وكتابات الماركيز دوساد التي احتفظ بها في غرفته ..أبي الذي تجتمع فيه علل كثيرة والذي احتقر أمي وقهرها وسلبها إنسانيتها ضمن لأولاده وبناته حرية المعتقد وأفتى بجواز إفطارنا في رمضان لأننا مجاهدون في الدراسة ..
كيف يمكن أن لا أصوره بشكل مختلف..لا أحب التفكير الأحادي الذي لا يؤمن الا بالأبيض والأسود. اشتغل في منطقة الرمادي وتجلياته التي تمكن من استغوار أكثر للأعماق الانسانية..
_ فكرتك عن الله تختلف أو تصدم..هذا سباحة ضد الغالبية والتيار..الا تخشين من فتاوى الأمن الروحي..؟
_ فكرتي عن الله إن وجد يجب أن يكون كائنا مطلقا متناهيا ..إنه العلة الاولى للكون كما تصوره ارسطو وهي فكرة مختلفة عن الله في الأديان التي تعتبر نفسها سماوية.. الله في الاديان السماوية مجسم ومجسد ويشبه الانسان في صفاته وهذا ما يناقض فكرة الخالق.
إله اليهودية يبكي ويظهر لموسى على شكل نار ويحادثه بينما إله المسيحية يتلبس الانسان وينتهي مصلوبا ..وإله المسلمين يستوي على العرش الذي تحمله ثمانية ملائكة..
ما يقوله الفقهاء من أن الاستواء معلوم والكيف مجهول هو تضليل لأن الاستواء معلوم والعرش عرش مادي محمول من الملائكة لا يمكن لله الخالق أن يستوي على العرش وأن يخضع لقانون الوجود في مكان.. هذا منافي لفكرة الالوهية وهذا غاصت فيه الفرق الكلامية وغلبت الفرق المشبهة في تاريخنا.
الناس يصدمون حين أصرح بتمثلي للخالق إله الأديان السماوية يخلق استحالة عقلية ومنطقية ..أومن أن هناك علة أولى مفارقة للعالم ولا أتصور أن العالم أتى صدفة لكني لا يمكن أبدا أنأومن بإله يحمل عرشه ثمان ملائكة..
أما عن فتاوي التكفير فلا أخاف منها لأن العمر واحد وكل إنسان له أجل وطريقة موت..ما الفرق بين أن تموت في فراشك أو تموت على يد ارهابيين؟
الموت واحد وإن بقي كل مفكر وفيلسوف ومبدع يخاف الفتاوي ما قامت الحضارات الانسانية ..التفكير الحر مغامرة محفوفة بالمخاطر ومن يخوضها يعرف تلك المخاطر وانا واعية بالمخاطر..
_ من أين تستمدين الطاقة واللغة في كتاباتك..هل هو الصدق..هل من بعض الألم والقلق الوجودي. ؟ هل من رغبة قوية في الفضح والبوح وإدانة هذا العالم الذي نعيش فيه..؟؟
_ أوتيت موهبة اللغة في سن مبكرة اذ كتبت نصوصي الاولى في سن الثامنة ومنذ البداية حتى الآن طاوعتني اللغة وأتتني سلسة عذبة كما إنتبه الى ذلك النقاد والقراء وقبلهم أساتذتي حيث كانت انشاءاتي تطوف في المؤسسة وأقرأها على رفاقي بطلب من الاساتذة ..
أبي علمني قواعد اللغة العربية جيدا و طاقتي أستمدها من صدق إحساسي بالأشياء ومن حزن قديم لا يفارقني.
الأدب العظيم الذي خلده هوغو و دوتستيوفسكي والمعري وهوميروس وفولكنر ومحفوظ هو أدب صادق ينبع من الاحشاء..
أكتب بدمي لأن الدم روح كما كتب نيتشه ..حين أكتب أغيب تماما عن العالم وأتلبس شخوصي وألتصق بها بشكل حميمي غالبا ما أخرج من ساعات الكتابة الطويلة معروقة ونفسي مقطوع تماما كما عداؤو المسافات الطويلة..
الأدب مرآة الروح ولحمته الصدق من يكذب عليه أن يشتغل بشيء آخر كالسياسة مثلا أو الوعظ..
أكيد كتابتي تمتح من قلقي الوجودي وطبيعتي التساؤلية عن أصل الأشياء ومصيرها وتحولاتها ..لا أقنع بجواب نهائي وفي عقلي تتناسل الاسئلة بلا توقف..
لا أحب الخطوط الحمراء ولا أعمل بمبدأ ” لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”. هاته قولة تعرقل العقل و تعيقه.. كل شيء قابل للمساءلة لا حجر على العقل ..
أعمل بمبدأ ايمانويل كانط : ان الأنوار هي الخروج من الوصاية على العقل..
أنا لا أكتب.. أنا أصرخ تنديدا بهذا العالم الطبقي الرأسمالي الجشع الذي يقتل الضعيف, أريد لهذا العالم أن يتغير نحو المساواة والجمال والحق والخير..
إن كان هناك إله فإنه خلقنا لنكون شبيهيه في الحرية والجمال ولا يمكن لرب أن يقبل بهذا العالم الظالم القاسي..
_ هل الجنة ضرورية لكي نعيش متصالحين مع أنفسنا..؟
ألا يمكن العيش بدون جنة ونار وعقاب ودفتر حسابات وأرصدة..؟؟
_ الجنة ليست ضرورية أبدا وهي ظهرت في التفكير الديني بشكل متأخر وكرستها الاديان السماوية وجعل منها الاسلام جنة من نساء وخمر..
لا يمكن للخالق أن يخلق جنة بذلك الشكل الشهواني. شعوب كثيرة لا تمثل لديها للجنة وتعيش متصالحة مع نفسها.. البوذيون مثلا لم ينشئوا جنة.. الهندوس يؤمنون بالتناسخ وتعدد الحيوات وهذا لا يطرح لهم أي مشكل ..
هناك طرق كثيرة لتدبر قدر العبور والموت دون خلق خرافات عن الحساب والجزاء ما مصلحة الإله أن يبعث بمخلوقاته إلى النار؟
_ هجرتك لفرنسا كانت تجربة شخصية مفيدة أتصور..كيف تنظرين اليوم للماضي..
و للبلد المغرب..؟.
_ هجرتي كانت تجربة غنية جدا على جميع المستويات على المستوى الشخصي ربحت إبنتي الثانية بعد أن فكرت لسنوات أن لا أنجب ثانية وهي الآن فرحة..
أيامي على المستوى المعرفي اغتنيت من مكتبات فرنسا الضخمة وأنا فأرة مكتبة منذ صغري وأجد لذاتي كلها في القراءة .. في فرنسا عدت للدراسة وتكونت في علم النفس التحليلي ومارست التحليل النفسي وهي تجربة غنية جدا.. اشتغلت أيضا في الاعلام السمعي من خلال تنشيط برنامج إذاعي بالفرنسية مكنني من التعريف قليلا بثقافتنا العربية وتقديمها للمستمع الفرنسي وهي كلها تجارب غنية جدا..
هناك حنين الى الوطن بالتأكيد لأنه وطن كنت منخرطة في قضاياه الشائكة ولم أكن من صنف الكتاب المقيمين في الأبراج العاجية ..
كنت منخرطة في نضالات نسائه ورجاله ولهذا أحن إليه لكني مرتاحة جدا في فرنسا ولا أعتقد أنني سأعود للإقامة في المغرب.
أفكر أن الحياة لابد أن تمضي قدما نحو الافضل, نحو المستقبل ولا أقبع في الماضي وإن كان جميلا ومشرقا على عكس الأصولي الذي مأساته هي أنه لا يغادر الماضي ويرى فيه المستقبل ضاربا بقوانين التاريخ عرض الحائط..
_ إنك تكتبين عن النساء أكثر من الرجال بعيدا عن كل الموانع..من أين أتى هذا الإيمان بدين الحرية..؟ من الفلسفة..من قراءاتك.؟ من مسارات حياتك وعبور الصحراء.؟.
_ أكتب عن النساء أكثر لكن لدي نصوص كثيرة عن الرجال وهي مجموعة عنوانها “مماذا يخاف الرجال؟ ” وكل شخصياتها رجولية..
لازم للمرأة أن تفهم شخصية الرجل وتناقضاته لتفهم لماذا قمعها دائما باسم القانون والدين الذي خلقه دائما رجال ..لا أحترم أي مانع ولا خطوط حمراء لأن احترامها عرقلة وإعاقة للجسد والعقل ..لو إحترم كوبيرنيك الموانع والمحرمات لبقينا نرى الأرض مسطحة وثابتة والشمس تدور حولها..هناك عوامل كثيرة جعلتني أجعل من الحرية قيمة عليا تفوق القيم الاخرى..
أعتقد أن جزءا منها آت من موروثي العائلي أولا ..من جهة أمي أنتمي الى “المرغاديات” رغم أن أمي كانت نموذج للخضوع والعبودية الاختيارية على حد تعبير الفيلسوف لابويتي إلا أنني عايشت خالاتي نساء قويات ولا يقبلن بالخضوع ..إحدى خالاتي خلعت زوجها الميسور لأنه تزوج عليها.. تركته وفي عنقها تسعة أطفال واشتغلت في البيوت لكي لا تساوم على كرامتها وحريتها..
إضافة إلى هذا العامل أقول بصراحة أن أبي ضمن لي قدرا كبيرا من حرية التفكير والمعتقد. مد لي وأنا في الثالثة عشر كتابا للفيلسوف المادي فيورباخ يتناول فيه خلق فكرة الله وعلاقتها بالخوف من الموت ..أبي يومها قال لي إن الله خلق إنساني لتصعيد الخوف من الماوراء ..
كانت لي حرية الخروج مثلا وقراءة ما أريد في الرابعة عشر قرأت كتبا كثيرة لسارتر لم أكن أفهم كل شيء لكني فهمت أهمية الحرية كقيمة القيم.. توالت القراءات الفلسفية والادبية وقرأت كتابا عن محاكمة غاليليو الذي أصر على أن الأرض تدور رغم معرفته أنه سيحرق.. قلت يومها سأكون مثل غاليليو أولا أكون..
في تلك المرحلة كنت لازلت على نوع من التدين آت أعتقد من أصولي الصوفية لكن في نهاية الاعدادي قرأت اية النشاز وعرفت أن الدين كله يخدم الرجل..قررت يومها أن أكون حرة من كل قيود وأن أسعى إلى قدر مختلف تماما عن قدر أمي..
ركبت مغامرة الفلسفة والتفكير الحر المنطلق وربيت بناتي على نفس القيمة..نعم عبرت الصحراء أكثر من مرة لكني لست نادمة أبدا ولو كان لي لاخترت الذي كان كما في العود الأبدي للفيلسوف نيتشه ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.