عاد سعد الدين العثماني ضمن حلوله ضيفا على السلسة الرمضانيّة "شهادات للتاريخ"، التي تبثّها هسبريس، بالذاكرة إلى ما جمعه مع عبد الكريم الخطيب، قائلا: "كانت علاقتي به ممتازة جداً، منذ كنت مديراً لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سنة 1998، وفي السنة الموالية صرتُ نائبا للخطيب عندما كان أمينا عاما للحزب. اعتذر حينها لمغادرة الأمانة العامة، لكن بسبب إصرار الإخوان ظلّ". وأضاف العثماني، في الحلقة الخامسة من البرنامج الذي تعدّه الإعلامية نعيمة المباركي: "حين كنت نائبا أول له في تلك الفترة، كنت أمارس مهام الأمين العام فعليا، ومن ذلك الحين توطدت علاقتي به أكثر، بحيث كانت تجمعني به لقاءات كثيرة"، وزاد: "كان شخصية وطنية نادرة شارك في مختلف مراحل العمل الوطني منذ مرحلة الحماية حين كان طالبا وشاباً". وفيما يشبه "التأبين"، أصرّ الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية على أن يستحضر تاريخ الخطيبي كمقاوم ناشئ، "تعرف عليه الملك محمد الخامس مباشرة بعد زيارة الأخير إلى الجديدة. آنذاك كان عبد الكريم طالباً في كلية الطب بالجزائر، وخلال الزيارة الملكية اشتعلت تظاهرة كان الخطيب من بين زعمائها، وبلغت للملك وتم تقديم ملامح الخطيب له فأعجب به". ولفت رئيس الحكومة السابق، الذي يلقي شهادة للتاريخ، إلى "جد الخطيب: محمد الجباص، الذي كان صدرا أعظم، وكان معروفا، حتى لدى الملك (ابنة الجباص مريم هي والدة عبد الكريم الخطيب التي زوّجها لعمر الخطيب الجزائري الذي كان يشتغل في مكتب الجباص بعد أن طلب منه المجيء إلى المغرب من الجزائر)"، وأورد أن الوصف وقتها "استرعى انتباه محمد الخامس فجاء لبيت جده، ونودي عليه وجاء.. وهذه الحكاية كان يقولها هو بنفسه". وتطرق العثماني إلى المسار الأكاديمي للشخصية "موضوع الحلقة"، مبرزاً أنه "درس الطب، تخصص الجراحة، في فرنسا، وبعد تخرجه عاد إلى المغرب"، مشيرا إلى أنه "في بداية الخمسينات افتتح عيادته، بعد أن اشتغل قليلا في مستشفى موريزكو (ابن رشد حاليا)"، وزاد: "في هذه الفترة، كانت له علاقة وطيدة بالوطنيين، بحيث كانوا يجلبون له بعض المجروحين جراء الصدام مع سلطات الاستعمار، فيعالجهم سراً. وكانت له علاقة قوية مع المناضل محمد الزرقطوني. ولم تخن الذاكرة القيادي بحزب "المصباح" حين استرجع "التدخلات الطبية التي قام بها الخطيب، لا سيما في التظاهرة التي وقعت عند اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد، (سنة 1952)، والتي جرح فيها العديد من المغاربة من طرف القوات الفرنسية"، وقال: "الوحيد الذي استجاب وأتى لمعالجة المجروحين في عين المكان، هو الخطيب، لكنه بذلك عرّض نفسه للخطر، لأن الخبر انتشر وصار مستهدفاً من السلطة الاستعمارية". وذكر المتحدث عينه أن "الزرقطوني اقترح عليه وقتها الذهاب إلى فرنسا للقيام بمهام أخرى، منها جمع المال للمقاومة وإرسال الأسلحة من فرنسا، وذلك ما قام به"، مؤكداً أن "هذه المعطيات موجودة في تقارير للسلطات الفرنسية، وحتى أرشيف وزارة الخارجية الفرنسيّة الذي تم الإفراج عنه لاحقاً جاء فيه أن عبد الكريم الخطيب كان يعتبر من أكبر منظّمي الإرهاب في الدارالبيضاء". "حين عاد من فرنسا تم تعيينه قائدا لجيش التحرير الذي تأسس حينها في الشمال (...) وكان محمد بن عبد الكريم الخطابي داعماً له، وحتى جمال عبد الناصر والقيادة المصرية التي كانت تدعم حركات التحرر المغاربية بالأسلحة"، يقول العثماني، مبرزا أن "تلك المرحلة التي تقلد فيها الخطيب قيادة الجيش، كانت حساسة وحرجة، لأن المفاوضات السياسية كانت تتمّ بالموازاة، بعد نفي محمد الخامس وعائلته إلى مدغشقر، وبداية ثورة الملك والشعب". وتابع قائلا: "جيش التحرير وقتها اعتبر أنه بدون قوة لا يمكن إخراج المستعمر من المغرب، وكانت هذه فكرة الخطيب، وظلّ هذا مبدأه، رغم أن أطرافاً أخرى بقيت متمسكة بالمفاوضات"، (...) لكن "بعد الاستقلال ستصبح له أدوار أخرى، على المستوى السياسي. فرغم محاولته في البداية عدم دخول معترك السياسة، لكن الاستقطاب الذي كان والتوتر الذي كان مع حزب الاستقلال أدى إلى تأسيس حزب الحركة الشعبية مع المحجوبي أحرضان في أواخر الخمسينات". بيد أن التوافق مع أحرضان لم يدم طويلاً، بحيث يسرد العثماني أن "الخطيب الذي كان رئيساً لمجلس النواب سيؤسس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، بعد خلاف حاد بخصوص إعلان الملك الحسن الثاني حالة الاستثناء سنة 1965، فالخطيب كان من بين القيادات السياسية القليلة التي أعلنت معارضتها لها". وأكد أن هذا الحزب الجديد "تعرض لمضايقات، خصوصاً التزوير الذي حدث ضده في سنة 1977، في الانتخابات البرلمانيّة والمحلية، وفي الانتخابات التي وقعت في الثمانينات أيضا". وذكر المتحدث أن هذا المقاوم "دعم حركات التحرر الإفريقية، بحيث كان أول كاتب دولة في الشؤون الإفريقية في تاريخ المغرب عينه الملك في بداية الستينات"، لافتاً إلى "زيارة نيلسون مانديلا إلى المغرب آنذاك، ووصف الرباط بأنها محور حركة التحرر الإفريقية، سواء بالنسبة لأنغولا وجنوب إفريقيا والجزائر والرأس الأخضر، فهذه الحركات التحررية كانت تتخذ من المغرب منطلقاً لها"، كما أن "المغرب كان فضاءً لمعسكرات في الشمال بجوار بركان لتدريب أعضاء من حركات التحرر، خصوصاً من جبهة التحرير الجزائرية". وبخصوص علاقة الخطيب بالمؤسسة الملكية، قال العثماني إنه "كان مؤمنا إيمانا عميقاً بأن الملكية هي لحمة المغرب، وبالتالي جميع مواقفه كانت دعما لملكية قوية، وعلى رأسها إمارة المؤمنين، وهذا كان واضحا في خطاباته ومواقفه، وإن كانت بعض السياسات العملية الجزئية له فيها رأي"، مستحضرا رسالة التعزية التي أرسلها الملك محمد السادس إلى أسرة الخطيب، التي وصفه فيها ب"الشخصية نادرة المثال"، وقد كان "فعلاً كذلك".