الجميع يعرف سبب تراجع الحضارات و ما ينتج عنه من تأخر وتخلف وانهيار وأزمات، ولعل سبب تراجعنا مرده إلى أزمة ثقافية نعيشها ونعاني منها على مستوى بلدان العرب الإسلامي وخاصة ما كان يسمى بدول الهلال الخصيب الذي كان يعتبر القاطرة التي تجر معها عربة التقدم والرقي بالمجتمعات الأدنى والأقصى، والذي كان قدوة متجذرة وراسخة على مر العصور التاريخية بتعدد ووعي واختلاف ثقافاته، والتي كان نور شمسها يترامي بشعاعه لكل الحضارات، دولا كانت أو مجتمعات، فمنطقة الهلال الخصيب ونظرا لموقعها الفريد والمتفرد كانت بمثابة همزة الربط الاقتصادي والوصل الاجتماعي والتجانس الثقافي بجميع القارات. و من المفروض على الجميع المحافظة على استقرار الوضع هناك واسترجاع المكانة الطبيعية للثقافة، وعودة وإعادة الدور الأساسي والرئيسي الذي كانت تلعبه بالمنطقة، وتحمل المسئولية الموهوبة من الله فوجب استرجاع وإعادة التوازن بين الدول العربية بعد تراجع القرون الأخيرة والذي كان العامل المحوري في تخلف الوعي و تأخر الفكر وانحطاط الثقافة عن غالبية المواطنين باختلاف شرائحها و بالخصوص عن المواطن المغربي العادي، الإنسان البسيط الذي لا يجيد ويتقن لغة الحوار وفن التخاطب الحقيقي، السمة التي كانت تميز المواطن المغربي بثقافته وعلمه وفكره ووعيه حتى زمن ليس ببعيد، والتي كانت حاصل تناغم وانسجام الصلة الثقافية مابين المخططات الثقافية والجهات الساهرة على تطبيقها من معلمين وتربويين بل وحتى المساجد التي أفرزت في فترة وجيزة عقولا ذات ثراء فكري وعلمي واعي بالنسبة للمواطن المغربي العادي في فترة سابقة قبل بداية التراجع، بل إن التراجع الحقيقي لفن التخاطب ولغة الحوار الثقافي بين نخبة المثقفين "انتليجنسيا" و المواطن العادي والإنسان البسيط قد بدت تطفو على السطح خلال الثلاثين سنة الأخيرة فالنخبة في نادٍ والمواطنون في وادٍ و هنا يكمن الخطر بل وجب دق ناقوس الخطر على هوية المواطن المغربي والخوف من انكماشها وابتلاعها مع مرور الوقت، علينا أن نستيقظ ونستفيق ونعمل على إيجاد لغة للتصالح والتصارح والتواصل بين الإنسان البسيط ونخبة المثقفين القابعين في أبراجهم المحصنة والمنعزلين عن المواطنين التواقين إلى روح ثقافية جديدة وحقيقية والمتمثلة في وسائل وآليات متعددة ومتنوعة سابقاً. إن ما نعاينه حاليا من أنشطة ومحاضرات وندوات مستقلة ومستمرة من أجل البحث عن الآليات والوسائل وطرح حلول وبدائل سريعة لعودة مياه تواصل ثقافي لمجراها الطبيعي داخل المجتمع، إن عبر اجتهادات وجهد ومجهودات مؤسسة اتحاد الكتاب المغاربة أو عبر قنوات مرئية ومسموعة بإذاعة برامج وتحقيقات تلفزيونية هادفة ومفيدة وغنية بالمادة العلمية وثرية من حيث المعرفة لإعطاء الدليل الأهم بإعادة الروح لحياة ثقافية منتشرة في ربوع الوطن والأهم من هذا هو مبادرة وزارة الثقافة بمنح فرصة للمثقف الحق بشغل منصب قيادي بها حتى يبث روحا جديدة ويغير فكرا قديما ويقدم حلولا عاجلة وناجعة لحل هذه المشكلة، فالأطر ذات الكفاءة موجودة والأفكار لا تنقصها، فيجب منح هذه الفرصة من أجل تجديد دماء الوزارة، فالوضعية الحالية يلزمها تغيير بتشبيب العقليات وتغيير دماء الأفكار تجديدها لإيجاد حل سريع وفعال من أجل تخطي وتقريب الهوة المتواجدة، فالبعض من الشباب المشتغل داخل الوزارة يفكر بصوت عالي ويطرح بعض الحلول والأفكار كمصالحة المواطن مع الكتاب والدعوة للعودة للقراءة بدور الشباب والنزول للعمل الميداني بدل الجلوس في المكاتب المكيفة والوتيرة وتفعيل المجلس الأعلى للشباب وإنشاء صندوق خاص لتنمية الثقافة، إنها بعض من الحلول لبناء مشروع مجتمعي مواطن الهدف من ورائه الرقي بالوعي والارتقاء بالذوق العام لأن القاع أصبح مزدحما واسترجاع واستعادة المكانة الثقافية المغربية. موافق على جميع الأفكار الجديدة، موافق على أي نشاط وعطاء يستمد من الواقع، موافق على المحافظة والحفاظ على الهوية الوطنية، موافق على بذل المجهود وجذب الشباب وذوي الخبرة والكفاءة من أجل قيمة إضافية للوطن، موافق على أي عمل يبني الإنسان المغربي وثرواته من طاقات عديدة متنوعة مهدورة للنهوض من تراجعنا بسواعد شباب المغرب.