فضيحة الجزائر عمدت حكومة مدريد إلى تسريب المخطط الجزائري الضخم ضد مصالح المغرب بأدق تفاصيله عبر قنوات ديبلوماسية، لكونه سيأتي على آمال هذه الحكومة الاشتراكية في الفوز في الانتخابات المقبلة إذ ستُوصَم من قبل غريمها الحزب الشعبي، بأنها حكومة مؤيدة لأنظمة ديكتاتوري قمعية بالمنطقة، كما أن هناك رغبة لدى اسبانيا، ومعها الاتحاد الأوربي، في الحفاظ على مصالحها مع المغرب، وإنهاء هذه القضية –قضية الصحراء- التي عمرت أكثر من اللازم حتى أضحت مصدر تهديد وتوتر بحديقة أوربا الخلفية، كما نستحضر عزم بعض الأطراف الأوروبية في تصفية حسابات استخباراتية مع الجزائر وفي مقدمتهم نجد فرنسا. هناك عدة أسئلة محيرة لم نعثر لها عن إجابة دقيقة رغم مواكبتنا المستمرة لأحداث مخيم العيون وما خلفته من تداعيات اجتماعية وإعلامية وسياسية، هذه الأسئلة نلخصها في ثلاث على النحو التالي: 1. ما السر وراء التصريحات المطمئنة والمتفهمة لحكومة مدريد إزاء أحداث العيون، والتي أجمعت على أن ما وقع بالمدينة لا يكتسي طابع الخطورة؟ 2. ما الداعي لسحب اعتماد صحفيي قناة الجزيرة، أيام قليلة قبيل أحداث العيون؟ وما المقصود من استعمال سبع كاميرات في تصوير إخلاء المخيم، الشيء الذي لم نعهده في توثيق أحداث مماثلة كالتي شهدتها مدن عديدة كمدينة سيدي إفني مثلا؟ 3. كيف تم السماح بإقامة مخيم غير مرخص، ولِمَ اتخذ تدخل قوات الأمن المغربية لإخلائه طابعا سلميا، قل نظيره، ولِمَ فسحت السلطات العمومية المجال لانتشار أحداث الشغب وسط مدينة العيون في وقت كان ممكنا مقاومتها، أو على الأقل الحد من فداحة خسائرها؟ تسريب المخطط الجزائري: أثناء بحثنا عن إجابات لهذه الأسئلة، جُمعت عدة قرائن ومعطيات تُفيد جلها بأن تبَصُّر المسؤولين المغاربة في سياق التعامل مع الأحداث، جاء بناءً على دراية مسبقة بخبايا وتفاصيل المؤامرة الجزائرية التي تستهدف إقبار المقترح المغربي القاضي بمنح الصحراويين حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، وتوسيع صلاحيات بعثة الأممالمتحدة لتشمل مجالي حقوق الإنسان وحماية الموارد الطبيعية. وأرجح أن يكون تسريب معلومات عن هذا المخطط خلال الزيارة التي قام بها وزير الداخلية الاسباني للمغرب إبان التوتر الذي نشب بين البلدين حول مضايقات الشرطة الاسبانية لمواطنين مغاربة أواخر غشت الماضي. وتنبني الخطة المغربية الاسبانية على درجة عالية من التمويه وتقتضي عدم التدخل المباشر كي تسير الأحداث وفق المسار المرسوم لها، حتى لا يتسرب الشك للمدبرين بانكشاف ما هم بصدده، وحتى لا تعمد مخابرات الجزائر إلى تغيير معالم خطتها بأخرى بديلة قد يستحيل الكشف عنها مجددا. وفي مناورة لإيهام الجزائر أن المخطط سينجح، لجأت القوات الأمنية المغربية لإطلاق الرصاص بعد اقتحام حاجز أمني، قرب مخيم أكديم إزيك، من قِبل أحد المبحوث عنه قضائيا. الحادث لم تعلق عليه الجارة العدو، لأنه يخدم بدرجة أكبر تنفيذ السيناريو المحتمل، واكتفى عبد العزيز المراكشي بالتحذير من "أي اعتداء للقوات المغربية يستهدف النازحين"، داعيا الأممالمتحدة "للتدخل لضمان وصول الماء والغذاء والدواء وحليب الأطفال والأغذية لهؤلاء". إن ما يدعم فرضية ضلوع اسبانيا في تسريب المخطط الجزائري، هو مواقف حكومة مدريد التي كانت جد متفهمة لأحداث العيون، وتصريحات وزيرة الخارجية الإسبانية تنحوا هذا المنحى فقد ردت على أسئلة صحافيين حول عدم تنديد اسبانيا بالمغرب لاستعماله العنف في فض مخيم العيون بقولها: "التنديد بما جرى يتطلب المعلومات الكافية بشأن ما وقع، وحتى الآن ليس لدينا المعلومات الكافية، ونحن في انتظار تقرير لهيئة دولية ما حول ما جرى"، ومضت تقول "لا ننسى أنه لم يصدر حتى الآن أي تنديد من دولة أو هيئة دولية"، أما رئيس الحكومة فقد فضل الحديث بعد صمت اعتُبر طويلا، ولكن من سيول عاصمة كوريا الجنوبية، وليس في البرلمان كما تطالب بذلك أحزاب المعارضة، وأكد لمختلف وسائل الإعلام الإسبانية أن "الحكومة تحرص على مصالح اسبانيا وتأخذها بعين الاعتبار، فالعلاقات مع المغرب ذات أولوية بالنسبة لاسبانيا"، ويرى "أن الحل الوحيد هو الحوار بين المغرب وجبهة البوليساريو". كيف يمكن تفسير الارتياح الذي يستشف من تصريحات المسؤولين الإسبان حول تدبير المغرب لأحداث العيون لو لم يكن هناك تنسيق مسبق بين البلدين؟؟؟ بالتأكيد، هناك تنسيق بينهما يقضي باستبعاد اللجوء للقوة المفرطة مع الصحراويين ولو أدى ذلك لسقوط ضحايا في صفوف الجنود، وهو ما حدث فعلا، وفضلا عن ذلك، لم يتم تعديل خطة التدخل رغم رصد الكاميرات للأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة ولقارورات الغاز التي كانت بحوزة مثيري الشغب. إن دلائل وجود مؤامرة جزائرية تحاك في الخفاء جد متوفرة، وأبرز هذه الدلائل توافد أفواج متتالية من "الفارين" من مخيمات تيندوف منذ مطلع السنة الجارية، والذي بلغ عددهم، إلى حدود اندلاع أحداث العيون، ما مجموعه 1650 شخص معظمهم من الشباب، ومن أجل صرف شكوك محتملة عن العملية، كانت أفواج العائدين تضم بين الحين والآخر بعض النساء والأطفال والشيوخ. ويرتكز هذا المخطط المكشوف على ثلاث دعائم; إعلامية وميدانية وأمنية، ويعتمد على جهود ثلاث دول هي اسبانيا وقطر والمكسيك. وبناء عليه، فإن الداخلية المغربية بعد أن تناهى إلى علم أجهزتها الاستخباراتية وجود هكذا مخطط، وانكشاف أدوات تنفيذه قامت بتطبيق خطة نظام إنذار مبكر مكن من ترصد تحركات الخصوم وفق مخطط مغربي وقائي للتصدي لكل نشاطات مخابرات الخصم داخل وخارج الوطن. سياسة إعلامية وقائية: ويأتي الإغلاق المفاجئ لمكتب الجزيرة بالرباط ومنع الصحفيين الإسبان من دخول العيون وسحب اعتماد البعض منهم، ليندرج ضمن المخطط المغربي الهادف إلى إبطال مفعول وسائل الإعلام المساندة للطرح الانفصالي، بالنظر لما لهذه المنابر المناوئة من قدرة كبيرة في التأثير على الرأي العام الإقليمي والدولي وتعبئته ضد المغرب، وهذا من شأنه أن يربك، حتما، معالجة الرباط لما ستسفر عنه المعركة الميدانية من تداعيات. وبالمقابل فقد عملت السلطات العمومية على توثيق الأحداث أولا بأول، ووضعت في تصرف عناصرها سبع كاميرات من الطراز المتطور، مهمتها رصد تحركات الانفصاليين أثناء التدخل لتفكيك المخيم، إضافة إلى بعض الصور التي اُِلتُقطت بالهواتف المحمولة تم الحصول عليها بواسطة مخبرين تمكنوا من اختراق صفوف الانفصاليين، وتُظهر جل هذه الوثائق فظاعة الجرائم المرتكبة من قبل هؤلاء، وتفضح وحشية سلوكاتهم اللا إنسانية. تهديد وفُرَص: إن المُأمَّل جزائريا هو استدراج قوات التدخل المغربية نحو ارتكاب مجازر في حق عشرات أو مئات المدنيين الصحراويين، حيث أن المفاهيم اللغوية المهيمنة على تصريحات الانفصاليين، سواء التي أُدلِي بها للمنابر الإعلامية من العيون أو التي صدرت عن قادة البوليساريو، توحدت حول الحديث عن وقوع مجزرة بالمخيم وانتشار الجثث في الشوارع، وعن مقابر جماعية. وهذا بالكاد ما كان يتوقع المخططون حدوثه أثناء إخماد أحداث الشغب العنيفة والمستفزة، بيد أن ما حصل كان مفاجأةً كبرى أربكت حساباتهم، وأدت إلى الانزلاق نحو الفبركة الإعلامية لضحايا سقطوا في حرب إسرائيل على غزة وجريمة قتل وقعت بسيدي مومن، كانت لها وزارة الاتصال بالمرصاد. وإن الغرض من تباطؤ قوات التدخل لحماية مدينة العيون ومؤسساتها من أعمال التخريب، هو توفير ذرائع قانونية مشروعة لمتابعة المخرِّيب قضائيا، وبالتالي تفكيك عدد كبير من الخلايا الأساسية التي تستخدمها الجزائر كأدوات ميدانية لتنفيذ مشاريعها ضد مصالح المغرب. أكيد أن المغرب تمكن، بفضل نواياه الحسنة والتعاون مع الجيران، من تجاوز مراحل خطيرة من المخطط الجزائري المدمِّر، وأبان المسؤولون المغاربة عن علو كعبهم في تدبير الأحداث بحكمة منقطعة النظير، بالرغم من الكلفة الثقيلة التي خلفتها في سبيل سلامة أمن الوطن، كما سجلوا عدة نقطٍ في مرمى الخصوم، وحولوا التهديد إلى فرص، وحصل المغرب على براءة ذمته أمام المنتظم الدولي، بمساعدة فرنسا، ووقوفها أمام استصدار قرار من هيئة الأممالمتحدة لتشكيل لجنة أممية للتحقيق في أحداث العيون، فكان ولابد لفرنسا أن تدفع الثمن مقابل دفاعها عن المغرب، إذ لم يتأخر الرد الجزائري سوى ثلاثة أيام بعده، ليعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو التنظيم العميل للجزائر والحليف للبوليساريو، عن تمكنه من اختطاف خمسة رعايا فرنسيين عاملين بالنيجر، واشترط التنظيم انسحاب فرنسا من أفغانستان مقابل سلامة رعاياها المختطفين. وحظي الحدث مجددا بتغطية إعلامية مكثفة من قبل قناة الجزيرة القطرية التي لم تتخلص بعد من كونها لعبة في أيدي المخابرات الجزائرية تُسخرها لتصريف أجندتها بالمنطقة. [email protected]