ما أن تنتهي ساكنة مدينة الجديدة من تناول وجبات إفطارها الرمضاني حتى يخرج الآلاف منهم، رجالا ونساء وأطفالا، راجلين ورُكبانا، في اتجاه مسجد السلام الواقع بحي السلام من المدينة، أملا في العثور على مكان داخل بيت الله الذي يمتلئ عن آخره بالمصلين الراغبين في آداء صلاة العشاء والتراويح في جو قرآني يملؤه الخشوع والسكينة. يستقطب مسجد السلام، كل يوم وطيلة شهر رمضان، سبعين مصليا في كل صفٍّ من صفوفه الخمسين، موزعين ما بين الفضاء المخصص للرجال والآخر للنساء، فيما تضطر أضعاف هذا العدد من قاصدي المرفق الديني للصلاة وسط ساحتين مجاورتين تمتلئان عن آخرهما، حيث تفوق مساحة إحداهما ال2000 متر مربع. عدد من المواظبين على الصلاة بذات المسجد، وفي تصريحات متطابقة لهسبريس، أكّدوا أن الأجواء التي يعيشونها كل يوم خلف إمامَيِ المسجد قلّما يجدونها في مسجد آخر، حيث القراءة المتأنية والصوت الحسن، إضافة إلى نظافة المسجد وشساعته وتكييف هوائه، مع توفر الظروف الملائمة لحسن استقبال المصلين بما يساعدهم على الخشوع والطمأنينة في التعبّد. وأضاف مصلّون ضمن ذات التصريحات أن الإمام إدريس الشريف الذي ينحدر من مدينة بني ملال، ومساعده أمين آيت ابراهيم القادم من مدينة مراكش يمتازان بالكفاءة وحسن الخلق والصوت، مشيرين إلى أن الإمام إدريس حفظ القرآن منذ الصغر، وتنقّل بين كتاتيب قرآنية عديدة مكنته من حفظ كلام الله وقراءته بكفاءة عالية، قبل أن يعمل مدرّسا في أحد المراكز الإسلامية، ثم إماما لمدة ثلاث سنوات بمسجد بدر بحي المويلحة بالجديدة، ومنه إلى مسجد السلام سنة 2010. وعن مسار الإمام الثاني أمين آيت ابراهيم الذي يبلغ من العمر 31 سنة، فقد أشار في تصريحه لهسبريس أنه درس العلوم الرياضية إلى غاية مستوى البكالوريا، ثم انقطع عن الدراسة وانتقل إلى حفظ القرآن الكريم بدوار الخنانسة في الزمامرة على يد الشيخ عبد الكريم أبو أنس، ولمّا ختم القرآن شرع في حفظ المتون العلمية من تجويد ونحو وأصول الفقه والحديث، ما مكّنه من مزاولة تدريس القرآن وبعض علومه سنة 2004 بمركز إسلامي في الجديدة. وأوضح أمين أنه حفظ القرآن بروايتَيْ حفص وورش من طريق الأصبهاني والأزرق، وقرر متابعة دراسته الجامعية سنة 2010، فيما انتقل إلى مسجد السلام سنة 2011 للعمل إماما ثانيا، يتناوب مع الشريف إدريس على أداء صلاة التراويح أمام آلاف المصلين القادمين من مختلف الأحياء، فيما استطاع الإمامان بصوتهما دفع بعض المصلين إلى شد الرحال والقدوم من الدواوير والمراكز المجاورة لمدينة الجديدة. وعن الاستعدادات التي يجريها الأئمة بمناسبة شهر رمضان، أشار أمين أن "رأس مال الإمام هو كتاب الله تعالى، ثم الانضباط بمواعيد الصلاة، وإن لم يكن المعني بالأمر دائم المراجعة فإن النتائج تظهر بشكل واضح في المحراب وتحديدا في رمضان"، معتبرا حفظ القرآن وحسن قراءته مشروع حياة يُجبر الإمام على المراجعة بشكل يومي حسب الورد الذي اختاره، إضافة إلى إلزامية قراءة الحزبين المرتبطين بصلاة المغرب والصبح التي تعتبر مناسبة يومية لتجديد الصلة بكلام الله. وأكّد ذات المتحدث أنه مع اقتراب شهر رمضان يشعر بعض الأئمة بالارتباك، ما يدفعهم إلى تكثيف حصص المراجعة، مشدّدا على أن "كل إمام أو حافظ لكتاب الله مهما بلغت درجة تمكنه من الحفظ، إلا ولديه جزء أو حزب أو ربع أو ثمن من القرآن يثير مخاوفه، فيضطر مع اقتراب شهر رمضان إلى إفراد ذلك الجزء بالمراجعة والتكراك والتكرار"، موردا ضمن نصيحة لجميع الأئمة أنه "من الأفضل قراءة تفسير الحزب المراد قراءته في التراويح، لما يساهم ذلك في خشوع الإمام الذي ينعكس على المصلين الذين يتفاعلون مع القرآن حسب تفاعل قارئه". وعن الارتباك الذي يحصل لبعض الأئمة في صلاة التراويح، أشار آيت ابراهيم أنه من الطبيعي أن يزيد التوتر مع تزايد عدد المصلين، إلا أن التجربة والإخلاص لله في الصلاة، واستحضار عظمة الخالق، واليقين بأن مدح المصلين أو ذمهم للإمام لا ينفعه ولا يضره في شيء...، كلها أمور مساعدة على التخلص من الارتباك، وتساهم بشكل كبير في طمأنينة الإمام وخشوعه في صلاته، خاتما كلامه بالقول "إذا خشع الإمام في الصلاة رضي عنه اللهُ، فأرضى عليه المصلين خلفه".