في الوقْت الذي باتتْ جمعياتُ المجتمع المدني تُمثّلُ طرفاً في تدبير الشأن العمومي، بعْدَ أن خوّل لها دستور 2011 المساهمة في التشريع من خلال تقديم العرائض، ما زالتْ طُرُق تمويل هذه الجمعيّاتِ بحاجة إلى مزيدٍ من الشفافية والوضوح، خاصّة في ظلّ عدم تصريح أغلبها بمصادر تمويلها. الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، عبد العزيز العمري، قالَ في افتتاح أشغال أولى اللقاءات الجهوية لمواكبة الجمعيات في مجالي الديمقراطية التشاركية والحكامة، صباح اليوم بالرباط، إنّ ثمّةَ حاجة إلى "مزيد من الشفافية في طُرُق صرْف الدعم العمومي للجمعيات، وأنْ يكون معيارُ الاستفادة منْه مرتبطا بالتزام الجمعيات بتنفيذ برامجها". وكانَ وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني السابق، الحبيب الشوباني، قدْ صرّح، مطلع سنة 2014، أنّ 95 في المائة من جمعيات المجتمع المدني في المغرب لا تصرّح بمصادر تمويلها، استنادا إلى المعطيات التي قدّمتْها المندوبية السامية للتخطيط، معتبرا أن ثقافة تقديم الحساب والمعطيات وكشفها للعلن منعدمة لدى جمعيات المجتمع المدني. عبد العزيز العمري اعتبرَ أنَّ دورَ جمعيات المجتمع المدني سيزدادُ أهميّة خلال "المرحلة الجديدة"، مشيرا إلى أنَّ المغربَ "صنَع نموذجا متفردا ينبني على الأساس الديمقراطي في إشراكه للجمعيات في صناعة القرار"، وتابع: "الآنَ سيكون للمواطن والفاعل المدني دورٌ أساسي لتعزيز المسار الديمقراطي الذي انخرَط فيه المغرب". وتأتي اللقاءات الجهوية لمُواكبة الجمعيات في مجاليْ الديمقراطية التشاركية والحكامة، المستمرة إلى غاية متمّ السنة الجارية، بعْد انتخاب مجالس الجماعات والجهات. وبهذا الخصوص، قالَ وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني: "الآن نحنُ أمامَ محكّ التنزيل منْ أجْل تعزيز قُدرة الفاعل المدني على الترافع، وتملّك آليات المشاركة في صناعة القرار". المتحدّث أضاف أنَّ الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة (الانتخابات الجماعية والجهوية)، عزّزتْ دوْرَ جمعيات المجتمع المدني، من خلال تخويل صلاحيات واسعة للجهات، وهوَ ما يحتاجُ، يضيف العمري، إلى جمعيات فاعلة لمواكبة تنزيل هذا الورش، بعْد أن رسمَ دستور 2011 معالمَ العلاقة بيْن الفاعل المدني والدولة، ووضع أُسسَ إشراك الجمعيات في تدبير الشأن العام. وبعد أنْ أشار إلى أنّ المسارَ الديمقراطي في المغرب امتدَّ لنصف قرْن، وما يزالُ بحاجة إلى التعزيز، قالَ العمري إنّه لا يجبُ انتظار مدّة زمنية مماثلة لترسيخ الديمقراطية التشاركية التي تمثلها جمعيات المجتمع المدني، "لأنّ هناك اليوم نضجا كبيرا في المجتمع يمكن أن يسرّع هذا المسار"، غير أنّه دعا إلى أنْ يجريَ ذلك بناء على منهجيْ "التدرُّج والتكامل"، بين الدولة والمجتمع المدني، موضحا: "إذا أخطأنا العلاقة يُمكن أن يشوّش ذلك على هذا المسار". وفي حين يُنتظرُ من الفاعلين المدنيّين أنْ يكونوا شرَكاء في تدبير الشأن العامّ، فإنّ الإطارات الجمعوية الممثلة لهم لا زالت بحاجة إلى مزيد من التطوير لتنهضَ بدوْرها. وفي هذا الصدد، قالَ وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني إنّ ثمّة حاجة إلى تعزيز الديمقراطية الداخلية والحكامة داخل الجمعيات، كما أنَّ الفاعلين المدنيين بحاجة إلى تكوين منْ أجْل تعزيز قدراتهم بما يمكّن من تشكيل حركة مدنيّة قادرة على المرافعة البنّاءة. العمري أعلنَ أنّ وزارته ستُطلق، متمّ الشهر القادم، مركزا للاتصال والتوجيه خاصّاً بالجمعيات، بهدف توفير المعطيات الضرورية للقيام بالمهمّة المنوطة بها. وتتجلّى الخدمات التي سيقدمها المركز للجمعيات في مدّها بالمعطيات حول المساطر المؤطرة للحياة العامّة، وتوجيهها نحو المصالح المختصة، ووضع مجموعة من الدلائل رهن إشارتها لتمكينها من الوصول إلى المعلومة، والإجابة عن تساؤلات الفاعلين المدنيين المتعلقة بالقوانين المؤطرة للحياة الجمعوية والديمقراطية التشاركية.