La dernière carte sur table pour résoudre la crise du Rif لقد كتب الكثير عن حراك الريف وتداعياته، كتب عنه من هم منه ومعه، ومن منهم من رافضيه، ومن هم ما بين هذا الفريق وذاك. من خلال رصدنا الحثيث لكل ما كتب، في الداخل والخارج، حول الموضوع ولمدة تزيد عن عشرة أشهر، نجد تقريبا مجمل القراءات والتحاليل تتمحور حول الحراك ومنطلقاته، وهي منطلقات لا تعدو أن تكون في الأصل سوى مطالب مشروعة. بيد أن كل ما تناولته تلك الأقلام غابت عنه تلك المقاربة الشمولية التي كانت من المفترض أن تعنى بالأساس بكيفية البحث عن الحلول اللازمة للخروج من هذا المأزق، حتى يتنفس الجميع الصعداء وتستريح كل الأطراف، وبالتالي وقف هذا النزيف الذي تعرفه منطقة الريف على مختلف الأصعدة والمستويات، الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية والأمنية؛ والتي لا تخلو بدورها من انعكاسات سلبية على تنمية واستقرار الريف أولا، ووطننا العزيز ثانيا . إن مساهمتي المتواضعة في الموضوع كان فيها تردد أولي كبير، لأنني لا أريد أن يحسب هذا المقال على أنه يتبنى أطروحة جهة دون أخرى، أو يدافع عن فريق دون فريق. لكن بدافع الوطنية، ومن خلال قراءتي المتأنية لواقع الريف الذي لا يقبل به أي مغربي، ثم تخبط المسؤولين خبط عشواء في محاولة عبثية لإيجاد حل ما لهذه الأزمة، وكذا حبي لوطني، والريف مني وأنا منه... كل ذلك شجعني على أن أدلي بدلوي في موضوع لا يخلو من حساسية، بحثا عن خريطة طريق نسترشد بها جميعا لحل أزمة الريف وتبعاتها من منطلق إرادة جادة ومنهج واضح وبشكل نهائي لا رجعة فيه. ولذلك أعقد جازما أن خريطة الطريق كما أتصورها يجب أن تستوجب من متخذي القرار العمل على المستويات الثلاثة التالية: 1 – العفو العام: لا بد أن يشمل العفو العام جميع المعتقلين والمبحوثين عنهم، في الداخل والخارج، بسبب الحراك الجماهيري في منطقة الريف بأكملها (الناظور –ادريوش- الحسيمة). أقول العفو العام وليس الخاص، وذلك لكي لا يستثنى أحد، واعتبار كل ما ترتب عن الحراك من أحكام وغيرها كأنها من عدم ولم تكن أصلا. وبالعفو العام يرفع العتاب ويكون الوطن قد تصالح مع أبنائه في منطقة الريف. 2 – تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لساكنة الريف: الملف المطلبي من وراء الحراك الذي شهدته المنطقة ملف لا يخرج عن نطاق المشروعية ولا يمس بثوابت الأمة، على عكس ما حاول أصحاب النيات السيئة أخذ الحراك إلى وجهة مريبة. والواقع أن أبناء الريف لا يمكن المزايدة على وطنيتهم، وأن أي محاولة لتصوير ذلك هي محاولة يائسة. فمطالبهم لا تعدو أن تكون مطالب تندرج في سياق المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن هنا تبرز أهمية وضرورة تفاعل الدولة مع هذه المطالب وأخذها على محمل الجد. ولكي يتأتى ذلك، لا بد من دراسة تلك المطالب دراسة دقيقة ووضعها في جدول زمني يوضح ما هو آني ينبغي تنفيذه على المدى المنظور، وما هو قابل للتأجيل يجب جدولته أيضا في سياق زمني معقول ومقبول وبرمجته في مخططات ثلاثية أو رباعية أو خماسية، لإنجازها بصفة نهائية في الزمان والمكان المتفق عليهما مسبقا. وأن يكون الإشراف على إنجاز هذه المشاريع من طرف لجنة ملكية مستقلة، وخارج القطاعات الحكومية التي تعنيها تلك المشاريع وتدخل تحت وصايتها. وتتولى هذه اللجنة الملكية السهر على مواكبة تلك المشاريع، وترفع تلك التقارير إلى السدة العالية بالله بشكل دوري حول المراحل المنجزة وما تبقى منها. وأن تكون هذه التقارير حقيقية، غير مغلوطة ولا مزيفة، تصف واقع المشروع كما هو وكما تراه، وأن تعلم أن إنكارها للواقع لا يعني إزالته. 3 – إنهاء عسكرة المنطقة: من المعقول جدا العمل على إنهاء عسكرة الريف، وأن يتم ذلك على عجل ومن دون تماطل؛ الأمر الذي يتطلب سحب جميع مظاهر العسكرة المتواجد في المنطقة، أي سحب العتاد العسكري والأمني وكل التجريدات الأمنية بمختلف ألوانها وأشكالها، مع الإبقاء فقط على عدد جد محدود من الشرطة والدرك، وأن يبقى عددهم أقل مما كان عليه الأمر قبل الحراك. وبهذا القرار الراشد والحكيم تكون الدولة قد بينت للساكنة حسن نيتها، وترجع لها الثقة المفقودة لعقود من الزمن مضت. على الدولة أن تقحم وتشرك الساكنة في العملية الأمنية، ويعمل الجميع، يدا في يد، مع الأجهزة المختصة والمخصصة لأمن المنطقة. إن إنهاء العسكرة سوف يدخل المنطقة برمتها في مرحلة جديدة، تسترجع فيها حيويتها الاجتماعية والاقتصادية وجماليتها الثقافية والسياحية؛ وبالتالي ستصبح منطقة الريف كباقي المناطق المشكلة للمغرب الجديد. هذا، وليعلم الجميع أن هذه الاضطرابات التي تعرفها الأنساق الصغرى المشكلة للنسق العام للمجتمع المغربي لها بدون شك تأثيرات سلبية على استقرار الدولة المغربية في الداخل، وعلى سمعتها وإشعاعها في الخارج. لذا كان من المنطق والضروري، ومن الوهلة الأولى، التدخل بصفة استعجالية للحد من هذه الهزات الجزئية التي تعرفها الأنساق الصغرى المشكلة للنسق العام، وذلك خوفا من أن تضاف إليها حركات احتجاجية في مناطق أخرى، والتي مجتمعة يمكن خلخلة الميكانزيم المتحكم في توازن واستقرار النسق العام، الذي تبنى عليه تنمية واستقرار الدولة بأكملها. إن غفلتنا عن هذه الهزات الاجتماعية، حتى ولو كانت محدودة في الزمان والمكان، سوف تضر بالمشهد العام الضابط لكل الأنساق الأخرى، والتي بوسعها رغم محدودية حجمها جر بعض المناطق التي تعرف هذه الاحتجاجات إلى فوضى عارمة، لا يمكن التحكم فيها، خاصة إذا اعتمدنا على المقاربة الأمنية وحدها، كما هو الوضع في منطقة الريف، مع الأسف الشديد. وهو وضع يصعب تجاوزه أو القفز عليه مهما كان جبروت القوة المسخرة لقمع الساكنة أو القضاء على منسوب حراكها. لأن المقاربة الأمنية لن تزيد إلا في خلق أنساق الأخرى على المحيط. وهنا تكمن خطورة الآفة وتداعياتها، وبالتالي يصعب السيطرة عليها، ما قد يؤول إلى وضع عام أكثر تعقيدا بدمج الأنساق الصغرى مع بعضها البعض، وربما تكون عملية الدمج والإدماج أعقد وغالية التكلفة مما كان عليه الوضع في ما قبل. لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه جميعا، وبنية البحث عن الحل لهذه الأزمة المزمنة، هو من الطرف أو المؤسسة المؤهلة والقادرة والمقتدرة، والتي بإمكانها لوحدها حل أزمة منطقة الريف إلى ما لا رجعة؟. إن المتتبعين وكل المتدخلين في قضية أزمة منطق الريف، وخاصة الذين يبحثون عن حل لها، أكانوا من الحكومة أو الأحزاب السياسية أو المنتخبين، أصبحوا كلهم على درجة كبيرة من الإفلاس، بل أصبحوا متجاوزين، شكلا ومضمونا، ولا يعول عليهم بتاتا في هذا الملف؛ وإن ابتعادهم عنه كان أجدى وأنفع وأقرب إلى الصواب، وعدم مشاركتهم في البحث عن الحل هو في حد ذاته جزء من الحل، وهي بداية مشرفة ومشجعة لإيجاد حل كامل لأزمة المنطقة. إن عدم مشاركة المؤسسات المذكورة جميعا في البحث عن حل لهذه الأزمة سوف يسهل، في الحقيقة، على المؤسسة الأساسية والمحورية، والتي لها القدرة وحدها على إنهاء الأزمة بصفة نهائية وبدون رجعة. إن الحكومة والأحزاب السياسية تفتقد في غالبيتها، إن لم نقل بأكملها، إلى الشرعية الديمقراطية، لا من حيث تشكيلتها ولا من حيث تنظيماتها السياسية ولا من حيث فعاليتها وجديتها الميدانية. علما أن كل هذه الأطراف هي جزء كبير من المشكل، إن لم تكن السبب، ومن منطق الأشياء ألا تكون طرفا في الحل؛ وكانت هي سبب المشكل بالأساس، وأقول ذلك حقيقة لا مجازا، بكونها جميعا لم تقم بواجبها في حينه، لا في منطقة الريف ولا غير الريف، فهي لازالت تتخبط هنا وهناك وبدون جدوى. ولو عمل الجميع بكل صدق وأمانة وبكل فعالية ومهنية لما كان هناك حراك ولا غيره. إن المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها أن تنهي هذه الأزمة هي المؤسسة الملكية. وإن المؤسسة الملكية كانت جد ذكية في ملف حراك الريف، بكونها لم تغبن المؤسسات المذكورة آنفا ولم تتحرك في هذا الملف منذ البداية، وذلك وعيا منها بأنه كان حقا ولزاما عليها أن تعطي لكل من الحكومة والأحزاب السياسية والمنتخبين، المعنيين بصفة مباشرة بهذه الأزمة، للقيام بأدوارها كاملة في الموضوع، ولم تضايقها المؤسسة الملكية في شيء، ولمدة تزيد عن عشرة أشهر (من أكتوبر 2016 إلى الآن). لكن كما قلنا سابقا، وما هو عليه الإجماع من طرف الجميع، أن هذه المؤسسات كاملة مغشوشة ومضطربة بداخلها وفي ما بينها، ما يجعلها خارجة التغطية ولا يعول عليها بتاتا وعلى الإطلاق لإنهاء لا هذه الأزمة ولا أزمات أخرى. ولقد وضعت مصداقيتها وفعاليتها أمام ملفات كثيرة، وكانت بدون جدوى. والجدير بالذكر أن هناك شخصيات في الآونة الأخيرة بارزة عبرت عن نيتها المطالبة بمراجعة دستور 2011، وأنا بدوري أطالب بهذه المراجعة، وأختلف مع هؤلاء في هذه الأطروحة من حيث الجوهر والموضوع. بل إن الأطروحة التي أتبناها مناقضة وفي اتجاه معاكس لما تمت الدعوة إليه. أرى أنه فعلا لا بد من التفكير مجددا في المراجعة الأولية لدستور 2011، ليتم وبدون تردد توسيع اختصاصات جلالة الملك أكثر بكثير مما هي عليه الأمور في هذا الدستور، وأن تشمل جميع الميادين، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمؤسساتية والتدبيرية، وذلك حتى يضمن الشعب المغربي، من طنجة إلى لكويرة، استقراره ووحدته الترابية. ويجب أن تكون هذه المراجعة جد موسعة وعلى حساب كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمؤسسات الأخرى؛ لأنه لا معنى أن تعطى صلاحيات واختصاصات لمؤسسات وجهات تنعدم فيها الثقة ولا هي غير مؤهلة لا سياسيا ولا أخلاقيا لممارستها مهامها كما يجب أن يكون واقع الحال. إن المؤسسة الملكية في شخص جلالة الملك هي المؤسسة الوحيدة التي بوسعها حل أزمة منطقة الريف، وهي آخر بطاقة فوق المائدة أمام الجميع. لكن بإمكانها لوحدها ومنفردة العمل على المحاور الأساسية الثلاثة: العفو العام، أولا، والاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية، ثانيا، ورفع العسكرة عن منطقة الريف، ثالثا وأخيرا. وفي الأخير، لي اليقين، بل أكاد أجزم، أنه بالتدخل المولوي الشريف في هذا الملف، فإن أزمة الريف سوف تذوب وتختفي تجلياتها تدريجيا حتى تصبح في خبر كان؛ ما يسمح للمنطقة، من جديد، باسترجاع هدوئها وسكينتها، فتختفي التظاهرات كليا من الشارع، حتى تترك الفرصة لمؤسسات الدولة للاشتغال لحل المشاكل والاستجابة لانشغالات الساكنة بالمنطقة. فليتأكد الجميع أن المؤسسة الملكية في شخص جلالة الملك تبقى هي الملاذ الوحيد والأول والأخير للأمة في الماضي والحاضر والمستقبل. [email protected]