إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    "كونفرنس ليغ".. أيوب الكعبي يقود أولمبياكوس إلى اللحاق بفيورنتينا في النهائي    بركان تؤمن بالحظوظ في "كأس الكاف" .. ورئيس الزمالك يؤكد صعوبة المقابلة    منتخب فتيات الجزائر يتجنب الإعلام    حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    صدمة أوناحي وحارث القوية في الدوري الأوروبي    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    العثماني يلتقي هنية في الدوحة والأخير يطلعه على مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة    هل جامعات المغرب مستعدة لتعليق تعاونها مع إسرائيل كما أعربت جامعات إسبانيا؟    مديرية الأرصاد: طقس حار وقطرات مطرية مرفوقة بالرعد بهذه المناطق    موسيقى نساء تطوان بين الماضي والحاضر (1)    المحكمة الإدارية تقضي بأداء وزارة الصحة تعويضا لمتضررة من لقاح كورونا    الكعبي هداف دوري المؤتمر الأوروبي    عبد اللطيف حموشي يجري مباحثات ثنائية مع عدد من نظرائه الإسبان    حيار: إصدار بطاقة "إعاقة" لحظة تاريخية فارقة انتظرتها هذه الفئة منذ 40 سنة    الإيسيسكو تنظم أكثر من 60 نشاطا بجناحها في الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    نصف ولاية حكومة أخنوش.. التوازن الإصلاحي كلمة السرّ في النجاحات المحقّقة    تخصيص غلاف مالي بقيمة 98 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة لطنجة    المغرب ينقذ مرشحين للهجرة السرية    نيروبي.. اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر    وزارة الحج والعمرة السعودية تشدد في إجراءات دخول أداء المشاعر المقدسة    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد كبير لحماس في غزة    زعيم المعارضة في إسرائيل يدعو "نتنياهو" إلى إقالة "بن غفير"    بوريطة: الأمن الغذائي، أولوية استراتيجية ضمن السياسة الإفريقية لجلالة الملك    أخنوش يرد على الشامي: تقريرك لم يأت بجديد وحلولك غير مقنعة    الإنزال الجوي الخاطئ للمساعدات في غزة يودي بحياة 21 فلسطينيا    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    الشباب السعودي يضم بشكل رسمي نجم مغربي لصفوفه    بايتاس… عدد الطلبات المتعلقة بالدعم المباشر للسكن تناهز 64 ألف طلب    الحكومة ترد على جدل أسترازينيكا.. اللقاحات في المغرب لا يتم العمل بها إلا بعد الترخيص    "كارثة" في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا وتوخيل يصب غضبه على التحكيم    الدورة 22 للمهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس    245 ألف ليلة مبيت سياحية بوجهة طنجة    الأمن يمنع ترويج آلاف "الإكستازي" بطنجة    فرار 80 ألف شخص من رفح خلال ثلاثة أيام            مرضى السكتة الدماغية .. الأسباب والأعراض    تراجع أسعار السيارات الكهربائية لهذا السبب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المغرب يدخل القطيع المستورد من الخارج الحجر الصحي قبيل عيد الأضحى    ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    بعد اعترافها بآثاره الجانبية المميتة.. هيئة أوروبية تسحب ترخيص لقاح كورونا من أسترازينيكا    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذبحة ترجمية جديدة ضحيتها كتاب الرق في المغرب
نشر في هسبريس يوم 05 - 04 - 2018

مذبحة ترجمية جديدة تقع في المغرب، وضحيتها، هذه المرة، كتاب "الرق في المغرب : جند وخدم وسراري". هذا الكتاب الذي سبق لنا أن نقلناه إلى العربية قبل قرابة العقدين من الزمن، متسلسلاً، أول الأمر، في الصحف الوطنية، ثم أصدرناه قبل عقد ونصف من الزمن في كتاب عن منشورات جذور في الرباط، عاد ليترجمه مرة أخرى الأستاذ محمد الغرايب، من كلية آداب القنيطرة، بالعنوان أعلاه.
وأود في البداية أن أنوه إلى هذا الإصدار في حد ذاته، ولا أبدي نحو المترجم إلا كل المودة والترحاب؛ فأنا أرى في إعادة ترجمة أي كتاب، أكان من ترجماتي أو ترجمات سواي، إضافة، حقيقية أو مفترضة، لحجر، مهما يكن ضئيلاً، إلى بركة ثقافتنا الراكدة.
إلا أن ما آلمني في هذه الترجمة، الصادرة في طباعة أنيقة، مغرية بالقراءة، أنها أخطأت الهدف من كل الوجوه؛ فلا هي عرفت كيف تتأتى إلى عملية الترجمة، ولا أفلحت في تدبّر أمورها مع النص الأصلي والوفاء بخصوصيته، ولا امتلكت من اللغة المنقول إليها، العربية، حظاً ولو يسيراً.
وهذا، وللأسف، من المؤشرات الخطيرة على ما صارت إليه الترجمة عندنا، وفي العالم العربي عامة، من سوء حال. فلقد باتت الترجمة عند السواد الأعظم من متعاطيها العرب وسيلة للنقل اللغوي الصرف، الخالي من أي إلمام معرفي بأدوات الترجمة، وتصوراتها، وفلسفتها. فناقد يترجم، ومؤرخ يترجم، وشاعر يترجم، من غير أن يكونوا ألموا بالترجمة، في حد ذاتها، وفي أمّها "الترجميات"، بقليل أو كثير، إلا ما كان من معرفة باللغتين المترجم منها والمترجم إليها، على افتراض أن يكونوا ألمّوا بشيء من تينك اللغتين، وواقع الحال يقول خلاف ذلك في معظم الأحيان. ومع هذا الافتراض، فالترجمة لا تقع على صعيد اللغة، بل تتعداه إلى صعيد الكلام؛ أي صعيد النصوص. والنصوص لا تقتصر على المكتوب اللغوي، بل تتجاوزه إلى ما هو خارج النص. فلا سبيل إلى تحقيق شيء من ترجمة ذلك المكتوب، الأسود على صفحة بيضاء، إلا بالإحاطة المعرفية بما يقع خارجه، ويحيل إليه خطابه الجامع، أو ما يسمى في الترجمات بالمعرفة الموسوعية، أو غير اللغوية. وهذا أمر أبان مترجم كتاب العبيد هذا عن افتقار إليه سافر.
والأدلة على ذلك أكثر من أن تحيط بها هذه الوقفة السريعة، التي نجعلها في قسمين اثنين؛ فأما القسم الثاني فنفرده للأخطاء اللغوية التي حفلت بها هذه الترجمة، وأما القسم الأول، الذي بين أيدينا، فنقتصر فيه بمسألة تعتبر في أواليات المعرفة بالترجمة، وهي المتعلقة بالشواهد النصية.
فالمقرّر، البديهي، في الترجمة أننا لا نترجم إلى العربية مثلاً ما يرد في النصوص التي نريد بالترجمة من شواهد تكون في أصلها عربية؛ ولذلك فالمترجم لا يترجم من عنده الشواهد القرآنية إلى العربية، ولا يترجم من الأحاديث النبوية وغير هذه من المصادر العربية، بل كل عمله في هذه النوعية من الشواهد أن يبحث عنها في مصادرها، ثم يدرجها في مواضعها من النص الذي يروم بالترجمة؛ ولذلك لم يعرف تاريخ الترجمة، إلا في ما ندر، مترجماً إلى لغته الأم يعيد ترجمة الشاهد يكون في أصله من لغته الأم.
ومن هذا النادر، بل الشاذ، ما جاء به محمد الغرايب في ترجمته لهذا الكتاب؛ فالرجل يترجم الرسائل السلطانية، وهي في أصلها نصوص عربية، ويفعل الشيء نفسه في الأحكام والفتاوى، وهلم جرا. بل إن مما يبعث القارئ على استغراب، ما بعده استغراب، أنه يرى المترجم ينجح في الإتيان أحياناً لتلك الشواهد بأصولها العربية، فيما يقتصر على أخرى بالترجمة، مما يفت في صدقية هذه الترجمة. وإلا فكيف يستقيم الأمر؟ فإذا كان المترجم عارفاً بهذه القاعدة البديهية، فلماذا لا يلتزمها في الترجمة كلها؟ أليس الانسجام أساساً لبناء النص؟ بل إن مما يدلنا عند المترجم على اهتزاز في تلك المصداقية أنك تجده أحياناً يسوق ما يعتبره شاهداً ويجعله بين علامتي التنصيص، الدالتين على أنه نص أصلي، ثم يعمد إلى العلامة الأولى فيحذفها، ولا يبقي إلا على العلامة الثانية التي تغلق ذلك الشاهد، وهذه ظاهرة تكررت لديه في أكثر من موضع، بحيث يخالها القارئ عنده منهاجاً في التعامل مع الشاهد النصي؛ فلا هو يُحكم له علامتي التنصيص أولاً وأخيراً، ولا هو يحلّهما عنه، وينقله بما معناه. فهذا زاد إلى ارتباكات هذه الترجمة، المتعذرة عن الحصر.
وفي ما يلي إضمامة مما اجترح المترجم في هذه الظاهرة العجيبة.
فهو يسوق في ص 87 شاهداً يجعله على الصيغة التالية: "آه لو علمتم ما بي فأنا وحدي الذي أعلم". والكلام لرجل كان متعلقاً بأمة حبشية لديه، فكان دائم الحديث عنها، حتى صار مهزأة لأصحابه. وأما أصل هذا الشاهد، وهو من كتاب الابتسام، فيقول: "وما عرفوا عنها الذي أنا عارف".
ولك أن تنظر إلى غرابة تلك "الآه" كيف يقحمها المترجم في كتاب من تراثنا المغربي، لم يكن لأصحابه عهد بهذه الكلمة المنقولة عن اللغات الأجنبية!!‬
ويأتي بشاهد ثان، يحوله إلى معناه دون نصه: "…كما حدث مع بعضهم من قبل عندما غُلوا وجلدوا كل أسبوع بسياط محمود وصيف السلطان ردعاً لهم وخلعاً لقلوبهم وعبرة لمن لا يعتبر"، ص. 115.
مع أن أصل هذا الشاهد ليس معدوماً، فقد ورد في رسالة لإدريس بن الصديق إلى مولاي عبد الرحمان: "قُيدوا من أرجلهم، وكان محمود، وصيف السلطان، ينالهم بالسوط كل أسبوع، ليكون في ذلك ردعهم، ويكون عبرة لغيرهم من العبيد".
ولك أن تنظر بعد ذلك إلى تلك العبارة من المترجم: "وعبرة لمن لا يعتبر"!!‬.
ومن نماذج ذلك أيضاً تلك الرسالة التي أوردها المترجم بمعناها على الصيغة التالية: "وقد نذرت أَمة نفسها لله، فلم يلبث قلب سيدها أن رق لحالها فأعتقها، وكتب إلى السلطان يخبره بما رأى فيها من دوامها على الصلاة والصيام وقيامها بالواجب حتى أخذت بقلوب أهل داره فأعتقها"، ص. 125.
مع أن الرسالة المذكورة بعث بها محمد بن بلة إلى الحسن الأول، وهي موجودة في جملة مجموعة وثائق الأخير؛ وأصلها: "كنت اشتريت وصيفة كبيرة من إماء الدار العالية بالله تدعى بفاطنة، وهي أخت سيدنا أبا [كذا] الخير، وهذه مدة وهي عندي وقد أبصرت فيها من الصلاة والقيام… حتى إنها جذبت آل الدار كلها لما هي عليه والحمد لله، فاشتاقت نفسي لعتقها فعتقتها عن مشورة سيدنا ورضاه وحسن الظن به أطال الله وجوده آمين".
ويفعل الشيء نفسه في شاهد آخر في ص117: "فانظر إلى ذلك العبد الذي مدح سيده حسن أخلاقه، وكان في ملكه منذ عشرين سنة. لكنه ما لبث أن أصبح لا يحفظ له ذمة ويهمل خدمته ويتصرف بطريقة غير لائقة بتاتاً. وإذا ما نهره هذا السيد واجهه بما لا يليق به كعبد أمام سيده".
وأما الشاهد في أصله، وهو رسالة من عبد القادر بن عبد الرحمان إلى محمد الصنهاجي فيقول: "ثم أخذ يتخلف عن عمله أو يهجره، ويأتي في ذلك بما لا يليق أن يبدر من العبد في حق سيده".
ويسوق شاهداً آخر في ص. 119، فيجعله قسماً بما معناه، وقسماً آخر بما يزعم له أنه نصه الأصلي، فقد كتب: "وكان يضربه بيديه، وكلما أمر بضربه أمر له بستمائة جلدة إلى سبعمائة على مرآى من الخاصة والعامة، ولا يكف عن ذلك حتى وإن كان العبد شيخاً فيكاد يُخرج روحه؛ فقال له بعد ذلك: "اقتلني أو افعل بي ما بدا لك، لكن لا تقل إن غيري هو من قتله".
وأما أصل هذه الواقعة فيقول عكس ذلك، بل نقيضه تماماً؛ فقد جاء في رسالة من الصنهاجي إلى عبد السلام التازي: "وما كان يقصر عليه بالضرب بيده وكذلك إذا لزم الأمر بالضرب نحو ستمائة سوطاً [كذا] وسبعمائة ويكون بمحضر الخاص والعام. والوصيف كبُر ولازال يفعل له ذلك. والوصيف أقر بنفسه وقال لهم اقتلوه أو افعلوا به ما أردتم، ثم لا تقولوا قتله أحد سوى أنا".
ولك أن تلاحظ عظم التناقض هنا، بحيث يصير العبد، القاتل في الأصل، هو المقتول في الترجمة!!‬
ويسوق شاهداً آخر للقاضي عبد الجبار، بما معناه، ويكتب فيه: "وهكذا كتب القايد عبد الحميد إلى الصدر الأعظم ملتمساً منه توفير مساكن إضافية لرجاله، وكان منهم ثمانية عبيد متزوجين بمعية أبنائهم بالمحلة وكلهم معتقون"، ص. 130.
وأما أصله في الحقيقة فيقول: "وأيضاً عندي ثمانون من الوصفان متزوجون بأولادهم، كلهم معتوقون وكانوا معنا حاركين، ولا يفارقنا أحدهم، وجلهم زيادة مع والدنا".
ويسوق ما يزعم أنه شاهد من رسالة لبوشعيب بن الخلفي إلى الحسن الأول، جعله على الصيغة التالية: "فليتفضل سيدنا بكرمه بقبول شفاعتي فيه، وليتركه ولي عتقه"، ص. 131.
والحديث في عبد كان للمتكلم فأعتقه. وأما الأصل في هذا الشاهد، فخلاف ذلك، فقد جاء فيه: "المطلوب في سيدي أن يشفعني فيه، ويجود علينا به ويسرحه".
ويسوق المترجم شاهداً آخر للفقيه عيسى بن عبد الرحمان، جعله على الصيغة التالية: "لا يرد الخاطب إلا إذا كان حرطانياً ومن سلالة مغمورة"، ص 147. وهو ما أصله لدى الفقيه المذكور: "لا يُرفض الخطيب إلا أن يكون أسمرَ ومن أصل أسمر".
ويأتي في الصفحة نفسها بشاهد آخر هو في أصله فتوى للوزاني، فيجعله على هذه الصيغة: "ويشمل هذا الوضع السوداء والبلدية والمعتقة وكل من لهن مستوى مماثل واللائي زهد الأزواج فيهن لا لحسبهن ولا لمالهن ولا لجمالهن"، ص. 147. وأما أصله الحقيقي فيقول: "غير الدنية، والدنية السوداء، والمسلمانية والمعتقة، ومن في معناها ممن لا يُرغب فيه لحسب ولا مال ولا جمال ولا حال".
ويأتي في ص 170 و171 بما يزعم أنه مقتطف من شاهد، أورد له المؤلف في الصيغة الفرنسية ترجمته الكاملة، ما ينم عن العنت الذي لاقاه المترجم في ترجمة هذه الشواهد، وهي التي لا تحتاج إلى ترجمة، فيدخل نفسه مضايق ما كان أحوجه إلى الاستغناء عنها. فقد جعل ذلك الشاهد على الصيغة التالية: "وصل كتابك مخبراً بأن الشر عم بالخطف العنيف أهل [كذا!‬] الجبال نساء وأطفالاً واسترقاقهم بالبيع بسبب الحاجة الملحة للكبراء وبطانتهم وبسبب ما يبذلونه من أموال كثيرة من أجل ذلك".. وأما أصله الحقيقي فيقول: "وصلَ كتابك بأن البلوى عمت باغتصاب أحرار المسلمين من الجبال ما بين نساء وصبيان وبيعهم على سبيل الاسترقاق لكثرة رغبة أهل الجاه ومن اتصل بهم في ذلك وبذْلهم الدراهم الكبيرة".
ويواصل المترجم، مما يزعم أنه ذلك الشاهد، فيكتب: "وقد استفحلت الأمور إلى حد بيع أحد العبيد الملحقين بإسطبل سيدنا، ويدعى عمر، لأخته الشقيقة راضية في سوق المدينة".. وهو ما أصله الحقيقي: "وكثر ذلك حتى أفضى الحال إلى بيع الوصيف عمر من أهل الأروى السعيد أخته لأمه راضية بسوق المدينة بمائة وخمسين ريالاً مطلب محمد النجار السلاوي أصل عدول الهاجر السعيد بالبنيقة المراكشية من يد السمسار مع علم الجميع بذلك، وحيث ثبت ذلك لديك أحضرته وما استخرجتَها منه إلا بمشقة. وصار بالبال فقد أصبتَ في ذلك أصلحك الله، وليكن عملك في المستقبل على ذلك".
ولك أن تلاحظ عظم الحذف الذي أعمله فيه المترجم، فذهب بمعظم ما فيه، وعظم المفارقات بين كلمات الأصل وكلمات النسخة المصطنعة.
ويأتي المترجم بالقسم ما قبل الأخير من هذا الشاهد كذا: "إن استرقاق الأحرار جرم معروف وبالإجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا خصيم ثلاثة يوم القيامة…"، وذكر من بين هؤلاء من باع نفساً حرة وأكل ثمنها. فمن ثبتت عليه تهمة هذا الأمر وجب جلده وسجنه وإبطال عقد البيع". وأما أصله الحقيقي فيقول: "إذ استرقاق الحر حرامٌ بالإجماع لقوله عليه الصلاة والسلام: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، وذكر منهم رجلاً باع حراً، ثم أكل عنه، وكل من ثبُتَ عليه ذلك يُعاقَب بالضرب والسجن مع فسخ عقدة البيع بين البائع والمشتري، سواء مع العلم كما فيه، أو بغيره. ومن أجله أصدرنا أمرنا الشريف لويدة بالقبض على البائع المذكور، وأما المشتري النجار فما أحقه باسم الفسيق، وما أحوجه للتنكيل به والعزل..كما أصدرنا أمرنا الشريفَ لعامل مراكش بتوبيخه على ذلك وإلزامه فسخَ ما عثر عليه منه على المقتضى الشرعي، ومعاقبة المتابعين عليه بالضرب والسجن، وتوعدناه بالعقاب إن عاد لغض الطرف عنه. فلنترقبْ ما يصدر منه في ذلك". وللقارئ أن يلاحظ مدى فداحة الحذف الذي تكلفه المترجم مرة أخرى في هذا القسم من الشاهد، على ما فيه من عظيم المعلومات في موضوع ما أحوجنا فيه إلى هذه المعلومات.
ثم يختم هذا الشاهد المزعوم لديه كذا: "وقد هددناه بالعقاب إن هو تغاضى عن ذلك، فكن على بال وأخبرنا بكل طارئ في هذا الموضوع". وأما أصله الحقيقي فيقول: "لقد توعدناه بالعقاب إن هو غض طرفه عن هذا الأمر؛ فلتكن رقيباً عليه، وأبلغنا بما يصدر منه".
وجاء في ص 181 بشاهد آخر، أدرجه بين علامتي التنصيص، بإيهام أنه الأصل، وما هو كذلك: "ويُحكى أن رجلاً أحضر لزوجته كل ما هو ضروري لتهيئ مأدبة، وأخبرها بأن أناساً سيحلون على البيت ضيوفاً، ولم يكن في نيته غير الانفراد بالوليمة وحرمان الزوجة والأطفال منها". وأصل هذا الشاهد من كتاب الابتسام: "ذكر بعض الناس أن رجلاً جاء بطعام لزوجته وأمرها أن تصنعه لضيوف وأراد بذلك أن يختلي بنفسه في الأكل ويشبع".
ثم يكتب الغرايب: "ولما انتهت من الطبيخ أخبرت زوجها بالأمر، فسار الزوج خطوات خارج البيت ونادى بأعلى صوته على الضيوف الذين لا يوجد منهم أحد".
وهو ما أصله العربي : "فصنعت المرأة الطعام وطبخته وهيأته وأخبرت زوجها بحضوره فخرج الزوج لباب الدار وجعل يتكلم خارج الباب لتسمع المرأة الكلام وهو قاصد بذلك التورية وليس في الباب أحد".
ثم يكتب الغرايب: "ودخل البيت وأشار على زوجته، كما جرت العادة، بالاختفاء أنظار [كذا] الأغراب، ونادى على ضيوفه كل واحد باسمه، ودعاهم للدخول؛ وكانت زوجته من مخبئها تراقب دخولهم واحداً واحداً دون أن يخامرها أدنى شك في حقيقة وجودهم".
وهو ما أصله في الابتسام: "ثم دخل الدار فقال لها استتري واستترت المرأة فنادى ادخلوا والمرأة تنتظر من وراء الستائر فجعل الناس يدخلون وهي تنظر إليهم لا شك في ذلك".
ويكتب المترجم: "ولما انتهت المأدبة استخبرته زوجته عن من يكون هؤلاء الناس، فلم يجد بداً من مصارحتها بحقيقة حيلته التي انطلت عليها".
وهو ما أصله في الابتسام: "لزوج لا يرى أحداً إنما جعل ذلك تستراً منها ومن أولادها ليلا يأكلوا معه فدخل مكانه وجعل الطعام بين يديه وأكل حتى فرغ الطعام من بين يديه والمرأة تنظر ذلك والرجل لا يشعر؛ فلما فرغ الزوج من الأكل خرج كأن يريد أن يصرف الناس فأمرها بالستر فاستترت فخرج الناس فيها يظن ودخل، قالت له المرأة من هؤلاء الناس الذين دخلوا عندك، فقال لها ما دخل عندي أحد، إنما قصدت بذلك أن أخلي بيني وبين الطعام لأشبع فلم أشبع"..ولك أن تلاحظ عظم الحذف الذي أعمله المترجم في هذا الشاهد، أريد بالمعنى الذي يجعله له في ترجمته المزعومة.
ثم يكتب المترجم: "لكنها على الرغم من ذلك،أقسمت بأغلظ الأيمان أنها رأت بأم عينها رجالاً بلحمهم ودمهم يدخلون البيت؛ فانتهى الأمر بهما معاً إلى تصديق هذه القضية واعتبراها عملاً من أعمال الشيطان".
وهو ما أصله في الحقيقة: "فقالت له هي والله رأيت الناس دخلوا حين صحت بهم فقال أنا والله ما أدخلت أحداً، فجعلوا يتعجبون من ذلك وعلموا أن ذلك من عمل الجن".
ويسوق شاهداً آخر في ص196؛ موهماً أنه على الصيغة التي جاء له بها: "فقد دخل بيت خادمك صبياً، وقضى به خمسة عشر عاماً، لم يفارقنا فيها أبداً، سواء في البيت أو في الرحلات أو في الأعياد، ولا تظهر عليه علامات العبد". وأما أصله الحقيقي فيقول: "لقد دخل في خدمة خديمكم منذ نعومة أظفاره، ولقد أمضى عندنا خمسة عشر عاماً لا يفارقنا في حلنا وفي ترحالنا في الحرْكات والاحتفالات.. وهو في غير مظهر العبد".
ويأتي بما يزعم أنه شاهد من رسالة لعبد الله بن الحركي إلى إدريس بن محمد، فجعله على الصيغة التالية: "وها هي ترد عليك ولا ينبغي لنا السكوت عنها وأولادنا في وسطكم وكذلك أنت قف معها مع أننا لا نحتاج إلى الإيصاء لك لأن والدها من عبيد سيدي البخاري وكيف لا تأتيك الغيرة عليها"، ص. 237. وهذا كله ادعاء من المترجم وافتراء. لأن الشاهد في صيغته الأصلية يقول خلاف ذلك تماماً: "ها هي ترد عليك، ولا ينبغي لك السكوت عنها، وأولادنا في وسطكم وكذلك أنت، قفْ معها، مع أننا لا نحتاج إلى الإيفاء لك لأن والدها من عبيد سيدي البخاري، وكيف لا تأتيك الغيرة عليها".
ويأتي إلى شاهد آخر هو في أصله ظهير في عتق العبيد، فيجعله: "لقد بلغنا [كذا] إلى علمنا أن أربعة من الضباط قد وصلوا من لندن متجهين إلى طنجة، يحملون كتباً من الجمعيات الإنكليزية والفرنسية ويطلبون المثول بين أيدينا حتى نقطع الوعد لأجناسهم بعدم بيع أو شراء العبيد.. فإن جاءوا وبأيديهم كتب فابعث بها إلى مقامنا الشريف أما هم فاحتفظ بهم هناك لأنهم أناس أذكياء وثاقبوا [كذا] الذهن، فلا يجب تركهم يجوبون أيالتنا الشريفة. كما لا يجب أن يحشر طغاتهم أنوفهم فيما لا يعنيهم من هذا الأمر، وهذا راجع إلى فضولهم الزائد..فإن استطعت أن تتخلص منهم قبل أن ترد علينا كتبهم فافعل، والسلام"، ص. 254.
والقارئ، ولو كان من غير المتمرسين بلغة المراسلات المخزنية، يجد هذه ترجمة ملفقة، حيث لا ينبغي أن تكون الترجمة أصلاً، لرسالة، بل ظهير سلطاني. فما كان مولاي عبد الرحمان يعرف أن يقول "لندن"، بل هي عنده "الوندز"، ولا أن يقول "ضباط"، بل هم عنده "فسيان"، أو يقول "الأنكليزية والفرنسية"، بل هم عنده "النجليز والفرنصيص". وأما الأصل فأجمل من ذلك بكثير، لأنه هو الحقيقة، وقد جاء فيه: "خديمنا الأرضى الطالب بوسلهام بن علي وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعدُ، فقد بلغنا أن أربعة فسيان وردوا من الوندز قاصدين لطنجة، وبيدهم مكاتب من عند حنطة النجليز ومن عند حنطة الفرنصيص طالبين لملاقاتنا على أن نوافي جنسيْهم على عدم بيع الرقيق وشرايهم.. فإذا وردوا بمكاتب وجهها لحضرتنا الشريفة وأخِّرهمْ هناك فإنهم أهل فطنةٍ ودماغ لا ينبغي جولانهم بإيالتنا السعيدة، مع أن طاغيتيهم لا مدخلَ لهما في هذا الأمر الذي وردوا لأجلهِ، وإنما ذلك من فضولهم.. وإن رأيتَ أن تكفينا أمرَهُمْ حتى لا تصل كتبهم، فافعلْ..والسلام".
وأما بعد، فإن هذه الغرابات الترجمية، على عظمهما وفداحتها، ليست بشيء إذا ما قيست بذلك التقريض الذي جاء به المؤلف، المفرنس، نفسه، على كتابه، بمناسبة صدور ترجمته العربية، ولم يترك لغيره أن يقوله فيه بدلاً عنه؛ فقد كتب: "ويشكل هذا الكتاب، من هذه الزاوية، أحد النصوص الرائدة حول الرق في العالم الإسلامي"، ص. 7.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.