منذ أواخر سنة 2019، عانى العالم بشكل متدرج من انتشار فيروس تاجي لعين لم يستثن دول الفيتو ولا حتى الجزر الصغيرة؛ فيروس لا يرى بالعين المجردة استطاع قلب موازين القوى داخل النظام الدولي، وأجبر قادة الدول على اتخاذ قرارات كبرى أغلقت على إثرها الحدود، وأوقفت قنابل الحروب، وأخرى أعاقت عجلة الاقتصاد. وفي مقابل ذلك، أظهرت أزمة كورونا تضامنا غير مسبوق بين مكونات المجتمعات، حيث تدفقت أموال المتبرعين لصناديق خصصت لمواجهة الفيروس، ومساعدة العاملين الذين توقفوا عن مزاولة مهنهم التزاما بالحجر الصحي تفاديا لانتقال العدوى والحد من انتشار الفيروس، وألقت كذلك الضوء بشكل لافت على العاملين بقطاعات حساسة لها أدوار كبيرة في ظل فترة جائحة كورونا كالأمن والإعلام والصحة. ويعتبر قطاع الصحة من أبرز القطاعات المعنية بمواجهة هذا الوباء، ومن داخله أبانت النساء عن روح المسؤولية، وشجاعة كبيرة في تحدي الظروف التي فرضتها هذه الأزمة، وضمن هذه الفئة هناك نساء فضلن عملهن النبيل وأقمن حجرا داخل المستوصفات والمستشفيات لينقدن حياة جديدة كل لحظة بكل إنسانية؛ هن القابلات أو المولدات، اللواتي يساعدن المرأة الحامل وقت الإنجاب ويعتنين بالمولود الجديد. تتعدد أدوار القابلة في مختلف مراحل الحمل ووقت المخاض، وبعد الولادة للاعتناء بالحامل والمولود الجديد؛ فهي تمنح كافة الإجابات للحامل وتثقفها صحيا لتجنب تبني الشائعات التي تضفي الرعب على الخوف العادي لدى المقبلة على الولادة، وتزيد من احتمالية تعرضها ومولودها كذلك لعدوى كورونا أثناء تواجدها بالمستشفى. حيث إن ما تمنحه القابلة من ثقة للمقبلة على الولادة في ظل جائحة كورونا ينبني في الأساس على تفنيد الشائعات التي تروج بخصوص خطر الإصابة بالفيروس داخل المستشفيات، في حين إن جناح الولادة أضحى معزولا عن باقي الأقسام الصحية الأخرى، وكل وافدة جديدة يتم فحصها جيدا والتأكد من خلوها من أعراض مرض "كوفيد 19". وإذا تبين العكس، يتم عزلها عن باقي النساء المقبلات على الولادة. وفي خضم هذه الإجراءات الاحترازية، فإن القابلة تشكل الوعاء الصحي المرتبط بالمقبلة على الولادة، مما يجعها في صلب السلامة الصحية، حيث تخضع نفسها لمختلف إجراءات النظافة المعتادة والوسائل الوقائية، بل إنها تساعد الوافدة الجديدة على تملك إجراءات السلامة الصحية، بما يخدم الحفاظ على صحتها وصحة مولودها أثناء الولادة ومرحلة ما بعدها، خصوصا عند الرضاعة الطبيعية، كما أنها تقدم إرشادات للأسرة في الكيفية التي يمكنها التعامل مع النفيسة والمولود الجديد في ظل هذه الظرفية. إن الدور الذي تقوم به القابلة في إطار الحالة الوبائية التي تعرفها بلادنا يستدعي إلى جانب النظافة الشخصية، الالتزام بالتباعد الاجتماعي، ما يجعلها تلتزم بالعزل الشخصي، بما يضمن عدم انتقال العدوى لها، وبالتالي عدم تعريض حياة المقبلات على الولادة للخطر، وإن كان هذا العزل يستلزم في حالات عدة المرابطة بمقر العمل. وعليه، فإن كان الأطباء وما يقومون به من دور جبار في إنقاذ الأرواح والحفاظ على سلامة الأشخاص بصفة عامة، وفي خضم جائحة كورونا بصفة خاصة، فإن القابلات يقمن بدور مماثل؛ إذ ينقذن روحين في آن واحد، الأم من جهة والمولود من جهة أخرى. *باحثة في مجال الدراسات الدولية المعمقة