نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    قراءات سياسية ترافق سيناريو فوز "الأحرار" بجل الانتخابات الجزئية    استثمارات بقيمة تفوق 73 مليار درهم تعد بخلق 70 ألف منصب شغل جديد بجهة طنجة    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    مجلس المنافسة سيفتح تحقيقا في حالة ثبوت تدارس أرباب ومسيري مقاه إمكانية إقرار زيادة في تسعيرة استهلاك المشروبات المقدمة    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير خلال الأسبوع الماضي    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    الصناعة التقليدية تحقق 11 مليار درهم من العملة الصعبة.. وأوضاع الصناع تسائل عمور    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    بسبب نهضة بركان.. "الطاس" يصدم اتحاد العاصمة الجزائري    الجولة 23 من بطولة القسم الثاني : الكوديم يحافظ على الصدارة ولوصيكا يحتج التحكيم والصراع يشتعل في أسفل الترتيب    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    نشرة إنذارية: أمطار قوية غدا الأربعاء بعدد من أقاليم الشمال    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    مورو يبحث في بكين عن جذب استثمارات صناعية لجهة طنجة    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    لندن.. إصابة عدة أشخاص في هجوم بالسيف واعتقال مشتبه به    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    أعداد الضحايا تواصل الارتفاع في غزة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    سياحة الأعمال.. المغرب يسعى لاستقطاب مليون ونصف سائح سنة 2026    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشر وكورونا.. الخوف فضيلة أزلية
نشر في هسبريس يوم 20 - 06 - 2020

الخوفُ معلم عظيم، وقائد تاريخيّ لكل الحركات البشرية.. على أسس منه قامت الأمم والديانات.. فالدولة والجيش والقانون دروع قديمة ضد الخوف، والكفر والإيمان وجهان للخوف لا توحدهما سوى فكرة إنكاره.. وبسبب الخوف اقتتل الإخوة وذبح الآباء أبناءهم بلا تردد.. الحب خوف، والكراهية خوف، واليقين مَهرب لئيم ضد الخوف.. يقف الخوف بثبات خلف منجزات البشرية من آداب وفنون وعلوم، يخادع المريدين ويغريهم بالخلود وبالمعنى، ويقفز بخبث إلى روح العلماء فيقضون عمرهم يخترعون الأدوية والأسلحة ويحيكون أكفانهم في انتظاره.. يتوغل عميقا في الأذهان، فيصبح ملازما للحواس واللاشعور..
لا يكاد يوجد شيء في الوجود إلا به بعض الخوف أو كل الخوف.. خاف الإنسان القديم، فاخترع الآلهة والأساطير والخوارق، ثم خاف أحفاده فتوصلوا إلى العلوم وأوجدوا التكنولوجيا، وأفنوا قرونا يسعون إلى لحظة راحة وربما صلح مع الخوف.. لكنه ماكر مخادع مثل التاريخ، متلون مثل حرباء يأتي كل مرة في هيئة مختلفة، تارة على شكل حرب وتارة على شكل مجاعة وتارة على شكل وباء..
اليوم، والعالم يتابع بفزع خرائط الوباء وجديد اللقاحات، وهذا الهاجس الأكثر عنفا وتأثيرا يتجلى في شوارعنا ومنازلنا ويسترجع مساحته البدائية في نفوسنا، تستعيد الإنسانية الكثير من الأسئلة: كيف نروض الخوف الكامن فينا؟ وكيف نتغلب في صراع ابدي وغير مجدي؟ ما فائدتنا والخوف سرمدي؟
سيكون على نيتشه أن يقوم من قبره، فهو الوحيد الذي اقترح، منذ زمن، الفلسفة حلا لهذا الخوف.. فهل يستثير وباء كورونا الفلسفة لتُخرج البشرية من رعبها الطارئ أو القديم؟
خلال أهوال الحرب العالمية الأولى، جاهد فرانز روزنزويجي وهو فيلسوف ألماني آخر للجواب معتقدا أن النصر قد ينفع الروح؛ لكنه وأمام ما وحشية ما رأى أعلنها صراحة في مذكراته "إن الفلسفة عاجزة عن تهدئة خوفنا.."
حتى في أكثر اللحظات الفلسفية ثورية وحداثة، حين أخذ نيتشه يحطم "الأصنام" كان جليا أن الخوف يدفعه دفعا خلال مسيرة بحثه عن السوبرمان، فكان يقول مبشرا: "على البشرية جمعاء أن تنتظر الإنسان الأعلى، فالإنسان الحالي ليس إلا مرحلة وسطى، لا غاية لها سوى الوصول إلى الإنسان الأعلى".. الإنسان الأعلى الذي سيخلصنا من الهلع الأزلي.
إن الخوف يمكننا من إيجاد تفسير لكل ما صار يطالعنا من انتقادات حادة للدول والأنظمة والإيديولوجيات، كل ما يكتب أو يقال في "الميديا" والوسائط من إعلان فشل الرأسمالية والنيوليبرالية، ولوم على الاختيارات التكنولوجية والتسلح المفرط، والنداء بعجز الذكاء الطبيعي والاصطناعي، والبكاء على حال الصحة ومرافقها.. فوبيا جماعية تجتاحنا وكأن البشر يقولون لحكامهم لماذا تهملون السيد الخوف؟ لقد وليناكم لتخافوا بدلا منا..
ومنذ اختراع النار وفي كل منعطف من منعطفات التاريخ، يستمر الخوف صامدا باعتباره المعلن والمسكوت عنه وكأنه شكل من أشكال الأبدية، فيما تتخلخل يقينيات الفكر البشري المرة تلو الأخرى، ويعيد النظر بيأس في قلقه وأسئلته، ويصبح الفزع الجديد إعجازا للفلسفة والآداب والفنون ونقاشا عصيا على الإعلام في عصرنا الحديث، ويتضاءل المنجز الحضاري أمام حرب أو فيروس.
أثناء ذلك وخلال هذه الجائحة وجد المثقفون ونجوم الرأي العام منفذا كبيرا في هذه المقولة: العالم قبل كورونا لن يكون هو العالم بعد كورونا، كيف؟ ومتى كان العالم ثابتا أو متى استمر العالم بدون مأساة؟ فهل كان العالم قبل مقتل جورج فلويد هو نفسه بعد مقتله؟ أو أن العالم قبل سقوط جدار برلين بقي هو نفسه العالم بعدما تحولت حجارة الجدار إلى تحف تباع في المزادات؟ أجد في تلك المقولة إيحاء واهما بأن البشرية كانت قد تخلصت من الخوف واطمأنت، وفي ذلك جحود لا يرضاه الخوف بنفسه وتاريخه المجيد، من أنتم لتقولوا إن الإنسان انتصر يوما.. وهذا الوباء وتلك الحرب وهاذي المجاعة؟ لم يحتج الأمر أكثر من كائن مجهري بل لم يتطلب الأمر سوى نوبة زكام..
بين المؤمنين وغيرهم يرتد الخوف مثل جمرة، وبينهما تُجري السماء والمختبرات امتحانا عسيرا أمام ملايير البشر المتلهفين، ولعل الفرصة مواتية للحشد والندب والسخرية وتحديد المواقع وربما الخنادق والقبور..
فقد البشر بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية بعضا من صلابتهم ووحشيتهم الفطرية، وأغوتهم العلوم والاختراعات واختراق الفضاء والهندسة الوراثية، وبدا وكأن الخوف يتراجع أو يدخل في سبات.. لكنه مع كورونا أثبت أنه وفي لتربصه الأزلي، مخلص لعاداته يستمتع بأنفاس المرتعبين حوله، يأخذ كامل زينته في ارتباك الخائفين، ويزدهر في النحيب.. لكننا ورغم هذه الحرب الدامية بيننا ندرك أنه الفضيلة التي ترعانا ضد المجهول، إنه الخوف الذي لازمنا منذ الخليقة ولم نتعلم بعد كيف نصبح أصدقاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.