لا شك ان التاسيس لكل اختيار ديمقراطي لا يمكن ان يتاتى بمنأى عن تكريس ثقافة الاحتجاج المستندة للحس النقدي.وباستقرائنا لمحطات التغيير الحاسمة التي حققتها ارادة الشعوب عبر التاريخ،لا يمكن ان نعثر على منجز حضاري لم يؤسس له فعل الاحتجاج.وا ذا كنا نستشعر بوادر تغيير يتفاعل على مستوى عقلنا الجمعي المغربي،فان كل مشاريع التغيير المعلنة و المؤجلة لا يمكن ان تكتمل او تتحصن بما يكفل لها الاستمرار، بعيدا عن تكريس الوعي باهمية الاحتجاج، لذلك لابد من تخليص مشهدنا السياسي و نقاشنا العمومي في اللحظة الحساسة التي نعيشها من اتجاهين اثنين:اتجاه يسعى الى تحريف مسار الاحتجاج واقحامه في تصفية حسابات فئوية وفي احيان شخصية تهدد بنسف المكتسبات التي راكمتها الحركة الاحتجاجية المدنية و الحزبية و التلقائية التي تداعى من خلالها الشباب المغربي للشارع مطالبين بحقوق مشروعة موازاة مع سياقات اقليمية استثنائية ,واتجاه ثان يسعى الى كبح المسار الاحتجاجي و محاولة الحد من ايقاعه. الاختيارين معا يهددان بنسف تجربة وليدة لازالت تتلمس خطاها لصياغة نموذج يحقق معادلة صعبة تحافظ على استقرار البلد بما يكفل امن المواطنين وكرامتهم ،لكن بالمقابل تحقق الاصلاح الحقيقي الذي يقنع الشباب المغربي ان قطار التغيير قد انطلق، و ان امكانية توقفه او تراجعه لم تعد واردة. وتبقى ضمانة انجاح هذه التجربة، تكمن اساسا في توفير المناخ السليم لنموها و تقدمها الى غاية تحقيق اهدافها .وبترسيخنا لثقافة النقد و الاحتجاج البناء ،نضمن قطع الطريق على نزوعات الارتكاس و الارتداد التي اصبحت اليوم تكشف عن نواياها وهي تأمل ان يتحول كل ما مر بالمغرب الى مجرد تصريف لاحتقانات شعبية غذتها انتفاضات و ثورات الجوارلتعود الامور الى رتابتها بدعوى صياغة استثناء لا يقنع الا اللذين يروجون له. ان افضل رد على هؤلاء يكمن اساسا في حماية الحق في الاحتجاج السلمي من خلال مايلي: - تطوير و دمقرطة التشريع المؤطر لفعل الاحتجاج و تخليصه من جدلية مفارقاتية تقوم على ثنائية لا تستقيم، تحيل على كفالة الحق في الاحتجاج ثم رهنه بترخيص السلطات العمومية. - تاطير الاحتجاج بثقافة قانونية تؤسس لحرية مسؤولة تتيح للمحتج امكانية التعبير عن موقفه الرافض و الناقد، وتعمل في الوقت ذاته على عدم المس بحرية الاخر غير المعني بموضوع و شكل الاحتجاج. - تنصيب القواعد الدستورية و القانونية حكما فاصلا بين المحتج و الرافض الطبيعي المفترض لفعل الاحتجاج ترسيخا للاختيار الديمقراطي المتسامح مع الممارسة الاحتجاجية. - تحديد اهداف الاحتجاج و التعبير عنها بوضوح بغرض ايصال الرسالة الى المعنيين بها ما دام الاحتجاج في جوهره ضغط في اتجاه تغيير الواقع. *نائبة برلمانية - تحمل كل الاطراف مسؤوليتها في استحضار مصالح الوطن و الشعب سواء في تحريك الاحتجاج او توجيهه او قراءته او التعامل معه لان كل انحياز لغير مطالب الشعب لا يمكن الا ان يكون انحيازا ارتكاسيا.وكل رهان على غير ارادة الشعب هو رهان خاسر