ترقب استئناف المفاوضات بمصر وحماس تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة    الصحة العالمية: مستشفى أبو يسف النجار برفح لم يعد في الخدمة    حقوقي: بودريقة انتهى سياسيا ويجب افتحاص ماليتي نادي الرجاء ومقاطعة مرس السلطان    المغرب ينخرط في مبادرة "طريق مكة"    شخصيات نسائية من البرلمان وعالم المقاولة يناقشن تعزيز حقوق النساء العاملات    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل يفتتح فعاليات دورته الخامسة عشرة    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    المغرب ينخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    المرزوقي: لماذا لا يطالب سعيّد الجزائر وليبيا بالتوقف عن تصدير المشاكل إلى تونس؟    الصين توصي باستخدام نظام بيدو للملاحة في الدراجات الكهربائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بمناطق المغرب    البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر "تمرد" الدعم السريع    للمرة الأولى.. بايدن يهدد بإيقاف إمداد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    محاكمة الرئيس السابق لاتحاد الكرة بإسبانيا    تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    رئيس الحكومة: الحصيلة المرحلية دليل على "صناعة الحلول دون تسويف"    شوكي: حصيلة الحكومة الحالية تتفوق على اشتغالات السابقين في 30 شهرا    رحيمي يورط إدارة نادي العين    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    وزارة الأوقاف تعلن عن أول أيام شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    كيف أنهت "البوليساريو" حياة الأطفال؟    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    أخنوش: الفرق بين الحكومات في التقاط الإشارات والانسجام مع توجيهات الملك    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    كل مرة بمليون.. الحظ يحالف أمريكية مرتين في أقل من 3 أشهر    الحمل والدور الحاسم للأب    الريال يقلب الطاولة على بايرن ويلتحق بدورتموند في النهائي    أخنوش: محظوظون بالعمل في إطار الرؤية الملكية.. والفرق بين الحكومات في القدرة على الانسجام مع توجيهاته    الجيش المغربي يجهض عملية لتهريب طن ونصف من المخدرات على الحدود مع الجزائر    كيف تؤثر سيطرة إسرائيل على معبر رفح على المواطنين وسير مفاوضات وقف إطلاق النار؟    رياض مزور..المغرب نهج استراتيجية استباقية للتحرير الاقتصادي مكنته من استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة هامة    وهبي.. المغرب على استعداد تام لدعم إحداث الشبكة الدولية للآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان    الأمثال العامية بتطوان... (593)    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات بالرباط مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية    الفيلم الأمازيغي "قارب الحب" يحصد جائزتين بمهرجان الدراما بمكناس    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    الزمالك المصري يعترض على حكام "الفار" في نهائي الكونفدرالية الإفريقية أمام نهضة بركان    رغم تراجع ظاهرة إل"نينيو".. تسجيل درجات حرارة قياسية حول العالم في أبريل الماضي    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والسلطان أو "الإمامة والسياسة" *

يمكن اعتبار قضية العلاقة بين الدين والسياسة من أعقد المعضلات التي واجهت العقل العربي الإسلامي على اختلاف العصور والبيئات. فقد كانت على الدوام موضوعا للفحص والتأمل. كما شكلت انشغالا أساسا للملوك والفقهاء والكتاب منذ البدايات الأولى للدولة الإسلامية. ويبدأ الإشكال في الظهور عندما يتم إلحاق نعت "الإسلامية" بالدولة بالرغم من أنها حقيقة واقعية وتاريخية. فهذا النعت يواجه أحيانا بالرفض المطلق من طرف بعض المعترضين الذين ينظرون للتاريخ الإسلامي أو بعض فتراته على الأقل باعتبارها انحرافا عن "روح الإسلام"، ومن ثم يدعون للسلاطين بالهداية ليحكموا بما أنزل الله.
وقد لا يقتصر البعض على "الدعاء" ولكنه يعمل على تغيير "المنكر" القائم فيدعو إلى الخروج على "السلطان الجائر". في حين يسلم البعض بحقيقة التداخل بين الدين والسياسة، مما يترتب عنه الإقرار بافتقار أحدهما للآخر فينتفي بذلك التعارض، ليظهر إشكال آخر عندما يبدأ سيل الأسئلة يتدفق : متى يكون الإسلام سياسة؟ ومتى تصير السياسة إسلاما؟ وهل يمكن أن يتطابق المفهومان؟ وهل حدث ذلك تاريخيا؟ وإن كان فمتى؟ وتناسل هذه الأسئلة يجد مبرره في سلسلة المفارقات اللامتناهية التي عرفها التاريخ الإسلامي بين الخلافة والملك، والدين والدولة، والسلطان والقرآن، والإمامة والسياسة.
يرتبط الظهور الجنيني لهذه "الآداب" بحدث "انقلاب الخلافة إلى ملك"(16) أي انهيار نظام "الخلافة" وظهور نظام "الملك". ويقوم أساسا على مبدأ النصيحة لأولي الأمر بسوق جملة من النصائح والقواعد السلوكية التي تمكن الحاكم من تدبير أمور الدولة وتثبيت أركان الملك. ويرجع الباحثون "أصل" و"فصل" هذه الآداب إلى تراث فارس. يقول محمد عابد الجابري : "الحق أن الأيديولوجية السلطانية في الثقافة العربية منقولة في معظمها عن الأدبيات السلطانية الفارسية"(17). وقد تسللت الأدبيات الفارسية إلى الثقافة العربية عبر النقول والترجمات والتلاخيص التي أنجزها كتاب أصولهم فارسية في الغالب وعلى رأسهم عبد الله بن المقفع الذي يعتبره الجابري: "أكبر ناشر ومروج للقيم الكسروية، وأيديولوجية الطاعة في الساحة الثقافية العربية الإسلامية"(18).
أما عن البواعث التي وقفت وراء توجه الكتاب إلى "النهل" من تراث فارس السياسي، وإغفال "تجارب الأمم" الأخرى، فترجع في رأي الجابري إلى أن "أوضاع المجتمع العربي في العصر العباسي الأول كانت تتطور في نفس الاتجاه الذي تطورت فيه أوضاع المجتمع الفارسي من قبل، وذلك عبر عملية انتقاله من دولة الدعوة والخلافة إلى دولة السياسة والسلطان"(19).
ولذلك لم يكن مستغربا أن يترافق ازدهار "الآداب السلطانية" في الثقافة العربية الإسلامية مع التحول السياسي، الذي كان معاوية بن أبي سفيان أول من دشنه في التجربة الإسلامية بانهيار نظام الخلافة وظهور نظام الملك، أو "انقلاب الخلافة إلى ملك" على حد تعبير ابن خلدون، فمعاوية بن أبي سفيان أول "خليفة ملك" في التجربة السياسية "العربية"، ومعه ستظهر أعقد المعضلات التي واجهت الدولة الإسلامية الوليدة، تلك هي معضلة الجمع بين الخلافة والملك؛ فلم يكن "الانقلاب" الذي دشنه معاوية بن أبي سفيان مجرد تحول سياسي محض قاده فرد، لكنه كان، أيضا، انقلابا فكريا مهد الطريق لتحول الذهنية العربية الإسلامية، بحيث هيأ المجتمع الإسلامي الجديد لاستقبال الأنظمة السياسية "السلطانية"، التي بدأت مع حكم الأمويين، لتتكرس بعد ذلك مع دولة بني العباس(20).
لقد كان من الطبيعي أن تتأثر الدولة الإسلامية الناشئة، وقد أصبحت "ملكا"، بالموروث السياسي للإمبراطوريات التي ورثت أنظمتها السياسية وأجهزتها الإدارية، ولاسيما التقاليد السياسية لأمة "فارس" ذات التراث السياسي العريق. إذ وجد مصنفو الآداب السلطانية في هذا الموروث، بسبب تناظر الوضعية السياسية للأمتين العربية والفارسية، أجوبة حقيقية للمعضلات التي واجهت الدولة الإسلامية الوليدة، وعلى رأسها معضلة "الجمع بين الخلافة والملك"، فكان أن صرفوا جهودهم إلى هذا التراث ترجمة وتلخيصا واقتباسا.
وإذن، فقد أصبح من الواضح تماما أن عناية مصنفي الآداب السلطانية ب"نسخ" التراث السياسي الفارسي الساساني إنما كان في الأساس استجابة لحاجة تاريخية فرضتها "المسألة الدينية" تخصيصا. ولذلك كان طبيعيا أن تتناثر المأثورات والمرويات السياسية الفارسية في تضاعيف "النص السلطاني". وفي حال تعارض هذه المرويات مع المرجعية العربية الإسلامية وتصوراتها لما ينبغي أن تكون عليه "دولة الإسلام"، فإن الأديب السلطاني يعمد إلى تذويب التعارضات عن طريق "تهذيب" النص/الشاهد الفارسي بتلخيصه أو تعديله بل وتحويره إن اقتضى الأمر، بما يتوافق والتصور الإسلامي لمسألة تدبير الدولة.
وقد ترتب عن هذا الإجراء أن تساكن في النص السلطاني "شرع الله" و"شرع أردشير" دون أن يستشعر الأديب السلطاني إرباكا أو إحراجا في الجمع بين الضدين (شرع الله وتشريع الناس). لقد وجد الأديب السلطاني في تراث فارس السياسي "ضالته" فيما يتصل بمسألة علاقة الدين بالسياسة. إذ كانت المعالجة الفارسية لهذه المسألة مستجيبة لأفق انتظار السلاطين المسلمين منذ عهد الأمويين، حين برزت "نفسية" جديدة متطلعة إلى أبهة "الملك" وبذخ "السلطنة". وقد وجد هؤلاء الخلفاء السلاطين في ملوك بيزنطة أنموذجا عريقا طوته الأيام فعملوا على بعثه وتجديده وإعادة إنتاجه اقتباسا وتقليدا(21). وهو ما رصده أبو حيان التوحيدي شاهد العصر الأليم عندما سجل أن الحال استحالت عجما: كسروية وقيصرية. "...فأين هذا من حديث النبوة الناطقة والإمامة الصادقة، هذا الربيع، وهو حاجب المنصور، يضرب من شمّت الخليفة عند العطسة، فيشتكي ذلك إلى أبي جعفر المنصور، فيقول : أصاب الرجل السنة وأخطأ الأدب. وهي الجامعة للآداب النبوي والأمر الإلهي، ولكن لما غلبت عليهم [الخلفاء والسلاطين المسلمون] العزة ودخلت النعرة في آنافهم، وظهرت الخنزوانة [الكبر] بينهم سموا آيين العجم [عرفهم وعاداتهم وهي كلمة فارسية] أدبا وقدموه على السنة التي هي ثمرة النبوة" .
*مقتطف من دراسة موسعة للأستاذ الغرافي منشورة بمجلة "وجهة نظر" وموقع "الأوان" بعنوان "المثقف والسلطة من خلال الآداب السلطانية" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.