تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    فوزي لقجع يؤكد انطلاق جميع المشاريع المرتبطة ببطولة كأس العالم 2030    كأس آسيا لكرة القدم تحت 23 عاما.. المنتخب العراقي يتأهل لأولمبياد باريس 2024    حجز زورق ومحركات.. الديستي وأمن الحسيمة يوقفان 5 أشخاص تاجروا بالمهاجرين    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    "طاس" تكشف موعد إصدار حكمها النهائي في قضية نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الأمثال العامية بتطوان... (588)    بوريطة يتباحث ببانجول مع وزير الشؤون الخارجية الغامبي    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    في أول امتحان بعد واقعة الأقمصة.. نهضة بركان يواجه الجيش الملكي    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    حمد الله يحرج بنزيما    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    المدرب الإسباني يعلن استقالته عن تدريب اتحاد العاصمة الجزائري    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرصنة في القرن الإفريقي وخليج عدن
نشر في لكم يوم 05 - 01 - 2011

عرف العالم القرصنة البحرية منذ قبل الميلاد، إلا أنها أخذت أبعادًا سياسية خلال السنوات الأخيرة وذلك بتوالي أعمال القرصنة في القرن الإفريقي على أيدي مسلحين صوماليين، في ظل حالة من التوتر والعنف التي تعيشها الصومال منذ سنوات طويلة نتيجة لأوضاع مضطربة، بالإضافة إلى التدخل العسكري من قبل عدة أطراف خارجية. وبتزايد أعمال القرصنة في الشواطئ الصومالية وخليج عدن، وكثرة الحديث عليها في مختلف وكالات الأنباء ووسائل الإعلام التي تسلط الضوء عليها باعتبارها قضية دولية مؤرقة تتخذ أبعاد بعيدة تهدد امن الدول وتجارتها، الأمر الذي ينذر بأزمة قد تفجر حربا عالمية ثالثة، الشيء الذي حدا بالأمم المتحدة والدول الكبرى والحلف الأطلسي إلى نشر سفنها في المنطقة بذريعة مجابهة القرصنة. وبالرغم من ذلك فان أعمال القرصنة في تزايد مستمر، مما أدى إلى الحديث عن دوافع سياسية وراء ما يجري في القرن الإفريقي خصوصًا إثر فشل سفن حلف الأطلسي في التصدي لأكثر من عملية خلال الأيام الأخيرة. فما المقصود بالقرصنة من وجهة نظر القانون الدولي؟ ومتى نشأت القرصنة البحرية؟ وما هي دواعي ظهورها؟ وكيف تتم؟ وكيف تتعامل القوى الدولية والإقليمية مع ظاهرة القرصنة؟ وما هي الصعوبات التي تواجه التصدي لهذه الظاهرة؟ ومن المستفيد منها؟.
1 الإطار ألمفاهيمي للقرصنة البحرية:
القرصنة البحرية في أبسط تعريفاتها هي: "قطع الطرق البحرية أمام السفن والناقلات سواء في المياه الإقليمية أو الدولية، وسلب ونهب أو تهديد هذه السفن أو أسرها بما فيها وما عليها مقابل دفع فدية يحددها القراصنة الخاطفون". كما يمكن تعريفها أيضا بأنها: "الجرائم أو الأعمال العدائية، والسلب أو العنف المرتكبان في البحر ضد سفينة ما، أو طاقمها، أو حمولتها"، وفي اتفاقية روما لسنة 1988م المبرمة للقضاء على الأفعال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة : نصت المادة 3 من هذه الاتفاقية في تعريف القرصنة على أنها : "أي شخص يرتكب عن عمد، وبطريقة غير قانونية أي عمل من الأعمال التالية: (الاستيلاء، أو محاولة السيطرة على السفينة بالقوة، أو التهديد أو ممارسة أي عمل من أعمال العنف ضد شخص على السفينة، وكان هذا الفعل من شأنه أن يعرض سلامة ملاحة السفينة الآمنة للخطر أو يتسبب بإحداث ضرر للسفينة أو بضاعتها، أو وضع أي جهاز، أو مادة مدمرة في السفينة بأي وسيلة، والتي من شأنها أن تسبب ضرر بالغ أو تدمير للسفينة، أو في البضائع التي على متنها، أو يتسبب في تدمير، أو إحداث أضرار شديدة في التسهيلات الملاحية، أو يسبب تداخلا ًأو تعارضا ًشديداً في تشغيلها، أو يبث معلومات يعلم أنها غير صحيحة (مزيفة) من شأنها أن تعرض ملاحة السفينة للخطر، أو يتسبب في إصابة أو قتل أي شخص بسبب ارتكاب، أو محاولة ارتكاب الأفعال السابقة، وأن تكون غايته منفعة شخصية أو خاصة وأن يقع في أعالي البحار)"، ولقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1992م ووقعت عليها 30 دولة.
أما تعريف القرصان فهو:" المغامر الذي يجوب البحار لنهب السفن التجارية". وقد استخدمت كلمة قرصان في عام 140 قبل الميلاد من جانب المؤرخ الروماني بوليبيوس، وأشار إليها المؤرخ اليوناني بلوتارك عام مائة بعد الميلاد، ليعبر بها عن أقدم تعريف واضح للقرصنة، فقد وصف القراصنة بأنهم: "أولئك الأشخاص الذين يهاجمون بدون سلطة قانونية ليس فقط السفن ولكن المدن الساحلية أيضًا". ولقد وصفت القرصنة لأول مرة في عدد من الأعمال الأدبية القديمة، ومن بينها الإلياذة والأوديسة، وانتشر في العصور الوسطى في بريطانيا معنى آخر للقرصنة هو: "أنهم من لصوص البحر"، وظهر تعريف كلمة قرصان المعاصرة في القرن الثامن عشر الميلادي، وهو تعريف وصف القراصنة بأنهم "أشخاص خارجون عن القانون".
2 تاريخ القرصنة البحرية:
يرجع تاريخ القرصنة البحرية إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة في البحر الأبيض المتوسط أثناء نمو التجارة البحرية المكثفة بين مصر وجزيرة كريت وفينقيا، وكانت القرصنة بشكل مجموعات من البحارة تعيش على سواحل صقلية، وتهاجم السفن المنفردة والموانئ ذات الدفاعات الضعيفة، وكان سكان جزيرة كريت هم أول من فكّر بالتصدي لهؤلاء، ثم جاء بعد ذلك دور مصر في عهد الفراعنة، حيث جهزت لأول مرة في التاريخ أسطولاً حربيًا صغيرًا لمحاربة القراصنة الذين ينهبون سفن البحر الأبيض المتوسط ومدنه، وكان القراصنة يهاجمون الأراضي في العمق فينهبون المواشي والجواهر والمحاصيل، ثم يأسرون الرجال والنساء والأطفال ويبيعونهم، وكانت القرصنة تتطلب شروطًا أساسية لقيامها، منها: توفر الغابات لصنع السفن، ووجود ورشات لصناعة تلك السفن، ووجود أيدٍ ماهرة لصناعة السفن المتينة القوية التسليح، ووجود أسواق لتصريف البضائع المستولى عليها، وبعد بضعة قرون ازدهرت شواطئ بلاد الإغريق الممتدة على مسافات شاسعة، حيث تكونت ثروة ملك إسبارطة "مينيلاس" في أساسها من السلب والنهب، وفي القرن الثامن قبل الميلاد انطلق الفينقيون والإغريق لإنشاء تجارة بحرية نشطة، وأنشئوا مستعمرات في جميع أرجاء حوض البحر الأبيض المتوسط، والتنافس بينهما دفع شعبيهما إلى اللجوء إلى ممارسة القرصنة، وفرضت أثينا سيطرتها على العالم الإغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد، وتسلمت مهمة مكافحة القرصنة. وبفضل جهود أثينا اختفت القرصنة، لكنها عادت في القرن الرابع قبل الميلاد عندما تفككت إمبراطورية أثينا، وفي القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، شجعت النزاعات الثلاثة الرئيسة الناشبة بين الرومان والقرطاجيين، على تنشيط أعمال القرصنة، واستعانت القوات المتحاربة على نطاق واسع بالقراصنة ولا سيما الرومان، وفي القرن الأول قبل الميلاد، وعندما دخلت روما في صراع لا ينتهي ضد ملك بونت للسيطرة على آسيا الصغرى، وجد الملك "ميتريدات" نفسه مضطرًا للتحالف مع قراصنة صقلية، الذين كانوا يمتلكون أسطولاً يزيد تعداده على ألف سفينة، وبفضل هذا الدعم تمكّن ميتريدات من التغلغل في الأراضي الإغريقية، واستولى على أثينا، ولما تمكن ميتريدات من السلطة قرّر تطهير سواحل صقلية من القراصنة الذين يقيمون فيها، وعاش البحر في سلام من القرصنة حتى سقوط الإمبراطورية الرومانية في نهاية القرن الخامس بعد الميلاد، حيث عادت القرصنة إلى الظهور فيه. ولكن القرصنة بلغت ذروتها خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وبنهاية القرن السابع عشر ومع نمو القوة المركزية القوية في اليابان وفي الصين تم القضاء على معظم القراصنة، وزاد حجم السفن التجارية، كما تطورت تكنولوجيا الاتصالات ودوريات الحراسة البحرية في معظم الطرق الرئيسية على المحيط، وقويت الإدارة المنظمة لمعظم الجزر والمناطق البرية في العالم، وتم تجريم القرصنة من قبل الحكومات المختلفة، الأمر الذي أدى إلى إحداث تراجع كبير في حجم القرصنة في القرن التاسع عشر والعشرين، باستثناء بعض الأماكن التقليدية كبحر الصين الجنوبي.
وفي السنوات الأخيرة عادت أعمال القرصنة البحرية لتطل برأسها من جديد، وذلك نتيجة للاضطرابات التي تشهدها بعض الدول وانتشار الفوضى فيها، وتنتشر عمليات القرصنة البحرية حاليًا شمالاً إلى خليج عدن وجنوبًا إلى سواحل كينيا، ويقول مكتب البحرية الدولي: إن "عمليات القرصنة قبالة القرن الإفريقي وفي خليج عدن، ومساحتها حوالي مليون ميل مربع، تمثل ثلث عمليات القرصنة في العالم بأسره". أما مساعد مدير مكتب الملاحة الدولية في لندن، الذي يتابع مثل هذه العمليات، مايكل هوليت فيقول: "هذا أمر غير مسبوق تمامًا، لم نر البتة وضعًا مماثلاً"، وأضاف لقد ارتفع عدد هذه العمليات في السنوات الأخيرة إلى اختطاف أكثر من 60 سفينة، بالإضافة إلى غنائم تصل إلى 30 مليون دولار وأكثر . وتابع هوليت: " لا يتمّ إطلاق سفينة اليوم حتى يتمّ اختطاف أخرى في اليوم التالي". ويشير نويل شونج الذي يرأس مكتب الإبلاغ عن القرصنة إلى أنّ "المخاطر تبدو ضئيلة والعوائد تبدو كبيرة بالنسبة إلى القراصنة"، وأوضح قائلاً: "إنهم يعرفون أنّ حظوظ مقتلهم أو اعتقالهم أثناء عملية الاختطاف تبدو قليلة جدًا.
3 دواعي ظهور القرصنة قبالة السواحل الصومالية :
شهدت سنة 2008 عمليات متعددة قام بها القراصنة أمام السواحل الصومالية للاستيلاء على بعض السفن لجنسيات مختلفة لحجز حمولتها وملاحيها من اجل طلب فدية بملايين الدولارات للإفراج عنهم، ومما لا شك فيه فإن هؤلاء القراصنة إما صوماليين يعيشون داخل الصومال أو خارجها أو من جنسيات غير صومالية تجد الدعم والرعاية من عناصر أجنبية أو صومالية كتلك المتحاربة والمتصارعة على الحكم في الصومال وذلك لبث الرعب في قلوب العناصر الأخرى وطلب فدية تعوضهم عن الفقر والجوع أو ربما لشراء أسلحة وتسليمها لبعض الفصائل الصومالية المتصارعة على الحكم أو لتهديد أثيوبيا وتخويفها لدخولها الصومال بدون رغبة من أهله.
وهذا كله راجع في الأساس إلى تفكك أجهزة وأركان الدولة في الصومال وسيادة الفوضى والانقلاب والقلاقل بمساعدات وتدخلات أجنبية سواء كانت أمريكية أو أثيوبية وتبدل الحكومات من أمراء الحرب إلى المحاكم الشرعية إلى غيرها. وغياب الحكومة المركزية القوية المتحكمة في زمام الأمور الداخلية والخارجية وعدم وجود جيش قوي موحد تحت قيادة مركزية واحدة وعدم وجود وزارة داخلية قوية مركزية تحفظ أمن الدولة والأمان للمواطنين وتتأهب لحماية شواطئ الدولة المترامية الأطراف والتي تربو على ثلاثة آلاف من الكيلومترات من قيام أي بؤر استيطانية على هذه الشواطئ تمد القراصنة في البحر باحتياجاتهم من السلاح والطعام والمياه. كل هذا وأكثر أدى إلى عدم القدرة على السيطرة على الأمور في البلاد منذ الإطاحة بحكم محمد سياد برى سنة 1991 وقد تفاقمت الأمور أكثر منذ بداية القرن الحادي والعشرين، بعد أن فشلت كل الوساطات العربية والإفريقية والإسلامية في احتواء الأزمة في الصومال.
والحقيقة فان تأمين ممرات الملاحة العالمية في المحيط الهندي وبحر العرب وجنوب البحر الأحمر وحماية سواحل الصومال أكبر من أن تكلف به حكومة في الصومال أو حزب أو جماعة أيًا كان قدرها وشأنها وقوتها في ظل الاحتقان الداخلي الدموي الدائم، وتعقد واضطراب الموقف الداخلي في الصومال.
4 كيف تتم القرصنة البحرية في القرن الإفريقي:
تعرف منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن اكبر عمليات القرصنة في العالم، إلا أنها تتمركز في مواقع معيّنة قرب شواطئ بعض البلدان مثل: نيجيريا، وساحل العاج، والصومال، وجيبوتي. وقد قدرت منظمة بحرية متمركزة في كينيا عدد القراصنة المنتشرين على طول السواحل الصومالية بنحو 1100 رجل موزعين في أربع مجموعات، ومعظمهم من خفر السواحل السابقين.
ويلجأ القراصنة إلى طرق متعددة للقرصنة البحرية، حيث وضعت منظمة الملاحة الدولية جدول لها، فهي تحدث في الليل غالباً حيث يتسلّق القراصنة على متن المراكب من أطرافها أو مؤخراتها، مستخدمين الكلاّبات أو العصي الطويلة البسيطة أحياناً، ولا يهمهم حجم المركب أو سرعته، وكثيراً ما شوهدت حالات سطو على ناقلات النفط أو السفن التجارية حاملة الحاويات الضخمة الحجم أو السفن السياحية المخصصة للنزهات. فالمهاجمون يستغلّون عموماً مناورات الملاحة أو تخفيف السرعة، أو انشغال أفراد الطاقم كله عند المضايق والممرات الضيّقة أو في قاعة الآلات لتنفيذ أحد الأعمال. وقد يحدث أحياناً أن يتسلل بعض شركاء القراصنة إلى السفن وهي راسية في الميناء ويختبئون فيها، ثم يظهرون فجأة والسفينة في عرض البحر لمد يد العون "لزملائهم" القراصنة القادمين في زوارق سريعة. ويكون المهاجمون على علم تام عموماً بهندسة السفن وطبيعتها وقيمة حمولاتها، الأمر الذي يؤكّد أنهم يتعاونون مع شركاء في البرّ، وحتى مع السلطات المرفئية. وثمة طريقة أخرى للقرصنة، وهي إنزال زوارق صغيرة وسريعة جدا تعمل انطلاقا من سفينة "أم" كبيرة الحجم، لتسير إلى جوارها أو بالقرب منها، والجميع مطفأ الأنوار، محملين بأسلحة رشاشة وقاذفات وقنابل يدوية، وقد يكون لهم قاذفات صواريخ، كما يملكون هواتف تعمل بنظام "جي.بي.اس" بالأقمار الاصطناعية بهدف الانقضاض على فريستهم على حين غِرّة.
ويتحرك القراصنة على شكل خلايا عنقودية وبتجمعات تصل من بين 10 إلى 20 متفرقة، وقد أشار محمد محمد (محلل الشؤون الصومالية) في حديثه لمحطة إذاعية محلية صومالية إلى أن "عصابات القراصنة الصوماليين تتكون من بحارة سابقين، وهم عقل هذه العمليات، لأنهم يعرفون البحار بشكل جيدا، وأيضا أعضاء سابقون في المليشيات المتحاربة يعتبرون عضلات العمليات بسبب خبرتهم العسكرية، وهم العقول المحركة للعمليات بسبب خبرتهم في عالم الكمبيوتر ومعرفتهم بتشغيل أجهزة تحديد المواقع الملاحية وهواتف الأقمار الاصطناعية والمعدات العسكرية المتطورة".
ويبرر القراصنة الصوماليون ما يقومون به على أنه دفاع "بسبب ممارسات السفن العملاقة التي تقوم بعمليات جرف الأسماك وتلويث البيئة البحرية من خلال رمي النفايات"، وهذا ما دعاهم إلى تسمية أنفسهم ب"حراس السواحل".
كما حددت منظمة الملاحة الدولية ثلاثة أشكال للأعمال التي ينفذها القراصنة وهي:
• السلب باستخدام أسلحة خفيفة: وهي سرقات صغيرة باستخدام السلاح، وغالباً ما تُرتكب في الموانئ أو على مقربة من السواحل ضد الصيادين أو المتنزهين في البحر. وتُعرّف منظمة الملاحة الدولية ذلك النوع من السلب على النحو التالي: "هجوم انتحاري يقع على طول السواحل، وتنفذه مراكب قوية جداً يقودها مجرمون ولصوص مسلّحون في البحار، وهم عادةً يحملون السكاكين وأهدافهم عموماً السيولة النقدية، ولا سيما في الصناديق الحديدية الموجودة في كل مركب، وكذلك الأغراض الشخصية غالية الثمن، والتي يبلغ ثمنها وسطياً بين (5000) و (15,000) دولار"، وهذا النوع من القرصنة هو الشائع وتزيد نسبته على 70% من الحالات.
• السرقة والاعتداء المسلّح المتوسط بخطف أو من دون خطف: ويقصد بذلك: "هجمات عنيفة وسرقات تسفر عن جروح خطرة أو سقوط قتلى، وتنفذها عصابات منظمة جيداً، وهي عادة مسلحة تسليحاً ثقيلاً، وتعمل لحساب مركب "أم"، مستفيدة عموماً من شركاء على البرّ متواطئين معها. وهذا الشكل من القرصنة يمثّل خطراً شديداً على الملاحة، ولا سيما عندما يتم تحييد الملاّحين وشلّ حركتهم أو حجزهم.
• الاختطاف الإجرامي الخطير: ويتم فيه ارتكاب جرم الاختطاف، حيث يستولي القراصنة على المركب، ثم يعمدون إلى تمويهه أولاً، ثم تسجيله باسم مزوّر، وحمولته تُختَطف أو تُقذف بالبحر حسب نوع شبكة المافيا، وتسمّى منظمة الملاحة العالمية مثل هذه الظاهرة بأنها: "تقنية المركب الشّبح"، كما تحدد المنظمة هذا النوع من القرصنة بأنه: " أنشطة إجرامية دولية مخططة، وتحت تصرفها موارد هامة، وتستخدم عصابات هامة من رجال مدربين جيداً ومسلحين تسليحاً ثقيلاً، وعلى استعداد تام لاستخدام الأسلحة النارية".
5 القرصنة البحرية في القانون الدولي :
عرفت معاهدة الأمم المتحدة لقوانين البحار لعام 1992 القرصنة في أعالي البحار بصفتها ممارسة اجرامية وبعد الهجوم على سفينة أكيلي لاورو في البحر الأبيض المتوسط، ألحق بند جديد بالاتفاق، يأخذ الهجوم على السفن في البحر بنظر الاعتبار. لكن الاتفاقية لا تسمح بمطاردة القراصنة في المياه الإقليمية لبلدان أخرى. فالأمر شبيه بمطاردة رجال مكافحة الإجرام التي تكون مهمتهم مطاردة القراصنة المجرمين، حيث تنتهي دائما المطاردة عند حدود البلد الآخر ووحدهم المجرمون يستطيعون تجاوز الحدود أينما شاءوا.
فالقراصنة يجوبون البحار بحرية، وينهبون السفن المارة بقوة السلاح غالبا، ويضربون عرض الحائط بسيادة الدول والقوانين، والقانون الدولي للبحار لا يمنح صلاحيات كافية للسفن الحربية والجهات المختصة من أجل مقاومة القرصنة، وكذلك قوانين الدول التي تجري قرب سواحلها أعمال القرصنة.
• اتفاقية لمكافحة القرصنة:
وعقب ازدياد عمليات القرصنة واختطاف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، والتي أصبحت تشكل خطرا على الأمن البحري لمنطقة البحر الأحمر وتهديدا لسلامة الحركة الملاحية الدولية في هذه المنطقة الحيوية من العالم. جاء التحرك الإقليمي من اجل دفع ممثلو20 دولة من دول غرب المحيط الهندي وخليج عدن ومنطقة البحر الأحمر من توقيع اتفاقية لمكافحة القرصنة والسطو المسلح ضد السفن أواخر أكتوبر 2008 في صنعاء، ووقع على الاتفاقية كل من اليمن أكثر الدول تضررا من عمليات القرصنة ومصر حتى لا تؤثر هذه العمليات على حركة السفن التي تمر عبر قناة السويس، كما سيوقع عليها كذلك السعودية والإمارات وعمان وجيبوتي والأردن والصومال وجزر القمر وفرنسا وإثيوبيا وكينيا ومدغشقر وجزر المالديف وموريشيوس وجزر سيشل وجنوب إفريقيا وتنزانيا واريتريا وموزامبيق، وتنص الاتفاقية على تبادل المعلومات لمنطقة خليج عدن والبحر الأحمر، إضافة إلى مركز آخر في كينيا أو تنزانيا لمنطقة شرق إفريقيا. وكان قد سبق هذه الاتفاقية تنسيق بين الصومال واليمن وتعاون أمني للحد من القرصنة البحرية وظاهرة التسلل في المياه الدولية بين البلدين.
والتسلل إلي الأراضي اليمنية، يتم بغرض الانطلاق إلى البلدان المجاورة من دول الخليج، وبدأت البحرية اليمنية بتكثيف وجودها في المياه الإقليمية لليمن في البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي لمنع أعمال القرصنة البحرية. من ناحية أخرى جاء قرار الأمم المتحدة أخيرا بعد تفاقم ظاهرة القرصنة التي تهدد الملاحة الدولية، خصوصا بعد الاستيلاء على عشرات السفن خلال هذا العام ويقضي قرارها بمنح الدول التي لديها سفن حربية في المنطقة أن تواجه عمليات القرصنة بما في ذلك دخول المياه الإقليمية للصومال.
ومن المتوقع أن تركز الأمم المتحدة بصورة أكثر فاعلية على المصالحة الصومالية لمواجهة القرصنة البحرية التي تستفيد من غياب حكومة مركزية قوية هناك. ومن جانبها تسعى الدول الغربية لتأمين خط الملاحة الدولي الذي يمر بخليج عدن من القراصنة الصوماليين بنشر قطع بحرية لها، لحماية سفن المساعدات الإنسانية والإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر والخليج العربي من أعمال القرصنة.
• مشروع فرنسي في مجلس الأمن لمحاربة القرصنة:
عندما يصبح الخروج عن القانون قانونا في حد ذاته، فالقاعدة هي أن القانون أيضا لن يكون كافيا وحده لوقف هذا الخروج، بل يجب أن يكون الحل باستخدام القانون والقوة معا. هذا هو ما فكرت فيه الدبلوماسية الفرنسية أخيرا، حيث قدمت إلى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار شديد اللهجة عالي الطموحات يستهدف إعلان المواجهة الحقيقية والحاسمة لوقف ظاهرة القرصنة البحرية في هذه المنطقة، وأبرز ما فيه أنه يهدف إلى تشكيل قوة بحرية دولية للتصدي لقراصنة البحار ولمرافقة وتأمين السفن المارة هناك، خاصة سفن صيد التونة.
والواقع أن مشروع القرار الفرنسي هذا لم يكن الأول من نوعه، بل إنه مرتبط تماما بقرارين سابقين أصدرهما مجلس الأمن من قبل يحملان رقمي 1814 و1816. ويتضمنان تحديد وسائل مواجهة ظاهرة القرصنة البحرية في منطقة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بعد أن باتت هذه الظاهرة تهدد حركة الملاحة في البحر الأحمر وتهدد أيضا حركة التجارة العالمية بصفة عامة، خاصة بعد أن بدأ الحديث في ضوء تكرار ظاهرة خطف السفن في المنطقة عن احتمال بحث السفن التجارية عن مسارات بديلة للبحر الأحمر، مثل رأس الرجاء الصالح مثلا، وهو ما يعني ارتفاع تكاليف النقل البحري، وبالتالي المساهمة بصورة أكبر في ارتفاع الأسعار العالمية على شتى المستويات وفي كافة السلع والمواد الخام.
وينص مشروع القرار على دعوة جميع الدول الحريصة على سلامة الأنشطة البحرية إلى المشاركة الفعالة في التصدي للقرصنة قبالة السواحل الصومالية خصوصا من خلال إرسال سفن وطائرات عسكرية، كما يطلب من الدول التي تنشر وسائل عسكرية في المنطقة اتخاذ جميع التدابير الضرورية المنصوص عنها في القانون الدولي لمنع أعمال القرصنة وقمعها.
ويستند هذا القرار إلى مبدأ أساسي نص عليه القرار رقم 1816 الصادر عن مجلس الأمن الذي أجاز دخول سفن حربية إلى المياه الإقليمية للصومال بموافقة حكومتها بمكافحة القرصنة البحرية، لكن الحاجة باتت ملحة للحصول على تفويض للقيام بعمليات عسكرية أوسع نطاقا كما يدعو المشروع الفرنسي الجديد. وتوضح الخارجية الفرنسية أن الهدف من مشروع القرار الجديد، الثالث، هو تشكيل قوة بحرية دولية على الأقل لمواكبة السفن التابعة للبرنامج العالمي للغذاء التي تجوب خليج عدن، كما يتضمن القرار أيضا توفير فرصة مستقبلية أمام هذه القوة الدولية للحصول على الضوء الأخضر لتشكيل قوة لمهاجمة هؤلاء القراصنة في المناطق التي يختبئون فيها، والمقصود تحديدا مهاجمة القراصنة حتى في المياه الدولية الصومالية، وذلك بهدف معالجة المشكلة من جذورها، بدلا من الاكتفاء بعمليات مرافقة أمنية مؤقتة مع كل سفينة على حدة. وسيكون هذا القرار بمثابة إنقاذ للشعب الصومالي من خطر الموت جوعا، باعتبار أن فرنسا كانت قد أطلقت بنفسها مبادرة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنشر سفن حربية في المنطقة لمرافقة القوافل الإنسانية التابعة لبرنامج الغذاء العالمي الذي يؤمن القسم الأكبر من المواد الغذائية للشعب الصومالي. ولكن هذه المهمة يفترض أن تكون قد انتهت، مما يعني خلو المنطقة بعد ذلك تماما أمام القراصنة للتعرض للسفن المارة بالمنطقة بما فيها سفن المساعدات الإنسانية.
وكانت النداءات الدولية قد تزايدت في الفترة الأخيرة للقيام بإجراء دولي موسع وحاسم لوقف ظاهرة القرصنة في مياه البحر الأحمر الجنوبية، حيث قال نويل شونج مدير مركز مكافحة القرصنة في المكتب البحري الدولي الذي يوجد مقره في العاصمة الماليزية كوالالمبور: نطالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بوقف تهديد القراصنة الذين يلحقون أضرارا كبيرة بالتجارة وبحياة البحارة، كما أكدت مصادر عسكرية وبحرية عديدة أن مهمة حماية سفن الشحن والصيد من هؤلاء القراصنة المجهزين تجهيزا جيدا والذين ينشطون في بقعة شاسعة من المحيط الهندي قبالة سواحل الصومال تبدو أمرا شبه مستحيل بدون تعبئة دولية قوية. كما عبر مكتب الملاحة الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة عن قلقه من ازدهار القرصنة في المياه الدولية شرقي وغربي القارة الإفريقية ناصحا السفن التجارية بالابتعاد مسافة 200 ميل بحري على الأقل عن السواحل الصومالية
.
6 دور دول المنطقة لمواجهة القرصنة البحرية :
إن أعمال القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية وفي خليج عدن يتضرر منها العالم بأسره، إلا أن الأكثر تضرر منها هي مصر حيث تتأثر سلبيا حركة الملاحة في قناتها السويس، وكذلك خط الأنابيب المصري العربي الناقل للبترول من العين السخنة جنوب السويس إلى سيدي كرير غرب الإسكندرية (خط سوميد ) بعمليات القرصنة البحرية.
وقد شهدت الأيام القليلة الأخيرة العديد من التحركات الدولية سواء من روسيا أو دول الاتحاد الأوروبي أو غيرها. إلا أننا نرى توحيد الجهود الدولية مع الجهود الإقليمية وخاصة المصرية منها للقضاء على هذه المشكلة من جذورها وتجفيف منابعها التي تمد القراصنة بالمؤن والعتاد لتحقيق الأمن والسلام الدوليين في المنطقة الإستراتيجية الحساسة من العالم. وأمام خطر القرصنة تقدمت مجموعة من الدول الإقليمية (مصر) والغربية بمبادرات وإجراءات عملية وسريعة للقضاء على العصابات الإرهابية والقرصنة على السواحل الصومالية سواء كانت في البر أو على البحر بإتباع الخطوات التالية:
أولاً: اجتماع الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن ( مصر والسعودية والسودان واريتريا وجيبوتي واليمن وعمان ) لتنسيق الجهود ووضع آليات وخطط للتعاون من أجل مكافحة ظاهرة القرصنة وتأمين ممرات الملاحة العالمية في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، وتعزيز قدرات وآليات التنسيق بينها للحيلولة دون اتساع رقعة انتشار هذه الظاهرة .
ومن الواجب أن تدرك مصر أن اختيار القراصنة لمباشرة نشاطهم في منطقة حيوية إستراتيجية بالنسبة للعالم عامة ولمصر خاصة حول باب المندب وهو الفناء الخلفي لمصر، لأن أي نشاط معاد في هذه المنطقة يهدد الملاحة في البحر الأحمر مما يؤثر على الحركة في قناة السويس وكذلك على خط سوميد للبترول الأمر الذي يجعله تهديدًا مباشرًا لأمن مصر القومي. وقد لعبت مصر دورًا هامًا في تأمين هذه المنطقة إبان حربها مع إسرائيل سنة 1973.
ثانيًا: اجتماع وزراء الخارجية أو وزراء النقل والنقل البحري العرب في القاهرة لإيجاد حلول مناسبة لمشكلة القرصنة أولاً، وكذلك النظر في حل حاسم بوضع خطط عاجلة وآجلة على المدى القصير والطويل لعودة الاستقرار في الصومال. لأن أي جهود تبذل لحل مشكلة الاستقرار في الصومال والتي قد تطول وتستغرق بعض الوقت دون إعطاء الأولوية لمشكلة القرصنة، فقد يوفر هذا الوقت للقراصنة لكي يقووا من أنفسهم ويزيدوا من انتشارهم الأمر الذي يجعل مواجهتهم في المستقبل أكثر صعوبة من القضاء عليهم الآن وبأسرع وقت ممكن. أي أن الأولوية تعطى لحل مشكلة القرصنة وبعدها البدء في الشروع لحل مشاكل الصومال الداخلية والخارجية.
ثالثًا: وفى نفس الاتجاه تقدمت مفوضية السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي ضمن فعاليات دورتها العاشرة العادية التي انعقدت في جنوب إفريقيا، لدراسة وبحث الأوضاع المنهارة في القرن الإفريقي عامة وما يحدث أمام سواحل الصومال خاصة من قرصنة وقطع الطرق البحرية، وتأثير هذا على الأمن الإفريقي والأمن العالمي. فالأوضاع السياسية الهشة في الصومال وفقدان الثقة بين الأطراف السياسية المختلفة. تسببت في تزكية نيران الفتنة والتمرد بين الصوماليين سواء على أرض الصومال أو في المهجر، وهو ما أدى إلى إهدار الكثير من الفرص لإيجاد حل للصراع بالإضافة إلى حالة التصحر والجفاف حيث ساعدتا على زيادة أعداد النازحين من الصومال وحدوث الكثير من المجاعات، مع ضعف الموقف الأمني الهش في البلاد مما ساعد على قلة وصول الإمدادات الغذائية إلى السكان لتعرض قوافل المساعدات الدولية للكثير من الهجمات على البر والقرصنة في البحر مما يمثل خطرًا للأمن والسلم العالميين وليس على إفريقيا وحدها مما ساعد على انتشار عمليات بعجل والتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي للحد من عمليات القرصنة والقضاء عليها تماما وتأمين حركة الملاحة في هذه المنطقة.
رابعًا: والجدير بالذكر أن الإتحاد الأوروبي هو المنظمة الوحيدة التي بادرت بتشكيل قوة لمواجهة الموقف، وهذا إجراء وقائي هام وضروري، ولكن هذا التحرك السريع والعاجل من دول الإتحاد الأوروبي لا يجعل من المنظمات السالفة الذكر أن تقف مكتوفة الأيدي أو متفرجة على ما يحدث، بل يجب عليها أن تسارع وتشارك القوات الأوروبية وأن تكون هذه القوات المشتركة عربية وافريقية وأوروبية تحت قيادة واعية عربية وافريقية وأن تحوي في تشكيلاتها قوات مشتركة برية وبحرية وجوية للتصدي لهذا الخطر فمن المعروف أن هؤلاء القراصنة يعتمدون في تدبير أمور حياتهم ومعيشتهم من غذاء وماء ووقود وأسلحة على القواعد البرية. فإذا تم قطع خطوط اتصال القرصنة في البحر بقواعدهم على البر فيكون قد تم خطوة كبيرة في طريق القضاء عليهم ومصادرة سفنهم التي يعتمدون عليها في متابعة ومطاردة وأسر الناقلات في مقابل الإفراج عنهم لاحقا نظير فدية تقدر بملايين الدولارات مع تعيين حراسة من القوات المشتركة في عشرات الجزر المهجورة والمنتشرة في البحر الأحمر وخليج عدن والتي تصلح كقواعد لهم أو قطع خطوط مواصلاتهم مع قواعدهم البرية، أو القضاء على القواعد البرية مع اتخاذ جميع الوسائل لعدم التورط في المشاكل الصومالية القائمة، أو الاكتفاء بالوجود المستمر كدوريات لحرس السواحل لفرض الأمن في المنطقة وتأمين حركة الملاحة العالمية والإقليمية والمحلية.
خامسًا: مناشدة الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة سواء الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو حتى منظمات الإغاثة والفاو واليونيسيف واليونسكو واليونيفيل ... إلى الخ بالتدخل السريع وتحديد الطريق الأمثل للقضاء على ظاهرة القرصنة ومساعدة الصوماليين في حل مشكلاتهم الداخلية والإقليمية والدولية حتى لو أدى الأمر إلى إنزال قوات طوارئ دولية لحماية السواحل والمياه الإقليمية والدولية في المحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر وهذا لا يعنى أن قيام جهات دولية بتشكيل قوات للعمل ضد القراصنة يعني إعفاء الدول الإقليمية وخاصة مصر من حماية أمنها القومي، لأن الأمن القومي المحمي بقوات من الغير، لا يغني مصر ودول الجوار من التخلي عن مسؤوليتها في السعي إلى القضاء على هذا التهديد المباشر لأمن هذه الدول القومي، وإسناد ذلك إلى قوات أجنبية أخرى قد يكون لها مآرب أخرى.
7 الصعوبات التي تواجه التصدي للقرصنة البحرية :
من الصعوبات التي تواجه التصدي للقرصنة البحرية في القرن الإفريقي وخليج عدن هي:
• استحالة مراقبة مياه خليج عدن والتي تزيد على مليون كلم2 بعدد محدود من السفن الحربية، وعلى حد تعبير الأدميرال (فيليب جونز) قائد بعثة الاتحاد الأوربي للإغاثة في الصومال والمعروفة باسم (أتلانتا) "سأكون أول من يقر بأن القوات البحرية لا يمكنها وحدها القضاء تماماً على القرصنة... وقد يكون لدينا قوة تضم مئات السفن ومع ذلك سيكون هناك فجوات في دورياتنا في المنطقة".
• استحالة التحرك على الأرض الصومالية في الوقت الراهن أو حتى القريب في ظل الحرب الأهلية، وفي غيبة النظام والقانون.
• تحول القراصنة إلى قوة حقيقية يحسب لها ألف حساب، بعد أن صالوا وجالوا طوال أربع سنوات أسروا فيها قرابة مائة سفينة، وهو ما يكشف أبعاد وخطورة القرصنة.
• تطور ظاهرة القرصنة في مياه خلج عدن خلال الفترة الأخيرة بشكل لافت، ومؤشرات ذلك واضحة منها:
1. في هذه السنة فقط وصل عدد السفن التي تعرضت للاعتداء (95) سفينة وكانت (31) سفينة في العام 2008، و(10) سفن فقط في العام 2007م ولا ننسى أن هناك حالات كثيرة لا يبلغ فيها الربابنة وأصحاب السفن عن تعرض سفنهم للقرصنة ودفعهم للفدية تفادياً لإجراءات التحقيق المطولة، والتي تعني في النهاية التأخير في توصيل البضائع وما يترتب على ذلك من غرامات.
2. تمكن القراصنة في وقت قصير من تأمين مستلزماتهم العسكرية والمدنية – من حصيلة الغنائم– بحيث حصلوا على أسلحة متطورة، كما حصلوا على معدات الكترونية حديثة تؤمن اتصالاتهم بالأقمار الصناعية، وبات يخشى من اتصالهم بالمنظمات الإجرامية الدولية أو اتصال الأخيرة بهم.
3. تطورت تكتيكات القراصنة البحرية بعد أن أمنوا سفينتين كبيرتين – يطلق على الواحدة السفينة الأم – وتحمل بداخلها زوارق مطاردة سريعة تنقلها بعيداً عن المياه الإقليمية إلى أعالي البحار لملاحقة السفن وإجبارها على الاستسلام.
4. استسلام السفن التجارية بدون مقاومة على ركوب المغامرة.
5. يرتبط بما سبق حالة من اليأس في مواجهة القرصنة، بانت في تصريحات الناطقة باسم الأسطول الخامس الأمريكي بأنه لا يمكن أن يكون موجوداً في كل مكان، ومن تصريحات (مايكل هوليت) مساعد مدير مكتب الملاحة الدولية في لندن " أن المخاطر تبدو ضئيلة والعوائد تبدو كبيرة بالنسبة للقراصنة، وأنهم يعرفون أن حظوظ مقتلهم أو اعتقالهم أثناء عملية الاختطاف تبدو قليلة جدا".
6. انعدام التنسيق بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية، فالأخيرة ترى أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن مسؤولية الدول المطلة عليهما، في حين تتحرك القوى الكبرى دون اعتبار لهذا الحق.
ومن الحلول المطروحة للحد من عمليات القرصنة انتظام السفن التي تخرج من مضيق باب المندب أو تعود إليه في قوافل تحميها بوارج بحرية عند إبحارها في منطقة القرصنة، وهو حل تكتنفه صعاب كثيرة مثل:
• تشعب الطرق الملاحية.
• تشعب المسؤولية الدولية.
• اختلاف الوزن والحمولة والكفاءة يؤدي إلى اختلاف في السرعات بين السفن المختلفة بما يعني أن سفينة بطيئة قد تؤخر قافلة بحالها.
• التكلفة العالية لتشغيل بوارج الحماية.
• ضرورة توفير استعدادات خاصة لرسو بوارج الحماية للتزود بالمياه والطعام والوقود والصيانة مما يفرز إشكالات إدارية وقانونية ومالية.
• صعوبة تحقيق نظام المناوبة بين البوارج والأطقم في مناطق تبعد آلاف الأميال البحرية عن مواطنها.
• تجميع السفن في قوافل وهي خارجة من مضيق باب المندب سهل عمليا، عكس الحال في حالة العودة.
8 من المستفيد من عمليات القرصنة البحرية في القرن الإفريقي وخليج عدن؟:
صعد الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الإفريقي في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة وذلك في إطار أهمية منطقة القرن الإفريقي جغرافياً وإستراتيجياً باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية، وباعتبارها أيضا تشرف على مناطق إنتاج ونقل البترول ولأسباب أخرى ثقافية وسياسية. و قد اهتمت الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ هناك في إطار جعل تلك المنطقة منطقة نفوذ وقواعد عسكرية، وفي إطار الرغبة الأمريكية في حصار الدول العربية المطلة على البحر الأحمر عموماً.
وأمام عجز القوى الكبرى وخاصة الأمريكية في التصدي للقراصنة في القرن الإفريقي، يطرح سؤال هل الولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من الوضع؟ أم هي التي تحيك عمليات القرصنة؟. فالمتحدثة باسم الأسطول الخامس الأمريكي (جين كامبل) صرح بان المنطقة التي تشهد عمليات القرصنة أكبر من أن يتم توفير حماية كاملة لها، بينما اعتبر (بيل كورتني) نائب قائد القوات البحرية الأمريكية أن الحادث الأخير يظهر بوضوح قدرت القراصنة على تعديل أساليبهم في الهجوم. ولم يترك رئيس هيئة الأركان الأميركية (مايك مولن) الفرصة لالتقاط الأنفاس من جانب المندهشين من هذا العجز الأمريكي إزاء ظاهرة القرصنة، حيث اعترف بتنامي قدرات القراصنة قبل أن يكشف عما وصفه بخلافات دولية في طريقة التعامل مع القراصنة مشيراً إلى أن البعض يفضل دفع فدية للخاطفين.
ومما سبق يتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دور كبير في عمليات القرصنة في القرن الإفريقي وخليج عدن، من خلال مساعدتها اللوجيستية للقراصنة، وهذا بمعية وتدبير غير مباشر لإسرائيل التي ترغب في تحقيق موطئ قدم عند مدخل البحر الأحمر، باعتباره منفذا رئيسيا لتتدفق من خلاله صادراتها المتجهة إلى أفريقيا واليابان وجنوب شرق آسيا والعكس إلى ايلات، مؤكدا أن إستراتيجية الكيان الصهيوني ترتكز على منع العرب من السيطرة على البحر الأحمر بل على ضرورة إخضاعه لهيمنة الكيان الصهيوني ونزع صفته العربية. بالإضافة إلى أن المشروع الإمبراطوري الأمريكي الجديد هو السيطرة على الممرات المائية الجديدة والسيطرة بحرا بعد فشلها في السيطرة برا.
ولتعليل ما سبق قال عادل سليمان المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، انه كان في الوقت السابق أن القرصنة تجري بشكل فردي لمطالب مادية ولكن الأمر تطور وأصبحت هذه القرصنة تجري على ناقلات نفط وقطع بحرية كبيرة، بالإضافة إلى تصاعد المبالغ المطلوبة "ملايين الدولارات مع العلم أن الجهة التي تدفع لهم المبالغ التي يريدونها لا تصرح بالمبالغ الحقيقية، وأضاف أن القرصنة ألان تحولت لمنظمات كبرى لها استراتيجيات وقواعد وتخطيطات وتكنولوجيا برية للإدارة، وأصبحت شبكة ضخمة مطالبها في ظاهر مطالب مادية ولكن الخوف من المستقبل حيث تصبح المطالب سياسية.
وقد انطلق مدير معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة لتأكيد على ما قيل سابقا من تساؤل مفاده: "من يقوم بهذه الأفعال؟". فتوصل إلى أن هناك 4 جهات هي المسؤولة عن هذه الأحداث وتدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وهم:
القوات الأثيوبية في الصومال.
الحكومة الانتقالية في الصومال وضعفها الذر يع.
الحكم الذاتي في بلاد بنط وميناء ايل هناك والتي تعتبر المصدر الرئيسي للقرصنة.
شركات الأمن الأوروبية الخاصة في الصومال وهناك 3 شركات كبرى أثبتت سيطرتها على الكثير من أرجاء الصومال وهو ما يفسر التقنية العالية التي يتعامل بها القراصنة في اختطاف السفن. كل هذه الجهات تعمل تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية ليطرح سؤال أخر هو لماذا الآن؟ والإجابة هي كالتالي:
الحكومة الانتقالية ضعيفة فمن السهل الانقياد وراء الولايات المتحدة الأمريكية.
الولايات المتحدة تريد السيطرة على الصومال وقد فشلت عندما جربت أمراء الحرب في الصومال وهزموا.
تدخلت الولايات المتحدة بإتحاد المحاكم وفشلت.
أمريكا ومشروعها في الشرق الأوسط على وشك الانهيار والفشل، فبدأت تنطلق من المنطلق الإمبراطوري حيث بدأت في احتلال البحر بدلاًَ من البر لأن هذا أقل تكلفة وأكثر نفعاًَ والدليل على ذلك أن المشروع الإمبراطوري الأمريكي للسيطرة على البحار قد بدأ في الاكتمال فنجدها تمتلك مثلاًَ:( قناة بنما؛ قواعد الخليج العربي؛ وجودها في القوات متعددة الجنسيات في سيناء؛...) ولم يتبقي من البحار إلا أجزاء بسيطة فقط فهي تتحكم في كل ممرات العالم تقريباًَ بأقل تكلف.
كما أن هناك تقرير صدر يرى أن ثمة أجندة خفية تقف وراء قرار مجلس الأمن الدولي، لأن أعمال القرصنة موجودة في أكثر من منطقة بحرية من العالم، ولا يتعامل معها مجلس الأمن الدولي ولا الدول الغربية بالطريقة التي جرى التعامل بها مع القرصنة في القرن الإفريقي وخليج عدن. وقد تجاهل مجلس الأمن الدولي المشكلة الصومالية ومشاكل الدول المطلة، بالإضافة إلى أن هؤلاء القراصنة أوجدوا بأعمالهم الخطيرة مبررا لتكثيف الوجود العسكري الأجنبي، وهو بدوره يشكل خطرًا على دول المنطقة ومنها مصر لأن هناك خشية من أن تتغير مهمة القوات الأجنبية من ملاحقة القراصنة إلى تهديد الأمن القومي لتلك البلدان، وربما إلى مكافحة الإرهاب وملاحقته حتى داخل أراضيها. كما أن الوجود الأجنبي سيضاعف من المشاكل وسينتهك سيادة المياه الإقليمية للبلدان المطلة.
وذكر التقرير بالتفصيل مشروع الكيان الصهيوني لتدويل البحر الأحمر، لما لهذا التدويل من مخاطر على الأمن القومي العربي، ملمحا إلى أن الكثير من المفكرين والمتابعين لحركة الكيان الصهيوني يعرفون أن هذا الكيان زرع في قلب الوطن العربي ليكون بمثابة حامٍ للمصالح الغربية التي أوحت بقيامه ودعمه حتى يكون عصى غليظة يلوّح بها كلما تعرضت مصالح الغرب إلى الخطر أو التهديد.
وأضاف التقرير أن وجود القوات الأجنبية في المياه العربية تحت ستار مكافحة القرصنة يشكل خطراً على الأمن القومي العربي، وقد يصبح كابوسا يمارس الضغط على الأمة العربية، ويزيد من التدخل في الشؤون الداخلية العربية، بما فيها فرض تسهيلات عسكرية لأساطيلهم، وأن هناك مخاوف لدى الدول العربية من تحول منطقة جنوب البحر الأحمر لبؤرة صدام إقليمي ودولي نتيجة تواجد أساطيل الدول الكبرى.
وصفوة القول لقد أظهرت ظاهرة القرصنة في القرن الإفريقي وخليج عدن أن القانون الدولي عاجز عن حماية التجارة الدولية من جهة والممرات المائية من جهة أخرى، كما اظهر هذا العجز القانوني أن الممرات المائية الدولية قد تتحول في آية لحظة إلى نقط سوداء تكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد والأمن الدوليين .
ومن هذا، بات من الضروري الوقوف عند الوضع في شمال إفريقيا حيث توجد جماعات مرتزقة وأخرى إرهابية، الشيء الذي يهدد في أي وقت ممر جبل طارق الذي تمر منه أكثر من 80 بالمائة من التجارة العالمية.
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.