هلال: خطة الاستفتاء أُقبرت منذ ربع قرن ودبلوماسية الجزائر تعاني متلازمة التقزم    القمة العربية بالمنامة.. السيد عزيز أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    طنجة.. التحقيق في واقعة إشهار شرطي مرور سلاحه الوظيفي في مواجهة أحد مستعملي الطريق    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    الصحراء المغربية.. أكاديميون وخبراء يؤكدون بالمحمدية نجاعة مخطط الحكم الذاتي    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    لجنة ال24.. امحمد أبا يبرز دينامية التنمية الشاملة في الصحراء المغربية    طقس الخميس حار نسبيا مع تشكل سحب وكتل ضبابية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    رسالة اليمامة لقمة المنامة    إصدارات: كتاب" توازن بصري " من سلسلة انتباهات فن التشكيل    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    "إف بي آي" يوقف المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بالمطار ويحقق معه حول مواقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي    تصفيات المونديال.. طاقم تحكيمي مغربي يقود مباراة موريتانيا والسنغال    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    هنية: إصرار إسرائيل على عملية رفح يضع المفاوضات في مصير مجهول    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    منتدى عربي أوروبي لمكافحة الكراهية    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    بروكسيل.. معرض متنقل يحتفي بمساهمة الجالية المغربية في المجتمع البلجيكي    فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    الأمثال العامية بتطوان... (599)    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلقات في فهم الحركات الاجتماعية
نشر في لكم يوم 29 - 03 - 2012


" من النضال الطبقي إلى النضال المعولم "
الحلقة -1-
تقديم:
من الصعب أن تتابع دينامية الاحتجاج الجارية في عالم ما بعد انهيار المعسكر الشرقي وسيرورة الثورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، دون أن تكون حاملا لمشروع فكري أو مجتمعي ، منخرطا في الصراع على الطريقة الغرامشية في فهمه للمثقف العضوي ، قادرا على تحيين و تطوير فهمك ومنهجك وآليات تحليلك للتطور، متجردا من أي ولاء عقائدي جامد ، طالما أن الثابت عندك هو قدرتك على التحيين و الاستمرار في مراكمة الفهم ، ومن ثمة إعادة النظر في العديد من المنطلقات، بما فيها تلك المقدمات التي ظن فريق أنها دائما تعكس نفس النتائج و التوقعات أو اعتبرها بمثابة الحتمية من منظور ميكانيكي : المنظورات الماركسية أو القومية و الإيمانية العقائدية أو المفاهيم الليبرالية أو حتى ما بعد الماركسية المعنونة بزمن الحداثة أو ما بعد الحداثة ..أو تلك وضعت نهاية التاريخ " الفوكويماوية ".
ما يعنينا في هذه الحلقة من المقال ، إعادة طرح التأطير النظري لتجارب الحراك الاجتماعي و استثمار النتائج التي صاحبت التنظير لها و التعريف بحلقاتها الصغرى و الكبرى مدارس علومها الاجتماعية و الإنسانية
تاريخ وتشكل الحركة الاجتماعية
الحركة الاجتماعية: أقدم حركة في التاريخ
تعمل الحركة الاجتماعية باعتبارها كلا طبقيا غير متجانس، جامع لفئات متعددة الانتماء ، تلعب أدورا طلائعية وريادية في ملأ الفراغ الناجم عن تراجع دور الأحزاب و النقابات والمؤسسات السياسية وفي ذلك تقدم مساهمة دسمة في صياغة خصائص التاريخ المعاصر بعدما فشلت في صياغة تاريخها القديم ، أكثر مما تقوم به حركات دينية أو سياسية أو طبقية أو قومية ، ولأن نشاطها من حيث دورات التاريخ ظل متناسقا وحيويا ، فإن آلة التأريخ لكل طبقة أو فئة أو نخبة مهيمنة الخطاب ، عملت تعسفا على إنكار حقيقة وجودها الذاتي والموضوعي للحركة ..ولعل التناقضات المأزومة التي صاحبت تطور عجلة الرأسمالية جعلتها تفرز وتحضى بحيز من التمظهر ، بل يشكل خروجها من دائرة العفوية و المحلية إلى الطابع التضامني و الشبكي المعولم إضافة نوعية وكمية .
ظلت هاته الحركة الاجتماعية طيلة القرنين الأخيرين ، تحمل شعارا جامعا ، قد تختلف المفردات حسب كل جغرافية لغة أو اتجاه فكري إيديولوجي ، إلا أنه يحمل نفس المضمون المرتبط أساسا بمطلب جوهري للاحتجاجات : الحرية ،الإخاء ، المساواة وهو نفس الشعار الذي يتبلور اليوم في مطلب : كرامة ، حرية ، عدالة اجتماعية..
في كتابه " الاضطراب الكبير" ، يقول اندريه غندر فرانك ومارتا فويتس عبارة تاريخية عميقة ، لفهم حجم التضليل الذي مورس على الحركة الاجتماعية :" لأن التاريخ يكتبه المنتصرون ، فإن تاريخ المقهورين ...لم يخفيه فقط الأفراد المنتصرين بل كذلك المنتصرين في الحركات الطبقية و القومية خلال سيطرتهم الظاهرية طوال قرنين من التصنيع وتشكيل الدولة...غير أن تاريخ حركات الاحتجاج الاجتماعية الأخرى تعرض للقمع و الإخفاء بما يشبه المؤامرة التي حاكها هؤلاء المنتصرون الطبقيون و القوميون، بوجه خاص تاريخ التداخل بين تلك الحركات الطبقية و القومية بمن فيهم الذكور من الطبقة العاملة " (1)
الحركات الاجتماعية: هويتها وتشكلها
حركة الاحتجاج الاجتماعية تشكلت في ارتباط مع أنماط الإنتاج المتعاقبة ، وطغت في كل حقبة طبقات وفئات اجتماعية مهمشة مطالبة بالتغيير ، كان معبرها أو تمظهرها يتداخل فيه السياسي أو الديني أو القومي . أقدمها حركات النساء المضطهدات و العبيد (ثورة سبارتكوس ، القرامطة و الزنوج ..)، و الفلاحين ، و الحرفيين أو التجار الصغار ، أو السكان الدين أرهقتهم الضرائب أو جور الحاكمين ...
مع ظهور نمط الإنتاج الرأسمالي طفت طبقة جديدة " العمال المأجورين " ،وما صاحبه من إفراز لفئات اجتماعية جديدة أو متجددة : المياومين ، حركات الجماعات المحلية ،المدافعين عن البيئة ، حركة السلام ، السكان الأصليين ، حركة الفلاحين التي ستعيد إنتاج تشكلها الجديد على ضوء حركة التحرر من الاستعمار أو مناهضة الرأسمالية، العاطلون عن العمل ، نظر إليه باعتباره جيشا احتياطيا ،ومع تفاقم أزمة الرأسمالية سرعان ما سيتحول إلى بطالة جماهيرية و مقنعة ، المحرمون من السكن و المهمشون ، المهاجرون ، حركة النساء المنظمة و المتعددة المراجع والتصورات ..ثم الإضافات النوعية التي ساهمت بها الحركة المناهضة للعولمة .
إن تطور الوعي الجماهيري و مساهمة الرأسمالية في بدايات تشكلها وما رافقها من ثورات بورجوازية ، وعمالية ، أفضى إلى نوع من فسيفساء تحصيل دروس البناء ، فمن الخصوصية و المحلية إلى النضال العالمي ضد أسباب الفقر و البؤس الاجتماعي و البطالة و التهميش والمطالبة بالحياة الكريمة ...الخ كلها محاور ارتبطت وتلاقحت مع مطلب السياسي و الاقتصادي لتشكل مطالب شعبية ، ولأن الحركة الاجتماعية هي مجموع التراكم الكمي و النوعي لمكوناتها فإن التاريخ الحديث أمكنه رصد نقط تحول، ليس فقط في الكم من حيث الاحتجاج و المطالب و التنظيم بل في الانتقال من العفوية إلى التنظيم /ومن المحلية والوطنية إلى الشبكات العالمية / من المطالب الجزئية إلى المطالب الكلية – من الانفجار المحدود إلى دائرة الثورات القومية الكبرى / من السلبية و العزوف إلى الوعي بالمهام و المساهمة في وضع برامج الاندماج ...
إن كل حراك اجتماعي عفوي أو ظرفي يفضي بالضرورة إلى حركة اجتماعية طالما لم تلغى أسباب الاحتجاج الرئيسية ، ولأن إمكانية بلورة نمط إنتاج اقتصادي قادر على إشباع رغبات الاحتجاج هو في حكم الطوباوية و المثالية الذهنية المطلقة ، فإن بقاء الحركات الاجتماعية سيظل على طول تاريخ الاحتجاج وفي ارتباط وثيق بعجلة الإنتاج لدى الإنسان في مختلف محيطات تواجده : الفرد والجماعة / القبيلة و القرية / الحي و المدينة / الجهوية و الوطنية / الإقليم و القارة..
إن هده السمات المبرزة للحراك الاجتماعي ، لا تعد بالضرورة تعبيرا عن مرض في المجتمع ،حسب ما تدعيه بعض النظرية المؤسسة ، فاعتبار المجتمع مريض ، يفترض وجود مواصفات معينة لمجتمع سوي .
الحركات الاجتماعية: المفاهيم و المقاربات
المحطات المؤسسة للحركة الاجتماعية الجديدة .
يظهر أن النقاشات الصاخبة بين الماركسية و الليبرالية ، أفضت في جوانبها إلى مدارس تعيد النظر في المنطلقات و الأحكام الجامدة ، لتؤسس لنفسها إضافات نوعية في رصيد الفاعلين التاريخيين في الاحتجاج ( الطبقة العاملة ) وحقيقة موقع الحركة الاجتماعية في تحديد دورها ( من فعلها الثانوي إلى ارتقاءها للعب دور رئيسي في حسم الصراع الاجتماعي و السياسي ) .مستحضرين غنى الأدب التحليلي الذي راكمه التحليل السوسيولوجي وانتقاد بعض رموزه – ألان تورين و بيير بورديو - فكرة ما بعد الحداثة باعتباره فكرا هداما للنمذجة العقلانية ، وعليه فإن زاوية معالجة الحركة الاجتماعية ينبغي أن يمر من رصدها كنسق من التفاعلات في علاقتها مع المحدد الاقتصادي الذي يحدد تناميها ، بعد أن فشلت النظم الديمقراطية الليبرالية في تحقيق مطالبها التاريخية : الإخاء ، المساواة ، الحرية (2) .
لقد ساهم علم الاجتماع في رصد أهم المحطات الرئيسية في تطور الحركة الاجتماعية وما رافقها من مساهمات نظرية ، مختزلة إياها في ثلاثة :
المحطة الأولى ما قبل 1968 : التراث المرتبط باجتهادات منظري علم النفس الاجتماعي والتي انطلقت مع استعمال المؤرخ والباحث الألماني لورينز فون ستاين lorenz von stein سنة 1842 لمصطلح الحركة الاجتماعية باعتبارها تتشكل من مكونات الاحتجاج الرامية إلى البناء و التغيير (3) ليليه منظرين ساهموا في وضع أسس جديدة لفهم الصراع الاجتماعي و الطبقي : هيغل – ماركس - كانط – غرامشي – ونظرية السلوك الاجتماعي مع بارسونز ..
المحطة الثانية 1968-1989: طغى عليها منظرو حركة الموارد البشرية ومنظري الحركات الاجتماعية الجديدة
المحطة الثالثة من 1989 -2007 الإضافة النوعية التي أضافتها الحركات المناهضة للعولمة و أدب المنتديات الاجتماعية المنظرة لتطور الحركة .
ونضيف لها المحطة المفصلية والقوية في تاريخ الصراع الاجتماعي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويبدو أن ما قدمته الحركة الاجتماعية الجنينية في تأثيرها على محور المركز الرأسمالي من ارتقاء سريع من الاحتجاج وفق برامج انتقلت من الإصلاح إلى الثورة المستمرة ، يحتاج إلى دراسة جريئة وفق منظورات جديدة (وسنخصص حلقة خاصة في فهم هذا التطور ).
المحطة الرابعة انطلقت مع الأزمة المالية 2007الى ما بعدها : وتشكل محطات مفصلية في إعادة خلخلة العديد من النظريات وإضافة نوعية في البحث ، من حيث إعادة تناول مفهوم الجماهير المجرمة و سيكولوجية الجماهير و إعادة تجديد القراءات الماركسية على ضوء قدرات الجماهير على التحرك وحسم السلطة دون حزب ثوري ، وطبيعة الأزمة الرأسمالية في علاقتها مع القدرة على التحول والاستمرارية ..الخ ، كما ت رياح التغيير"الربيع العربي " و الهبة الجماهيرية التي حركت الماء الراكد في المجتمعات العربية ، مقدمات لتطور نوعي في مفهوم الحركات الاجتماعية وقدراتها على الارتقاء من وضع إصلاحي دو طبيعة اقتراحية مطلبية إلى طبيعة ثورية جذرية ... (4) ونرى فيها مقدمات أساسية يجب الانكباب على فهم جديدها نذكر بعض سماتها :
- طول النفس الجماهيري في الدفاع عن المطالب و التنظيم و تعبئة الموارد البشرية و التواصل الإعلامي
- الهبة الجماهيرية الغير المرتبطة بموعد سياسي أو زمني فكري ، و التوحد الجغرافي على أرضية هبة قومية ، مع التفاوت الحاصل في التجارب السياسية للأنظمة الحاكمة و الأحزاب المعارضة وإعادة تجديد منظورات بعضها البعض .
- تصدر فئات واجتماعية للاحتجاج ، كانت إلى زمن قريب توصف بالسلبية والبورجوازية ، ولعبها أدوار طلائعية في حسم الصراع الاجتماعي / يقابلها ضعف بنى الطبقة العاملة وترهل أداتها السياسية .
- التواجد النشيط للحركات الدينية وإعادة تجديد تحالفها مع القوى الامبريالية على أرضية معادية لمصالح الثورة الشعبية .
- تنوع المرجعيات الإيديولوجية وتوحدها على أرضية مطالب تحقيق الثورة و القطيعة مع الاستبداد بالرغم من تعدد منظوراتها الطبقية .
بعض المدارس النظرية في سيرورة البناء النظري للحركة
يمكن اعتبار أن أهم المدارس التي رافقت التنظير للحركة الاجتماعية ، تأثرت بشكل أو بآخر بالسجالات التي رافقت التجربة الماركسية من نقد في البناء النظري و المرجعية ، ولذلك نلحظ أن الحركة الاجتماعية قد اغتنت مكتبتها النظرية مع التناقضات التي افرزها النظام الرأسمالي وإيديولوجيات المقاومة التي نشأت عنه ويمكن اعتبار المدارس التالية من أهم المرجعيات التي حاولت فهم طبيعة الحركة الاجتماعية و ميكانيزمات حركيتها :
الهوية و التشكل و الفعل نظرية البراد يغم : ينظر توماس كون إلى تقدم العلم عن طريق مفهوم الثورة العلمية ، فالعلم يتقدم بالثورات ، و يمكن أن نلخص الكيفية اللانهائية التي يصف بها تقدم العلوم كمتوالية :1 ما قبل العلم 2 العلم السوي 3 أزمة4ثورة 5 علم سوي جديد6 أزمة جديدة...يشتغل العلماء داخل البراديغم في ما يسمى بالعلم السوي science normal و المشتغلون بهذا العلم يقومون بصياغة نموذج علمي من أجل توضيح بعض السلوكيات المناسبة التي تم الكشف عنها عبر نتائج التجربة ، ودمجه في وحدة متكاملة ،و يواجه هؤلاء العلماء مجموعة من الصعوبات..ومن ثم نرى أن طبيعة البناء الحركي للحركة ، تجعلها تعيش ديمومة دينامكيية اجتماعية ، تحول دون ركودها أو تحقيقها لاستقرار اجتماعي ،باعتبارها حركة تروم إلى التغيير و التصدي ضد الهيمنة و تحصين الهوية ، عبر الاحتجاج و التكتل على إيقاع دينامية الفرد والجماعة في وثيرة التغيير .
مدرسة شيكاغو : أسسها ParkوBlumer انتعشت في مرحلة الثلاثينيات ، تعتبر من الكلاسيكيات المؤسسة لعلم الاجتماع الحضري ، حققت أول دراسة أمبيريقية تحت عنوان (الفلاح البولندي في أوروبا وأمريكا ل(توماس زنانيكي) عام 1917 'ثم بدأت في إصدار المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع عام 1895' ثم إنشاء الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع عام 1905 كما تم إنشاء أول وأكبر قسم لعلم الاجتماع في العالم ، عالجت نماذج التنظيم الاجتماعي والمساهمة في تطوير أول نظرية عن علم النفس الاجتماعي الخالص مثل نظرية (ميد) عن البحث الامبيريقي في مجالات مختلفة كالأجناس، والمناطق المغلقة ،والانتحار....
الوظيفية أو كما سماها دافيد ماتزا مدرسة شيكاغو الجديدة : أسسها تالكوت بارسونز في الأربعينيات ، كما سيتم تطوير المدرسة مع كتابات وأبحاث جوفمان وإنسيام ستراوس ودافيد جولد ..باعتبارهم مجموعة من الدارسين أسهموا في إحياء الاهتمام بالتفاعلية الرمزية والبحوث الكمية في الستينيات . تقتبس النظرية الوظيفية منطلقاتها من التراث الفكري اليوناني المنطوي على رؤية الأحداث الاجتماعية بأنها مكونة من أجزاء مترابطة مفصليا ً و وظيفيا ً بحيث يكون كل جزء مكملا ً للآخر بنائيا ً وحركيا ً و وظيفيا ً، يعجز أي جزء الاستغناء عن وجود الأجزاء الأخرى عند قيامه بحركته و وظيفته، وهو ما ينطبق على البناء الاجتماعي الحركي باعتباره نسق في أبسط معانيه العلائقية أو الارتباط أو التساند ، و حينما تؤثر مجموعة وحدات وظيفية بعضها في بعض فإنه يمكن القول أنها تؤلف نسقا ً يتسم بخصائص معينة
نظرية السلوك الاجتماعي collective behavior theory): تأثرت إلى حد ما بمدرسة شيكاغو ، نظرية صاحبت فترة الأربعينيات و الخمسينيات من القرن الماضي ، وترى أن تشكل الحركة ينتج بالضرورة عن مجتمع مريض ، يفرز ردود فعل جماهيرية سيكولوجية كالهستريا الجماهيرية و الانفجارات و العنف (وترى أنها قد تصل في ذروتها إلى نماذج مريضة : مثل الحركات الفاشية في ألمانيا، وإيطاليا، واليابان) وفي ذلك تجني على توصيف الحركة التي تتأسس على مطالب اجتماعية أكثر مما هي عرقية أو ثقافية أو سياسية..
إن هذا الامتداد لعلم النفس الاجتماعي سيضع السلوك الجماعي موضع رد فعل منحرف عير منطقي "حيث لا تحتاج المجتمعات السوية إلى حركات اجتماعية " ..
نظرية تعبئة الموارد(البشرية و المادية ): ظهرت مع تنامي نضالات النساء و احتجاجات السود و البيئيين في أمريكا وضع أسسها زالد Zald ومكارثي McCarthy وتقوم على ثلاثة ركائز: 1- لا يمكن اعتبار الفاعل الاجتماعي موضوعا للسيكولوجيا، ذلك أنه يعمل عقلانيا 2- لا تعد واقعية النظرية التقليدية مسألة ملائمة، ذلك أن التحولات الاقتصادية الاجتماعية متجاهلة عند ظهور الفعل الجماعي 3- تعد التنظيمات، على عكس فرضيات نموذج مجتمع الجماهير، المفتاح الذي نفهم من خلاله عمليات التعبئة...أي أنها تربط تشكل الحركة الاجتماعية بوجود موارد اقتصادية وسياسية للفاعلين ،باعتبارها تعبير "عن استجابات منطقية لمواقف وإمكانيات طرأت حديثا في المجتمع " وليست خللا حاصلا فيه .تبتعد نظريات تعبئة الموارد عن الهبات الجماهيرية العفوية ، الذي تفتقد فيه الجماهير إلى الوعي و التنظيم ، وتهتم بالفعل التنظيمي الشبكي و تحصيل الموارد واستثمارها عقلانيا ، مما يفسر ارتكاز نظريتها على دور الطبقة المتوسطة وضعف اهتماها بالفئات الفقيرة وبذلك تكون قد أهملت دور البنى السياسية – نقد Peter singer- على اعتبار " أن اختلاف السياق السياسي و الجغرافي يحدد طبيعة الحركة الاجتماعية " من حيث شكل تمظهرها ونوعيتها .
الحركة الاجتماعية الجديدة: ظهرت في أوروبا لتبرير شرعية وجودها وفرزها ، وتعتبر محطة 1968 فرصة لإعادة النظر في العديد من المنطلقات الإيديولوجية مع ألان تورين في فرنسا و مع البرتو ملوسي بايطاليا وكلوز أوف بألمانيا و كريسي بسويسرا و كلونديرمان و تارريشمن وفيرنانديز بوي باسبانيا ..هي بمثابة التتويج التاريخي النظري لمفهوم الحركة الاجتماعية في اعتبار وجودها انعكاس طبيعي لتناقضات المجتمعات الحديثة وصراع الطبقات : الرأسمالية المتوحشة أو البيروقراطية الناشئة عن الهيمنة الطبقية ،تناقض الفرد والدولة كما ترى في فرزها الحديث انتقالا من الحراك الاجتماعي على أسس طبقية إلى الانتقال التاريخي لتحرير الإنسان في كونيته . حيث تفضي مراجعاته للماركسية التقليدية إلى تقديم إجابات لمجتمع مرحلة ما بعد التصنيع القائم على "البرمجة"، والذي يتميز بأنماط مختلفة تماما من العلاقات والصراعات الطبقية. ففي المجتمع "المبرمج" يشكل التكنوقراط الطبقة المهيمنة، بينما ينتهي دور الطبقة العاملة كفاعل أساسي في تغيير الأوضاع القائمة؛ وبالتالي يرون أن الصراع الطبقي أساسا هو ذو طبيعة اجتماعية-ثقافية.
إلى الحلقة الثانية : سياق تبلور الحركة الاجتماعية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا
الهامش :
كتاب : الاضطراب الكبير : انجاز مجموعة من المتخصصين والباحثين ترجمة -.عصام خفاجي ، أديب نعمة دار الفارابي طبعة أولى 1991 : مساهمة اندريه غندر فرانك ومارتا فويتس بمقال " الحركات الاجتماعية في التاريخ العالمي الحديث "
عبد الرحيم العطري : الحركات الاحتجاجية بالمغرب : مؤشرات الاحتقان ومقدمات السخط الشعبي : دفاتر وجهة نظر عدد 14
جون إتيان : القاموس السوسيولوجي : Hatier باريس الطبعة الثانية 1997 ص 216
راجع المقررات الصادرة عن جمعية اطاك المغرب في باب الحركات الاجتماعية بالمغرب : مقرر صادر سنة 2008 المؤتمر الثالث – مقرر صادر سنة 2012 المؤتمر الرابع .
مركز الدراسات و التثقيف الذاتي بالمغرب C.E.A.E.M الهاتف : 0663529978 البريد الالكتروني: HYPERLINK "https://google.com/profiles" حي الزاوية تجزئة هنية ، 4، ابن جرير
---
*رئيس مركز الدراسات و التثقيف الذاتي بالمغرب
* عضو سابق في السكرتاية الوطنية لاطاك المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.