رفعت رفيعة المنصوري الستار على أكبر فضيحة سياسية أخلاقية، يشهدها المغرب خلال العقود الأخيرة، إذ لم يسبق وأن تحدثت نساء الأحزاب السياسية بشكل صريح وجريء حول ما يعتمل داخل دهاليز الأحزاب السياسية، وما يتكبّدهنّ من مشاق في سبيل تحقيق طموحاتهن المشروعة في حقل رجالي بامتياز. تابعنا جميعا تفاصيل الشكاية التي وضعتها رفيعة المنصوري النائبة البرلمانية السابقة ونائبة رئيس مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة حاليا، ضد رئيس الفريق البرلماني لحزب الاستقلال، متهمة إياه بالتشهير بالحياة الخاصة والابتزاز، واستمعنا جميعا للتسجيل الصوتي، الذي ذاع صيته في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحدث فيه رئيس الفريق النيابي للوحدة والتعادلية بإسهاب حول ما جرى بينه وبين رفيعة المنصوري، بكيفية تسيء للمرأة بشكل عام، وللمرأة السياسية والمتحزبة بشكل خاص. المشهد قد يبدو مألوفا، إذ ما حصرناه في تدافع سياسي حزبي داخلي، غير أن الأمر أخذ أبعاد أخرى وجد متطورة، لأنه سلط الضوء على الجوانب المظلمة في علاقة المرأة السياسية بمحيطها السياسي وغياهب عوالم السياسة والأحزاب السياسية، وما يعتمل داخل دهاليزها من ممارسات شائنة وماسّة بالأخلاق العامة، وما زاد من سريالية المشهد تزامن تفجر قضية رفيعة المنصوري مع احتفالات العالم عامةً والمغرب خاصة باليوم العالمي للمرأة، وكأنما يسخر شهر مارس من جميع أولئك الذين صدعوا رؤوسنا بشعاراتهم الجوفاء وفضفاضة ، أفرغت من محتواها من فرط اجترارها في كل مناسبة وحين، وأصّر مارس على اختبار صدق تلك الشعارات، التي ترفعها المنظمات النسائية والحقوقية. قضية رفيعة المنصوري بغض النظر عن الشخص وتفاصيله، وضعت المجتمع النسوي المغربي أمام محك حقيقي، يختبر انسجام الخطاب والممارسة، إذ باستثناء منظمة نساء فيدرالية اليسار ومنظمة المرأة الاستقلالية، هذه الأخير التي عاشت صراعا مريرا من أجل إخراج بيانها التضامني مع رفيعة المنصوري، باستثناء المنظمتين المذكورتين لم تخرج أية منظمة نسائية أو حقوقية أو مدنية بما يفيد على الأقل تضامنها مع الضحية من باب الانسجام مع ذات وكينونة الحركات النسائية، وهذا الصمت ما هو إلا تأكيد واضح وفادح على كون أن أغلب المنظمات النسائية وبالأخص الحزبية منها، ما وجدت إلا لتأثيث المشهد الحزبي، وبالتالي من لا يستطيع الدفاع عن نفسه فكيف له أن يدافع عن غيره. رفيعة المنصوري تعرضت للقتل المعنوي والرمزي بفعل صمت المنظمات النسائية والحقوقية، أكثر مما تعرضت له من قتل معنوي ورمزي وعنف نفسي ولفظي صدر عن مسؤول سياسي وحزبي، يترأس فريقا برلمانيا لحزب جزء من التحالف الحكومي، والمسؤول على تنزيل المقتضيات القانونية المتعلقة بحماية النساء ، ومنه فإن اللا موقف الذي تبنته المنظمات النسائية، يكرس هذه الظاهرة وهذا السلوك ويعمق من معانات المرأة ، وهذا الأمر يدفعنا لطرح استفهام كبير حول حجم وعدد النساء ضحايا الاستغلال الجنسي والممارسات التعسفية داخل الأحزاب السياسية. لكن بمقابل ذلك، التعاطي الايجابي مع قضية رفيعة المنصوري، سيساهم لا محالة في إنقاذ عدد لا بأس به من النساء الضحايا المفترضين داخل الحياة السياسية المغربية، من يصارعن وحوش أدمية بصمت، كما أن التعاطي الايجابي مع هذه الواقعة، سيساهم بالتأكيد في البناء الديمقراطي ببلادنا، البناء الحقيقي الذي يبوأ المرأة المغربية المكانة التي تليق بها، وإذ أقامت المنظمات النسائية الدنيا ولم تقعدنها في نقاش إصلاح المدونة، الشيء الذي فتح نقاشا عموميا، وتراشق كلامي بين تيارات محافظة وحداثية وتيارات عديدة في مشهد سريالي، وكأننا في بورصة حيث تتم المضاربة بالمواقف والتداول بها، فإن هذا الإيقاع توارى مع انفجار فضيحة المسؤول السياسي آنف الذكر، وكأننا إزاء منظمات نسائية تعاني من متلازمة ستوكهولم، حيث تتعاطف الضحية مع الجلاد. هذا اللا موقف سيعطي انطباعا سلبيا حول مؤشرات المشاركة السياسية للنساء في الحياة السياسية المغربية، وهو المؤشر الذي صرفت عليه ميزانيات ضخمة، على سبيل الذكر لا الحصر مشروع الاتحاد الأوروبي، الذي أشرفت عليه منظمة كونراد، والذي خصص وقتا طويلا وميزانية ضخمة من أجل إدماج المرأة المغربية في الحياة السياسية والحزبية، إذن لا ينبغي أن نستغرب إذ ما صدر تقرير في المستقبل، يضع المغرب في مراتب متأخرة في مؤشرات المشاركة السياسية للنساء وكذا وضعهن داخل الأحزاب السياسية بالمغرب. وعليه فإن واقعة المنصوري، لا ينبغي التعاطي معها كحادث سياسي عابر، وإنما هي محك حقيقي، يمر به المشهد الحزبي المغربي، خاصة أن الحزب المعني بالواقعة مشارك في الحكومة، ويقود وزارة من ضمن مهامها حماية النساء، وبالتالي فإن التطبيع مع هذه الممارسات، ستكون له تداعيات خطيرة على صورة المغرب على المستوى الدولي، كما يمكن أن يتم استغلالها في وقت من الأوقات لنيل من سمعة المغرب، خاصة وأن خصوم البلاد، لا تنام أعينهم للاصطياد العثرات والهفوات، التي تقع داخل المغرب. وعودة لصدور بلاغ منظمة المرأة الاستقلالية، الذي صدر بعد يومين من انعقاد اجتماع مكتبها التنفيذي، وهذا التأخر في إصدار البيان، يوضح الصراع المرير، الذي خاضته نساء حزب الاستقلال من أجل إصدار بيان، يجسد الرد الفعل الطبيعي لجسم أصيب طرف منه، فكان أن تداعى له سائر الجسد، خاصة أن اللا موقف كان سيسجل بخط عريض على نساء الاستقلال، كوصمة عار ونكوص، غير أن المضحك في القضية، هو مهاجمة رئيسة نساء الاستقلال، وكأنها هي من اقترفت ما اقترفه المسؤول في حق زميلته داخل الحزب. في مجمل القول، استبشرنا خيرا بالحملة التطهيرية، التي يقودها الجهاز القضائي ضد قلاع الفساد السياسي وناهبي المال العام، وهي الحملة، التي ساهمت بشكل أو بآخر في بزوغ بصيص من الأمل في المشهد السياسي والحزبي المغربيين، غير أن تفجر فضيحة المسؤول السياسي والقيادي في حزب الاستقلال، أبرزت الحاجة ملحة لحملة تطهيرية للحياة السياسية المغربية من مظاهر الفساد الأخلاقي، وإذا غاب أصحاب الفساد السياسي وناهبي المال العام، وأصحاب الفساد الأخلاقي، فإن المواطن سيستعيد ثقته في الكيانات السياسية لا محالة، وستتبوأ المرأة المغربية المكانة التي تليق بها دون استغلال أو استدراج أو احتقار.