هلال: خطة الاستفتاء أُقبرت منذ ربع قرن ودبلوماسية الجزائر تعاني متلازمة التقزم    القمة العربية بالمنامة.. السيد عزيز أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    أمن طنجة يفتح تحقيقا في إشهار شرطي لسلاحه من أجل توقيف سائق سيارة    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    الصحراء المغربية.. أكاديميون وخبراء يؤكدون بالمحمدية نجاعة مخطط الحكم الذاتي    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    لجنة ال24.. امحمد أبا يبرز دينامية التنمية الشاملة في الصحراء المغربية    طقس الخميس حار نسبيا مع تشكل سحب وكتل ضبابية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    رسالة اليمامة لقمة المنامة    إصدارات: كتاب" توازن بصري " من سلسلة انتباهات فن التشكيل    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    "إف بي آي" يوقف المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بالمطار ويحقق معه حول مواقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي    تصفيات المونديال.. طاقم تحكيمي مغربي يقود مباراة موريتانيا والسنغال    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    هنية: إصرار إسرائيل على عملية رفح يضع المفاوضات في مصير مجهول    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    منتدى عربي أوروبي لمكافحة الكراهية    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    بروكسيل.. معرض متنقل يحتفي بمساهمة الجالية المغربية في المجتمع البلجيكي    فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    الأمثال العامية بتطوان... (599)    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث العلمي بالمغرب ؟


- هل هي أزمة بحث أم غياب بحث؟
- ما هو الهدف من الجامعات بالمغرب؟
- دور الجامعة اليوم في محيطها الإجتماعي؟
- العلاقة بين البحث العلمي و الدعم المادي؟
- التساؤل حول علاقة الجامعة بالتكنولوجيا الحديثة؟
- ما مدى التفاعل بين التعليم العالي والبحث العلمي؟
- ما مدى تماشي الجامعة مع تطورات العصر الحديث؟
- أي دور للجامعة المغربية في ظل الجهوية وفي ظل السعي إلى استقلاليتها؟
الجامعة المغربية: أي هدف؟
أهم محطة بالنسبة للوضعية المؤسساتية يظل إلى حد الآن هو سنة1975 المنظم للجامعة، والذي حدد في فصله الأول مهام الجامعة في"تلقين التعليم والقيام بالبحث العلمي وتكوين الأطر والمساهمة في نشر المعرفة والثقافة".
و منذ 1980، بدأ المسئولون في إصلاحات بيداغوجية مبتورة، تحت دعاوى مختلفة وحيثيات متعددة تتخذ من بعض الشعارات العامة كالتجديد البيداغوجي وعقلنة التكوين وترشيد التسيير متكئا لها في الوقت الذي لا تشكل فيه في الحقيقة سوى استجابة وانفتاحا على توصيات المؤسسات الدولية.
و منذ المؤتمر الخامس إلى السادس للنقابة الوطنية للتعليم العالي تم طرح مشروح إصلاح شمولي للجامعة المغربية يتعلق بالجانب البيداغوجي والنظام التربوي: الهياكل الجامعية، البحث العلمي ونظام الدكتوراه والنظام الأساسي للأساتذة الباحثين.. وتم التبني الرسمي لهذا الإصلاح الشمولي في إطار المؤتمر السادس (دجنبر 1996).
وعلى العموم ومنذ جامعة الستينات والسبعينات التي كانت مجالا للاتجاهات المختلفة سياسيا وثقافيا وإيديولوجيا، مرورا بالتسعينات إلى التخصص المدقق والمنفتح على الحقول المعرفية والعلمية المتباينة، فما تزال الجامعة تهتم ب (التاريخيات، الآداب القديمة، الإسلاميات...) وتغليب العتاقة والعمومية على الحداثة والبحث الدقيق.
فهل نستطيع القول أن الجامعات اليوم تعرف مدارس ثقافية؟ أم هي الوعي الحاد بالتكرار والاجترار واللاجدوى الذي من الضروري أن يولد القطيعة والتجاوز والرغبة في الخروج من العبث في البحث العلمي. إن نظام التعليم العالي مصاب بالانعزال والابتعاد عن التحولات التي عرفها المجتمع، والتي عرفها العالم فأصبح عاجزا كل العجز عن الإسهام بنصيبه في مسلسل التنمية والاستجابة لما تفرضه الحداثة في هذا العصر.
إن المشكل الجوهري بالنسبة للتعليم العالي ببلادنا هو أننا لا نعرف بعد الهدف من وجود الجامعة. لقد كان الهدف حتى السنوات الأخيرة هو إنتاج الموظفين وأطر الدولة، ولكن تغير كل شيء وسوق العمل لم تعد لها علاقة بالجامعة، بل إن عملية الاختيار بقيت متروكة للطلبة، و50 بالمائة من هؤلاء يختارون كلية الحقوق لأنهم يتصورون أنها توفر فرصا أكبر لولوج سوق العمل مقارنة مع كليات الآداب والعلوم وهذا يعكس أن الدولة ليس لديها أدنى تصور حول موضوع توجيه الطلبة نحو مناطق محددة من سوق الشغل المنتج والمفيد للدولة..
فأصبحت الجامعات المغربية بذلك مؤسسات لتفريخ البطالة لأنها لم تواكب التحولات العميقة على المستوى الاجتماعي وسوق العمل. و أصبحت كآلة صدئة في مصنع هائل الضجيج لتخريج طوابير العاطلين من حملة الشهادات ذات القيمة المتدهورة! إنه وضع شديد المفارقة في بلد يحتاج إلى كل خدمات الأطر والتقنيين من كل صنف نفقات طائلة على تكوين هذا الكم الهائل المفرغ من أي فائدة لبلاده.
حقيقة مؤسفة يتوصل إليها الباحث في موضوع البحث العلمي بالمغرب وهي أن بلادنا تعيش أزمة "بحث" بل نستطيع القول إنه لا يوجد بحث بالمغرب بالمفهوم الصحيح للبحث العلمي، بالنظر إلى الحصيلة التي تصدرها معاهد ومؤسسات البحث العلمي، ذلك ناتج عن توجهه وجهة بعيدة عن غاياته وأهدافه.
صحيح أن الانتماء للجامعة هو مفخرة، لأنه انتماء للعلم وللحرية وانتماء للنضال من أجل القضايا العادلة.
لكن في ظل الوضعية المزرية التي تعرفها جامعاتنا؛ معاناة الطالب مع النقل والمنحة والنقل والسكن والاكتظاظ وتشتت مرافق الجامعة والحياة الجامعية والإرهاب النفسي للبوليس في الجامعة والأحياء الجامعية... كيف ننتظر من الجامعة أن تلعب دورها كمركز إشعاع وقطب تنمية في الجهة في ظل هذا الجو المشحون و الموبوء.
ثم إذا قارنا الميزانية بالنتائج العلمية فإن أرخص البحوث العلمية في العالم، يوجد في المغرب! إننا مطالبون اليوم بإحداث صندوق وطني للبحث العلمي، تموله الدولة والجهة والفاعلون الاقتصاديون في الجهة، والمؤسسات والمعاهد والهيئات الأجنبية، وتنسيق الإنتاج بين البحث العلمي والمصانع والمقاولات الكبرى في نوع من الشراكة. إن الجامعة المغربية اليوم مطالبة بإقناع الفاعلين الخواص بجدوى استثمارهم في هذا القطاع.. لأن ذلك يوفر لهم الأطر المناسبة، مما يضمن مردودية أفضل. لقد أصبحت المصائر تقدر بمدى نجاح البلاد علميا، وليس اقتصاديا، لأن الاقتصاد أصبح يحتكم إلى العلم.
لقد ركز الإصلاح الجامعي على الجانب البيداغوجي وهو عنصر مهم، لكن الطالب والباحث المغربي، بكفاءته التي برهن عليها أثبت أن الدعم المالي هو الأهم وأهم ما ينقص البحث العلمي بالمغرب. إذ يخشى في ظل هذه الوضعية أن يتفاقم سعر الحصول على الشهادات في المعاهد والجامعات العمومية، مما سيكرس تعليما طبقيا قد لا يخدم المجتمع. فواقع الأحياء الجامعية بالمغرب، الذي يؤكد أن 15بالمائة من مجموع الطلبة فقط الذين يستفيدون من خدمات الأحياء، و سوء التسيير والمحسوبية، تراجع الإشعاع الثقافي للأحياء، ضعف المنحة، قلة الأحياء والسكنات الجامعية، صعوبة الحصول على الوجبات الغذائية الجامعية وكذا صعوبة الوصول للكتب، إضافة إلى مشاكل النقل بين عدة ملحقات للكلية الواحدة وبينها وبين الأحياء الجامعية...
تلك هي المشاكل التي تعرقل وتحبط البحث العلمي وغيرها وسد أية آفاق. كل مرحلة تعليمية نضال يومي بالنسبة للطالب على كل المستويات. إن الأمن المادي والنفسي للطالب هو المحرك الحقيقي لتطور البحث العلمي بالمغرب. فالمنحة لا تكفي أبدا؛ لأن المنحة هي مساعدة فقط، ولابد من خلق حلول كالتعامل التفضيلي مع الباحثين في المغرب في النقل و الإقامة و المكتبات...
ونتساءل أيضا حول نقطة أخرى؛ نتساءل عن طبيعة التدريس التقليدية التي لازالت تزاول، والمبنية على الإلقاء و التلقين و الحفظ و إرجاع البضاعة في الامتحانات، بينما حل التدريس التفاعلي محل المحاضرة في البلاد المتقدمة. حيث أصبح دور الأستاذ في التعليم العالي هو دفع طلابه إلى التمحيص والتدقيق والتحليل والتفسير، وتطوير مناهجهم وأدائهم وكيفية البحث واقتناص المعلومات.. بينما لازالت سيادة ثقافة الصمت في التعليم المغربي (الرواسب الفقهية في التعليم والتي نقدها ابن خلدون في القرن الرابع عشر الهجري)، حيث أصبح معتادا أن تدخل قاعات الدرس ونجد تلاميذ وطلبة جد مستلبين حتى أنهم يرفضون التحدث خلال الدرس. ذلك بسبب قضاء سنوات في غباء نقل المعرفة وفي دروس مملة يطبعها الحكي والسرد، حيث أصبحوا مجرد متلقين منفعلين ينتظرون من الأستاذ أن يحدد لهم القواعد التي يتصرفون على أساسها. وفي ظل الملل يسافر التلاميذ ويمارسون أحلام اليقظة هروبا من الروتين، ثقافة فرض المعلومات وشحنها في أدمغة المتلقين والمطالبة بها بشكل تعسفي جبري أيام الامتحان حيث يعز المرء أو يهان. هذه هي المعادلة التعليمية المغربية، والتي هي امتداد للتعليم الفقهي الذي يحاول تعويد التلاميذ على طاعة أوامر السلطات وتنكرهم لفكرهم النقدي الخاص، وبالتالي لذواتهم. إن الغاية القصوى للتعليم الجامعي لا تنحصر في تكوين متلق يقف عند حدود تلقيه للجاهز الذي لا تكون له مساهمة فيه، ويكتفي بترديد هذا الجاهز عند الحاجة إلى ذلك، فالغاية هي تكوين ذات تصبح قادرة بعد استيعابها للمعطيات والمعارف والتقنيات والمناهج التي قدمت لها في التعليم الجامعي، على استخدام ما قدم لها في سبيل التفكير في معطيات جديدة، وفي سبيل العمل على تصوير المناهج والتقنيات، وفي سبيل المساهمة في طرح إشكالات جديدة تكون لها قيمتها على صعيد ميدان التخصص الذي هي فيه، و ترك الحرية للمتلقي ليصبح في المراحل العليا ذات تشارك في بناء معارفها.
مهزلة أخرى تنضاف إلى طريقة التعليم تنضاف على اللائحة و هي مهزلة البحوث التي تنجز في كل القطاعات، و التي لا تؤدي المهام المنوطة بها. فأغلب هذه البحوث والدراسات ممولة من طرف مراكز قرار غربية (دول أو منظمات) وبالتالي فهي مرتهنة بإكراهات وتوجهات وتوصيات مصادر تمويلها. و حتى البحوث المنجزة جامعيا فإنها تبقى -رغم جودتها العلمية- على مستوى استثمارها وتوظيف نتائجها وتوصياتها، مهمشة أو حتى منسية في رفوف خزانات المؤسسات الجامعية. وأغلبية البحوث لا يمكن وصفها بالعلمية بقدر ما هي تقارير استقصائية ذات طابع حكوي وصفي وتجميعي في أحسن الأحوال، خالية من أية آفاق تحليلية أو إشكالية.
وفيما يخص النشر فإننا نسجل أن النشر الجامعي بالمغرب كم بدون استراتيجيه، حيث الزبونية والصداقة هي جواز الطبع مع تهميش أعمال أخرى وتأخيرها لسنوات، أو بقاءها على الرفوف دون اهتمام رغم ما بذل فيها من جهد فكري ومادي ونفسي..
ومن الأمور التي تدل على عدم وجود استراتيجية واضحة للجامعة المغربية هو أنك مثلا لا تجد أن هذه الجامعات المغربية تتوفر على متخصصين مهتمين بالدول الأجنبية أو بقطاعات معينة إلا في النادر، وعلى سبيل المثال فإنك لاتجد متخصصا مغربيا في دولة مثل موريتانيا أو الجزائر وهم الجيران الأقرب لنا، ناهيك عن الهندوجنوب إفريقيا وماليزيا وغيرها...
ورغم المهام التي أوكلها مشروع ظهير 1975، المنظم للجامعات وهي 5:
- تلقين المعرفة
- تكوين الأطر
- المشاركة في التسيير عن طريق الشعب ومجالسها
- القيام بالبحث العلمي
- المشاركة في الإشعاع الثقافي والفكري للبلاد.
فإن الجامعة المغربية ظلت بعيدة كل البعد عن البند الخامس والمتمثل في "المشاركة في الإشعاع الثقافي و الفكري للبلاد"، بل وعاشت في شبه عزلة عن محيطها الاجتماعي والاقتصادي..
ومع محاولات الإصلاح الأخيرة فقد تم من ناحية أخرى تحديد المحاور ذات الأسبقية والنفع في ميدان البحث العلمي وعقلنة التعليم والبحث العلمي. وهو في نظرنا من بين أهم ما جاء به الإصلاح بعد سنين من لا جدوى كثير من المواد والشعب، أو على الأقل حصر كميات المتخرجين منها وفتح أبواب شعب وتخصصات أخرى يتطلبها العصر.. فيكون البحث العلمي بذلك مجددا لنفسه و باستمرار و متماشيا مع متطلبات العصر.
السلك الثالث و الدكتوراه
ولنعالج تجربة السلك الثالث و الدكتوراه الوطنية على ضوء الإصلاح الجامعي الجديد؛ لقد تم تقليص عدد الطلبة من أجل التكوين وضمان المردودية، وتم وصف نظام الوحدات بالإيجابية والفعالية. و في النظام السابق كل حامل لشهادة الإجازة وتوافرت فيه أدنى الشروط يرشح نفسه للدراسات العليا، أما النظام الحالي فيعتمد نظام الانتقاء بعدد محدد من الطلبة الباحثين و بمواصفات محددة. كما أصبح من اللازم تفرغ الطالب-الباحث للدراسة، وأصبحت الميزة ليست محددا أوحد بل مؤشرا فقط في اختيار الطلبة. لكن من جهة أخرى أصبح السلك الثالث برج مراقبة للتحكم في إعادة إنتاج النخب البورجوازية، وكان من المفروض أن يكون فضاء للبحث العلمي وليس فضاء لتكريس منهج التلقين والاستظهار.
صحيح أنه مع تقليص العدد، العملية التواصلية أصبحت أنجع، لكنك عندما تدخل إلى القسم في إحدى الوحدات تحس بأجواء التلاميذ والمدرسة، فالكل ينتظر الأستاذ ليتكلم وهو طاو يديه، لا تحليل ولا نقاش ولا اعتراض أو رأي مخالف أو تدخلات بشكل يدل على النضج والحرفية.
بل الكثير من الأمور تطرح على محك هذه التجربة؛ ومنها التساؤل حول معايير الانتقاء، هل هي انفرادية أم موحدة؟؟ تجد أن المعايير ليست كذلك و ليست هناك معايير مشتركة على الأقل في اختيار العناصر القادرة على التكوين و البحث العلمي بالمغرب، بل تتدخل اختيارات ذاتية عند رؤساء الوحدات لتتحكم في الانتقاء.. بل يتعدى الأمر إلى مرض آخر تعاني منه الجامعة وهو الاقتصار في قبول الترشيحات على:
- ملفات زبونية.
- طلبة موالين لجامعة معينة فقط.
ثم هناك إشكالية أخرى فالطالب تنقطع صلته بالكلية بمجرد مناقشته للرسالة، أي غياب التتبع من طرف وحدة التكوين والبحث للباحث الذي يحضر الدكتوراه وتبقى العلاقة فقط بينه وبين الأستاذ المشرف الأمر الذي يدل على وجود خلل:
- عدم انسجام الوحدة كخلية عمل وسلطة الأساتذة التي تستمر بشكل سلبي وشخصي لا مبرر له.
- غياب إستراتيجية واضحة في عمل الوحدة، (منجزة من طرف الباحثين والأساتذة سويا) تكونبمثابة عقد عمل. فغالبا ما ينفرد الأساتذة بالعمل دون إشراك طلبتهم في تنظيم اللقاءاتوالندوات وأنشطة مفترضة للوحدة (خرجات علمية ثقافية تواصلية، مجلة، كتاب جماعي أو ترجمة.. من إنجاز الطلبة)
- غياب العنصر المادي كأهم عنصر لدى الطلبة الباحثين يعرقل تواجده بالكلية الأم وبالمعاهدوالمكتبات والجامعات الوطنية، والندوات والملتقيات.. مما يعرقل الإنجاز الجاد والمتميز لرسائلهم وأطروحاتهم.
فهل يمكن القول أن الإصلاح الذي استهدف(السلك الثالث) وصل إلى النفق المسدود؟؟ خصوصا و أن الأمر زيد تعقيدا في ظل جحافل الخريجين الذين يؤثثون فضاء شارع محمد الخامس يوما عن يوم. فأي جديد هذا الذي أضافته هذه الإصلاحات، لنقول أنها تختلف عن النظام القديم شكلا ومضمونا!
وبالنسبة للدكتوراه الوطنية في حلتها الحالية، فقد قررت وزارة التعليم العالي في أواسط التسعينات تغيير النظام الخاص بالدكتوراه حتى تساير ما يمكن تسميته بالنظام العالمي لشهادة الدكتوراه. وهكذا ألغت شهادة الدراسات العليا التي كانت تعادل دكتوراه السلك الثالث الفرنسية و شهادة دكتوراه الدولة لاعتماد دكتوراه واحدة هي الدكتوراه الوطنية، متبعة في قرارها هذا القرار الذي اتخذته فرنسا سنة 1984.
و الجدير بالتذكير أن القانون المنظم للدكتوراه الوطنية المغربية لا يختلف في أي شيء عن النظام الفرنسي المتصل بالدراسات العليا، حيث يمكن القول إن وزارة التعليم العالي المغربي خلقت دكتوراه جديدة تبنت في تقنينها نظام الدكتوراه الفرنسية في مختلف بنوده. فنظام الدكتوراه الوطنية المغربية جاء نسخة طبق الأصل على غرار الإصلاح الجامعي الفرنسي لسنة 1984م. وذلك ما جاءت به مقتضيات الإصلاح الجامعي لشهر فبراير 1997م.
و الحصيلة؟
لا تتمثل مشكلة البحث العلمي بالمغرب في الميزانية وحدها أكثر من تحديد الأهداف التي نريدها من هذا البحث ومن هذه الجامعة بشكل عام، لأنه عار في حق بلد عربي كالمغرب أن يستورد القوالب والتجارب الجاهزة من هنا وهناك وهي معدة للتلائم مع الدول التي أنشأتها وليس مع تربة المغرب الثقافية و الاقتصادية و البشرية.. من هنا تنبثق ضرورة وضع إستراتيجية محددة للبحث العلمي دون ارتجال أو عفوية، تكون نابعة من خصوصيات المغرب والمغاربة والمعطيات الواقعية محليا ودوليا وتلبي الحاجيات المغربية في ميدان البحث.
فرغم هذه التخمة الزائدة عن اللزوم من الندوات والموائد المستديرة والمربعة! والأيام الدراسية والملتقيات العلمية وهذا الزخم الهائل من الأساتذة الباحثين فما هي النتائج والحصيلة النهائية؟ ما الذي تحقق لدعم تطور البلاد والعباد؟ ورغم مرور أزيد من 50 سنة عن استقلال البلاد، لم نستطع الوصول إلى منهج قار ومحدد لتعليم أبنائنا تعليما يلاءم حاجيات بلادنا وتطلعات شبابنا.
إننا محتاجون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى جعل البحث العلمي ينخرط بفعالية في مسلسل التحديث والدمقرطة لأنه السبيل الحقيقي للتقدم، وانطلاقا من التفكير والبحث الجاد في دور التعليم العالي والبحث العلمي في هذا المسلسل من خلال استراتيجية واضحة ومحددة المعالم ومن خلال نقاش واسع ودائم بين المعنيين بالأمر (أساتذة، باحثون، فاعلون سياسيون..) هذه العملية التي لم نشرع فيها لحد الآن!
كما نقترح في ظل نظام المسالك الجديدة، الاستعانة بالباحثين حاملي الشهادات العليا والدكتوراه، هذه الطاقات الشابة والتي تحمل فكرا مغايرا عن الفكر التقليدي الذي ساد ولا يزال في جامعات ومعاهد البحث بالمغرب..
إن البحث العلمي بالمغرب مشي السلحفاة، بحث يتجه بالتعليم نحو "التبرجز" بدل المدرسة الوطني، ناهيك عن أن المغرب لا يتوفر على رؤية واضحة للبحث العلمي.
و اليوم، يتم المناداة بقوة على مبدأ ترسيخ استقلاليته تماشيا مع السياسة الجهوية التي ينهجها المغرب، لكن جهوية الجامعة واستقلاليتها تستوجب شروط الكفاءة، إدارة جيدة، ضمير مهني. الأمر الذي يفتح الباب مشرعا على موضوع كبير، وهو علاقة البحث العلمي بالتنمية الجهوية.
الأمر الذي أشارت إليه رسالة ملكية سنة 1999م، جاءت بمجموعة من التوجيهات، منها أن الإصلاح ينبغي أن يكون مسارا للتوجه العالمي الجديد حتى تكون الجامعة قادرة على المنافسة في النهضة والتنمية.
إننا اليوم نعيش إشكالات متداخلة تصب إحداها بالأخرى و تتشابك معها.. فقوة التعليم العالي والبحث العلمي كما هو معروف لدينا من خلال تجارب الدول في العالم المتقدم تكمن في طاقته البشرية، وفي ظرفية كالتي يعيشها الأستاذ والطالب و البحث في ميدان البحث العلمي عموما؛ حيث الجانب المادي لدى هذه الفئة المذكورة هو أهم ما غاب في الإصلاح. نحن بحاجة حقيقية إلى خريطة جامعية وخريطة مكتبية وبطاقة طلابية تخول لصاحبها حسب التراتبية صلاحيات تساعده على الدرس والتحصيل والبحث العلمي... إن المعرفة اليوم بحر تلعب فيه تقنيات التواصل دورا هاما، لتسارع الوسائط التي تساير سرعة التدفق المعرفي التي أصبحت تمس كل القطاعات.(الإنترنيت، المجلات والكتب المتخصصة، ضرورة التنقل لحضور الندوات العلمية المتخصصة، التنقل بين المكتبات الوطنية والخاصة... وهذه كلها مصاريف تفوق طاقة الطالب بكثير). خصوصا ونحن نسير أكثر فأكثر نحو عالم أصبحت فيه المعرفة صناعة و منتوجا مسعرا.
إننا نؤكد في نهاية هذا المقال أن القانون لا يعني شيئا في غياب وعي حقيقي لدى المسئولين. وحين يوضع نظام التعليم في دولة ما موضع سؤال و تساءل، فإن ذلك يعني أن سيرورة التنمية بأكملها تكون موضعا لهذا السؤال ذاته، و أن مستقبل ذلك البلد في خطر محدق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.