صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    طقس الأحد.. ثلوج وأمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة    عاجل.. الاستقلاليين صوتوا بالإجماع على نزار بركة أمين عام لحزب الاستقلال لولاية ثانية    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    العثور على شاب منحور بباب مستشفى طنجة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بعد تداول الفيديو.. توقيف شخص بطنجة لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة و اعتراض السبيل    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    حكيمي ينقذ فريقه من هزيمة قاسية أمام لوهافر    بعد إعادة انتخابه زعيما ل"الميزان".. بركة يتطلع إلى تصدر المشهد السياسي    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    أولمبيك آسفي يتعادل مع ضيفه اتحاد طنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    الجيش الملكي يستنكر "الأخطاء التحكيمية" في مباراة الحسنية ويشكو الرداد للجنة التحكيم    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    حكيم زياش يبصم على أداء كبير رفقة غلطة سراي التركي    اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون "خدعة" أو مقدمة لحرب مدمرة    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الرئيس الفلسطيني وزعماء دوليون يعقدون محادثات بشأن غزة في الرياض    بعد مشادات مع كلوب.. صلاح: حديثي سيشعل الأمر    الأمثال العامية بتطوان... (584)    توافد غير مسبوق للزوار على المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    زلزال قوي يضرب سواحل جاوا بإندونيسيا    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث فى ذكرى المولد النبوى الشريف(صلى الله عليه وسلم)
نشر في محمدية بريس يوم 23 - 01 - 2013

الحمد لله، نستعينه، ونستهديه، ونتوب إليه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونُثني عليه الخيرَ كله، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له ومَن يضللْ فلا هاديَ له.. نشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه؛ بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن دعا بدعوته واهتدى بهديه وسارَ على سنته إلى يوم الدين.
أما بعد.. يأتي شهر ربيع ويأتي معه الخير، وتأتي معه الذكريات الغوالي التي تُذكِّرنا بميلادِ المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وهو ميلادُ أمة، وهو ميلادٌ للحياة، وهو ميلادٌ شرَّف الله عز وجل به هذه الدنيا، وقد سُئل النبي- صلى الله عليه وسلم- من الصحابةِ فقالوا: صفْ لنا نفسك!! فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبُشرى أخي عيسى، ورؤيا أمي آمنة".
أما دعوة إبراهيم عليه السلام ففي قول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ(127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ(129)﴾ (البقرة).. أما عيسى عليه السلام وبشراه، ففي قول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ (الصف: من الآية 6)، وأما رؤيا آمنة فإنها رأت عند مولده- صلى الله عليه وسلم- أنَّ نورًا خرج منها فأضاء ما بين السماء والأرض.
وسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- الصحابةَ: مَن أنا؟ فقالوا: "أنت رسول الله"، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إنَّ الله لما خلق الخلق فرَّقهم فرقتين فجعلني من خيرهم فرقةً ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلةً، ثم فرَّقهم بيوتًا فجعلني من خيرهم بيتًا، فأنا من أطيبكم بيتًا ومن أطهركم نفسًا".. صلى الله عليه وسلم.
والآية التي معنا وهي دعوة إبراهيم عليه السلام آيةٌ عجيبةٌ تكررت في القرآن في أكثر من مرة، ومنها ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 164) استجيبت الدعوة.. ادخرها المولى تبارك وتعالى، واستجاب لها في الوقتِ المناسب وفي الظرف المناسب، وفي لحظةٍ من التاريخ كان العالم في أشدِّ الحاجة إلى مَن يأخذ بيده ويهديه الصراط المستقيم، فهي منَّةٌ وهي نعمةٌ وهي فضلٌ وهي كرمٌ من المولى تبارك وتعالى.. ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(164)﴾ (آل عمران).. وهذه الآية تكشف لنا عن طبيعة الرسالة وعن طبيعة المنَّة، وعن طبيعة النعمة، وعن مدى الفضل الذي تعطَّف به المولى تبارك وتعالى على البشرية.
فنظرة سريعة حول العالم أو إلى العالم قبل أن يتشرف بهذه الرسالة، كان هذا العالم أشبه بمخمورٍ يتخبَّط؛ إذا أفاق لحظةً رجع إلى سُكرِه لحظاتٍ، كل شيءٍ في غير موضعه، تمامًا كما يستولي الطفلُ في البيت على علبة كبريت وتُلقى هكذا كل ثقاب في مكان، عالَم بَشِعٌ لا مكانَ للمرأة، لا مكانَ للرجل، لا مكانَ للعقيدة، لا قِبلةَ، لا كتابَ، لا منهجَ، إنما هي الكهانة والسحر والشعوذة ونبوءة الغيب والتطير إلى آخره، فجاء الإسلام لِيُعيد بناءَ هذا العالم كما أراده المولى تبارك وتعالى، كل شيء يُوضع في محله، كل شيء يُوضع في مكانه تمامًا، كما إذا أتينا بعاملٍ لا يعرف شيئًا عن السيارة وقلنا له أصلحها فجاء بمفتاحٍ وفكَّها وألقاها أمام البيتِ كل جزئيةٍ في مكان، وقال لك هذه هي السيارة، فجاء الإسلامُ ليعيد تركيب العالم، تركيب عقل الإنسان وقلب الإنسان ومشاعر الإنسان، ومكان المرأة، ومكان الرجل، وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان.
كان منظر الرق فقط في العالم قبل الإسلام وصل إلى سبعةَ عشرَ لونًا، الناس يَستعبدون بعضًا، ومن ألوان الاستعباد أن يكون لغنيٍّ على فقير دَينًا ويعجز الفقير- لا يستطيع السداد- فيقول له: تعال أنت رقيق عندي بهذا الدَّين أنت عبد لي وتظل رقيقًا وتظل عبدًا وتعمل إلى أن تسدد هذا المبلغ.
إذًا هي منة كما قال عمر: "إنما يعرف الإسلامَ مَن عاشَ في الجاهلية"، الذي ابتلي بنارِ الشر هو الذي يعرف طعم الخير، الذي ذاقَ مرارة البُعد عن الله ومرارة المعصية لله هو الذي يعرف طعم الطاعة والإنابة والإيمان بالله عز وجل.
مهمة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كما بينتْها لنا الآية يتلو ويُزكي ويُعلِّم، فالتلاوةُ بمفردِها لا تكفي، لا بد أن يتبع القول العمل، وكلمة يُزكِّي تحتها كل معاني التربية وإخراج الإنسان من دوائرِ المعاصي والذنوب وتطهيره، ونقله إلى الجانب الآخر؛ إلى جانب الطاعة، إلى جانب الطهارة، إلى جانب النقاء.
يقول أحد الصحابة بعد أن أسلم وهو يسخر مِن عَقله يوم أن كان على الشرك، يقول: "كنا نسافر ومعنا خمسة أحجار أو ستة نجعل أربعةً للقِدر، القِدرُ في الصحراء يُوضع فوق أربع أحجار لتُوقد تحته النار، أما الخامس فننصبه ونعبُده ونطوف حوله، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا حصوةً من الترابِ، كمية من الرمل ووضعنا عليها شيئًا من الماء أو مِن اللبن ثم عبدناها من دون الله.
الإنسان ما وصل إلى مرتبة الإنسانية إلا بطاعته لله عزَّ وجلَّ إلا بعبادته وعبوديته لله، فإذا عبَدَ الشجرَ وعبَدَ الحجرَ وعبَدَ الترابَ وعبَدَ البقرَ وعبَد الأنصابَ والأزلامَ.. انتهى.. مات، انتهى عقلُه وانتهى قلبه وانتهت مشاعره، انتهى كإنسانٍ لا يصلح لشيء.. ماذا بقي له من الإنسانية إذا قدَّس الأبقار؟! ماذا بقي له؟ ما قيمته؟! ما وزنه ؟!
ولذلك سيدنا جعفر لما وقف أمام النجاشي وسأله النجاشي: "ما هذا الذي غيَّركم؟ وما الذي كنتم عليه؟ قال له: "كنا أهل جاهلية، كنا أهل شرٍّ، نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، ونُقطِّع الأرحام، ونُسيء الجوار، والقويُّ منا يأكل الضعيف، حتى بعث الله فينا نبيًّا منا، نعرفُ نسبه وحسبه، فدعانا إلى الإسلام، دعانا إلى عبوديةِ الله وحده، دعانا إلى حفظِ الأرحام والجوار، دعانا إلى النصفة إلى العدل، فآمنا به وصدقناه فعدا علينا قومُنا وأخرجونا من مكةَ".
فنظر النجاشي وأخذ عودًا من الأرضِ وقال: إنَّ هذا الذي تقول والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاةٍ واحدةٍ، فنفر البطارقة في مجلسه فقال لهم: "وإن نفرتم"- أي وإن لم يُعجبكم هذا الكلام- ثم قال لجعفر رضي الله عنه ومَن معه: "أنتم آمنون، أنتم آمنون، أنتم آمنون، والله لو كان لي جبلاً من ذهبٍ لتمنيتُ أن يذهبَ وأن تبقوا أنتم، مَن ضرَّكم عُذِّب وأُوخِذ، ثم قال للذين جاءوا من مكةَ: "رُدُّوا عليهم هداياهم وأرجعوهم، وأمَّن المسلمين بمجرَّد أن سمع جزءًا من سورة مريم أو سَمِع كلامًا من جعفر- رضي الله عنه- عن طبيعة الشركِ وعن أخلاق الإسلام وأخلاق الإيمان.
رسولنا- صلى الله عليه وسلم- هو النعمة المهداة هو الرحمة لا لنا، لكن لكل مَن به عقلٌ على ظهرِ الأرض.
بالأمس القريب جاء عالمٌ إنجليزيٌّ إلى مصر وحضرَ مؤتمر السيرة، فسمع قولَ الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (فاطر: 27، 28) قال: أسمعوني هذا الكلام مرةً أخرى فسمعه، قال: أسمعونيه مرةً ثالثة فأسمعوه، قال: هذا في قرآنكم قالوا: نعم.. قال: أشهد أنَّ هذا النبي رسولٌ مِن عند الله، ما الذي يُعْلِمه هذه الأشياء وهو في صحراء؟! هذه الآية فيها علم النبات والثمار المختلف ألوانه وفيها علم الأرض طبقات الأرض، والذي يذهب إلى اليمن إلى صنعاء يجد هذه الآية موجودةً هكذا.. أنت في صنعاء تركب سيارةً وتمشي حوالي ساعة بجوار جبل الجزءِ الأسفل منه على امتدادِ الساعة أسود فحم، والجزء الذي في الوسط أبيض، والجزء الأعلى أحمر كالبساطِ الذي تجلسون عليه، ومن الجبال جُدَدٌ بيضٌ، جديد أبيض مثل القطن، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، أسود كالفحم تمامًا، ومشيتُ بجوار هذا الجبل وأنظرُ إلى آياتِ الله عزَّ وجل الموجودة في هذا الكون..
قال هذا الإنجليزي: "مَن الذي أخبر محمدًا- صلى الله عليه وسلم- بكل هذا، كيف عرفَ علم النبات وعلم طبقاتِ الأرض؟ وكيف عرفَ ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ﴾.."؟ علم الحيوان وعلم الإنسان، وبعد ذلك تُختَم الآية ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28)، قال: هذا رسولٌ من عند الله، لا يعلم هذا إلا الله، وليس في الجزيرة العربية يوم أن نزل هذا القرآن من هذا شيء، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وأسلمَ في مصر، هو رحمة لكل عاقل ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: 24) هل أُغلقت القلوب أو هي مفتوحة لكلامِ الله ولكتابِ الله، يُزكيهم ويطهرهم؟!
تقول السيدة عائشة فيما رواه البخاري كان النكاح في الجاهلية على أربع صور:
- الصورة الأولى صورة الفسقة.. البيوت التي يدخلون إليها- أعوذ بالله منها.
- الصورة الثانية صورة الأخدان الرجل يقول لامرأته: اذهبي فاستبضعي من فلان.
- والصورة الثالثة صورة البيوت التي عليها الرايات.
- الصورة الرابعة هي التي عليها الناس اليوم وهي أشرفُ وأطهرُ وأرقى صورةً في علاقةِ الرجل بالمرأة أبقاها الإسلامُ وهذَّبها، وهي الخِطبة والصداق والشهود والعقد والدخول والإيجاب والقبول.. هذه صورة تتناسب مع إنسانٍ كرَّمه الله عز وجل.
طهرهم الرسول وزكَّاهم في علاقةِ الرجل بالمرأة، طهرهم وزكَّاهم في بابِ الاقتصاد من الربا ودنس الربا، وسوء الربا خطير على العقيدة وعلى الإسلام وعلى الإيمان، يجب على المسلمِ أن يجتنب هذا الطريق، وأن يبتعد عنه؛ لأنَّ بعضَ الناس يظنه زيادةً وربنا يُسميه المحق، والذي يظنونه نقصًا هو الزيادة عند الله، الصدقة أنت تظن المال قد نقص والربا تظن المال قد زاد، والعكس عند الله، وميزان الله هو الميزان الصحيح، قال فيما نظنه زيادةً ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ (البقرة: 276) يذهب جميعًا ويأخذ رأس المال، وقال فيما نظنه نقصًا ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ (البقرة: 276) إنَّ الله يُربِّي لأحدكم صدقته كما نُربِّي المُهر أو نُربي الفرس ونكبره.
فالصدقة تكون كهذه ك"عقلةِ الصباع" يُنميها المولى تبارك وتعالى حتى إذا جاء يوم القيامة إذا به يجدها كالجبلِ يدفع بها حرَّ جهنم وحرَّ الموقف، وينجو بها من هذا الموقف الشديد.
طهرهم من الربا، طهرهم من العداواتِ والحروب التي بدون سبب، قتال، كراهية فقال لهم أنتم إخوة.. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)، المسلم أخو المسلم، والمؤمن أخو المؤمن، ويسمع- صلى الله عليه وسلم- يُناجي ربه في الليل ويقول: "وأنا شهيدٌ أنَّ العبادَ كلهم إخوةٌ"، كل ولد بني آدم من أبٍ واحد وهو آدم، ومن أم واحدة وهي حواء، فأعاد للناس الأُخوَّة وحق الجار وحق اليتيم، والمظلوم يرد إليه مظلمته، منَّةً ورحمةً وتزكيةً وتطهيرًا ورفعًا لشأن الناسِ ولشأن المسلمين، حتى قال سعد بن أبي وقاص: كُنَّا أذلاء فأعزنا الله، وكنا فقراء فأغنانا الله، وكنا ضُعفاء فقوَّانا الله، وكنا مُتفرقين فجمعنا الله، وأرسل فينا رسولاً من أنفسنا يتلو علينا آيات ربنا.
أيها الإخوة.. ما أحوج العالم اليوم إلى الإسلام، العالم كله الآن يجري من الخوف والرعب من أمراض الزنا، أمراض الفسق بدأت الأمراض والمصائب التي لم تعرف من قبل، لم نسمع من قبل عن مرض الإيدز، الذي يُمسك الإنسان يحلله ويحوله إلى جثة على ظهر الأرض، وهذا من أمراض الزنا والعياذ بالله، والأمراض كثيرة الأمراض السرية وغير السرية يبرأ المسلم منها ويبرأ غير المسلم حين يُحلل ويطهر نفسه ويعتمد على ما أعطاه الله إياه من طريقٍ شريفٍ كريم.. أمراض كثيرة!!
بالأمس لعلكم سمعتم عن زلزال ابتلع واحدًا وعشرين ألفًا وجرح خمسة وعشرين ألفًا، أو خمسين ألفًا؛ إنَّ هذه الأرض المبسطة التي نحن عليها نعمة من نعم الله، ويمكن أن تتحول إلى غير ذلك في أي مكانٍ على ظهر الأرض، فالإنسان يحس بنعم الله فيشكره ويُقبل عليه ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعتقد أن الإسلام هو الشفاء ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الإسراء: 82).
أيها الإخوة المؤمنون.. ما أحوجنا إلى القرب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلى الاقتداء به وإلى اتباع سنته وإلى تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرم الله.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56).
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم تقبل أعمالنا، اللهم تب علينا.
عباد الله.. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90) اذكروا الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.