النائب البرلماني نور الدين البركاني الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى 61 لثورة الملك والشعب ، من حيث مضامينه وسياقه، هو تتمة لخطاب العرش ، لخصه جلالة الملك محمد السادس بكل حكمة و واقعية واعتزاز في تساؤل مركزي واساسي وهو: اين وصل المغرب اليوم ؟ فجواب صاحب الجلالة كان حكيما وواقعيا مشددا على ان المؤشرات و الواقع يؤكدان ان المغرب اصبح في موقع الدول الصاعدة، بفضل السياسة الملكية الرشيدة و المتمثلة في تمكن المغرب خلال 15 سنة الاخيرة من ترسيخ مساره الديموقراطي وتوطيد مسار تنموي نموذجي ومستدام يزاوج بين المشاريع الهيكلية والنهوض بالتنمية البشرية ، وذلك بمشاركة كل المغاربة فرادى وجماعات في الدفاع عن الوحدة الترابية و المساهمة في تنمية البلاد . فبطبيعة الحال، لقد تمكن جلالة الملك خلال 15 سنة الماضية من وضع المغرب على سكته الصحيحة من خلال مجموعة من البرامج الكبيرة مثل مخطط التنمية البشرية، مخطط المغرب الأخضر، استراتيجية اليوتيس، الاقلاع الصناعي و السياسة الطاقية النظيفة و تعزيز البنيات التحتية واللوجستيكية الأساسية وتحسين مناخ الاستثمار وتقوية دور المغرب كفاعل سياسي و اقتصادي على المستوى الاقليمي و الدولي وبالتالي استثمار تميزه عن باقي الدول الاخرى لفائدة المشروع التنموي على اعتبار ان المغرب يزخر بمكنون لا مادي كبير وتاريخ عريق .... ولذلك فجلالة الملك تمكن من رسم خارطة طريق رائدة للمغرب بحيث لم يعد يحتاج سوىلبعض الجهود فقط لمواصلة السير على درب الدول الصاعدة بخطى واثقة للانضمام الى الدول الصاعدة، كما جاء على لسان جلالته. وفي هذا الشأن أكد جلالته " لقد بلغ نموذجنا التنموي مرحلة النضج تجعله مؤهلا للدخول النهائي والمستحق ضمن الدول الصاعدة، الا ان السنوات القادمة ستكون حاسمة لتحصينالمكاسب و تقويم الاختلالات وتحفيز النمو باستمرار " وهذه بطبيعة الحال توجيهات لجميع مكونات المغرب مواطنين و مؤسسات عامة و خاصة للانتظام في كتلة واحدة والعمل يدا في يد من اجل استكمال مشوار الاصلاح و الذهاب بعيدا في مسلسل التنمية لان التاريخ لا يرحم وتضييع ادنى فرصة قد يكلف المغرب غاليا . ورغم كل الانجازات المحققة الا ان جلالة الملك ابى الا ان يشدد على ان هذه المكاسب والانجازات التي تم تحقيقها لا ينبغي ان تكون دافعا للارتياح الذاتي بل يجب ان تشكل حافزا قويا على مضاعفة الجهود والتعبئة الدائمة. وخلال هذا الخطاب الملكي السامي رسم جلالة الملك مسارا واضحا للفترة المقبلة ينبني على استثمار المؤهلات التي يتوفر عليها المغرب ، اقتصادية و تنموية وبشرية ، لترسيخ و تطوير مسيرته التنموية الفريدة للالتحاق بركب الدول الصاعدة، وذلك من خلال تأكيد جلالته على مايلي : " فالاقتصاد المغربي اما ان يكون صاعدا بفضل مؤهلاته وتظافر جهود مكوناته واما انه سيخلف موعده مع التاريخ " وركز جلالة الملك في خطابه السامي على نقطة مهمة للغاية من خلال اعتباره لتوفير الموارد البشرية المؤهلة بمثابة أساس الرفع من التنافسية للاستجابة لمتطلبات التنمية وسوق الشغل ومواكبة التطور و التنوع الذي يعرفه الاقتصاد الوطني ، وفي نفس الوقت ربط حتمية الاستثمار في المؤهلات البشرية للمغرب بالدور الكبير للحكامة الجيدة باعتبارها"عماد النجاح والدعامة الاساسية لتحقيق اية استراتيجية لاهدافها " وفي هذا الاطار اعتبر جلالة الملك اصلاح القضاء و الادارة و تخليق الحياة العامة بكونها عماد الحكامة الجيدة ، مسؤولية المجتمع كله وليست حكرا على الدولة لوحدها ، اي ان الحكامة يجب ان تكون ثقافة كافة مكونات المجتمع وليس دورا حصريا للادارة و المؤسسات فحسب وعلى الجميع ان يشارك في ترسيخها . ولخص جلالة الملك موضوع الحكامة في عبارة كبيرة للغاية وهي قول جلالته : "لا نريد مغربا بسرعتين اغنياء يستفيدون من ثمار النمو ويزدادون غنى وفقراء خارج مسار التنمية يزدادون فقرا وحرمانا " ولذلك فغياب الحكامة يؤدي بطبيعة الحال الى تعميق الفوارق الاجتماعية. واعتبر جلالة الملك العنصر البشري هو الثروة الحقيقية للمغرب واحد المكونات الاساسية للراسمال غير المادي، بالنظر لدوره في النهوض بالاوراش و الاصلاحات والانخراط في اقتصاد المعرفة ، لاسيما ان العنصر البشري يعد قطب الرحى في كافة اركان الدولة لان العنصر البشري هو الذي ينفذ البرامج و هو المخاطب بسؤال الحكامة وغير ذلك . وخلاصة القول، يعتبر خطاب جلالة الملك خطابا تاريخيا بكل المقاييس تضمن تساؤلات محورية واجابات شجاعة وواقعية سواء من حيث ايجابياتها او نواقصها كما تضمن ايضا مخططا حكيما للمرحلة القادمة قوامها تحصين و تثمين المكتسبات و تصحيح العثرات ومواصلة المسار التنموي وتنويع روافده مع الحرص على الحكامة الجيدة وتطوير العنصر البشري والتعاطي مع الفوارق الاجتماعية بالجدية اللازمة .