تزامن مهرجان الكناوة وموسيقى العالم هذا العام مع عيد الموسيقى وعاشت مدينة الصويرة المغربية الأطلسية على إيقاع الموسيقى التراثية المستمدة جذورها من أفريقيا والمتمازجة مع موسيقى العالم على أنواعها. مقامات موسيقية لمعلمي الكناوة مع موسيقيي ومغني الجاز والإلكترو-روك والراب والريغي وامريكا اللاتينية مرورا بالإيقاعات الإفريقية والموسيقى الصوفية في فضاءات خارجية وداخلية وحفلات حميمة وعريقة إلى جانب أخرى تميزت بالمزج والدمج لا سيما في ساحة مولاي الحسن ذات الطابع المغربي-البرتغالي المجاورة لأسوار المدينة الشاهقة والتي جمعت أكبر عدد من الحضور المغربي والعالمي. أهالي الصويرة معنيون جدا بمهرجانهم يعيشون ليلا نهارا على إيقاعه فهو يحتفي بفنونهم الأصيلة كرد اعتبار للكناوة وانفتاح على الموسيقى العالمية وينقل إلى العالم فنون معلمي الكناوة الذين يرى فيهم العديد من الموسيقيين العالميين وناقديها جذورا لأساليبهم وإيقاعاتهم. دورة هذا العام من مهرجان الصويرة وموسيقى العالم اندرجت ضمن استمرارية الحفاظ على الفن التراثي الأصيل واستحداث متمثل بمنتدى للنقاش بعنوان "حركية المجتمعات وحرية الثقافات" على مدى يومين وبمشاركة فاعلين جمعويين وثقافيين مغاربة وعرب. وتقول نايلة التازي عبدي إن هذا المنتدى سمح بالحديث عن دور الثقافة في المشروع الاجتماعي والسياسي وإنه من المهم تبادل الخبرات والآراء مع المشاركين كما أنه يسمح بالتأكيد على دور الثقافة في وقت يبحث فيه المغرب عن نموذجه الاجتماعي خاصة وأن في الحكومة تيارات سياسية عديدة ولا بد من وضع الثقافة في قلب الحوار لتأخذ المكانة التي تستحقها ضمن النقاش العمومي وقالت إنها لن تقف مكتوفة الأيدي. استحداث آخرهذا العام هو مشروع "أنطولوجيا الكناوة" الذي أطلقه الباحث في الموسيقى أحمد عيدون ورئيس جمعية "يرما" عبد السلام عليكان وهي أول مبادرة من نوعها تقوم بنسخ تراث الكناوة وهو عبارة عن حوالي عشرة أقراص صوتية مدمجة بالإضافة إلى كتاب في مئة وأربعين صفحة يوثق لأول مرة النصوص الشعرية الكناوية بالعربية والفرنسية مع دراسة كاملة للمحيط التاريخي والمجتمعي والموسيقي والرمزي لهذه الأغاني. كما تزامن المهرجان مع صدور ألبوم و"دي في دي" حول أهم لحظات الدورات الأربع عشرة للمهرجان يصاحبه فيلم وثائقي جديد هو نتيجة ستمائة ساعة من الأرشيف من إخراج علي الصافي وعبد الرحيم متور. شخصيات من عالم السياسة والاقتصاد والفنون والآداب شاركت في منتدى النقاش حول الثقافة ودورها وحول البعد السياسي في الإبداع الثقافي وكانت كلمة الافتتاح للرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور "أندريه أوزلاي" ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان "إدريس اليازمي" وهو المجلس المنظم والداعم لهذه النقاشات. المؤرخ "باسكال بلانشار" والمفوض لمعرض متحف كي برانلي "معرض خلق المتوحش" والمتخصص في قضايا الهوية والغيرية تحدث عن الاختلاف والنظرة إلى الآخر وقال إن الاختلاف صناعة والنظر هو الذي يصنع الاختلاف كما أن المتوحش اختراع استعماري ويجب التوصل إلى طريقة أخرى للتفكير حول الاختلاف رغم صعوبة الأمر لأن الآخر يخيف .الروائي والناقد "محمد برادة" تحدث عن إشكالية التنوع الثقافي الذي يحمل جانبا إيجابيا هو تقبل الآخر إلا أنه مظهر عالمي ويتم في سياق مطبوع بالعولمة، والرهان هو كيف لا يتحول هذا التنوع إلى مجرد وسيلة لقرصنة الثقافات وخلق القيم عشوائيا. وأكد محمد برادة على التنوع الثقافي داخل الثقافة المغربية بكل مكوناتها وارتباطها بفضاء أوسع هو العالم العربي كما أكد على أهمية المزاوجة بين المنطق الديني والمنطق الحديث واحتضان التنوع وإخضاعه لتعاون نقدي. المؤرخ "جامع بيضا" وهو عضو مؤسس ومنسق مجموعة الدراسات والأبحاث حول الهوية المغربية وعضو مجموعة البحث الإسلامي-المسيحي، أشار بدوره إلى ظاهرة غياب الحس النقدي لدى عدد كبير من طلاب الجامعات اليوم ودعا إلى ضرورة إحياء هذا الحس كما طالب بمراجعة جذرية للمناهج المدرسية على مختلف مستوياتها ولاسيما مناهج التاريخ. اختزال المسافة بين الثقافة والحياة اليومية للناس وقرن القول بالفعل من أجل فهم أفضل لمعنى الحرية هذا ما دعا إليه الكاتب والصحافي "إدريس كسيكس" الذي قال إن الحرية الفردية ليست هدفا بحد ذاته وإنما هي ضرورية للعيش المشترك وتحدث عن العلاقة بين الحرية والمتن الاجتماعي الذي يبنى انطلاقا من هوية في طور التشكل وليس انطلاقا من الحقيقة لأنه هناك حقائق وليس حقيقة واحدة. وقال "نحن نعيش اليوم مرحلة أخذت فيها المجتمعات الكلمة كما أصبحت لديها إرادة على تحمل المسؤولية ومن المهم أن ننصت لصوت المجتمعات وألا نسعى إلى فرض تسلط بديل ومن هنا تتجلى الحاجة إلى المزيد من فضاءات النقاش المتباينة والمتضاربة من أجل تبدد الخلافات..." الممثلة "لطيفة أحرار" المشاركة في المنتدى قالت بدورها إن الفنان لا يجب حصره في الإبداعات التي يقدمها بل هو مفكر لكل ما تعيشه المجتمعات وهو متوجه إلى جماهير متعددة فالجمهور ليس واحدا ولا يجب أن يكون هناك وصاية لأحد على الآخر لأننا مختلفون وهي أثّرت في الحاضرين عندما تحدثت عن تعرضها لحملة شنيعة إثر ظهورها على السجاد الأحمر لمهرجان الفيلم في مراكش بقفطان يكشف عن جزء كبير من ساقيها واعتبره البعض ردا على حزب العدالة والتنمية الإسلامي بعد ظهورها بلباس البحر في مسرحية كفرناعوم وقد هددها مجهولون على صفحات فيس بوك بالتصفية. أما "ياسين أحجام" الممثل النجم في المغرب والذي انخرط في السياسة قبل عام وترشح للانتخابات التشريعية مع حزب العدالة والتنمية فقد شارك في النقاش باسمه الشخصي وليس باسم حزبه وقال إن في المغرب معاناة من الأمية الثقافية والفنية حتى على مستوى الأطر وتطرق إلى مشكلة المغالطة الدينية في تلقي الثقافة وقال بأنه يجب التحضير لجمهور لديه لغة نقدية متخصصة ولغة جمالية وليس بمنطق ديني أخلاقي. كما عبّر "إدريس كسيكس" عن فرحه لأن مهرجان الصويرة أقام نسيجا متناغما مع ناس المدينة في حياتهم اليومية خلال السنوات الخمسة عشرة. نجح المهرجان في إقامة هذه النقاشات التي سمحت لكل مشارك في إعطاء رأيه والتعرف على آراء الآخرين من المشاركين والحضور وقد طالب بعض الحاضرين من الرسميين المشاركين في المنتدى بضرورة إقامة فضاء يسمح لشباب المدينة وشاباتها بممارسة إبداعاتهم الفنية والثقافية وهذا ما وعد به وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي. فهل سنشهد في دورة العام المقبل من مهرجان الكناوة ولادة فضاء للتعبير الثقافي خاص بأهالي الصويرة؟ وهل سينجح وزير الثقافة الجديد في تبديد أزمات الوزير السابق مع الفنانين والمثقفين؟ ** المصدر: فرانس 24