الجيش الجزائري يستبيح مجدداً دماء الصحراويين المحتجزين بتندوف    مطالب بإحداث خط جوي دائم بين مطار العروي وفرانكفورت    "خائف ومتوتر".. نتنياهو يخشى احتمال صدور مذكرة اعتقال بحقه من الجنائية الدولية    أخبار الساحة    قادمة من بروكسيل.. إفشال محاولة لإدخال هواتف غير مصرح بها    رعد مصحوب بأمطار في توقعات الطقس ليوم غد الإثنين    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في المستقبل؟    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب علال الفاسي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    البطولة الوطنية الاحترافية.. ترتيب الأندية    فوز الفيلم المغربي "كذب أبيض" بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    حماس: حصيلة الشهداء ترتفع إلى 34454    رغم ارتفاع الأسعار .. منتوجات شجرة أركان تجذب زاور المعرض الدولي للفلاحة    التصعيد فالتعليم غادي كيكبر.. إضراب جديد كيتوجد ليه فالوقت لي بدا استدعاء الأساتذة الموقوفين للمثول أمام المجالس التأديبية    نهضة بركان يستعد لمواجهة ضيفه الجزائري وهؤلاء أبرز الغائبين    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    مؤتمر الاستقلال.. اختلاف على اللائحة أجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تصرخُ بوجهِ الزمنِ وتدعو للجَمال!
نشر في أون مغاربية يوم 19 - 02 - 2013

يا وطني الأحببتُه بإنسانِهِ وسمائِهِ وأرضِهِ وهوائِهِ.. ويا بلدي العشقتُهُ بخيراتِهِ وغمزاتِهِ، بماضيهِ المنكوبِ وآتيهِ المطمونِ، لكَ نذرتُني حرفًا يَنبضُ بحقِّكَ صلاةً لا تُنهَبُ، لكَ وهبتُني مَدادًا مغموسًا بجَمالِكَ غبطةً لا تنضبُ!
كنتُني فيما مضى أغرقُ في لججِ حرفِكَ الشِّعريّ، تُقلّبُني على نيرانِكَ المُتأجّجةِ وأتلذّذُ دونَ مُنازعٍ، لكنّك اليومَ تَرْفَعُني بعرائِكَ عاليًا على صليبِكَ، ومساميرُ المسؤوليّةِ تنخرُ وجداني بآلامٍ لا تتناهى، وحرْبتُكَ الكلمةُ تُطعنُ في خاصرتي، لتُذكيَ وجعي الأخضرَ بمهمّةٍ تُشقيني كتابةً، وأزدادُ توعُّرًا وتوغّلًا في مَسالكِ عشقِكَ الشائكِ، ليزهوَ قلمي بدمِك، وليس مَن يَطويني في رمسِ كتاب!
ها المقالةُ تسرقُني من هدأتي، لينتشلَني حوارٌ مع كهلٍ تتراقصُ دمعةٌ خرساءُ في عينِهِ، ولتتنازعُني لقاءاتٌ ثقافيّةٌ ما بينَ صحوةٍ وغفوةٍ، لأظلَّ على أهبةِ مشاريعَ تتراكمُ تدوينًا وتأجيلًا، في حين الجيبُ يَغلي إفلاسًا، وما باليَدِ حيلةٌ، والقلبُ ينفثُ حسراتِه لوعةً، بقصيدةٍ مجمورةٍ لا تترمّدُ!
حالي هو حالُ شعرائِكِ وأدبائِكَ يا وطني الضائع، وليسَ مَن يأخذُ بأيادينا ولا بحروفِنا، ليُسْكِنَها في سمواتِ النور، لتستضيءَ ببهاءِ وجهِكَ الحقيقةُ وكلُّ الشعوب، فمتى نستنير بالكلمة الحقة، في أحضان أمومةٍ ثقافيّةٍ ترعى بَنِيها البرَرة من الأدباء والقرّاء؟!
وتشاءُ الصدَفُ الكريمةُ، وفي غمرةِ فِكرِي الحائرِ الموجوعِ بتساؤلاتهِ، أن تتلألأَ حروفُ "وجدان عبد العزيز" الناقد العراقيّ مشكورًا، وتتبسّمَ بحنانٍ في غفلةٍ من هذياني، لتهدّئَ مِن روْع قلبي، بل وتُلهبُهُ بقولِها: على رسلِكِ عزيزتي، اِقرئي ما كتبتُهُ عن آمال عوّاد رضوان، فأنا وعيني لا نعرفُكِ إلّا مِن حرفِكِ المنشورِ!
كَتبَ وجدان عبد العزيز يُفاجئُني بلفتتِهِ الكريمة- "مرغوا نهديَّ بعِطرِهِ الأزرقِ" – آمال عوّاد رضوان!
في مساءٍ برودتُهُ شفيفةٌ، حاولتُ أن أفتديَ نفسي بمثاقيلِ الذهبِ البرّاقِ لقاءَ استراحةٍ بسيطةٍ، ثمّ حاولتُ رفْعَ نفسي، لأرى مساحةَ الكون وخضمّ الحياة، بغيومٍ مبلّلةٍ بالألم واليأس، وبقيتُ أحاولُ، وأحاولُ علِّي أجدُ كوّةَ ضوءٍ في العتم الرماديّ!
كلُّ هذه النوازع تتواردُني، وأنا أدخلُ حدائقَ الشعرِ، وأمتحُ من أزاهيرِهِ، أحسُّ أريجاتِهِ فتهدأ نفسي، وتمتلئُ بحبِّ الحياة، وكلّما كانَ الشعرُ صادقًا، كانَ أكثرَ جمالًا، لأنّ الصدقَ يُضيفُ للشعرِ قيمةً عُليا، تترسّخُ في مكنوناتِ الكلمةِ، مِن خلالِ لغةِ الأحاسيسِ المُشتركةِ ما بينَ الشاعرِ والمتلقّي، كذلك، فالشِّعرُ هو الأداةُ التي مِن خلالها نستطيعُ البوحَ بها، عن المعاناةِ الّتي تلفُّنا دوّامتُها منذُ زمنٍ بعيد.
فالشِّعر هو فنُّ الكلامِ المُنمّق، الّذي يحملُ معه وشاحًا هادئًا من النبرةِ المتّزنة، كي يُدخلَ البهجةَ إلى النفوسِ الظامئةِ للحقيقة، فهو القامةُ الّتي تتشبّثُ بها همومُ المجتمع، ورؤى المتطلِّعينَ إلى غدٍ مُشرقٍ جميل، وهو لغةُ الخيالِ والعواطفِ، لها صلةٌ وُثقى بكلِّ ما يُسعِدُ ويَمنحُ البهجةَ والمتعةَ السريعة، أو الألمَ العميقَ للعقلِ البشريّ. إنّهُ اللغةُ العاليةُ الّتي يتمسّكُ بها القلبُ طبيعيًّا، معَ ما يَملكُهُ مِن إحساسٍ عميق.
"الشِّعرُ ليسَ تاريخًا للواقع"، يقولُ الشاعر محمّد إبراهيم أبو سنّة، لكنّه تجسيدٌ لرؤية الشاعر لهذا الواقع، وتعتمدُ هذه الرؤيةُ على وعي الشاعر وثقافتِهِ، وكلّما اتّسعَ وعيُهُ وثقافتُهُ، جاءت قصيدتُهُ مكتنزةً ومُعبِّرةً.
أسوقُ هذهِ المقدّمةَ، لأدخلَ إلى عوالمِ كاتبةٍ تعدّدتْ مَحطّاتُها في عالم الحرفِ والكلمة، وبما أنّي ميّالٌ للشِّعر، وهو يغزو أعماقي دون أيّة مُمانعةٍ منّي، أتناولُ الكاتبة آمال عوّاد رضوان هنا، كشاعرةٍ في قصيدةٍ لا تخلو مِن مُشاكسةٍ وبحثٍ عن حقيقة، قد عانتْ منها الشاعرة، وهي بعنوان (مرِّغوا نهدَيَّ بعِطرِهِ الأزرقِ)!
مِنَ العنونةِ نجدُ حِدّةَ المُغايَرةِ ظاهرةً للعيان، ومثيرةً لخلجانِ الإنسان بفِعلِها الأمر (مرّغوا)، إلى كلمة (نهد)، فالعنوانُ فيهِ خصوبةٌ في كلّ الجوانبِ، سواء العاطفيّة المُثيرة للحواسّ، أو كوْن النهد رمز الحياة، وعنوان النموّ فيها إلى العطرِ الأزرق، كَحُلّةٍ جَماليّةٍ أو عاملِ جذْبٍ مُغرٍ.
إنّ القصيدةَ بُنيتْ على عوالمَ مُغايِرةٍ قالتها الشاعرة، وأحجمتْ عنها في ذات الوقت، ف (الشاعر ينقلُ تجربةً ذاتيّةً مُثقلَةً، تستندُ بلا شكٍّ إلى خلفيّةٍ فيها، بالإضافةِ إلى المشاعر، هناك مُدرَكاتٌ وثقافةٌ وتجاربُ واقعيّةٌ وأفكارٌ. فيها تجربةُ عقلٍ مُدركٍ، وفيها أيضًا خيالٌ مُبدِعٌ، وعاطفةٌ جيّاشةٌ، وتوتّرٌ مِن نوعٍ ما، فهذه الانفعالاتُ هي الأبرزُ وهي العنوان، وهي الإعلاءُ مِن حجم العناصرِ الشعوريّةِ، أو الإعلاءُ مِن حجمِ الإعلانِ عنها، إلى الدرجةِ الّتي لا يمكنُ معها رؤيةُ ما في التجربةِ مِن إدراكٍ وفِكرٍ ومفاهيمَ، وهي عمليّةُ تعتيمٍ لا واعيةٍ، لا نجدُ لها تفسيرًا مُقْنِعًا). ص 84 في الأدب الفلسفيّ.
ف (إنّ قوّةَ الفنّ لا تكمنُ فيما يقولُهُ الشاعر وحسْب، بل فيما لا يقولُهُ أيضًا، أي فيما يرمزُ إليه ويوحي به، وهذا بعضُ سِرِّ خلودِ الأعمالِ الفنّيّةِ الأصيلةِ وحيويّتِها المُتجدّدة، والعملُ الفنّيُّ يقتربُ مِن لحظةِ الإبداعِ الكلّيّة، بقدْرِ ما يحملُ مِن غنًى في المضمونِ في إيحاءاتِهِ ودلالاتِهِ، بحيث يبقى لكلِّ مُتقبِّلٍ لذلكَ العملِ تجربتُهُ الخاصّةُ المُتميّزةُ إلى حدٍّ ما، عن تجربةِ غيرِهِ ) ص49-50 الأدب الفلسفيّ.
لذا؛ كانت قصيدةُ الشاعرة آمال عوّاد رضوان تحملُ عدّةَ دلالاتٍ وتأويلاتٍ، تُغدِقُ بدفقِها على الذائقةِ المُتلقّيةِ الكثيرَ مِن عطاءاتِ المعنى، فهناكَ ظاهرٌ، وهناكَ باطنٌ... تقول الشاعرة:
وأنا في سكرةِ أعماقي
أثملُ بموْجِ مُستحيلٍ
لا يُذبِلُ نُواحَهُ جُنونُكَ!
أنامِلُكَ.. ما فتئتْ تتندَّى اشتعالًا دامِسًا
تُقشِّرُ سحابَ وقتِي الموْشومِ بالنّعاسِ!
ولمّا تزلْ تخلعُ أسمالَ تثاؤُبٍ
كم تيمّنَ بالأزلْ!
ولمّا تزلْ..
في سديمِ الصّمتِ المثقوبِ
تمتطي تراتيلَ كَوْني الغافي!
وإنّي أرى هنا، ليسَ باستطاعتي التوقّفَ عندَ النصّ بدلالاتِهِ الباثّة، وقد تكونُ المُغلقة، إنّما أجدُ انفتاحَ النصِّ على ثقافاتٍ أخرى، تُحرّكُ الحساسيّةَ الثقافيّةَ لهُ، باتّجاهِ اكتشافِ مناطقَ حياديّةٍ في النصّ، وهذهِ مشاركةٌ بينَ المُبدعِ والمُتلقّي..
ينقلُ الأستاذ الدكتور محمّد صابر عبيد في كتابه (بلاغة العلامة وتأويل الرؤيا): (إنّ الدراساتِ السيميائيّة للنصّ الأدبيّ تتميّزُ بحِرصِها الشديدِ على فهْمِ العلامةِ الأدبيّة، في مستوى العلاقةِ الجدَليّةِ بينَ النصِّ الأدبيِّ والمجالاتِ الثقافيّةِ الأخرى) ص10، وأضاف قائلًا: (بحيث يتجلّى فهْمُ الإنسانِ داخلَ وسطٍ كثيفٍ وثريٍّ وعميقٍ مِن الحساسيّةِ الثقافيّةِ العامّة، وهي تتداخلُ وتتحايَثُ معَ الحساسيّةِ النصِّيَّةِ، لتُؤلّفَ هذا الجَدلَ المعرفيَّ الذي يقودُ إلى إنتاجِ المعنى) نفس الصفحة.
ومِن عنونةِ القصيدةِ إلى مَتنِها البلاغيّ، نجدُ الشاعرة آمال عوّاد رضوان تستفزُّ المكانَ، لتغليفِ ذاتِها بِعِدّةِ أقنعةٍ بلاغيّةٍ، تتخفّى مِن خلالِها في بوْحٍ استنفاريٍّ للغةِ الجسد، مُحاوِلةً منها حضورَ الجسدِ في تجلّياتِهِ الآيروسيّةِ (الإيروتيكيّة)، ورَمزتْ لهذا بالنهد، ولكنّها استمرّتْ في رحلةٍ استكشافيّةٍ لذاتِها، ولمقدارِ تَعلُّقِها بالآخَرِ الّذي يُكمِّلُ فراغاتِ الجَسد، ويُعادِلُ موضوعيّةَ الروح، كوْنَ الشاعرة، هي باحثةٌ عن الجَمالِ وعن حقيقةِ الحياة، في مساحةٍ لغويّةٍ تحوّلتْ إلى نصٍّ يَجترحُ معنًى كامنًا، وهي تخاطبُهُ: (ولمّا تزلْ/ في سديمِ الصّمتِ المثقوبِ/ تمتطي تراتيلَ كَوْني الغافي!).
فالكينونةُ لا تكونُ إلّا بهِ لاستيقاظِ تلكَ الغفوة، وتستمرُّ قائلةً:
طُيوفُ جراحي طاعنةٌ في سَرْمَدِيّتِها
حينما غرَّها بَسْطُكَ المُهترِئُ
وَ.. على مَقامِكَ المرْكونِ
مُنْصَاعَةً
تَكَسَّرَتْ
وَ.. رصَّعْتَني بانكساري!
هذا الصراعُ السرمديُّ يَخلقُ قوّةَ الإصرارِ في البحثِ عن حقيقةِ الغياب، وعن حقيقةِ الحضورِ الجَماليِّ في العلاقاتِ الإنسانيّةِ بينَ الآخَرِ والآخَر، فوسطَ هذهِ التحوّلاتِ تزدادُ آمال عوّاد رضوان قلقًا، ويتعاظمُ قلقُها مع ازديادِ حالةِ الغياب.
يقولُ الدكتور علي الشامي: (على الأدب مُهمّةُ التعبيرِ عن هذه المعاناة، وإعادةُ الاعتبارِ لقيمةِ الإنسانِ الّتي ضاعتْ وسطَ المَسارِ المأساويّ للعِلم والحضارة الحديثة، وما تطوُّرُ الإتّجاهاتِ الرومانسيّةِ والواقعيّةِ الإنسانيّةِ في الأدب الغربيِّ الحديث، إلّا انعكاسًا لردّةِ فِعلِ الأدب تجاهَ هذا المسارِ المُؤلِم).
وتبقى الشاعرة آمال عواد رضوان بإحساسٍ مُرهَفٍ تعاني مشكلاتِها، وتحاولُ إيجادَ المُبرّراتِ المُقْنِعةِ للمتلقّي شريكِها في المِحنة فتقول:
بجناحَيْ جنونِكَ انبثقْتَ عائِمًا تُرفرِفُ
وفي مَحافِلِ التّرقُّبِ
احترفتَ تضميدَ حروقِ حروفي!
ألْسِنةُ بوْحي النّاريِّ
طَليْتَها بوَشوشةٍ انبجَسَتْ تستجيرُ:
سرابُ حوريّةٍ أنا؛
إِلى مسارِبِ الوَهْمِ أَغواني
لا شكَّ أنّها تعيشُ مِحنةَ أنثى، هي محنةُ عصرِ توتّرٍ بينَ الحقيقةِ والوهم، بينَ الحُرّيّةِ ومفاهيم التحرّر، بين الأنوثةِ المُحجَّبةِ بحجابٍ مُقدّسٍ، وأخرى مُحجَّبةٍ بحجابٍ مُدنَّسٍ، بينَ مفاهيم الحِفاظ على حوريّةِ السراب، وبين أن تكونَ حوريّةً بحقيقةِ الخلْقِ الإنسانيّ، وليسَ التابَوِيّ الموضوعِ بقوالبَ مُزيّفةٍ.
إنّ قصيدةَ الكاتبة آمال عوّاد رضوان (مرِّغوا نهدَيَّ بعِطرِهِ الأزرقِ)، صرخةٌ في وجهِ العصر، ودعوةٌ في نفسِ الوقتِ لجَمالِ البوْحِ، وجَمالِ الحُبِّ، وجَمالِ العلاقة، ودعوةٌ لفتْحِ نافذةٍ مُشَرّعةٍ للتحليلِ والنقاش، وهذا عُمْقٌ في الرؤيةِ والأفكار.
مرِّغوا نهدَيَّ بعِطرِهِ الأزرقِ
آمال عوّاد رضوان
على عَنانِ بُشرى جائعةٍ
تماوَجْتَ..
بليلٍ لائلٍ اقتفيْتَ فيْضَ ظِلِّي المُبلَّلِ
بضوضاءِ أَصفادي
أَرخيْتَ مناديلَ عتبٍ مُطرَّزٍ بتعبٍ
تستدرجُ بِشريَ المُستحيل
وفي تمامِ امْتثالي المُتمرِّدِ تورَّدْتَ!
بومضِ عِطرِكَ العابثِ مَضيْتَ تتخفّى
تقترِفُ تقوَى إشاعةٍ بشوشةٍ
وأنا في سكرةِ أعماقي
أثملُ بموْجِ مُستحيلٍ
لا يُذبِلُ نُواحَهُ جنونُكَ!
أنامِلُكَ.. ما فتئتْ تتندَّى اشتعالاً دامِسًا
تُقشِّرُ سحابَ وقتِي الموْشومِ بالنّعاسِ!
ولمّا تزلْ تخلعُ أسمالَ تثاؤُبٍ
كم تيمّنَ بالأزلْ!
ولمّا تزلْ.. في سديمِ الصّمتِ المثقوبِ
تمتطي تراتيلَ كَوْني الغافي!
أسرابُ وهنِكَ المغناجِ
انسَلَّتْ
تُراقصُ نيرانَ أحلامٍ
ما غابَ طعمُها عن لساني!
طُيوفُ جراحي طاعنةٌ في سَرمديّتها
أسهْوًا..
تَشدّقها سُهْدٌ أُسطوريُّ الملامِحِ؟
أَشابها خَدرُ نَقْشِكَ الخشْخاش؟
أَعلَّقْتَ حَدْسِيَ الكفيفَ
على مِقبضِ موجِكَ الفردوسيِّ؟
زفراتُ نجومي جرَفَتْها سيولُ تمرُّغِكَ
حينما غرَّها بَسْطُكَ المُهترِئُ
وَ.. على مَقامِكَ المرْكونِ
مُنْصَاعَةً
تَكَسَّرَتْ
وَ.. رصَّعتني بانكساري!
بجناحَيْ جنونِكَ انبثقْتَ عائِمًا تُرفرِفُ
اضطرَبْتَ هائِجًا تُهفهِفُ
تَستبيحُ رُفُوفَ انشِطارٍ
لَكَمْ صَفّدْتَهُ بضياعي المُنمْنَمِ
كي تمتشِقَ إِغواءاتِ احتضاري!
فتائِلُ دهشةٍ
خطفَتْ قُصاصاتِ تَوْقي مسحورةَ الطّوقِ
سمّرْتني
بينَ وعودٍ مُؤجّلةٍ وجدرانَ تتهاوى!
خُطى ريحِكَ الضّريرَةُ وَشَتْ أجنحتكَ
شبَّ لهيبُها في اقتفاءِ أثري
تنيْرَنْتَ!
تبغْدَدْتَ!
وفي مَحافِلِ التّرقُّبِ
احترفتَ تضميدَ حروقِ حروفي!
ألْسِنةُ بوْحي النّاريِّ
طليتَها بوَشوشةٍ انبجَسَتْ تستجيرُ:
سرابُ حوريّةٍ أنا؛
إِلى مسارِبِ الوَهْمِ أَغواني
بثوْبِ السّباني.. سَباني
بَعثرَ وجهيَ في ذاكرةِ الحُجُبِ
وَابتلعَ ذيليَ الذّهبيّ!
يا رُفقاءَ الأسمى
بوّابةُ سمائي مَحفوفةٌ بهياكِلَ مَجْدٍ
ساحَ ضوؤُها زركشةً تتجَنّحُ
وما انفَكّتْ بأهدابِ الذّهولِ تتموّجُ
اِستنيروا بي!
لَدُنِي المُقدّسُ كَمِ ازدانَ بأرياشِ الشّمسِ
وَمُنتشيًا
تَعَنّقَ نحوَ عُشِّ النّارِ!
بسليمانَ أغيثوني
بأسرابِ جِنِّهِ؛ تَحفُرُ قاعَ بَحري أَفلاجًا
تُهْدينيها في ليلةِ عيدي
مرِّغوا نهْدَيَّ بعِطرِهِ الأزرقِ
لتهُزَّ قلائدُ سمائي غيثًا.. يتضوّعُ حُبّا.
يا رُفقاءَ الأسْمى
مرِّغوا نهْدَيَّ بعِطرِهِ الأَزرقِ
وزُفُّوا إليَّ.. ذيْلِيَ الوضّاء!
____________________________
*تنيرتَ/ تشبّهتَ بنيرون *تبغددت/ تشبّهتَ بأهل بغداد
*السّباني نسبة إلى سبن قرية عراقية في نواحي بغداد
والسّبنيّة هو أزر أسود للنساء
*سَباني الثانية تعود إلى السّبي والأسْر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.